سامر إسلامبولي Ýí 2007-01-15
لقد اشتُهر في التراث أن الحائض يجب عليها أن تترك الصلاة، والصيام، أيام حيضها؛ وذلك لاعتمادهم على روايات حديثية، لعلّ من أشهرها، ما ورد في البخاري ومسلم من رواية تذكر: (أن النساء ناقصات عقل ودين)، وتمَّ سؤال النبي عن ذلك، فقال: (أمَّا نقصان عقلها؛ فلأن شهادة امرأتَيْن بشهادة رجل، ونقصان دينها لتركها الصلاة والصوم أثناء حيضها).
وهذا الحديث مردود دراية لبطلان متنه؛ فمسألة شهادة رجل بامرأتَيْن لا علاقة لها بنقصان العقل، لا من قريب، ولا من بعيد، والقرآن قد ذكر السَّبَب في قوله تعالى: { أَن تَضِلَّ إْحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى }البقرة282، فلا يوجد عقل أنثى وآخر ذَكَر، فالعقل لا نوع له، وإنما هو يتشكَّل من العلم والثقافة، وهذان الأمران متاحان للرجل والمرأة على حدّ سواء.
أمَّا أن من تمام دينها ترك الصلاة والصيام أثناء فترة الحيض؛ فهذا كلام متهافت، فهل إن قامت الحائض بالصلاة والصوم يتمُّ دينها، أو تقع بمحظور شرعي؟ فمن المعلوم أن تَرْك الحائض للصلاة هو طاعة لله عزّ وجلّ ؛ إذ اشترط الشارع لأداء الصلاة حصول الطهارة البدنية، وهذا غير متحقِّق بالحائض، فأسقط عنها الصلاة؛ فتكون الحائض - بتركها للصلاة - مطيعة لله عزّ وجلّ، بخلاف إقامتها للصلاة، وهي حائض؛ فتصير - بذلك - عاصية.، إذاً؛ المفروض أن يكون الحديث - على فرض صحّته- (أن من تمام فقه المرأة لدينها ترك الصلاة أثناء حيضها). وبذلك النقاش يتبيَّن لنا بطلان مَتْن الحديث، وردّه دراية؛ لتناقضه مع القرآن، و الواقع.
فالمرأة الحائض أسقط الشارع عنها أداء الصلاة في فترة حيضها؛ لاشتراطه حصول الطهارة البدنية للصلاة، وحصول هذه الطهارة ليست بيد المرأة، على خلاف الجنابة، فهي بيد الإنسان، لذا؛ لابدّ لها أن تنتظر انقطاع سيلان دم الحيض (حَتَّىَ يَطْهُرْنَ)، وبعد ذلك تقوم بعملية التطهير المادي حسب الفعل الذي تريد أن تقوم به( فَإِذَا تَطَهَّرْنَ)، فإنْ كان فعل الجماع، فيجب أن تطهِّر الفرج حدّاً أدنى، وإنْ كان الفعل أداء الصلاة، فيجب أن تطهِّر جسمها كاملاً، ولم يُكلّفها بقضاء الصلاة المتروكة في أيام الطّهر، قال تعالى{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُواْ النِّسَاء فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ }البقرة222 وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }المائدة6
فدلالة كلمة (الطهارة) في نصّ الحيض، ونصّ الجنابة، هي طهارة مادية، ولكلَيْهما يجب الغسل للجسم كاملاً.
أمَّا بالنسبة لصيام المرأة الحائض؛ فقد أتى النصّ القرآني عاماً في خطابه {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }البقرة185
والخطاب للرجال والنساء على حدّ سواء؛ فلم يشترط الشارعُ الطهارةَ البدنية للصيام؛ لأنه عبادة مستقلّة غير الصلاة، وهو يستوعب اليوم كاملاً (12) ساعة، فالرجل أو المرأة إذا أصبحا جُنُبَينِ في رمضان، فصيامهما صحيح، وإذا احتلم الرجل أو المرأة أثناء نومهما، في نهار رمضان، فصيامهما صحيح.
فالحائض مثل الجُنُب تماماً من حيث وجوب الصيام عليها، أمَّا إذا أثّر الحيض على جسم المرأة، وأُصيبت باضطراب، ولم تقدر على الصيام، فتصير - حينئذ - بحُكم المريضة، وتأخذ حُكْم المرض، وينطبق عليها النصّ {وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ}(البقرة 185).
فرخَّص الشارع لها بالإفطار، على أن تقضي ذلك في أيام أُخَر، ويُقاس على الحائض المرأة النفساء تماماً، من حيث القدرة والضعف والقضاء في أيام أُخر.
