مبارك وخالد محيى الدين ومستقبل الديمقراطية فى مصر
مبارك وخالد محيى الدين ومستقبل الديمقراطية فى مصر
مسعد حجازى
28 مايو 2005
لاشك أن تعديل المادة 76 من الدستور المصرى تعد خطوة هامة وكبيرة فى طريق الألف ميل نحو تحقيق ديمقراطية حقيقية وإجراء إصلاح دستورى شامل فى الحياة السياسية المصرية، وهذه الخطوة وإن جاءت متأخرة جدا إلا أن ذلك أفضل من ألا تأتى على الإطلاق.
ومع تقديرنا لهذه الخطوة فإننا لا ننسى – ولا يينبغى لنا أن ننسى أو نتجاهل - حقيقة أن الدستور الحالى ، ومنذ سنوات، أصبح لا يجدى معه تعديل مادة أو إing;ثنتين أو سبع مواد ، فالواقع السياسى والإقتصادى والإجتماعى الحالى فى مصر يتناقض مع الكثير من مواد هذ الدستور، وإستمرار العمل بهذا الدستور هو أمر يسئ للنظام نفسه ولمصر ككل.
وإذا كان " ترزية القوانين" قد قاموا فى عام 1971 بتفصيل الدستور على مقاس الرئيس السادات وعلى مقاس خليفته وكل حاكم لمصر ، فقد حان الوقت لترزية القوانين أيضا أن يكفروا عن ذنوبهم بتفصيل دستور جديد يكون هذه المرة على مقاس الشعب المصرى والأجيال القادمة ... دستور جديد يحد من سلطات الحاكم ويجعله بحق خادما للشعب لا سيدا عليه.
ومهما كانت الدوافع والأسباب التى دعت الرئيس حسنى مبارك إلى تعديل المادة 76 من الدستور، ورغم كل الجدل والنقاش الذى أثير حول هذا التعديل فهى نقطة كبيرة تحسب لصالح الرئيس مبارك ،غير أنها لا ينبغى أن تكون نهاية المطاف بل أوله، وأقول مخلصا أن الرئيس مبارك لديه فرصة تاريخية لأن يدخل التاريخ المصرى من أوسع أبوابه، ويصبح من أعظم حكام مصر قاطبة بوضعه دستور مصرى جديد يعبر بصدق عن واقع الشعب المصرى بكل فئاته ، وعن آماله لأجيال وقرون قادمة،... دستور يعبر عن الدولة المصرية الضاربة فى أعماق التاريخ القديم كأول دولة فى المنطقة وفى العالم ، والتى هى ليست بقبيلة أو عشيرة أو طائفة .. دستور جديد يكون بمثابة حجر الأساس لبناء صرح دولة مصرية جديدة تنطلق إلى مصاف الدول والأمم المتقدمة، والتحدى الأكبر الذى يواجه عملية إنجاز مثل هذه المهمة الشاقة هو:
كيف يتم إعداد دستور جديد يعبر عن مصر وخصوصيتها كدولة وشعب يحافظ على إيجابيات الماضى والحاضر، وعلى الثوابت والقيم الأصيلة التى تتفق عليها الأغلبية ، وفى نفس الوقت يلغى أو يتغلب على كل السلبيات والأغلال التى تقيد حركة الأمة وتعوقها عن نهضتها فى الإنطلاق نحو مستقبل مشرق وحياة أفضل؟!!... مثل هذا الدستور يجب أن يتضمن أيضا أو يصاحبه "ميثاق حقوق وضمانات" للمواطن المصرى... مهمة شاقة وعسيرة كما قلت، وتحتاج إلى عقول جبارة وخلاقة ومخلصة ليس من رجال القانون الدستوريين فحسب وإنما أيضا من رجال السياسة والإقتصاد والإجتماع والدين فهل يفعلها مبارك؟.. لست متأكدا وإن كنت أتمنى أن يفعلها فهذا أفضل لمصر بدلا من القفز بالبلاد إلى المجهول!!!
الآن وقد تمت الموافقة على تعديل المادة 76 من الدستور والتى تقضى بإنتخاب رئيس الجمهورية عن طريق الإقتراع السرى المباشر بين أكثر من مرشح لهذا المنصب، فإن هذا يعنى بالضرورة – إن لم أكن مخطئا – أن الرئيس مبارك والذى لا يداخلنى أدنى شك فى أنه سيرشح نفسه فى الإنتخابات القادمة سوف يشترك فى مناظرة مع مرشحين أخرين لذات المنصب، وقد علمت أن السيد الأستاذ خالد محيى الدين زعيم ومؤسس حزب التجمع الوطنى هو أحد المرشحين.. فى البداية ظننت أنه يريد أن يحرج النظام عندما ربط ترشيحة بتوافر شروط أو إجراء تغييرات معينة، ولكن الأن يبدو لى أنه جاد فى المضى قدما نحو ترشيح نفسه لمنصب الرئيس ، خاصة بعد أن شاهدته يتحدث فى أكثر من فضائية مصرية وعربية، ورغم تقدمه فى السن – 82 عاما – وملامح الشيخوخة التى ظهرت واضحة عليه إلا أننى لاحظت أنه لا يزال حاضرا ومتقد الذهن تماما كما التقيته لأول مرة فى عام 1985 – أى منذ نحو 20 عاما – عندما أتيحت لى فرصة التعرف عن قرب على الأستاذ خالد محيى الدين والذى أجريت معه مقابلة صحفية خاصة وطويلة لا زلت أعتبرها من أهم المقابلات الصحفية التى أجريتها، وقد نشرت فى وقتها فى إحدى الصحف الخليجية التى كنت أعمل مراسلا لها فى كندا ، وكان من المقرر أن أسجل المقابلة أيضا فى برنامج تليفزيونى كنت أقدمه فى التليفزيون الكندى فى ذلك الوقت غير أن بعض الصعوبات الفنية وظروف أخرى قد حالت دون ذلك.
على الرغم من أن هذا الحديث قد مرت عليه سنوات طويلة إلا أننى عندما استرجعته منذ أيام قليلة قراءة ، واستماعا لشريط التسجيل الصوتى، أحسست وكأننى أجريته بالأمس القريب، فمعظم القضايا التى ناقشتها معه لازالت كما هى معلقة ومطروحة للنقاش والجدل خاصة فيما يتعلق بالشأن المصرى الداخلى والخارجى، وهذا إن دل على شئ فإنما يدل على تجمد الواقع السياسى المصرى أو بطء حركته.
