تدخلات أمنية في انتخابات نقابة الصحافيين المصريين
كشف صحافيون في صحيفة الأهرام الحكومية المصرية تلقيهم اتصالات هاتفية من ضباط في جهاز الأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية، تحثهم على انتخاب عضو المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام عبد المحسن سلامة نقيباً للصحافيين، في انتخابات التجديد النصفي لمجلس النقابة المقررة يوم الجمعة المقبل.
وقال صحافيون في "الأهرام" طلبوا عدم الكشف عن أسمائهم، لـ"العربي الجديد"، إن اتصالات وردت إليهم من أرقام أمنية خاصة، على مدى اليومين الماضيين، تطالبهم بانتخاب سلامة على حساب منافسه النقيب الحالي خالد البلشي، وهو أمر اعتاده رؤساء الأقسام في الصحف الحكومية الرئيسية خلال أي انتخابات للنقابة، في إطار الحشد للمرشح المحسوب على الدولة.
وأضاف الصحافيون أن رئيس تحرير "الأهرام"، ماجد منير، عقد اجتماعين منفصلين مع رؤساء الأقسام في الصحيفة لتأكيد أهمية حشد الصحافيين في المؤسسة يوم الانتخابات من أجل التصويت لسلامة، بصفته الرئيس السابق لمجلس الإدارة، و"أحد رموز المؤسسة الصحافية القومية"، وفق قوله.
وذكروا أنّ رئيس مجلس إدارة "الأهرام"، محمد فايز فرحات، قرر صرف بدلات مالية استثنائية لجميع الصحافيين في المؤسسة، لحثهم على المشاركة في الانتخابات، بمن فيهم المراسلون في المحافظات، مع التعهد بتوفير باصات مكيفة لنقلهم إلى مقر النقابة العامة وسط القاهرة، وتوزيع نحو ألفي وجبة ساخنة داخل النقابة يوم الانتخابات.
في السياق نفسه، قال مصدر مطلع في الهيئة الوطنية للصحافة، لـ"العربي الجديد"، إن سلامة حصل على وعد من وزير المالية، أحمد كجوك، بزيادة بدل التدريب والتكنولوجيا للصحافيين من 3900 جنيه (نحو 76 دولاراً أميركياً) إلى 4800 جنيه (94 دولاراً أميركياً) شهرياً وإعلان الزيادة رسمياً منتصف الأسبوع الحالي، "بدل التدريب والتكنولوجيا"، وهو مبلغ مالي تدفعه نقابة الصحافيين بتمويل من وزارة المالية لكل صحافي، وكان في الأصل مجرد مبلغ رمزي يستفيد منه الصحافي في شراء صحف أو خدمات، لكنه تحول مع مرور الوقت إلى مصدر دخل ثابت، وأحياناً وحيد للصحافيين، ولهذا يتنافس المرشحون على منصب النقيب على زيادة قيمة هذا البدل.
سبق لسلامة أن تولى منصب نقيب الصحافيين بين عامي 2015 و2017، شهد خلالها أعضاء النقابة انتهاكات غير مسبوقة شملت فصل المئات منهم من العمل، نتيجة ممارسات التضييق وإغلاق الصحف من جانب السلطة الحاكمة، فضلاً عن اعتقال عشرات الصحافيين المصريين تحت مزاعم انتمائهم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وتلفيق القضايا لهم.
وسلامة كان عضواً في الحزب الوطني "المنحل" الحاكم إبان عهد الرئيس المخلوع الراحل حسني مبارك، وترشح عن الحزب في انتخابات مجلس الشعب عن دائرة شبرا الخيمة في محافظة القليوبية عام 2010، التي أفضت إلى "برلمان مزور بالكامل"، ومثلت أحد الأسباب الرئيسية في اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011.
وتحت عنوان "بلاغ لكل معني بأمر الصحافة والوطن"، كتب وكيل نقابة الصحافيين، محمود كامل، عبر صفحته في "فيسبوك" مساء أمس الجمعة، قائلاً: "نعم هي انتخابات ومنافسة، ولكنها ليست حرباً. هذا هو المنهج الذي يجب أن يحكم كل صحافي ومرشح، رغم التجاوز الذي بلغ مداه لأمور شخصية، ونشر أكاذيب، وتعمد تغييب كل القضايا والهموم الحقيقية التي تواجهنا على مستوى المهنة". وأضاف كامل: "من الواضح أن العلاقة الصحية التي نجحت النقابة ومجلسها في بنائها مع الدولة ومؤسساتها وأجهزتها خلال العامين الماضيين لا تعجب البعض، أو لا تعجب طرفاً بعينه لا يعرف معنى الشراكة، ولا يرضى بغير علاقة تبعية، فبدأ بالانقضاض على هذه التجربة، لأنهم لا يعرفون إلا لغة التخوين، ولا يدركون أن الأمن الاجتماعي وتوسيع مساحات الحرية هما اللذان يصنعان الأمن السياسي، وليس العكس".
وتابع: "الرسالة الواردة للجماعة الصحافية واضحة: أن هناك أطرافاً لا ترتضي إلا بنقابة ضعيفة، تابعة، بلا إرادة، وأن الحل تكفين هذه الإرادة مقابل فتات الوعود. إن الممارسات التي تتم الآن ومنذ أسابيع تجاوزت كل الحدود والخطوط الحمراء، وأصبح تدخل إحدى جهات الدولة بشكل سافر غير مقبول، وهو التدخل الموثق الذي طاول زملاء في المحافظات تلقوا اتصالات، وتعرضوا لضغوط رافقتها عمليات توجيه لصالح أحد المرشحين على منصب النقيب".
وزاد كامل: "للأسف، طاول ذلك جهات حكومية، كما طاول الهيئة الوطنية للصحافة، رغم أنها من المفترض مستقلة بحكم الدستور، لكنها على مدار الأسابيع الماضية، ووفقاً لما وُثِّق أيضاً، شهدت اجتماعات لرؤساء التحرير تجمعهم بأحد المرشحين لدعمه، والضغط على كل من يدعم منافسه. كذلك استخدمت موارد بعض المؤسسات التابعة لها في إقامة موائد عامرة لدعم مرشح بعينه، وتهديد بعض رؤساء التحرير، سواء بصيغة مباشرة، أو غير مباشرة، بل وصل الأمر إلى تهديد بعض المؤقتين بعدم التعيين".
واستطرد: "كل ذلك يتم برعاية جهة واحدة تركت كل الملفات المعنية بإدارتها، وتفرغ بعض القائمين عليها للتدخل في انتخابات نقابة الصحافيين بصورة تسيء للدولة المصرية أمام الرأي العام. ومن منطلق حرصي على النقابة، أرفض قبول أي مرشح لمثل هذه الممارسات، وأرفض من يسعى لمنصب النقيب على حساب زملائه، ومستقبل نقابته، بدلاً من أن يسعى بالإقناع والحوار".
وختم كامل قائلاً: "كيف أثق بمن يأتي عبر القوائم السوداء، أو على أسنة رماح مؤسسات أمنية، مدججاً بوسائل غير نقابية وغير مقبولة؟ إن هذه الوسائل ليست من أدوات صناعة الهيبة، ولا أريد الخوض في تفاصيل أخرى باتت معلومة لكم جميعاً، وأعتبر هذا بلاغاً لكل معني بأمر الصحافة والإعلام، ولكل مسؤول يهمه أمر هذا الوطن ومستقبله. إن نقابة الصحافيين ليست للبيع، والتدخلات من هذا النوع لا تصنع انتصاراً، لكنها قد تدمر مستقبلاً".
اجمالي القراءات
46