الهدر الغذائي يستنزف اقتصادات الخليج
يمثل الهدر الغذائي خلال شهر رمضان مشكلة اقتصادية وبيئية كبيرة في دول الخليج، حيث ترتفع معدلات الهدر بشكل ملحوظ، إذ تشير تقارير حديثة إلى أن نسبة هذا الهدر تصل إلى 30%، ما يؤدي إلى خسائر ضخمة تُقدر بمليارات الدولارات سنويا، خاصة في دول تعتمد بشكل كبير على استيراد الغذاء مثل السعودية والإمارات وقطر والبحرين.
ومن بين هذه التقارير ما أوردته منصة "EcoMENA"، المتخصصة في شؤون البيئة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث عزت الهدر الغذائي إلى عادات الشراء المفرط والإفراط في الطهي بدول الخليج، فيما أوردت دراسة أخرى أجراها معهد الموارد العالمية الأميركي أن الهدر الغذائي على مستوى العالم يكلف الاقتصاد العالمي أكثر من تريليون دولار سنويا.
وفي السعودية وحدها، تقدر الدراسة أن الهدر الغذائي يكلف حوالي 40 مليار ريال سعودي (أي ما يعادل 10.7 مليارات دولار) سنويا، ويزداد هذا الرقم خلال رمضان بسبب زيادة الإنفاق على الطعام بنسبة 50-100% مقارنة بالأشهر العادية.
وفي الإمارات، تقدر الدراسة أن 38% من الطعام المُعد يوميا ينتهي بشكل نفايات، ما يمثل أكثر من 3.27 ملايين طن سنويا، وترتفع هذه النسبة إلى ما بين 40% و60% خلال رمضان. ويتكرر المشهد في باقي دول الخليج.
هدر مضاعف
يؤكد الخبير الاقتصادي، حسام عايش، لـ "العربي الجديد"، أن العالم يهدر نحو ثلث الغذاء سنويا، بما يقدر بحوالي 10 مليارات طن، تُقدر قيمتها بنحو تريليون دولار، لافتا إلى أن هذه الكميات المهدرة تكفي لانتشال أكثر من 12% من سكان العالم من براثن الجوع، ما يعكس حالة من الترف وعدم الوعي بالتكاليف الناجمة عن هذا الهدر.ويضيف أن الإنفاق على الطعام والشراب يرتفع في رمضان بنسبة تتراوح بين 50% إلى 200% مقارنة بالأشهر الأخرى، وبالتالي تصل حصة الهدر من الطعام في هذا الشهر إلى ضعف أو ضعفي كميات الهدر في الأشهر الأخرى، مشيرا إلى أن الهدر الغذائي في رمضان ظاهرة خليجية تؤثر على حجم الإنفاق على الطعام والشراب، خاصة في ظل اعتماد دول مجلس التعاون على استيراد نحو 98% من احتياجاتها الغذائية من الخارج، ما يكبدها تكاليف باهظة.
وينوه عايش إلى أن هذه الظاهرة تمثل هدرا ماليا ومناخيا في آن واحد، حيث يعد الطعام المهدور أحد مصادر انبعاث غاز الميثان والغازات الدفيئة المؤثرة على المناخ، والتي تزيد من الاحتباس الحراري، لافتا إلى أن دول الخليج بدأت تتأثر بالتغيرات المناخية من خلال ارتفاع درجات الحرارة والأعاصير والأمطار.
ويذكر الخبير الاقتصادي أن متوسط إهدار الطعام للفرد في دول الخليج يزيد عن المتوسط العالمي، البالغ 90 كيلوغراما للفرد، ليصل إلى 184 كيلوغراما، ويقدر قيمة هذا الهدر في دول الخليج بما يقارب 20 مليار دولار سنويا، وهو رقم يتضاعف في شهر رمضان.ويصاحب الهدر الغذائي هدرا للكميات المحدودة من المياه العذبة، مما يساهم في ظهور مشكلات مائية تعاني منها دول الخليج، حسب عايش، لافتا إلى أن الانبعاثات المرتبطة بالفاقد المهدر من الطعام تُقدر بأنها مسؤولة عن 8% إلى 10% من غازات الاحتباس الحراري العالمي، وهي تكاد تساوي الانبعاثات الناتجة عن النقل البري في العالم.