فى أحد أيام شهر مارس أو ابريل – لا أذكر الآن على وجه التحديد - عام 1985 حضر الأستاذ خالد محيى الدين إلى تورونتو لحضور مؤتمر مجلس السلام العالمى ، والذى كان الأستاذ خالد عضوا نشطا فيه ونائبا لرئيس المجلس عن منطقة الشرق الأوسط ، وكان اللقاء بيننا أولا فى فندق "سكاى لاين" القريب من مطار بيرسون (مطار تورونتو الدولى) حيث أجريت اللقاء الصحفى الخاص، ثم على مائدة الغذاء والتى كان يجلس عليها الأستاذ خالد وعدد من الشخصيات السياسية والدبلوماسية كان من بينهم ايفيجينى بريماكوف رئيس أكاديمية العلوم السوفيتية فى ذلك الوقت، ورئيس وزراء روسيا فيما بعد، وهو صديق قديم للأستاذ خالد منذ أن كان بريماكوف - الذى يجيد العربية – يعمل مراسلا صحفيا لجريدة البرافدا السوفيتية فى القاهرة فى أوائل الستينيات ... ثم امتد اللقاء فى الأوتوبيس الذى نقل جميع المؤتمرين من فندق سكاى لاين الى قاعة المؤتمرات الكبرى فى جامعة تورونتو فى وسط مدينة تورونتو، وكان بريماكوف هو المتحدث الرئيسى البارز من بين كل ضيوف وأعضاء المؤتمر.
والأستاذ خالد محيى الدين من كبار السياسيين المخضرمين فى مصر، وسواء كنت تتفق أو تختلف مع أراءه ومواقفه السياسية فلا تملك إلا أن تحترم هذا الرجل الذى يؤمن إيمانا راسخا بضرورة تحقيق الديمقراطية فى مصر, ولعلم القارئ فإننى ورغم إعجابى واحترامى لشخصية الأستاذ خالد محيى الدين لم أكن يوما منتميا لحزب التجمع أو لأى أحزاب سياسية سواء فى مصر أو كندا، فقد كانت قناعتى دائما ولازالت حتى اليوم أن الصحفى لا ينبغى له أن ينضم الى أى حزب سياسى إذا أراد حقا أن يكون مستقلا فى التعبير عما يرى ويكتب فى موضوعية وحيدة كاملة.
إننى حقا أتمنى أن يرى الشعب المصرى مناظرة تليفزيونية بين الرئيس حسنى مبارك وشخصية كبيرة مثل خالد محيى الدين، فمناظرة كهذه من شأنها أن تثرى التجربة الديمقراطية فى مصر وتعطيها وزنا وتوازنا كبيرا ، وبغض النظر عن نتيجة الإنتخابات، كنت أتمنى أن يكون كل مرشحى الرئاسة من غير الطاعنين فى السن، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه.
الحديث الهام الذى أشرت إليه مع الأستاذ خالد محيى الدين رغم قدمه لم ينشر فى مصر من قبل، ونظرا لأهميته فقد ارتأيت أنه يلقى المزيد من الضوء على شخصية خالد محيى الدين –رغم أنها غنية عن التعريف – وعلى القضايا التى ناقشتها معه وهى مثارة حتى الآن ولم تنتهى بالتقادم ، ولذا فإننى أنشره للقارئ العزيز ولجيل الشباب الحالى الذى ربما كان صغير السن أو لم يولد عندما أجريت الحديث عسى أن تكون فيه فائدة ، وأترك الحكم للقارئ.
نص الحديث:
* مسعد حجازى: صدر لكم مؤخرا كتاب " مستقبل الديمقراطية فى مصر " ، هل لنا أن نسألكم بماذا يبشر مستقبل الديمقراطية فى مصر ؟ هل هو مستقبل زاهر مشرق أم هو مستقبل ملبد بالغيوم والسحب الكثيفة؟
- خالد محيى الدين : مستقبل الديمقراطية فى مصر هو المستقبل السياسى لمصر، وهذا يتوقف على أشياء كثيرة منها : الموقف الموحد من قضية العدالة الإجتماعية، فإذا كان إتجاه السياسة الحكومية – كما تدعى الحكومة – نحو الإقتراب شيئا فشيئا من أهداف ثورة 23 يوليو فى تحقيق العدالة الإجتماعية والإستقلال السياسى والإقتصادى فلا شك أن هذا الإتجاه سينعكس على تحقيق نوع من الإستقرار الداخلى ، والإستقرار الداخلى يفتح الطريق أما ديمقراطية حقيقية لأنه سيساعد على خلق نوع من الهدوء الإجتماعى وعدم التوتر، وبالتالى إمكانية تحقيق أو تطوير الديمقراطية بطريقة أفضل، لأن الديمقراطية الحقيقية لا تولد من فراغ، وإنما تولد نتيجة صراع إجتماعى وسياسى .. مصرى وعربى ودولى ، وبالتالى فهى تتأثر بكل هذه الدوائر الثلاث.. ونقطة البداية هى ما يحدث فيما يسمى بقضية العدالة الإجتماعية فى مصر ... والعدالة الإجتماعية كانت هى الأساس أو الركيزة الأساسية التى إرتكز عليها حكم عبد الناصر لمدة سنوات طويلة .. كثير من الناس يظنون أن استقرار حكم عبد الناصر قد جاء نتيجة قبضته القوية على أجهزة الحكم، ونتيجة سلطاته الكبيرة المتعددة .. ، وهذا ليس صحيحا ، إذ أن إستقرار حكم عبد الناصر كان يأتى من القاعدة العريضة من العدالة الإجتماعية التى أعطاها عبد الناصر لجماهير الشعب المصرى ، فكانت هذه الجماهير راضية عن الحكم ، وأهم شئ أنه كان لديها أمل فى المستقبل ، فساعد هذا كله على خلق درجة كافية من الإستقرار، فحدث أن تميزت فترة حكمه بوجود أعلى درجات الحس الوطنى ... ، أما فى الوقت الحاضر فيوجد عندنا نوع من التوتر الإجتماعى سببه أن الأغلبية الساحقة من الشعب المصرى تعيش حياة إقتصادية صعبة ننتيجة للتضخم الإقتصادى، وبسبب الفروق الضخمة فى مستويات المعيشة وتفاوت الدخول الرهيب نتيجة تطبيق سياسة الإنفتاح الإقتصادى فى فترة السنوات العشر الماضية، ولذلك يجب أن نذكر أن السادات هو الذى دعا إلى الديمقراطية، وهو أيضا الذى وأدها.. ، ومن هنا نرى أنه عندما جاء مبارك إلى الحكم حاول جاهدا ألا تصل الأمور إلى الطريق المسدود، وحاول أن يتفاهم مع المعارضة، وأصبحت علاقته بالمعارضة أفضل من علاقة السادات بها، مما ساعد على خلق مناخ سياسى لطيف ومعتدل.. بالرغم من ذلك كله نكتشف أن الأسس الرئيسية التى ساهمت فى خلق التوتر الإجتماعى لا تزال موجودة ، ومن هنا تحدث مصادمات من حين لأخر، ويحدث ما يسمى بإستمرار قبضة الحزب الوطنى على جهاز الإدارة المحلية والمحافظين والسلطة .. الخ.. وهذا كله يخلق شعورا بعدم الرضا سواء من الناحية السياسية أو الإقتصادية .. فى رأيى أنه ما لم يبذل جهد كبير لتعديل الأوضاع فإن الديمقراطية ستظل كما هى فى إطارها الحالى – ديمقراطية هامشية بمعنى أن الحزب الوطنى يسيطر على كل شئ : من إذاعة وتليفزيون وصحف قومية وإدارة محلية، بينما أحزاب المعارضة تظل مجرد هامش بسيط تتحرك فى إطاره .. شئ لا بأس به .. ممكن الواحد يقول .. ولكن ليس هذا هو الطريق الصحيح لتطوير بلد مثل مصر نحو التقدم والإزدهار والبناء والتطور. ، وفى مثل هذا الجو أيضا .. يشعر المصريون بالغربة فى بلادهم طالما أنهم لا يحكمون أنفسهم بأنفسهم، وطالما أنهم لا يقررون مصيرهم بأيديهم، وبالتالى تحدث الهجرة أواللامبالاة أوالسلبية بعد أن ضاع منهم الأمل وأصبحوا غرباء فى بلادهم ..
