كتب - علي عبد الودود:
قال الدكتور إبراهيم درويش، الفقيه الدستوري، والذي شارك في وضع دساتير عدد من الدول العربية: '' إن النظام السياسي في أي دولة سواء كانت متقدمة أو في طريق النمو أو ديمقراطية أو ديكتاتورية، لابد أن يكون في كل منها دستور، يحدد بناء النظام السياسي وجوهره واتجاهاته سواء فيما يتعلق بالحقوق والحريات العامة أو بنظام الحكم، فالوثائق الدستورية تختلف من دستور الي آخر وفق توجهات المجتمع وطموحاته ورؤاه، ومن هنا نسمي الدستور ''أبوالقوانين ''.
وتابع درويش في حواره لصحيفة ''الأهرام: '' ليس من الواجب أو المستحب أو من الأوفق أن يتضمن إلا ما هو دستوري بطبيعته وباقي الأمور متعلقة بأهداف الدولة وقضاياها يكون محلا لقوانين، ذلك لأن الدستور كوثيقة تحدد الحقوق والحريات العامة والنظام السياسي واستقلال القضاء، وماعدا ذلك يترك للقوانين المكملة للدستور مثل قانون ممارسة الحقوق السياسية وقانون الانتخابات البرلمانية والرئاسية والزراعة والتجارة والصناعة، فكل أنشطة الدولة نتركها للقوانين لأن الدستور لابد وأن يتسم بالاستقرار والاستمرار والدوام، بينما أنشطة الدولة تكون محل للقوانين.
وأضاف قائلاً: '' هذا كله يؤكد لنا ألا نخلط بين مواد الدستور التي هي دستورية بطبيعتها وبين المواد غير الدستورية بطبيعتها والتي تتعلق بأنشطة مكملة للدستور أو بأنشطة متعلقة أيضا بوظائف الدولة مع تحفظ بشرط جوهري وهو أن جميع القوانين المكملة للدستور والتي تشمل تحديدا قوانين ممارسة الحقوق السياسية والانتخابات
والمفسرة للحقوق والحريات والأقليات إن وجدت يجب أن تكتب من خلال صانعي الدستور وبروح الدستور ووقت صدوره كي تكون معبرة عن روح القانون بأقلامهم وهي مانسميها بالمواد الموضوعية الدستورية المكملة للدستور, فهي تتضمن كل ماهو قانوني متعلق بالدستور وليس دستوريا متعلقا بالدستور.
وأشار الفقيه الدستوري '' إلى أنه بعد أن تابع بشكل دقيق كل ما أنتجته اللجنة التأسيسية لعمل الدستور الجديد أكد أن 90 % من مواده غير دستورية لأن محلها القوانين وليس الوثيقة الدستورية، قائلاً: ''هذه اللجنة لا تستطيع كتابة دستور ذلك لأن القانون الدستوري شئ وكتابته شيء آخر، كما أن
أعضاء اللجنة ليست لديهم القدرة علي كتابة وثيقة دستورية ''، وغلب عليهم طابع وفلسفة الإقصاء وغاب عنهم الطابع الكفء، واتجاهاتهم الشخصية والسياسية، وبالتالي غاب عن الجمعية مفهوم الدستور بطبيعته والوثيقة الدستورية، وهو ما نتج عنه، انقساما حادا بين أعضاء اللجنة التأسيسية وانسحابات كبرى ولم يبق إلا فصيل الإسلام السياسي وعدد قليل جدا.
وأكد الفقيه الدستوري أن من بين الملاحظات التي خرج بها أن المادة 150 من المسودة تعطي لرئيس الدولة الحق في تعديل الحدود بعد موافقة المجلس التشريعي، وتعد مصدر خطورتها أنها تدور حول أرض سيناء، كما أنه لم يحدث في تاريخ أي دستور في العالم أن يعطى لرئيس الدولة حق التنازل عن قطعة من أرض الوطن بموافقة مجلسه التشريعي.
ورأى أن هناك مادة تنص علي المساواة بين الرجل والمرأة في أول الدستور ثم تم سحبها آخر الدستور، بعد أن أكدت المادة الأولي أن المواطنين أمام القانون سواء ثم يسحبونها في العديد من المواد بعد ذلك وينظرون الي المرأة علي اعتبار إنها كائن تابع للرجل، مما يؤكد التفرقة بين الرجل والمرأة وهذا يفقد المنتج مصداقيته وعدم جدارته أن يطلق عليه اسم دستور.
ويضيف: أن نصوص المسودة تسمح بأن يكون الرئيس متجنسا بجنسية أجنبية وهذه أخطر مادة لم يحدث في أي دستور في العالم أن يباح لأي مواطن يكون جده أو أجداده أو جدته متجنسين بجنسيات أخري, لأن الجنسية هي الانتماء الحقيقي للمواطن فإذا تجنس في الماضي أو الحاضر أو حتي المستقبل تعدد الانتماء وحينما يتعدد الانتماء لديه يتم فقدان الانتماء كلية للمواطنة.
وأكد درويش في تقييمه أن القوات المسلحة هي ملك للشعب، حتي وإن لم ينص صراحة علي ذلك في الدستور، وهو الآمر الذي خلق أزمة وثيقة الدكتور علي السلمي وإنهاء دور المجلس الأعلي للقوات المسلحة, وليس هناك من دستور ينص علي وضعا خاصا للقوات المسلحة لأنها جزء من الوطن يحددها القانون ولا يجوز أن ينص في الدستور علي أن لها وضعا خاصا.
وقال إن الرئيس لا يملك إلغاء الإعلان الدستوري الصادر في الثالث من مارس بعد استفتاء19 مارس2011, ولا يملك أيضا إصدار إعلان دستوري جديد لأن اختصاصات رئيس الجمهورية محددة في الإعلان الدستوري السابق وتحصين قرارات الرئيس مخالف للمادة 22 من الإعلان السابق وما قام به هو هدم للشرعية وعدوان علي المحكمة الدستورية العليا.