اتفاقية بحر قزوين..جدار الحياه
يقع بحر قزوين في قارة آسيا ملامسا لشواطئ خمسة دول هي " روسيا – إيران – أذربيجان – تركمانستان – كازاخستان" تم تسلط الضوء على البحر بعد مؤتمر تاريخي للدول الخمس في كازاخستان في أغسطس الماضي، وضع هذا المؤتمر أساس اتفاقية كبرى ومفاوضات مرحلية تضع حد للخلافات على البحر آخر 20 سنة..
ويبدو لي أن الاتفاق جاء مزامنة مع عدة أحداث سياسية مما يعني أن الغرض من الاتفاق أكبر من مجرد حل خلافات، أو تقاسم ثروة كما يُشاع، علما بأن المؤتمر لم يفضي إلى اتفاق خاص بتقاسم الثروة في البحر، إنما وضعوا أساس مفاوضات بشأنها مستقبلا عبارة عن مبادئ عليا دستورية لهذا التقاسم ، إنما الذي تم هو إجراء احترازي أمني موجه ضد الولايات المتحدة وأوروبا ، خاصة بعد قرب انتهاء أزمة سوريا ومحاولات أمريكا إشعال حرب خليجية إيرانية.
قديما كان يحد بحر قزوين دولتين فقط هما "إيران والاتحاد السوفيتي" لكن بعد تفكك الاتحاد تمخض البحر إلى حدود 5 دول في بقعة جغرافية ضيقة خلقت العديد من المشاكل لم تتطور لصراعات عسكرية أو حتى سياسية، بل مجرد خلافات حول الثروة والأمن تم حل تلك الخلافات بشكل شبه نهائي في مؤتمر كازاخستان الأخير..
تم وضع أساس أمني لدول الشاطئ القزويني مبدأ دستوري ملزم لجميع الأعضاء، وهذا يعني أن أكبر مستفيد أمني من الاتفاقية هما روسيا وإيران تحديدا في ظل صراعهما مع أمريكا في عدة مناطق، وفي ظل طموح إمبراطوري قديم للولايات المتحدة بالسيطرة على البحر كجزء من مشروع أضخم بالسيطرة على كل بحار العالم المهمة، ورغم أن بنود الاتفاقية الأمنية لم يتم إعلانها بشكل واضح وكامل إلا أنه أعلن عن منع أي تواجد عسكري لدول أجنبية – غير قزوينية – داخل حدود الدول الخمس، مما يعني قطع الفرصة على أمريكا بعدم إنشاء قواعد عسكرية أو استخدام مطارات أو أي وجود عسكري غربي هدد إيران وروسيا تحديدا.
وعن ثروات البحر فهو يضم أغلى الأسماك وهو "سمك الحفش" المستخرج منه طعام الكافيار أغلى طعام في العالم، كما يعد أكبر منطقة بحرية في آسيا – مع الخليج – إنتاجا للنفط والغاز، ومنطقة هامة كذلك تصبح مطمع ومصدر ثابت للخلافات لو لم يتمتع أحد عناصرها بالحكمة ويقرر التنازل عن بعض حقوقه المختلف عليها، وفي رأيي أن ذلك حدث مع إيران بالتنازل عن بعض حصتها المقررة (بالخُمس) لصالح كازاخستان صاحبة أطول شاطئ مطل على البحر يحوي ثاني أكبر حقل نفطي في العالم "حقل تنجيز"..
لكن المكسب من وراء الاتفاق أكبر من ثروات بحر قزوين، حيث أن الاتفاقية الموقعة بين الدول الخمس تمثل مدخل إيراني هام للوجود في آسيا، وتشكيل حائط صد قزويني أمام أحلام أمريكا بالتوسع، إضافة لحماية ظهرها في حين نشب صراع عسكري بين السعودية وإسرائيل مع إيران، وهذا يعني أن فرص تبرير الاتفاقية وقبولها في الداخل الإيراني كانت أكبر من دعاوى تفريط الدولة في حقوقها المختلف عليها في بحر قزوين..
ومن ناحية روسيا ، فقد وافقت على مد أنبوب غاز يمر من تركمانستان إلى أذربيجان ثم إلى تركيا، وهذا كان محل رفض روسي في السابق، كي لا تتضرر الحصة الروسية للغاز في أوروبا، ولأن هذا التنازل الروسي يمنح مزيد من الثروات لتركمانستان فالروس وقعوا على الاتفاقية لمكاسبها الأمنية في المقام الأول بغض النظر عن الربح المشروع لتركمانستان، في وقت تحتاج فيه تركيا هذا التواصل مع تركمانستان كجزء من علاقات الشعبين (العرقية) بوصفهما شعوب تركية متصلة حضاريا ولغويا وثقافيا..
إذن يظهر لنا أن الجميع مستفيد من الاتفاقية، إيران وروسيا مستفيدين من الناحية الأمنية، تركمانستان وكازاخستان وأذربيجان من الناحية الاقتصادية، تركيا هي المحور الخارجي المستفيد أيضا إضافة للصين التي وضعت دول بحر قزوين ضمن أكبر خطة تجارية في طريق الحرير، ومشروعات استثمارية محفزة في الدول الأعضاء لتطوير الاتفاقية التي من المتوقع أن تتحول من مجرد اتفاق توزيع ثروات وحماية إلى تجمع اقتصادي وأمني في المستقبل.
هذا مؤشر إلى أن سياسة ترامب العدوانية تجاه معظم دول العالم كانت سببا وعاملا مساعدا في توقيع الاتفاقية، فمن ناحية إيران وروسيا قد وجدوا ظهيرا أمنيا لهم إضافة لفرصة التفاف على العقوبات ستتطور حتما لتبادل اقتصادي كبير مع أوروبا وتركيا يصبح بديلا لهيمنة أمريكا على السوق الأوروبي.
إضافة إلى أن الاتفاقية قضت تماما على سياسة أمريكا - في عصر أوباما - بإيجاد مورد نفطي بديل لدول الخليج، مما يعزز هيمنة النفط الخليجي على السوق الأمريكي ، علما بأن سياسة أمريكا الاقتصادية لم تنفصل يوما عن العسكرية والسياسية، فتواجدهم العسكري الأوروبي وفي الناتو يحمي نفوذهم الاقتصادي في أوروبا، وتواجدهم العسكري كذلك في الخليج يحمي نفوذهم الاقتصادي هناك، أما الآن فاتفاقية بحر قزوين لن تسمح بتواجد عسكري أمريكي في محيط البحر مما يعطي الحرية الكاملة لأعضاء الاتفاقية بحرية التصرف وفقا لمصالحهم.
اجمالي القراءات
4203