فى رأيى وقناعتى أن طريق الديمقراطية مرهون بقضية العدالة الإجتماعية، ومرهون بسياسة مصر تجاه الصراع العربى الإسرائيلى .. والسؤال هو: هل مصر تريد حل القضية الفلسطينية حلا عادلا أم هل تريد أن تضحى بالقضية الفلسطينية فى سبيل أية تسوية؟ .. إذا كانت تريد حل القضية حلا عادلا يكون حده الأدنى هو المؤتمر الدولى أو قرارات ( مؤتمر قمة ) فاس، فإن ذلك يستدعى نوع من التحالفات العربية والدولية تختلف تماما عما يجرى الآن، وهذا ينعكس أيضا على سياستها الداخلية .. فقضية الديمقراطية إذن مرتبطة بالقضية الوطنية، ومرتبطة بالقضية الإجتماعية ولا تنفصل عنهما، كما أن الديمقراطية لا ينبغى أن تتوقف على نوايا الرئيس أو بعض الحكام ، وإنما عى عملية تفاعل إجتماعى تأتى كنتاج للصراع السياسى والإجتماعى فى داخل البلاد ... ما الذى يجعل الديمقراطية مستقرة فى بلدان غرب أوروبا وكندا؟ الذى يجعلها مستقرة فى هذه البلاد هو أن الدوائر الحاكمة فيها قادرة على أن تعطى شعوبها نسبة كبيرة من الثروة القومية ، أما فى مصر فإن الوضع يختلف كلية .. فالرأسماليون الجدد ليست عندهم إمكانية أو رغبة فى العطاء .. فى الدول الديمقراطية العريقة فإن الطبقة الوسطى والطبقة العاملة تشعران بنوع من أنواع الإستقرار، أما فى مصر فإن الطبقة الوسطى الآن تعانى معاناة قاسية ، وبالتالى ينعكس ذلك على حالة عدم الإستقرار والشعور بالسخط وعدم الرضا والشعور بالتبعية ، وفى ظل حالة عدم الرضا والتوتر الإجتماعى فإن الحكومة ليس بمقدورها أن تعطى حريات جديدة، لأنها فى هذه الحالة تميل الإنغلاق وليس إلى الإنفتاح .. ولذلك فإن مستقبل الديمقراطية يتوقف على نتائج الصراع .. مفيش حاجة نقدر نقول ستزدهر أو لا تزدهر .. لو سارت الأمور فى طريق إزدياد حدة الفروق الطبقية ، وعلى نفس السياسات القديمة فلن تزدهر الديمقراطية ، والعكس صحيح.
نحن نرى أن الحكم لابد أن يسير فى الطريق الذى نقول به، ألا وهو العمل على تقليل حدة الفوارق بين الطبقات، وتحقيق الإزدهار الإقتصادى لأن الحكم إذا لم يفعل هذا سيتدهور الوضع الإقتصادى، وستزداد الفروق الطبقية، وبالتالى سيتواجد المزيد من التوتر الإجتماعى، وهذا لا يفتح الطريق للديمقراطية وإنما يفتح الطريق للعنف.
* مسعد حجازى: ما هو السبب فى أن الحكومة المصرية لا زالت تمد فى قوانين الطوارئ التى فرضت بعد ساعات من إغتيال الرئيس السادات على الرغم من إختلاف الظروف الحالية – من الناحية الأمنية – عن الظروف الأمنية فى أكتوبر 1981 ؟ هل الجماعات الإسلامية والقوى الراديكالية لا تزال تمثل خطرا على نظام الحكم فى مصر؟.
- خالد محيى الدين : أنا أعتقد أن القوانين العادية فيها ما يكفى لإتخاذ إجراءات كافية من قبل الحكومة بدليل أنه قبل وقوع أحداث أكتوبر 1981 وقعت أحداث قامت بها جماعات متطرفة مثل جماعة التكفير والهجرة وجماعة الفنية العسكرية ( جماعة صالح سرية ) أو التحرير الإسلامى وقبضت الحكومة على أعضاء هذه الجماعات , وإتخذت إجراءات ردع كافية طبقا للقوانين العادية وليس تحت مظلة قانون الطوارئ ... أنا فى إعتقادى أن قانون الطوارئ فى حد ذاته ليس هو المبرر وإنما الهدف منه هو تسهيل الطريق أمام أجهزة الأمن كى تتخذ إجراءات عند اللزوم قد يصعب إتخاذها بالأسلوب العادى .. فى رأيى أن قانون الطوارئ ليس هو العيب الوحيد ، وإنما المشكلة أن قوانين الطوارئ مصحوبة بعدد من القوانين الأخرى المقيدة للحريات، وهى القوانين التى نسميها " القوانين سيئة السمعة "التى صدرت أيام السادات .. طيب .. لماذا لا ينص مثلا فى قانون الطوارئ أنه لن يستخدم ضد السياسيين؟.. هم يقولون أنه سيستخدم ضد الإرهاب والعنف .. لماذا إذن لا يقولون عند إصداره فى مجلس الشعب أن هذا القانون لن يستخدم ضد أى رأى سياسى أو تنظيم سياسى إلا للعنف والعنف معروف وينطبق على الشخص أو الأشخاص الذين يستخدمون أسلحة ... "مش هيعملوا مظاهرة " .. المظاهرة ليست عنفا .. هم – الحكومة – رفضوا هذا الطلب، وإكتفوا بإعطاء وعد شفوى أو إعلان نوايا ، وهذا لا يكفى ، لأن مجرد وجود حالة طوارئ يخلق حالة من عدم الإطمئنان أو الرضا لدى القوى السياسية، خاصة وأن الحكومة عندها من القوانين ما يكفى لأن تفعل ما تشاء .. بالإضافة إلى تلك القوانين وتلك السلطات تضع الحكومة قانون طوارئ!! .. طبعا الإنطباع الذى يخلقه ذلك عندنا كمعارضة هو أن إتجاه الحكومة ليس نحو التخفيف وإنما نحو المزيد من القيد .
* مسعد حجازى: أفضت كثيرا فى الحديث عن الديمقراطية.. ، وأرجو أن تسمح لى بأن أحدثك بصراحة شديدة لأن الأسئلة التى يمكن أن أوجهها إلى خالد محيى الدين لا بد أن تختلف بالضرورة عن تلك التى يمكن أن أوجهها لأى مسئول أخر حكومى أو معارض بإعتبار أنك سياسى مخضرم ، وكنت أحد الأعضاء البارزين فى مجلس قيادة الثورة ... سؤالى هو : كيف تفسر موقفك الحالى من قضية الديمقراطية فى ضوء ما كتبه الكثيرون ، ومن بينهم الرئيس الراحل السادات عن الخلاف الذى نشأ بين أعضاء مجلس قيادة الثورة وبين عبد الناصر حول قضية الديمقراطية بعد قيام الثورة ، وما قالوه من أن عبد الناصر قد قدم إستقالته للمجلس بسبب إصراره على الديمقراطية بينما كنتم جميعا تصرون على الديكتاتورية؟
- خالد محيى الدين : هذا غير صحيح .. هما قالوا فيه واحد كان غايب عن الجلسة .. وهو أنا .. هذا من ناحية ، من ناحية أخرى لم تكن القضية المطروحة هى قضية الديمقراطية ، وإنما كانت قضية تعيين مجلس الوصاية وكيفية تعيينه .. فى مجلس الدولة كان هناك رأى يقول بأن الدستور لا يتضمن نصا يقول بتنازل الملك عن الحكمن لأنه دستور ملكى، والدستور الملكى لا ينص على تنازل الملك، وإنما يتضمن نصوصا عن حالات الوفاة أوالمرض .. بقية أعضاء مجلس الدولة من المستشارين قالوا لا .. لا يوجد إجتهاد فى هذه القضية ، لأن الوفاة أو المرض غير التنازل وأصروا على عدم الأخذ بهذا الرأى، لأنهم لو أخذوا به لكان يتعين عليهم دعوة أخر مجلس نواب للإنعقاد وتجرى إنتخابات جديدة، وهذا معناه الدخول فى مجال الديمقراطية وفقا لما كان الضباط الأحرار قد وعدوا به من عودة الحياة النيابية ، فعندما وضع هذا الأمر أمام مجلس قيادة الثورة كان موقف جمال عبد الناصر مع الرأى القائل بعودة البرلمان للإنعقاد على حين كان التيار الغالب عكس ذلك ، وأنا لم أكن موجودا فى الجلسة لأننى كنت خارج البلاد – فى سويسرا ، وهذه قضية لم تكن لها علاقة بالديمقراطية أو الديكتاتورية.
* مسعد حجازى: فى الأعوام القليلة الماضية نشرت الصحافة العربية كما هائلا من المذكرات والمقالات والروايات عن ثورة 23 يوليو، وهى فى مجملها تحمل الكثير من المتناقضات والتضارب فى الروايات حتى ضاعت معالم الحقيقة .. لماذا لا تقول كلمتك بإعتبار أنك كنت أحد الخمسة الأوائل المؤسسين من أعضاء مجلس قيادة الثورة؟ وماذا عن دور محمد نجيب الحقيقى فى الثورة؟
- خالد محيى الدين: أنا شخصيا رأيى أن كل ما يكتب حول ثورة 23 يوليو مفيد ولا ضرر فيه .. من حق كل واحد أن يكتب ما يشاء .. وفى النهاية ستبرز الحقيقة التاريخية .. أنا لست ضد هذه المذكرات أو الكتابات .. فيه ناس بتكتب صح ، وفيه ناس بتكتب خطأ .. وأنا من رأيى أن قصة الثورة لا بد أن يكتب فيها كل الناس.. محمد نجيب .. إحنا قلنا دوره فى الثورة .. هو لم يكن على صلة وثيقة بتنظيم الضباط الأحرار من الداخل بحكم أنه كان شخصية عسكرية كبيرة ( يحمل رتبة لواء ) لكن فى نفس الوقت كان على علاقة بتنظيم الضباط الأحرار ، وقبل أن يكون مرشحا فى إنتخابات نادى الضباط ، وعندما أجريت إنتخابات نادى الضباط ونجح فيها أصبح محمد نجيب أمام الملك ( فاروق ) هو الشخصية العسكرية التى تمثل الضباط الأحرار ... عندما قامت الثورة كنا نريد شخصية كبيرة السن والرتبة، حسنة السمعة لتقود الثورة، إذ أنه لم يكن ممكنا أن يقبلوا ضابطا برتبة صغيرة، فقبل محمد نجيب هذه المسئولية وتحمل العبء العلنى للثورة مما ساعد على نجاحها ، وكانت شجاعة كبيرة منه أن يقبل تحمل مسئولية الثورة ، رغم أنه لم يكن يعرف شيئا عن ترتيبات الثورة أو تنظيم الضباط من الداخل ، وهذا دليل على أنه كان رجلا شجاعا وقبل تحمل المسئولية .. وأنا لا أبالغ فى القول بأن محمد نجيب كان كل شئ فى الثورة ، ولا أبالغ بالقول أنه لم يكن له أى دور على الإطلاق .. هو تحمل المسئولية التاريخية وأصبح رئيسا للثورة، وإتخذ العديد من القرارات الخطيرة إلى أن حدث الخلاف المشهور بينه وبين عبد الناصر وأعضاء المجلس – أزمة مارس 1954 .
* مسعد حجازى: كيف يرى خالد محيى الدين اليوم مصر فى عهد الرئيس حسنى مبارك فى ضوء تجربة الـ 33 سنة الماضية مع عهود الرؤساء الثلاثة : نجيب ، عبد الناصر ، والسادات؟ إلى أى إتجاه تسير مصر اليوم؟
- خالد محيى الدين: هوه أنا أصلى من الناس اللى بيعتبروا مرحلة حكم السادات مرحلة سيئة جدا .. أنا ضد كل السياسات الرئيسية بتاعة السادات..
* مسعد حجازى ( مقاطعا ) : بما فيها قراره بإعلان حرب أكتوبر 1973؟!
- خالد محيى الدين: لا .. لا .. قرار حرب أكتوبر مش بتاع السادات ..
* مسعد حجازى ( مقاطعا ) : أليس هو الذى اتخذ قرار الحرب؟!