ويضرب عايش المثل بالإمارات والسعودية، إذ أن 30% من هدر الطعام السنوي في الإمارات يحدث في رمضان، ومثلها في السعودية، فضلا عن وجود المشكلة ذاتها في باقي دول الخليج كالبحرين وعمان وقطر والكويت، التي تحتل مراتب متقدمة من حيث كميات الهدر سواء للفرد أو حجم وكلفة الغذاء المهدور.
ويعزو عايش ارتفاع كميات الهدر في دول الخليج إلى الزيادة السنوية في الاستهلاك الغذائي بنسبة تتراوح بين 4% إلى 5%، مما يؤدي إلى زيادة كميات الهدر، ورغم وجود مبادرات وخطوات وسياسات وإجراءات في هذا الشأن، إلا أن الهدر أصبح مرتبطا بالإنفاق الغذائي الخليجي بشكل عام، وفي شهر رمضان بشكل خاص.
ويؤكد عايش أن المشكلة تمثل تحديا اقتصاديا نظرا لارتفاع تكاليف الطعام وزيادة الاستيراد، إلى جانب تأثيراتها البيئية والاقتصادية مثل الضغط على الموارد والمياه والطاقة اللازمة لإنتاج الغذاء، إضافة إلى تكلفة التخلص من الطعام المهدور، وتكاليف معالجة النفايات، وتلوث البيئة.
تجربة الخليج
للتغلب على هذه المشكلة، يقترح عايش سن أنظمة وقوانين تضبط عملية الاستهلاك وتحد من الهدر، مع ضرورة وجود تخطيط لدى الأسر لاستهلاك كميات تناسب احتياجاتها، وإيجاد آليات ووسائل للتبرع بالفائض من الطعام بشكل لائق ومناسب، واستخدام تقنيات للاحتفاظ بالطعام الزائد لفترات أطول.وينوه عايش، في هذا الصدد، إلى تجربة استفادة الدول الخليجية من تجربة التبرع بالأضاحي في عيد الأضحى، حيث يتم نقلها إلى دول عربية وإسلامية أخرى.
ويقترح عايش أيضا إطلاق برامج حكومية للحد من الهدر الغذائي، واستخدام تقنيات التخزين الجديدة للحفاظ على جودة الطعام لفترة أطول، وتعليم سكان الدول الخليجية كيفية إعادة استخدام الطعام المتبقي وتحويله إلى وجبات جديدة، مع ضرورة إقامة شراكات مع المؤسسات والمنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني لتنسيق الجهود وتنظيم حملات توعية وأنشطة لجمع الطعام الزائد.
في السياق، يشير الخبير الاقتصادي، محمد الناير، لـ "العربي الجديد"، إلى أن الهدر الغذائي في رمضان يمثل مشكلة كبيرة في دول الخليج، خاصة مع انتشار موائد الإفطار الرمضانية العامة والخاصة، ورغم أن هذه الموائد تعكس روح الخير والعطاء في الشهر الكريم، إلا أنها غالبا ما تكون مصحوبة بهدر كبير للطعام.
ويؤكد الناير أن هذا الهدر لا يؤثر فقط على الموارد الشخصية، بل يمثل إهدارا لموارد الدولة أيضا، ولذا يقترح أن يتم التخطيط بعناية لإعداد وجبات الإفطار، بحيث تكون كافية ومناسبة دون إسراف، وتشجيع الأفراد على تقديم الطعام بالطريقة التي تحقق الأهداف السامية للشهر الكريم، مع الحرص على تجنب الهدر.
اجمالي القراءات
11