الانبعاثات السامة في العراق: سحب الكبريت تهدد أجواء بغداد مجدداً
تشهد العاصمة العراقية بغداد موجة جديدة من التلوث الهوائي، إثر رصد سحب محملة بغازات كبريتية سامة تتكثّف في سمائها، في مشهد بات متكررا في العاصمة التي تغص بالمصانع والمنشآت الكهربائية والنفطية التي تخنق أجواءها، فضلا عن ملوثات أخرى، ما أعاد القلق البيئي والصحي الى الواجهة، وسط تحذيرات من غياب المعالجات.
وكانت العاصمة العراقية قد سجلت في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، إدخال أكثر من 300 شخص إلى العناية المركزة في المستشفيات نتيجة أزمات تنفسية خلفتها السحابة الكبريتية التي غطت سماء بغداد لأيام عدة، وسط تأكيدات أن مصدرها معامل تدوير أسلاك الكهرباء والبلاستيك التي تحيط ببغداد، وكذلك مطامر النفايات.
ووفقا لبيان لمرصد "العراق الأخضر"، وهو مرصد مستقل متخصص بالشؤون البيئة، "هناك عودة لرائحة الكبريت للانتشار في أجواء العاصمة بغداد اعتباراً من الشهر المقبل، نتيجة ارتفاع نسب الملوّثات الهوائية، وسط مؤشرات بيئية مقلقة"، مؤكدا أن "الرائحة التي يشكو منها السكان وتُعرف شعبياً بالكبريت، تعود في الحقيقة إلى مزيج من نحو 20 نوعاً من الغازات الملوثة، بعضها قد يؤثر بشكل مباشر على الجهازين العصبي والتنفسي لسكان بغداد". وأضاف أن "تلوث هواء العاصمة يعود سببه إلى الاكتظاظ السكاني الكبير، والارتفاع الحاد في أعداد السيارات والمولدات، فضلاً عن الأنشطة الصناعية والخدمية غير المنظمة، وغياب منظومة متكاملة لإدارة المخلفات الصلبة"، مشيرا إلى أن "قلة مشاريع معالجة مياه الصرف الصحي، وتراجع المساحات الخضراء داخل المدينة، تُساهم في رفع مستويات التلوث مقارنةً بمدن أخرى". وأكد المرصد أن "وزارة البيئة والجهات الرقابية أجرت زيارات ميدانية لبعض المعامل وأغلقت المخالفة منها، لكن لا يزال عدد منها يمارس نشاطه دون اتخاذ أي إجراء فعلي بحقه، وهو ما يفاقم الأزمة البيئية".
ويؤكد مسؤولون في وزارة الصحة العراقية أن حالات الاختناق وأزمات الجهاز التنفسي الناتجة عن التلوث البيئي، لم تنقطع عن المستشفيات في البلاد، وقال مسؤول في ردهة طوارئ أحد مستشفيات بغداد، لـ"العربي الجديد"، مشترطا عدم ذكر اسمه، أن "جميع مستشفيات بغداد تستقبل بشكل مستمر حالات صحية خطيرة ناجمة عن التلوث البيئي. الحديث عن زوال السحب الكبريتية في الأشهر السابقة لم يجعل من أجواء البلاد، وخاصة بغداد، نقية، بل يتم تسجيل حالات أمراض صدرية، وتنتج عنها لاحقا أمراض السرطان على اعتبار أنها مواد سامة مسرطنة"، وشدد على أن "الأجواء في بغداد خطيرة بكل الأوقات، فكيف إذا عاودت السحب الكبريتية مجددا"، مشيرا إلى أن "الملف بحاجة الى معالجات حكومية، لأن الواقع الصحي في خطر".ويؤكد خبراء في شؤون البيئة أن الإجراءات الحكومية نحو بيئة آمنة، "معدومة بالكامل"، وقال الخبير البيئي حمزة الشمري "إننا أمام مخاطر صحية كبيرة، تحتم على الحكومة إعلان حالة تأهب وقائي لتخليص العاصمة من الملوثات"، مبينا لـ"العربي الجديد"، أن "الأجواء في بغداد غير صالحة للعيش، في ظل عدم وضع حد لانتشار المصانع ومحطات الكهرباء والنفط، ومطامر النفايات المنتشرة داخل المناطق السكنية، وإحراقها بشكل مستمر، فضلا عن زحام السيارات وعوادمها"، وشدد على "ضرورة العمل فورا على تحجيم تلك الملوثات، ووضع خطط لنقل المصانع والمحطات خارج المدن المأهولة، وإطلاق حملات تشجير"، داعيا المواطنين إلى ارتداء كمامات واقية قدر المستطاع، ومراجعة الأطباء المختصين عند الشعور بأي أعراض غير معتادة".
وكانت الجهات الحكومية قد نفذت في الأشهر الأخيرة حملات ملاحقة لإغلاق بعض المولدات الكهربائية الأهلية المخالفة، وبعض المصانع، إلا أن تلك الحملات لم تستمر، كما أنها لم تحقق أي نتائج تذكر.
اجمالي القراءات
44