- خالد محيى الدين: " معلهش وماله " .. ده مش بتاع السادات.. الشعب المصرى كان عايز يحرر أرضه وهوه كان رئيس الجمهورية، والشعب المصرى كان بيقوم بمظاهرات وتسوده حالة توتر مستمرة فكان لا مفر أمام السادات من أن يشن حرب أكتوبر .. لكن أنا أتكلم عن سياسات السادات ولا أتكلم عن قرار حرب أكتوبر .. إنما كل ما تبع حرب أكتوبر من سياسات فأنا مختلف معاه فيه إختلافات جذرية .. أنا رأيى أن كل المشكلات التى نعيش فيها الآن سببها السادات .. ليه؟ لأن مصر كانت فى تجربة قام بها جمال عبد الناصر ، وحتى هزيمته فى عام 1967، ثم إستطعنا أن نقوم بالعبور فى (حرب أكتوبر ) عام 1973 .. هذه التجربة التى كانت تمر بها " مصر عبد الناصر " كانت تتضمن العناصر الإيجابية والعناصر السلبية .. الشعوب والأمم التى تريد أن تنهض هى التى تحاول أن تطور الإيجابى وتلغى السلبى أو تتغلب عليه .. عندما جاء أنور السادات إلى الحكم لم يفعل ذلك ، وإنما قام بعملية قلبت الأوضاع وسماها التصحيح، لكن فى الحقيقة هذا لم يكن تصحيحا .. تحت شعار أننا فى عهد عبد الناصر كان عندنا ديمقراطية إجتماعية وعدالة إجتماعية على حساب الديمقراطية السياسية .. فعلينا أن نزيد ما يسمى بـ " جرعة الحريات السياسية " ... تحت هذا الشعار تم ( فى عهد السادات ) الإعتداء على كل المكاسب الإجتماعية التى حصل عليها الشعب المصرى (فى عهد عبد الناصر ) فكانت النتيجة أن ضاعت المكاسب الإجتماعية ، وبدأت تصفية القطاع العام، وبدأت عملية فتح الباب على مصراعيه لرأس المال الأجنبى بدون أية قواعد .. مفيش بلد فى العالم يرفض قبول رأس المال الأجنبى، إنما عندك بلد مثل اليابان أو فرنسا عندما تقبل هذه الدولة أو تلك رأس المال الأجنبى فهى تقبله وفقا لقواعد وشروط تضعها هى .. إنما مفيش حاجة إسمها سياسة الباب المفتوح .. البلد اللى عايز رأس المال الأجنبى عايزه فى إيه وليه؟ عايز يستثمره فى إيه؟ .. يشجعه فى إيه؟ ولا يشجعه فى إيه؟.
إحنا فى نظرنا أن التجربة قد قلبت وبدأت تجربة جديدة اللى إحنا فيها النهاردة .. ، ولو أن السادات قام بتطوير إيجابيات عهد عبد الناصر وأضاف إليها وألغى سلبيات ذلك العهد لكانت البلد مشيت ...
من هنا فنحن نعتبر أن عصر السادات بمثابة جسم غريب فى مستقبل التطور السياسى فى مصر ... ومن هنا عندما يأتى مبارك .. إذا ماكنش حيرجع عن هذا الوضع ... يعنى هو يتكلم عن ثورة 23 يوليو .. الكلام ما ينفعش .. ثورة يوليو تعنى عند الشعب المصرى أشياء معينة .. تعنى التنمية المستقلة .. ، الإستقلال الإقتصادى ، الإنتماء للأمة العربية وسياسة عدم الإنحياز .. تعنى التحول الإجتماعى الجذرى .. فهو (حسنى مبارك ) ناوى يعمل أيه فى الحاجات دى كلها ؟.. وبعدين هناك قضية الديمقراطية .. ومثلما قلت لا توجد ديمقراطية بعيدة عن هذا كله .. والسؤال الآن هو: هل حسنى مبارك يريد فعلا أن يبحث فى إيجابيات عهد عبد الناصر ويطورها ويبحث عن السلبيات فى عهدى عبد الناصر والسادات ويتغلب عليها ويمضى قدما إلى الأمام؟ .. إذا كان هذا سيحدث يصبح هناك أمل .. أما إذا لم يحدث فسنظل نخرج من أزمة لندخل فى أزمة أخرى.
* مسعد حجازى : التقيتم الرئيس حسنى مبارك عدة مرات .. ما هو إنطباعك الشخصى عن شخصيته ؟ وهل كانت لكم علاقة أو إتصالات شخصية مع حسنى مبارك قبل أن يتولى رئاسة الجمهورية ؟
- خالد محيى الدين: أنا أصلى لى رأى خاص فى مسألة الزعماء والحكام .. أنا لا أهتم فى كثير أو قليل بالإنطباع الشخصى .. يعنى يقول لك ده ذكى .. ده نبيه .. طبعا مفيش رئيس جمهورية لا يفهم .. كلهم أذكياء وبيفهموا ويقدروا يتخذوا قرارات وعندهم تصورات للأمور والقضايا.
* مسعد حجازى: لكن العوامل الشخصية لها تأثير كبير على السياسات والقرارات التى يتخذها الزعيم أو الحاكم .. أنا لا أستطيع أن أجزم بأن مبارك هو السادات هو عبد الناصر .. ألا تتفق معى فى هذا الرأى؟
- خالد محيى الدين : أيوه هذا صحيح هو يختلف عن هذا وعن ذاك لأن الظروف نفسها متغيرة ومختلفة .. لأن العامل الشخصى هنا مرتبط بالظروف القائمة فى الوقت الحاضر .. بمعنى انه مثلا فيه قوى إجتماعية وسياسية داخلية وخارجية فى صراع، وعليه هو أن يحدد موقفه من هذا الصراع .. شخصيته بقة .. كونها شجاعة مقدامة، مستعدة للتفتح .. كل هذه عوامل تساعده فى ظروفه، غير أن الزعيم هو ابن ظرفه .. هذه قضية أخرى ، وأنا لست متخصصا فى علم النفس .. أنا رجل سياسى .. اللى بيحكمنى مع مبارك مش كلامه ولا قعادى معاه، وإنما يحكمنى قراراته التى يتخذها .. عندما يتخذ خطوة جيدة أقول أنها جيدة .. ده موش تقييم، التقييم هو فى المواقف والقرارات السياسية التى يتخذها مبارك كرئيس للدولة وكرئيس للحزب ( الوطنى ) ... لما يتعمل قانون إنتخابى سئ ده نوع من الإشارة .. لما الإنتخابات تزور ده نوع من الإشارة .. الذى أريد أن أقوله هو أن ما يحكمنى مع مبارك هو القرارات السياسية التى يتبناها ، وتوجهاته السياسية تسير إلى أى إتجاه ؟، إنما لا يحكمنى الكلام الذى يقوله ولا حتى ما يكتب فى الجرائد (القومية) .. أنا يحكمنى الفعل السياسى له ، وتأثير هذا الفعل فى حياة مصر.
* مسعد حجازى : يعنى الأفعال تتحدث بصوت أعلى من الكلمات – Action Speaks Louder Than Words ..
- خالد محيى الدين : بالضبط كده .. هوه كشخص – بالنسبة للمعارضة – أفضل بكثير من السادات .. لا شك فى هذا.. لأن المعارضة أيضا النهاردة أفضل من أيام السادات .. المعارضة النهاردة مش عنيفة ولا تلجأ للعنف .. هوه السادات كان إستثناء، يلجأ لأساليب لا معنى لها، فإذا كان مبارك بيلجأ إلى طريق التفاهم مع المعارضة فهذا أسلوبه، لكن هذا لا علاقة له بالمواقف السياسية، ولا تقييمه للمواقف السياسية ، فهو إذا كان يتعامل معنا بطريقة حسنة فنحن نتعامل معه بطريقة حسنة ، غير أن هذا لا يمنع فى أن نقول له عند إتخاذه مواقفه السياسية أن هذا الموقف صواب وهذا الموقف خطأ ، ونأخذ موقفنا إحنا .
