آحمد صبحي منصور
:
أعداء التطرف الدينى من خارج الأصولية الدينية يكررون أن للتطرف أسبابه الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ، أى أنه رد فعل للظروف ، أى أنه مفعول وليس فاعلاً .
وعلى ذلك فإن علاج أسباب التطرف تقضى على التطرف ، ولهذا يطالبون باجراءات سريعة مثل القضاء على البطالة وارتفاع الأسعار وعلاج مشاكل الشباب وعلاج أزمات النقل والإسكان والمواصلات ويطالبون أيضاً بإفساح الهامش الديمقراطى ومحاربة الفساد المستشرى في قطاعات الدولة ، وعلى المدى البعيد يطالبون بتداول السلطة وإصلاح نظام الحكم وتحويله إلى النظام اللامركزى والإدارة المحلية ، وتحويل الريف إلى عنصر جذب اقتصادى وسكانى وإنتاجى . ويقولون أن التطرف الدينى جاء نتيجة للفساد والتخبط السياسى والاقتصادى فإذا تم الإصلاح انتهى التطرف والإرهاب الدينى وذلك أقرب للصواب .
* والجناح المدنى للتطرف والإرهاب لهم رأى آخر.
صحيح أنهم يعتبرون الحكومة مسئولة أيضاً عن سبب الفساد واضطهاد الشباب المتدين وتعذيبه ولكنهم في الوقت نفسه يخلطون بين التدين والتطرف ويجعلون التدين ـ أو التطرف- ظاهرة أصيلة في الشعب المصرى ورغبة نبيلة في العودة للسلف الصالح ودعوة للإصلاح بالدين بعد أن فشلت النظريات الشيوعية والعلمانية في الحكم .
* وعليه فإن الحل من وجهة نظرهم هو في القضاء على الدولة العلمانيةالقائمة وأن يحكموا هم ليجربوا تطبيق شعاراتهم . وإذا طولبوا ببرنامج للحكم تكلموا عن عظمة الإسلام ، وتحولوا إلى الخطب الدينية وتركوا لغة السياسة ، وتحدثوا في الترغيب والترهيب والوعد والوعيد. ثم إذا عجزوا عن الإقناع تحرك الجناح العسكرى بأهم وسيلة في الإقناع وهى المدفع الرشاش.
وكما يقال فإن الجواب نعرفه من عنوانه ، وقد عرفنا ولا نحتاج إلى المزيد !!
فإذا كانوا يفعلون هكذا وهم خارج الحكم فكيف إذا حكموا ؟ !!
ونعود إلى السؤال الأساسى هل التيار المتطرف فاعل أم مفعول ؟
وكاتب هذه السطور مسلم أصولى ولكنه يعارض التطرف منذ أن بدأ ذلك عن اقتناع بأنه يخالف الإسلام وأن الإسلام يحتاج الآن لمن يعانى فى سبيل إظهار حقائقه وليس محتاجاً لمن يتاجر باسمه العظيم في دنيا السياسة والاقتصاد.
وأرى أن التدين المصرى يخالف ذلك التطرف ، فالمصرى حين يتدين يكون أكثر تسامحاً وأكثر صبراً على ظلم الحاكم أى يكون أكثر ابتعاداً عن التطرف والإرهاب ومن هنا فتلك الشراسة فى الشباب المتدين مرجعها إلى الفكر الحنبلى الوافد الذى جاءت به رياح النفط حين هاجر المصريون للعمل وعادوا بالذقون والتزمت والتعصب والتطرف ثم وجدوا الدولة تزايد على التطرف فتفسح أجهزة الإعلام للجناح المدنى للتطرف ، وفى الوقت نفسه تترك الفساد يتغلغل في أجهزتها فينتشر السخط بين الشباب وينضم إلى معسكرات التطرف وحينئذ تطارده أجهزة الأمن وتمارس معه العنف فيتحول الشاب المتطرف الى ارهابى ناقم مستعد لتدمير نفسه والآخرين .
إذن فالتطرف رد فعل لظروف داخلية وخارجية .
ولأنه رد فعل وليس فاعلاً أصيلاً فإن منجزاته كلها صورية.
صحيح أنه أنشأ الكثير من المساجد ولكنه نشر الكثير من النفاق والتحايل باسم الدين .
صحيح أنه نشر اللحى على الوجوه وغطى وجوه البنات بالنقاب ولكنه ملأ العقول بالخرافات والأساطير التى يبرأ منها الله تعالى ورسوله .
صحيح أنه انتشرت كلمات طيبة مثل " جزاك الله خيراً " ولكن انتشرت معها أيضاً اتهامات بالكفر والردة على أهون الأسباب .
إن التدين إذا كان أكثر إرتباطاً بكتاب الله تحول إلى عنصر فاعل في السلوك وتحول إلى تقوى ورقى وسماحة وشجاعة في الحق وعفو عند المقدرة. أى تحول إلى إصلاح حقيقى في النفس يكون أساس أى إصلاح سياسى واجتماعى .
هذا الاصلاح القائم على التدين الصحيح بالقرآن الكريم لا يأبه بالشعارات واللافتات مثل العمائم واللحى والنقاب ، وبالتالى يكون أبعد عن أساليب التحايل بالدين وقتل الناس وأكل أموالهم باسم إقامة المساجد ومحاولة مصادرة مستقبلهم باسم الحاكمية والسعى لقتلهم باسم الجهاد . !!
مقالات متعلقة
بالفتوى
: