هل يمكن للمسلم المعاصر ان يعيش تدينه و في نفس الوقت ان يتمسك بقيم عصره المتغيرة ؟

مهدي مالك Ýí 2025-05-15


 

هل يمكن للمسلم المعاصر ان يعيش تدينه و في نفس الوقت ان يتمسك بقيم عصره المتغيرة ؟

مقدمة متواضعة                                      

ان فكرة الدين بالمطلق هي فكرة رائعة و جميلة في حد ذاتها باعتبارها تتحدث عن وجود لخالق عظيم لهذا الكون الهائل من ناحية الكواكب و من ناحية النجوم و من ناحية الاسرار التي لم تكتشف الى حد اليوم لان ذو العلم فوقه العليم أي علم الله يفوق علم الإنسانية منذ البداية الى النهاية أي يوم القيامة كما تقوله الديانات الابراهيمية الثلاث أي اليهودية و المسيحية و الإسلام كخاتم هذه الرسالات السماوية المقدسة لدى اغلبية العالمين  .

ان الدين بالمطلق قد جاء بقيم الخير و العطاء لبناء منظومة أخلاقية خاضعة للتطور و التطوير و النسبية أي لا شيء مطلق الا خالق هذا الكون العظيم سبحانه و تعالى بمعنى ان الدين هي رسالة جميلة تعلم الناس الإرادة بين الايمان و الالحاد و بين الخير و الشر و بين الطاعة و المعصية الخ من هذه التناقضات الداخلية فينا باعتبارنا بني ادم في نهاية المطاف كما يقوله كتاب الله العظيم أي القران الكريم بمعنى ان خالق هذا الكون العظيم قد منح للإنسان الأول للعقل أولا ثم الإرادة الحرة و الواعية للاختيار الحر بين هذه التناقضات الداخلية قصد الحصول على الجزاء في الاخرة اما الجنة و اما النار فقط بمعنى لا يوجد الحل الوسط بينهما أي ان الدين هو شان فردي بين المؤمن و ربه على كل الأحوال الطبيعية في الغرب المسيحي بفعل نشوء الدول الحديثة ذات القوانين الوضعية و الإصلاح الديني و الفصل التام بين الدين و السياسة .

و بالرغم من ذلك فان الدين المسيحي لم ينقرض نهائيا من المجتمعات المسيحية سواء في الغرب او في المشرق العربي مثل مصر و سوريا و لبنان الخ بدون الحاجة الى اقامة الدولة الدينية المسيحية على الاطلاق او تأسيس تيارات للمسيحية السياسية و نعم يوجد أحزاب مسيحية في أوروبا لكنها تعمل في ظل علمانية الدول الأوروبية و الامريكية أي الولايات المتحدة الامريكية و كندا و المكسيك الخ من هذه الدول  .

ان القول ان الدين هو شان فردي لا يطرح أي اشكال في مجتمعات الغرب المسيحي بفعل الإصلاح الديني و بفعل نشوء الدول الحديثة و المدنية هناك ...

اما عندنا في مجتمعاتنا الإسلامية كلها فالامر يختلف كليا عن الغرب المسيحي كمثل بين السماء و الأرض بحكم ان المسلمين في المشرق العربي على الخصوص منذ سقوط الخلافة العثمانية أوائل عشرينات القرن الماضي لم يستطيعون التفريق بين الدين الإسلامي كاركان خمس و كقيم عليا و بين دولة الخلافة المسماة بالاسلامية كتجربة انسانية لها  تاريخ اسود منذ عهد بني امية الى سنة 1924 على العموم بالرغم من وجود القليل من الإيجابيات لكي لا اتهم بانني اضخم التاريخ الأسود لتلك الخلافة علما ان بلدنا المغرب قد استقل عن تلك الخلافة قرون عديدة حتى سقطت سنة 1924 و الحمد لله على هذا الامتياز التاريخي و العظيم لعبقرية اجدادنا الامازيغيين النادرة  .