* مسعد حجازى: هل لا زلتم على موقفكم المتشدد جدا من إتفاقيات " كامب ديفيد " ، ومعاهدة السلام المصرية – الإسرائيلية؟ .. ألم يتغير هذا الموقف؟
- خالد محيى الدين : موش ممكن يتغير .. يتغير ازاى وليه ؟ .. إحنا ضد هذه المعاهدة على خط مستقيم ، ونعتبرها من الكوارث التى ألمت بمصر وعزلتها عن أمتها العربية، وأخرجتها من حلبة الصراع ، ولم تستفد منها مصر شيئا ..
* مسعد حجازى: نهائيا؟ .. لم تستفد شيئا على الإطلاق؟
- خالد محيى الدين : ما الذى استفدته؟ .. كان كل تصور الشعب المصرى أنه استرد سيناء وموش قادر يعمل حاجة فى سيناء .. الجيش الأمريكى قاعد ، والقوات متعددة الجنسيات موجودة، وأى حركة من جانب مصر سينتج عنها تدخل .. فإحنا إرادتنا منتهكة فى هذه العملية .. هذه نقطة .. النقطة الثانية هى أن الشعب المصرى كان أمله من السلام أن مصاريف الحرب ستقل، وسيتجه للبناء السلمى .. إحنا مصاريفنا الحربية بتزيد .. كل هذا بيعكس إن هذه الإتفاقية لبست إتفاقية سلام ، وإنما هى إتفاقية إنسحاب، ومن هنا فإن موقفنا إزاءها لا يتغير .. ولماذا يتغير ؟ .. يعنى ما الذى يدعونا إلى تغيير موقفنا ؟ .. ، كما أنه ينبغى أن أوضح أن مبارك نفسه فى تصرفاته مع إسرائيل يختلف كلية عن تصرفات السادات مع إسرائيل، ولكن الإتفاقية بالنسبة لمبارك هى واقع مفروض عليه ، ولا يستطيع الخروج منه .. بس ده ما يلزمناش إحنا بحاجة (كمعارضة) ..
* مسعد حجازى : هل تؤيد عودة السفير المصرى لإسرائيل إذا أبدت حكومة بيريز مرونة بالنسبة لمشكلة طابا، وأتمت إنسحابها من لبنان؟
- خالد محيى الدين ( مستنكرا ) : أنا؟!! .. أنا أؤيد عودة السفير المصرى لإسرائيل ؟! أنا موش عايز سفير مصرى فى إسرائيل خالص .. نهائيا .. يعنى حزبنا (التجمع ) إذا كان حتى يرى قبول الحل السلمى فهو يرى القبول بإنهاء حالة الحرب، ولكن إنهاء حالة الحرب لا تعنى ضرورة وجود سفير "وإقامة التطبيع والعلاقات السياسية والدبلوماسية".
* مسعد حجازى : ولكن إذا كان البديل لإلغاء المعاهدة هو الحرب فهل ...
- خالد محيى الدين ( مقاطعا ) : أنا لا أتكلم الآن عن إلغاء المعاهدة .. أنا أقول أن هذه المعاهدة معاهدة سيئة، وما دامت هى معاهدة سيئة وتشكل قيدا على الإرادة فإن أى شعب أو أية حركة وطنية لا بد وأن تفكر فى إلغاء هذا القيد على الإرادة المصرية فى يوم من الأيام .. كما أن كل المعاهدات غير المتكافئة قد وجدت لتلغى مش وجدت علشان تبقى .. موش كده واللا إيه؟ .
* مسعد حجازى : بالظبط كده ... هل يجوز الربط بين التقارب المصرى – الأردنى، ومحاولة إعادة الحياة لخطة الرئيس ريجان للسلام فى الشرق الأوسط؟
- خالد محيى الدين : أولا : هاتين قضيتين مختلفتين تماما .. الظروف النهاردة مختلفة .. ريجان أعلن مبادرته فى أعقاب حرب لبنان ( الغزو الإسرائيلى للبنان " .. الآن الموقف مختلف كلية .. هل هو مستعد يقدم مبادرة جديدة ؟ .. لو أن هناك مبادرة أمريكية جديدة لتم طرحها .. بدليل أن الملك حسين يعلن قبوله للحل الدولى الذى هو إما مبادرة فاس أو المؤتمر الدولى، كما أن مصر أعلنت قبولها للحل الدولى .. إذن عودة العلاقات المصريى – الأردنية لا تعنى قبول الأردن لإتفاقيات كامب ديفيد ، وإنما تعنى إقتراب مصر أكثر فأكثر من إمكانية الحل الدولى ، خاصة وأن مصر أعلنت قبولها للحل الدولى ولمبادرة فاس إذا أمكن تنفيذها أو تنفيذهما .. يعنى أنا لا أرى أن فيه مشروع أمريكى للحل .. ، المطروح الآن هو مؤتمر دولى أو مبادرة فاس أو المبادرة السوفيتية أو مبادرة " دى كويلار ( سكرتير عام الأمم المتحدة ) يعنى حل دولى ..
* مسعد حجازى : لكن الأمريكيين رافضون تماما لفكرة مشاركة السوفييت فى أى مفاوضات بخصوص الشرق الأوسط؟
- خالد محيى الدين : خلاص .. هم غير قادرين على الحل ويرفضون مشاركة السوفييت .. إذن سيظل الموقف على حاله، وعلى العرب أن يقرروا .. وليس من قبيل المصادفات أن تحدث عملية إعادة التواجد السوفييتى فى المنطقة من خلال العلاقة مع مصر ، وبالعلاقة مع الكويت ، وبمحاولة تسليح الأردن ، ومحاولة تسليح الكويت .. كل هذا يعطى الإنطباع بأنه حتى الدول العربية المعتدلة قد فقدت الأمل بإمكانية التوصل إلى حل أمريكى عادل ومشرف يحفظ لهذه الحكومات مكانتها.
* مسعد حجازى : كيف قرأت مؤشرات خطوة إعادة العلاقات المصرية – الأردنيى رسميا ؟
- خالد محيى الدين : أنا كمصرى لا بد أن أكون مع عودة العلاقات بين بلدى وبين أى بلد عربى أخر.
* مسعد حجازى : مصر لم تتخل عن كامب دافيد، والأردن هو الذى غير موقفه!..
- خالد محيى الدين : خلينى أرد على سؤالك ... ما هو أوحش حاجة فى السياسة إنك تقول إن الأردن هو اللى غير موقفه .. هذا غير صحيح .. مصر هى التى غيرت مواقفها منذ وفاة السادات .. غيرت مواقفها بتأييدها للقضية الفلسطينية ... بتأييدها لمنظمة التحرير ، وبتأييدها لحق الفلسطينيين فى تقرير المصير ، وتأييدها لإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة .. هذه كلها مواقف تختلف عن موقفها السابق الخاص بمفاوضات الحكم الذاتى ( طبقا لإتفاقيات كامب دافيد ) .. موقف مصر من إسرائيل ومن سياسة التطبيع فى العلاقات فى عهد مبارك مختلف عن موقفها فى عهد السادات ، كما أن موقف مصر من تأييد القضايا العربية مختلف فى عهد مبارك .. إذن لا ينبغى أن نقول بأن الأردن هو الذى غير موقفه .. مصر هى التى غيرت مواقفها .. وإستجابة لهذه المتغيرات فى الموقف المصرى فإن الأردن بحكم ظروفها الخاصة فى المنطقة العربية كانت أسرع الدول فى إتخاذ قرار عودة العلاقات مع مصر .. إذن العلاقات مع مصر تفيد الأردن لأن الفلسطينيين على علاقة حسنة مع مصر ، ولأن مصر ليس لها مصلحة فى ضم أية أراض فلسطينية، إذ أن مصر هى البلد العربى الوحيد الذى ليس له مصلحة فى ضم أية أراض فلسطينية . من هنا فإن العلاقات الأردنية - المصرية لها طبيعة خاصة بسبب إرتباطها الأكثر بالقضية الفلسطينية ..
