احمد صبحى منصور في الخميس ٠٣ - يونيو - ٢٠١٠ ١٢:٠٠ صباحاً
أبــــو غيـــــــاث المكـــــــي : الأمانـــــــــة مع الجـــــوع
مقالات متعلقة
:
في سنة 300هـ كان المؤرخ ابن جرير الطبري يحكي هذه القصة على جلسائه ، قال : ( كنت بمكة سنة240هـ فرأيت خراسانياً ينادي : معاشر الحجاج من وجد كيساً فيه ألف دينار فرده علي أضعف الله له الثواب ، فقام إليه شيخ من أهل مكة كبير من موالي جعفر بن محمد ، فقال له : يا خراساني ، بلدنا فقير أهله شديد حاله أيامه معدودة ومواسمه منتظرة ، فلعله بيد رجل مؤمن يرغب فيما تبذله له حلالاً يأخذه ويرده عليك !.. قال ا&aacdil;لخراساني : وكم يريد ؟ قال : العشر، أي مائة دينار ، قال : لا أفعل ولكن أحيله على الله عز وجل . وافترقا .. فوقع لي أن الشيخ هو الذي عثر على الكيس ، فاتبعته فكان كما ظننت، فنزل إلى دار يبدو عليها الفقر فسمعته يقول : يا لبابة، قالت له :لبيك يا أبا غياث ،قال: وجدت صاحب الكيس ينادى عليه مطلقاً فقلت له قيده بأن تجعل لواجده شيئاً، فقال كم: فقلت عشرة فقال لا،ولكن نحيله على الله عز وجل،فأي شيء نعمل ولابد لي من رده ؟، فقالت له: نقاسى الفقر معك منذ خمسين سنة،ولك أربع بنات وأختان وأنا وأمي وأنت تاسع القوم،استنفقه واكسنا ولعل الله يغنيك فتعطيه أو يكافئه عنك ويقضيه،فقال لها : لست أفعل ولا أحرق حشاشي بعد ست وثمانين سنة، ثم سكت القوم ، وانصرفت. فلما كان من الغد على ساعات من النهار سمعت الخراساني يقول :يا معشر الحجاج وفد الله من الحاضر والبادي ، من وجد كيساً فيه ألف دينار فرده أضعف الله له الثواب ،فقام له الشيخ ، وقال له : يا خراساني ! لقد قلت لك بالأمس ونصحتك ، وبلدنا والله فقير قليل الزرع والضرع ، وقد قلت لك أن تدفع إلى واجده مائة دينار فلعله يقع بيد رجل مؤمن يخاف الله عز وجل فامتنعت ، فقل له عشرة دنانير منها فيرده عليك ويكون له في العشرة دنانير ستر وصيانة ، فقال له الخراساني : لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل ، وافترقا.. فلما كان من الغد سمعت الخراساني ينادي ذلك النداء بعينه ، فقام الشيخ فقال له : يا خراساني قلت أمس الأول العشر منها وقلت لك عٌشْر العَشْر أمس واليوم أقول لك عُشْر عُشْر العَشْر ، يشترى بنصف دينار قربه يستقي عليها للمقيمين بمكة بالأجر ، وبالنصف الآخر شاه يحلبها ويجعل ذلك لعياله غذاء، قال : لا نفعل ولكن نحيله على الله عز وجل ، فجذبه الشيخ من ثيابه وقال :تعالى خذ كيسك ودعني أنام الليل وأرحني من محاسبتك وامش بين يدي. فمشى الخراساني خلف الشيخ وتبعتهما ، فدخل الشيخ فما لبث أن خرج وقال: ادخل يا خراساني ، فدخل ،ودخلت. فنبش تحت درجة له مزبلة واخرج منها الكيس وقال : هذا كيسك؟ فنظر إليه وقال : هذا كيسي، ثم حل فم الكيس وصب المال منه في حجره مراراً وقلّبه ، وقال: هذه دنانيرنا ،وأمسك في الكيس بيده الشمال ورد المال بيده اليمين فيه وشده شداً سهلاً ووضعه على كتفه، ثم أراد الخروج فلما بلغ باب الدار رجع، وقال للشيخ : يا شيخ .. مات أبي رحمه الله وترك من هذا ثلاثة آلاف دينار فقال لي أخرج ثلثها ففرقه على أحق الناس عندك وبع رحلي وأجعله نفقة لحجك ، ففعلت ذلك وأخرجت ثلثها ألف دينار وشددتها في هذا الكيس وما رأيت منذ خرجت من خراسان إلى هاهنا رجالاً أحق به منك ، خذه بارك الله لك فيه ، ثم ولّى وتركه .. فوليت خلف الخراساني فعدا الشيخ خلفي فلحقني وردني ، فقال لي : اجلس فقد رأيتك تتبعني في أول يوم عرفت خبرنا بالأمس واليوم .. وهذه هدية من الله والهدية لمن حضر. ثم قال: يا لبابة .. هاتوا الكيس ثم صاح ببناته وأخواته ، وقال : ابسطوا حجوركم ، فبسطت حِجْري ، وما كان لهن قميص له حِجْر يبسطونه فمدوا أيديهن وأقبل يعُدّ ديناراً ديناراً حتى إذا بلغ العاشر ، قال : ولك دينار حتى فرغ الكيس ، وكان به ألف دينار فأصابني منه مائة دينار ، فتداخلني من سرور غناهم أشد مما داخلني من سرور أصابني بالمائة دينار ، فلما أردت الخروج قال لي: يا فتى إنك لمبارك ولا رأيت هذا المال قط ولا أملته وإني لأنصحك أنه حلال فاحتفظ به، واعلم أني كنت أقوم وأصلي الغداة