و لم يستطيعون أي مسلمي المشرق العربي انتاج أي بديل حضاري إسلامي معاصر يتناسب مع المقاصد العليا  للاسلام على اقل كما فعل الرسول الاكرم صلى الله عليه و سلم عندما أسس دولته الإسلامية على التعايش و الشورى أي الديمقراطية المباشرة الخ بمعنى ان المسلمين ذوي النزعة السلفية على الخصوص  في هذه البقعة الجغرافية قد اعتقدوا ان أسباب حصول النهضة الإسلامية المنشودة هي الرجوع الكلي الى دولة الخلافة القوية بكل تفاصيلها الدقيقة عبر السيف و بتطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها و غزو البلدان و وطئ النساء و البنات الخ من ادبيات التراث الإسلامي الذي لم يظهر على الاطلاق في عهد الرسول الاكرم او في عهد الخلفاء الراشدون لان القران الكريم كان المصدر الوحيد للتشريع وفق الأرضية المعرفية لذلك الزمان و الرسول الاكرم لم يفسر القران الكريم و لو فعل هذا ليعتبر اعداما للعقل الإسلامي منذ الانطلاقة لان الرسول كان يدرك تمام الادراك بان القران الكريم هو صالح لكل زمان و مكان بالاجتهاد العقلي لان الله سبحانه و تعالى قد انزل كتابه العزيز على الانسان ذو العقل و ذو الإرادة الحرة و ذو الخلفية الحضارية منذ القرن السابع الميلادي الى الان أي 14 قرن من التحولات الجسام على مختلف المستويات و الاصعدة و العاقل سيدرك عمق كلامي المتواضع....

الى صلب الموضوع                                 

ان سؤال هذا المقال المتواضع أي هل يمكن للمسلم المعاصر ان يعيش تدينه و في نفس الوقت ان يتمسك بقيم عصره المتغيرة ؟ هو سؤال جوهري و مطروح بالحدة في مواقع التواصل الاجتماعي  و في حياتنا العامة و الخاصة خصوصا بعد اكتر من 40 سنة من ما يسمى بالصحوة الإسلامية في مجتمعاتنا على الصعيد الإقليمي و القاري و الدولي حيث ان هذه الصحوة هي في حقيقة امر الجاهلية الوهابية التي قامت بتخريب العقل المسلم تخريب نهائي بعزله التام عن عصره الحالي و قيمه المتغيرة من قبيل الديمقراطية و من قبيل الحداثة و من قبيل العلمانية و من قبيل حقوق الانسان ك ان الإسلام لا يمكنه ان  يتعايش مع هذه القيم العالمية أي ان الإنسانية جمعاء قد ساهمت في صياغة هذه القيم العالمية و ليس الغرب المسيحي  لوحده كما يتوهم الإسلاميين و الوهابيين على الخصوص  لانهم ابعد الناس عن ادراك تام الادراك ان المسلم المعاصر يمكنه ان يعيش تدينه الخالص و في نفس الوقت ان يتمسك بقيم عصره المتغيرة كما هو الحال بالنسبة للمسلمين المقيميين في الغرب المسيحي او في دولنا الإسلامية ذات القوانين الوضعية الغربية مثل المغرب و الجزائر و تونس الخ..

و ثم اغراق العقل المسلم طيلة عقود من الزمان  في وهم الخلافة الإسلامية الجميل و الحامل لمعاني التقوى و العمل الصالح من خلال تطبيق الشريعة الإسلامية و حدودها لحل كل مشاكل الامة الإسلامية على مختلف الأصعدة و المستويات الخ من تفاصيل هذا الوهم الجميل أي ان ما يسمى بالصحوة الإسلامية قد عملت طيلة اكثر من 40 عام على بيع هذا الوهم الخالص للمسلمين بهدف ترسيخ لدى الجماهير الإسلامية فكرة عدالة الخلافة و اسلاميتها المطلقة دون أي تشويه من ناحية السلوك و الممارسة امامهم  من فوق منابر الجمعة  او في احد الدروس الدينية او في احدى البرامج الدينية عبر الفضائيات العابرة للقارات الخ .

لكن الصحوة الإسلامية لم تكشف عورات الخلافة الإسلامية الكثيرة و العديدة امام عامة المسلمين في هذه الوسائل التواصلية من قبيل  بيع العبيد و الجواري لان الإسلام قد وجد العبودية منتشرة بالجزيرة العربية و حاول تنظيمها في افق الغاءها من خلال جعل المسلم الذي يتركب دنبا عظيما من قبيل معاشرة زوجته في نهار رمضان او القتل الخطأ فعليه تحرير احد عبيده او جواريه  لله و الأصل في الإسلام هو الحرية و الإرادة  و العقلانية....