مصر أمامها حلين : هل هى ستسير مع الأردن فى حل أو تسوية تعيد الأراضى للأردن وتصفى القضية الفلسطينية ؟ أم أن دورها ( مصر ) سيكون دورا مساعدا فى التوصل لحل القضية الفلسطينية حلا عادلا ودائما كما تدعى مصر ؟ .. هذا المعيار ستحكمه الظروف القادمة ، وسيحكمه موقف مصر من القضية .
* مسعد حجازى : وماذا عن السوريين؟ هناك مقولة كيسنجر الشهيرة بأنه " لا حرب فى الشرق الأوسط بدون مصر، ولا سلام بدون سورية " .. وهل ترغب سورية حقا فى التوصل إلى حل سلمى للقضية وللنزاع العربى الإسرائيلى ؟
- خالد محيى الدين : سورية نقطة إستراتيجية هامة فى الصراع العربى الإسرائيلى ، وهى الدولة العربية الوحيدة التى تمتلك أسلحة تساعد على خلق " شبه توازن " للوضع الإستراتيجى مع إسرائيل .. سورية تمثل قوة لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهلها ، غير أن سورية فى الوقت ذاته غير قادرة بمفردها على حل القضية الفلسطينية .. سورية تستطيع الحل والربط فى مشكلة لبنان.. تستطيع أن تحل مشكلة فرعية بالضغط على إسرائيل والولايات المتحدة، لكن حل القضية الفلسطينية مرتبط بمجمل الصراع العربى – الإسرائيلى ، وسورية وحدها غير قادرة على حل هذه المشكلة، إذن أى سلام دائم فى الشرق الأوسط لا يمكن أن يتجاهل سورية .
* مسعد حجازى : هل هى جادة فى التوصل إلى حل دائم لأزمة الشرق الأوسط ؟
- خالد محيى الدين : " ما تقولش فى السياسة جادة " .. معرفش .. مفيش حد فى العالم لا يحب السلام ولا ينشده .. أنا ضد التعميم، وضد الإعلام المصرى ، وضد التفسيرات المصرية القائلة بأن سورية لا تريد سلاما .. مفيش حد فى العالم ضد السلام .. لكن السلام بأى شروط؟ .. زى احنا فى الحزب "التجمع الوحدوى " لما عارضنا اتفاقيات كامب دافيد كانوا يطلقون علينا أننا ضد السلام .. لا .. احنا مش ضد السلام إنما ضد الشروط والقيود .. فمن هنا لا أستطيع القول بأن سورية ضد السلام أو أن الفلسطينيين ضد السلام أو هم لا يريدون الحل.. هم يريدون حلا معينا.
* مسعد حجازى : أعود مرة أخرى إلى الوضع الداخلى فى مصر ... كلما وقعت أحداث شغب أو مظاهرات أو إنتفاضة شعبية تقوم الحكومة على الفور بإتهام حزب التجمع وخالد محيى الدين على الرغم من أن حزبكم ليست له قاعدة كبيرة فى البرلمان ؟
- خالد محيى الدين : البرلمان مش مهم .. لأن الإنتخابات الأخيرة زورت، وهم يعلمون هذا .. لقد تم تزوير هذه الإنتخابات تزويرا فاضحا بإعتراف كل الأحزاب بما فيها حزب الوفد ، وهى تعتبر أسوأ إنتخابات برلمانية شهدتها مصر فى النصف قرن الأخير .. لكن حزب التجمع له قياداته الجماهيرية المنتشرة فى الأوساط الطلابية والعمالية، وهذه القيادات مسئولة .. فعندما تكون هناك أوضاع موضوعية مثلما حدث فى أحداث كفر الدوار ( إضراب عمال مصانع كفر الدوار ) .. حدث أن العمال نقصت مرتباتهم بسبب إصدار قانون التأمينات الجديد، وارتفعت أسعار المعيشة، ثم أعلن المدعى الإشتراكى عن قضية العملة وتجار بيشتغلوا فى 2 ، 3 مليار دولار فى وقت الناس مش لاقية تأكل.. طبعا هذه الأوضاع كلها خلقت حالة من التوتر .. فهل يمكن لقيادات التجمع أن تتخلف عن جماهيرها .. يعنى عامل نقابى فى مصنع – لأنه من حزب التجمع .. هل مطلوب منه أن يتخلف أم يتقدم؟ .. الطبيعى أن يكون هذا العامل النقابى على رأس عمالع ، فعندما يحدث الغضب والإنفجار تكون هذه القيادات على رؤوس عمالها وفى الصفوف الأولى .. ومن هنا تتهمهم الحكومة بأنهم هم اللى عملوا وهم ما عملوش حاجة .. هم يتواجدون فى الأحداث مع غيرهم لأنهم قيادات وسياسيين وجماهير ونقابيين .. كذلك قيادة طلابية من حزب التجمع .. عندما يقوم طلبة الجامعة بمظاهرة إحتجاجا على اللائحة أو لأى سبب آخر .. هل مطلوب من قيادات التجمع أن تتخلف عن القاعدة الطلابية ولا يصبحوا على رأس المظاهرة .. للأسف الشديد فإن أجهزة الأمن لا تبحث فى الأسباب الموضوعية التى أدت إلى حدوث الشغب أو المظاهرات ، وإنما تبحث دائما عن الذى قام بالمظاهرات ودبر لها ، النظرة الأمنية تختلف عن النظرة السياسية ، فدائما تقول التقارير الأمنية بأن حزب التجمع هو اللى عمل المظاهرة .. مش ممكن إضراب عن الدراسة فى الجامعة أو عن العمل فى مصنع يعمله أحد ، لكنه ينتج عن ظروف وأسباب معينة ، فمن هنا نجد أن التبرير الأمنى يكون دائما عن الذى عمل والذى حرك ، ومن الذى أثار بدلا من أن يبحث فى الأسباب التى أدت إلى الإثارة ، وعلاج هذه الأسباب،.. وطبعا لا بد أن يبحثوا عن أحد " كبش فداء " فيقوموا بإتهام أعضاء حزب التجمع .. كما أن القضاء المصرى برأ حزبنا من أحداث 18 ، 19 يناير عام 1977 ، وقالت المحكمة ليس التجمع هو الذى قام بالمظاهرات .. اللى عمل المظاهرات هو القرار الذى أصدرته الحكومة برفع الأسعار .
