معاهدة سلام

الإثنين ٠٧ - أغسطس - ٢٠٢٣ ١٢:٠٠ صباحاً


نص السؤال:
هل يجوز للدولة الاسلامية أن تتعامل بالصلح وعقد عهود مع دولة كافرة معتدية ؟
آحمد صبحي منصور :

 الأساس هنا أن الدولة الاسلامية لا بد أن تجمع بين صفتين : أن تكون قوية عسكريا ، وأن تكون مسالمة . بقوتها تحمى نفسها وتردع من يطمع فى الاعتداء عليها . وهذا الردع يأتى بمعنى الارهاب فى قوله جل وعلا : ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ (60) وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (61)  الأنفال ).

يترتب على هذا الآتى :

1 ـ التعامل مع الدول وفق الاسلام السلوكى بمعنى السلام ، وهو أيضا أساس التعامل داخل الدولة الاسلامية ، واساس المواطنة فيها ، فكل السكان فى الدولة الاسلامية هم المُسالمون فيها ، وهم مالكو الدولة . أما ما يخض العقائد والعلاقة بالخالق جل وعلا فمرجعه لرب العزة جل وعلا ( يوم الدين ).

2 ـ هناك دولة مخالفة فى الدين ولكن مُسالمة . وهنا يجب التعامل معها بالبرّ والقسط . قال جل وعلا : ( لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) الممتحنة ).

3 ـ هناك دول كافرة سلوكيا بالاعتداء والتعدى . يكون تحاشى إعتدائهم بعقد معاهدات معهم لحقن الدماء . وبينما يتوجب على الدولة الاسلامية الوفاء بالتعهدات فإن نقضها يأتى من الطرف الآخر . وتعرض القرآن الكريم لهذا فى سياقات شتى . قال جل وعلا :

3 / 1 : ( إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (55) الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لا يَتَّقُونَ (56) فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (57) وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ (58) الانفال ). أدمنوا على نفض العهود والاعتداء . لذا يجب مواجهتهم بحزم ليكونوا عبرة لأمثالهم .

3 / 2 : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (72) الانفال ). هنا دولة تضطهد داخلها المؤمنين فى الدين ، يستغيثون بالدولة الاسلامية ، فإن كان هناك معاهدة عدم إعتداء فلا يجوز للدولة الاسلامية أن تنتصر للمؤمنين المضطهدين داخل هذه الدولة الكافرة . بالتالى فعلى المؤمنين فيها أن يبذلوا جهدهم فى الهجرة للدولة الاسلامية لتحميهم .

3 / 3 : ( إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوكُمْ أَوْ يُقَاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقَاتَلُوكُمْ فَإِنْ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمْ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً (90) النساء ). جاء هذا فى سياق التعامل مع الأعراب المنافقين وتقلباتهم ( النساء 88 : 91 ). منهم من إعتزل القتال الهجومى   وكانت له علاقة سلمية بمن عقدت الدولة الاسلامية معهم معاهدة سلام ، وسالموا ـ أيضا ـ الدولة الاسلامية . هؤلاء يحرم على المسلمين قتالهم .

3 / 4 : ( كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوْا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ (12) التوبة ). المشركون المعتدون إذا عقدوا معاهدة سلام فيجب على المسلمين الالتزام بها طالما هم ملتزمون بها. إن نكثوا العهد وطعنوا فى دين السلام بالاعتداء فيجب قتالهم دفاعيا .



مقالات متعلقة بالفتوى :
اجمالي القراءات 2083
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5130
اجمالي القراءات : 57,285,232
تعليقات له : 5,458
تعليقات عليه : 14,839
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي


لا تناقش الكافرين : كنت اناقش احد البخا ريين في موضوع الصلا ة ...

الحتميات والسعى : هل نفهم من قوله تعالى ( وابتغ وا ما كتب الله...

زحزح : ما هو المست فاد من قوله جل وعلا : (...

حين تذكر لفظ الجلالة: شخص متدين عندما يتكلم فى أى موضوع يقول ( والله...

الصلاة بغير العربية: حاليا في العال م المعر وف بالاس لامي يصلون...

الوصية قبل الموت : هل تجوز الوصي ة قبل الموت ؟ ...

بعث / أرسل : ما الفرق بين بعث و ارسل ؟ هو الذي بعث في...

عن الحيض : قد رأيت لكم جوابا ً عبى أحد السائ لات أنه...

الايجاز بالحذف: قرأت لك ان هناك إيجاز بالحذ ف فى القرآ ن ...

الأنبياء وقدر الله: هل كان ابراه يم عليه السلا م يخاف من...

خمسة أسئلة : السؤا ل الأول لو شخص تلفظ بالطل اق في سره...

الذهاب للمصايف : هل حرام الذها ب للمصا يف وما فيها من نساء...

مسألة ميراث: توفى ابن خالتى ولم يكن لديه زوجه او ابناء...

البيع الصورى : هل يجوز ان يكتب الزوج لزوجت ه عقار بنية الخوف...

الوصى الشيعى : في احدي فتاوي ك ترد علي السائ ل ان الاما مه ...

more