في هذا القميص الخلِقْ ثم أنزعه فتصلي نسائي واحدة واحدة ثم أكتسب المعاش إلى ما بين الظهر والعصر ثم أعود في آخر النهار بما فتح الله عز وجل لي من أقطٍ وتمرٍ وكسرات ومن بقول منبوذة، ثم أنزع قميصي فيتداولنه فيصلين فيه المغرب والعشاء ، فنفعهن الله بما أخذن ونفعني وإياك بما أخذنا ورحم الله صاحب المال في قبره ، وأضعف ثواب الحامل للمال وشكر له ". ويستمر الطبري في روايته: " فودعته، وكتبت العلم بهذا المال عدة سنين ، كنت أتقوت به وأشتري منه الورق وأسافر وأعطي الأجرة ، فلما كان بعد سنة 256هـ سألت عن الشيخ بمكة فقيل إنه مات بعد ذلك بشهور،ووجدت بناته ملوكاً تحت ملوك ، وماتت الأختان وأمهن ،وكنت أنزل على أزواجهن وأولادهن فأحدثهم بذلك فيستأنسون بي ويكرمونني ، ولقد حدثني محمد بن حيان البجلي في سنة 290هـ إنه لم يبق منهم أحد.. فبارك الله لهم فيما صاروا إليه ورحمة الله عليهم أجمعين".) أ.هـ حدثت القصة السابقة سنة 240هـ وتوفى بطلها أبو غياث المكي سنة 241هـ وحكاها الطبري سنة 300هـ وكان عمره حين شهد تلك القصة 16 عاماً. واستمر يطلب العلم ويستعين عليه بذلك المال . وعاشت معه تلك القصة إلى أن توفى سنة310 هـ والغريب أن الطبري وأبا غياث المكي كليهما عاش 86 عاماً !!
هذه المقالة تمت قرائتها 487 مرة
|
التعليقات (3) |
[48118] تعليق بواسطة نعمة علم الدين - 2010-05-28 |
ومنهم من عاهد الله ..
|
القرآن الكريم مليئ بالكنوز التي تظهر في الواقع الأجتماعي وفيه من كل مثل كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه ..
|
[48156] تعليق بواسطة نورا الحسيني - 2010-05-31 |
وفي أموالهم حق معلوم
|
الشكر للدكتور أحمد صبحي منصور على هذه السلسة من المقالات من علوم القرآن ، وفي الحقيقة أن الله تبارك وتعالي أمرنا بالتحري والبحث عن من يستحق الصدقة وهذه القصة تعلمنا ذلك أنه لا نعطي مال الصدقة إلا لمن يستحقها لأنه يوجد من بين الناس من لا يسأل الناس إلحافا ويستحون من ذلك رغم حاجتهم الشديدة {لِلْفُقَرَاء الَّذِينَ أُحصِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاء مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ }البقرة273.
|
[48165] تعليق بواسطة عبدالمجيد سالم - 2010-05-31 |
لكل منا تجربة مقترنة بآيات الله ..
|
من عظمة القرآن أنه يتطابق مع الواقع بكل ما فيه .. فمهما كان تصرفك ستجد مثلك مذكورا في القرآن .. فمثلا حين عرض أي قضية مذكورة في القرآن على أي جماعة بشرية تجد أن التقسيمات التي إنقسمت بها الجماعة الأولي تتكرر في كل جماعة بنفس التفاصيل والنسب ..
|
القرآن والواقع الاجتماعى (21 )
القرآن والواقع الاجتماعى20( وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذ
القرآن والواقع الاجتماعى (19 )(وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ
القرآن والواقع الاجتماعى (18 ) ويرزقه من حيث لا يحتسب
من علوم القرآن : القرآن والواقع الاجتماعى 17
القرآن والواقع الاجتماعى ( 16 )
القرآن والواقع الاجتماعى (14 )
القرآن والواقع الاجتماعى (15 ) ( فكأنما قتل الناس جميعا )
القرآن والواقع الاجتماعى (13 )
القرآن والواقع الاجتماعى (12 ) إن ربك لبالمرصاد
من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى (11 )
القرآن والواقع الاجتماعى (10)
القرآن والواقع الاجتماعى
القرآن والواقع الاجتماعى (9)
(7 ) القرآن والواقع الاجتماعى
من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى:(6)(الذين يوفون
من علوم القرآن : القرآن و الواقع الاجتماعى ( 5 )
(2) من علوم القرآن : القرآن والواقع الاجتماعى
من علوم القرآن : القرآن والواقع الاجتماعى
من علوم القرآن :القرآن والواقع الاجتماعى ( 4 )
دعوة للتبرع
فيديوهات خليعة : سلام عليكم اتنمى ان تساعد وني في حل مشكلت ي ...
أربعة أسئلة: السؤا ل الأول عندن ا ( الدمغ ة ) على الذهب ،...
ولا تجسسوا .!: هل يجوز ويحق لي أن أنظر إلى داخل بيت أحد بدون...
سجن المطربات: هل يجوز قرآني ا أن تحاكم الدول ةوتسج ن ...
يوبقهن : ما معنى قوله تعالى ( أَوْ يُوبِ قْهُن َّ ...
more