* مسعد حجازى : كلما وقعت أحداث شغب فى مصر ، وذكر معها إسم خالد محيى الدين أو حزب التجمع فإن الإنطباع العم سواء فى مصر أو خارج مصر هو " الشيوعية و الشيوعيون " .. لماذا ؟.
- خالد محيى الدين : اه ... ده هما بقه اللى عايزين كده .. لأن الشيوعية فى مصر تم تعريفها على إنها حاجة ضد الدين، وبالتالى تسعى الحكومة إلى تخويف الناس ، لأن الحكومة حتقول علينا إيه؟ .. حتقول علينا إننا لا ندافع عن حقوق الجماهير .. أننا لا نقف مع المصلحة الوطنية .. أننا لسنا مع الديمقراطية؟ طبعا ما تقدرش تقول علينا هذا، فلازم تقول علينا شيوعيين لأن الشيوعية كلمة تخيف الناس على أساس انها ضد الدين، رغم أن مسؤولى الحكومة لو قاموا بالإنصاف فى كلامهم لقالوا أن قانون الأحزاب لا يسمح بقيام حزب لا يعترف بالشريعة الإسلامية ولا بالدين أو الإسلام ولا بمبادئ ثورة 23 يوليو ولا بالدستور.
* مسعد حجازى : فعلا هو اتهام غريب لأن الذى أعرفه أنك حاج، وأديت فريضة الحج أكثر من مرة ؟
- خالد محيى الدين : سيبنا من المسائل الشخصية .. كل ده معروف، لكن هما بيقولوا هذا الكلام ليه؟ علشان يبقى كلام التجمع مع كل إيجابياته وانه سليم يؤثر على بعض الناس ، بدليل ان رغم كلامهم هذا عندما تقع الأحداث لا يتبنى أحد شعارات التجمع غير الجماهير نفسها.
* مسعد حجازى : يعنى باختصار مثل هذه الإدعاءات لا تؤثر فيكم مطلقا؟
- خالد محيى الدين : لا طبعا مش حتأثر ..
* مسعد حجازى : بإعتبار أنك أحد رجال الثورة البارزين ألم تحلم ذات يوم بأن تكون رئيسا للجمهورية ؟
- خالد محيى الدين : أنا ما أحبش مثل هذه الأسئلة الخيالية لأنى معرفش حاجى ازاى للحكم ؟!ز
* مسعد حجازى : حسنى مبارك نفسه لم يكن يدرى كيف سيأتى للحكم..
- خالد محيى الدين : أيوه يعنى هل سأصل للحكم عن طريق إنتخابات، أو عن طريق حركة شعبية ، والا سأصل بتحالف أو بحزب واحد.. وما هى الظروف التى ستكون قائمة وقتئذ ؟ .. هل هى ظروف حرب أو ظروف سلم؟ .. ظروف رخاء أم معاناة وتوتر؟ .. مفيش حد فى العالم يعمل بالسياسة ولا يسعى للوصول إلى الحكم .. أى حزب سياسى فى العالم هدفه الأول والأخير هو الوصول للحكم ، وهذا ليس عيبا ، لأن الحكم ليس إحتكارا لأحد ... الإنسان بيأتى بسياسة وببرامج سياسية وإقتصادية ، وحزبنا له سياسة وبرامج محددة وواضحة .. عندما يصل إلى الحكم فإنه سيضع له أولويات .. طبقا للظروف القائمة وقتها .
* مسعد حجازى : هل تؤيدون قيام حزب ناصرى فى مصر؟
- خالد محيى الدين: نحن نؤيد حق جميع القوى السياسية فى تشكيل أحزاب بشرط أن يكون هذا الحزب الجديد ملتزما بالدستور .. يعنى إذا كنا أيدن قيام حزب الوفد من حيث المبدأ ، فلا بد أن نؤيد قيام حزب ناصرى .
* مسعد حجازى : وهل أيدت تحالف الأخوان المسلمين مع حزب الوفد؟
- خالد محيى الدين : لا .. أنا لم أؤيد هذا التحالف ، كما أننى لم أعارضه .. لماذا أعارضه ؟ هذه قضية أخرى .. قوى سياسية عايزة تتحالف مع بعضها فلتتحالف شريطة ألا يكون هذا التحالف ضد المصلحة الوطنية .
* مسعد حجازى : هل أضر هذا التحالف بمركز حزب التجمع الإنتخابى ؟
- خالد محيى الدين : لا .. لم يضر بس طبعا بعض أصوات التيار الإسلامى كنا نحصل عليها فى الإنتخابات .. ما خدناهاش .. بعضها راح مع الإخوان، وبعضها فضل معانا...
* مسعد حجازى : ما رأيكم فى إحتمالات السلام والحرب فى الشرق الأوسط من المنظور البعيد؟
- خالد محيى الدين: فى رأيى أن التسلح الإسرائيلى والنوايا الإسرائيلى وسوء الأوضاع الإقتصادية فى إسرائيل تشكل نقطة خطر قد تضطر معها إسرائيل إلى الإقدام على مغامرة عسكرية ، وهذا إحتمال وارد .. الذى يمنع حدوث هذه المغامرة هو أن إسرائيل قد حاولت غزو لبنان .. وثبت بالفعل أن الجيش الإسرائيلى قادر على إكتساح لبنان ويدخل .. لكن ماذا سيفعل بعد ذلك ؟ .. النتيجة أنه أصبح غارقا فى الوحل وفى المستنقع اللبنانى ، وتزداد خسائره فى الجنود ، بدرجة أكبر من خسائره فى الحرب نفسها .. ففكرة الحرب أو إحتمالات الحرب واردة ، واحتمالات عدم حدوثها غير واردة .. لكن الذى يمنع حدوثها والذى بإمكانه أن يوصل إلى حل سلمى مشرف هو تغيير ميزان القوى لصالح البلاد العربية ، عسكريا، وبتنويع مصادر سلاحها وعدم إعتمادها فقط على الولايات المتحدة فى التسليح ، كذلك ضرورة تنويع البلاد العربية لعلاقاتها السياسية ، بحيث لا تصبح حكرا على الولايات المتحدة فقط ، ويكون الحل لها فقط فى القضايا العربية المصيرية .. ثالثا: ضرورة تنويع العلاقات الإقتصادية حتى لا تصبح الولايات المتحدة محتكرة لزمام حياة العالم العربى فى الكثير من الأمور والقضايا .. لو حدث هذا لأمكن للمنطقة أن تعود إلى موقف عدم الإنحياز ، وبالتالى تكسب إحترام وتأثير دولى كبيرين تصل بهما الأمة العربية إلى إمكانية الحل السلمى .. لو قامت المنطقة العربية بفهم هذا الوضع ودعت أن تكون منطقة الشرق الأوسط بعيدة عن التواجد العسكرى لأى من الدول الكبرى، وهذا هو برنامج التجمع ، فإن ذلك سيكون هدفا يحظى بتأييد الجماهير العربية جميعها.
كاتب وصحفى مصرى – كندى
Mossad_Hegazy@hotmail.com
اجمالي القراءات
16401