لكن بالنظر الى السياق التاريخي للاسلام منذ وفاة الرسول الاكرم الى الخلافة الاموية المارقة بالنسبة لي على اقل فلا مجال أصلا لالغاء أي شيء او تغليب القيم العليا للرسالة المحمدية الخاتمة بحكم ان دولة بني امية قد اعادت الجاهلية العربية القرشية الى السلطة السياسية بثياب الإسلام  بشكل مشوه للغاية و بالتالي فكل قيم الجاهلية العربية من العبودية و سبي النساء او البنات و الغزو الخ قد دخلت الى التراث الإسلامي منذ أواخر العهد الاموي الى العهد العباسي المعروف بظهور المذاهب الأربعة و السيرة النبوية و كتب الحديث المشهورة و كتب الفقه بمعنى ان التراث الإسلامي تم صياغته وفق حاجات دولة الخلافة المادية و السياسية من خلال تحويل القيم العليا للاسلام الى اسفل السافلين و تحويل قيم الجاهلية العربية الى اعلى قمم الإسلام داخل مجتمعات المشرق العربي حيث ان السعودية لم تستطيع التخلي عن نظام العبودية الفقهي القديم الا منذ ستينات  القرن الماضي حسب قول المرحوم الأستاذ محمد شحرور في احد كتبه .....

و بينما في الولايات المتحدة الامريكية خاضعت الحرب المعروفة بين الشمال و الجنوب في القرن الثامن عشر ضد نظام العبودية العريق في كل المجتمعات الإنسانية بدون أي استثناء وقتها أي في القرن الثامن عشر بمعنى ان الإسلام قد حاول الغاءها في القرن السابع الميلادي لكن الظروف التاريخية لم تكن تسمح بهذه القفزة الحقوقية الى الامام .

اذن ان المسلم المعاصر لا يمكنه ان يعتقد ان نظام الخلافة الإسلامية كما تسمى هي واجب ديني اصيل لان القران الكريم لم يفرض علينا شكل معين من الحكم الإسلامي على الاطلاق بل ترك لنا التوجهات العامة من قبيل الشورى و العدل و القسط و عدم البغي  في الأرض لدرجة القول انا ربكم الأعلى كما فعل فرعون في مصر و خلفاء بني امية في الحجاز و في المغرب من الاعمال التي لا علاقة لها بالإسلام نهائيا  كدين و كقيم عليا أي الله سبحانه و تعالى لم يفرض علينا نظام دولة الخلافة الحقير بصريح العبارة لان الله قد جعل التطور و التطوير من كلماته السامية و القاضية في هذا الكون المعجز لا اله الا الله محمد رسول الله.

و بمقتضى كلمات الله في هذا الكون المعجز اخذت الإنسانية جمعاء تتطور و تمر من مرحلة الى مرحلة أخرى كمثل عمر الانسان من الطفولة الى الشيخوخة بمعنى لا يمكن ان يرجع الشيخ الى الطفولة أي الى الوراء على الاطلاق .........

ان التيار الإسلامي السياسي قد ناضل اكثر من 90 عام لاجل إقامة الخلافة الإسلامية من جديد على جغرافية العالم الإسلامي لكن فشل هذا الخيار الفشل الذريع لان الزمن يتقدم الى الامام بالعلوم الحديثة و بالانظمة المتطورة كما فعل اجدادنا الامازيغيين طيلة المرحلة الإسلامية الى استقلال المغرب سنة 1956 ..

ان المسلم المعاصر يمكنه ان يعيش تدينه الخالص و في نفس الوقت يتمسك بقيم عصره المتغيرة...............

توقيع  المهدي مالك            

 

 

 

   

اجمالي القراءات 117

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2014-12-04
مقالات منشورة : 311
اجمالي القراءات : 1,582,259
تعليقات له : 27
تعليقات عليه : 29
بلد الميلاد : Morocco
بلد الاقامة : Morocco