كمال غبريال Ýí 2017-06-03
لعله واحد من أكثر الإشكاليات الفكرية استعصاء، أن نجد تفسيراً علمياً، لسلوك شعوب بعكس الرؤية النظرية، التي تفترض أن الإنسان الفرد والمجتمعات عموماً، تتبني الأفكار التي تتوائم مع ظروفها الحياتية، بل وتذهب تدريجياً إلى إنتاج أو تبني الجديد من الأفكار، التي تتقدم بها لما هو أفضل وأرقى حضارياً.
ما نشهده من شعوب الشرق الأوسط هو العكس. فقد بدا اتجاهها منذ أكثر من حوالي ثلاثة أرباع قرن، يظهر بوضوح اتجاهه مستقيماً نحو التراجع إلى أفكار موروثة، تتعارض مع السياق الحضاري الذي تحيا في ظله، والذي تحقق لها فيما يبدو غصباً، بفضل "المرحلة الاستعمارية".
ثم نجدها في الثلاثة عقود الأخيرة، قد ذهبت إلى أبعد من هذا، ممثلاً فيما انتجت من تنظيمات إرهابية مثل القاعدة وداعش، مصحوبة بالحجم الجماهيري الهائل للمتحمسين والمتعاطفين واللاممانعين. أسفرت عن وجه العداء الصريح للحضارة والحياة بمجملها. ولم تعد رؤاها الارتدادية مجرد مقولات نظرية نظرية ترددها على سبيل التظاهر بالتقوى، دون جدية حقيقية في الإيمان بها، وإنما شرعت وبنجاح مرصود تدمر أركان الحضارة ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، كما نشهد الآن في سوريا والعراق، علاوة ما تطوله أياديها من أوروبا، التي احتضنتهم كفارين من جحيم دولتهم الحلم.
أكثر ما يتردد من أسباب لظاهرة تبني الشعوب لمنظومات فكرية وحشية كهذه، هو تدني الظروف الاقتصادية والاجتماعية، ثم الجهل والحكم الاستبدادي.
مثل هذه المقاربات فيما نرى، مجرد ترديد آلي لمقولات نظرية وأيديولوجية، لا تكلف نفسها عناء رصد الظاهرة ذاتها بتفاصيلها وملامحها وتبدياتها على كامل مساحة فعالياتها، وليس التعامي عنها بالعموميات النمطية التقليدية. فنظرة تفصيلية لانتماءات ونوعية القائمين بالفعاليات الإرهابية، كفيلة بأن تسقط أو تهمش واحدة فواحدة، مما اعتبرناها محاور وأسباب هذه الردة الحضارية. ولا ننتوي هنا أن نعدد ما نقصد من أمثلة، للحالات التي تنفي محورية (ولا نقول تستبعد تماماً) أغلب ما ذكرناه أعلاه من مسببات متوهمة.
بداية ينبغي أن نفرق بين "الشروط" اللازمة لحدوث أو نشوء ظاهرة، وبين العوامل "الثانوية" التي يحقق توفرها للظاهرة بيئة أكثر خصوبة. فهذه الأخيرة لا يؤدي غيابها لتوقف الظاهرة، وإنما بالأكثر إبطاء سرعة سريانها، والتقليل بنسبة ما من شدتها. تحت هذا التصنيف نضع مسائل مثل الظروف الاقتصادية والاجتماعية الجهل والحكم الاستبدادي.
نزعم أن المقاربة المدققة لقضية تبني الأفراد والجماعات للأيديولوجيات الوحشية المعادية للحياة والمدمرة لحياة ذات من يتبنونها، تضع جميع ما يرد إلى الذهن من أسباب تحت تصنيف "العوامل الثانوية"، ولا يتبقى تحت عنوان الأسباب الرئيسية، أو "الشروط" اللازمة والكافية معاً، إلا عاملي "توطن الفكر" أو الأيديولوجيا الوحشية، وعامل "طبيعة الإنسان" الذي يعتنقها ويتشبث بها حتى الموت.
"توطن الأيديولوجيا" - "طبيعة الإنسان"، شرطان ضروريان وكافيان معاً لخلق الظاهرة التي نحن بصددها. لكن:
إن قلنا أن الأيديولوجيا هي التي تفسد الإنسان،
عدنا لنقول وما الذي يجعل الإنسان يتشبث بمثل هذه الأيديولوجيا؟
(مع ملاحظة أننا وضعنا عنصر الجهل أو عدم الاستنارة ضمن تصنيف "العوامل الثانوية"، ولم يعد له هنا مجال)
الحلقة المفرغة التي ندور فيها، بحثاً عن أيهما السبب وأيهما النتيجة، أشبة بالتساؤل الشهير، عن أيهما الأسبق البيضة أم الدجاجة.
هي دائرة مغلقة، تختار فيها "طبيعة الإنسان" أيديولوجيا فاسدة، لتزيده هذه الأيديولوجيا فساداً فكرياً وسيكولوجياً، ليزداد تمسكه بها. . وهكذا دواليك.
من الأهمية هنا أن ننتبه، إلى أننا لا نتحدث عن أيديولوجيا قام الإنسان بالاقتناع بها بإرادته الحرة الواعية، بحيث يمكن بيسر أن يهجرها إذا ما ثبت فشلها لأخرى، كما حدث للأيديولوجيا الماركسية. نحن إزاء أيديولوجيا متوطنة، يرضعها الطفل في المهد مع لبن الأم، بحيث تصير هي هويته ذاتها، ويعتبر المقاربة النقدية لها، محاولة لهدم كيانه الشخصي والاجتماعي. هذا بالإضافة إلى كونها في نظره "أيديولوجيا مقدسة". ناهيك عما يسود مثل هذه المجتمعات من سلطوية وهيمنة، تجعل من العسير الخروج من على قضبانها.
الحل (إن كان ثمة حل) ليس تجديد وإصلاح هذا "الفكر الأيديولوجي"، لكن فتح سائر النوافذ الفكرية والحياتية على جهات الدنيا الأربع، ليراها الإنسان بكل ثرائها، ولا يظل أسير رؤيتها من ثقب ضيق. . هو محاولة تخفيض نسبة "العنصر الميتافيزيقي" في الدم إلى حدها الأدنى
دعوة للتبرع
سؤالان : السؤ ال الأول عن : التوس ل بالنب ى عند...
اهلا بك: انا محمد مقيم في فنلند ا وأنا من متابع ي أحمد...
أمل فى المستقبل: فى كتابك ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيس ى )...
سؤالان : السؤا ل الأول : ما معنى الا نطغى فى الأكل فى...
النظر للمرأة : يقولو ن انك حين تنظر الى الانث ى فان النظر ة ...
more