هذا ما يدلُّ عليه القرآن، والقرآن حجَّة بنفسه، لا يحتاج إلى مَنْ يقول بقوله ليُعطيه مصداقية.
بسم الله ما شاء الله لغة حوار ممتازه .... المقال من 2007 وانا لسه مشترك حالا في اهل القرآن بعد ما وقع هذا المقال بالصدفه امامى ... وقريت المقال وكل التعليقات من امبارح وانا قاعد أقرأ :) وعجبنى اوي المقال وكل التعليقات عليه وعاوز اشكر كل الناس اللى علقت واختلفت واستدلت وبحثت واختلفت .... لأن كل كلامكم كان اثراء لى ... بصراحه انتم كلكم حاجه جميله اوي ... طبعا انا بشكر الأستاذ / سامر على المقال وبشكر كل من الاساتذه:
ابراهيم دادي
اية محمد
عفاف صبري اللى كان اسمها زمان رحمه J
سعيد العوضي
داليا سامى
فوزي فراج
ايمان ابو السباع
المعلقين على المقال ..... من الاخر انا مبسوط بيكم فعلا :)
جزيل الشكر والتقدير للأخ والأستاذ سامر إسلامبولي الذي يكتب لنا مواضيعا وأبحاثا قيمة ومهمة وبأدلة صريحة وتتوافق مع القرآن.
بارك الله فيكم جميعا.
علاقة المرأة و الرجل فى أطار النكاح
برهان قراني على ترك عبادة الاباء
سلسة دراسات قرءآنية -مثال يوضح كيفية تدبر ءايات القرءآن الكريم
دعوة للتبرع
شكرا، وأقول: أشهد الله تعالى أنكم تجاهد ون في سبيل الله...
العادة السرية: السل ام عليكم ابى الفاض ل اسف على السؤا ل ...
اللمم: لوسمح ت عندى بضعة اسئلة انا فى علاقة مع...
حكم ايمان الأغلبية !: من وضع أحادي ث جمع القرآ ن و خصوصا الأحا ديث ...
more
شكرا سيدي على هذا الموضوع المهم، و الذي هو السبب الرئيس في إهانة المرأة و القول أنها ناقصات عقل و دين.
أخي الكريم سامر اسلامبولي، أرجو أن يتسع صدرك لبعض الملاحظات و التساؤلات التي أقدم لك حول هذا الموضوع ونناقشه بكل موضوعية و احترام لرأي الآخر.
. قلتم: أما أن من تمام دينها ترك الصلاة والصيام أثناء فترة الحيض فهذا كلام متهافت . .
كيف تردون الحديث أعلاه لبطلان متنه، و تحتجون به لترك الحائض الصلاة؟ و يكون حسب قولكم من تمام دينها ترك الصلاة و الصيام؟ و هل ترك عبادة من العبادات من تمام الدين؟
. قلتم: فهل إذا قامت الحائض بالصلاة والصوم يتم دينها أم تقع بمحظور شرعي ؟ ! .
أخي الكريم ألا يوجد تناقض في هذا السؤال و التعجب؟ فإذا كان الله قد أمر الحائض بترك الصلاة و الصوم فإنها تقع في محظور شرعي و هذا أكيد، لكن كيف رفضت الحديث الذي يأمر الحائض بترك الصلاة و الصوم، و قبلت منه ترك الصلاة؟!
. قلتم: فمن المعلوم أن ترك الحائض للصلاة هو طاعة لله عز وجل إذ اشترط الشارع لأداء الصلاة حصول الطهارة البدنية وهذا غير متحقق بالحائض فأسقط عنها الصلاة .
أرجو من فضلكم أن تقدموا لنا النص الذي أسقط الله فيه عن الحائض الصلاة، التي قال عنها تعالى: إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا(103). النساء. وفي نظري لم يسقط الله فريضة الصلاة على عبد من عباده العاقلين البالغين، و لا حتى عن المحاربين و هم في حالة الحرب و الخوف و على غير طهارة ربما بل أمرهم بإقام الصلاة كما تعلمون.
. قلتم: فتكون الحائض بتركها للصلاة مطيعة لله عز وجل بخلاف إقامتها للصلاة وهي حائض فتصير بذلك عاصية .
فتكون بذلك عاصية لمن، ومطيعة لمن ؟ هل الله أمرها بذلك، أم يقولون وجدنا عليها آباءنا و الله أمرنا بها، و يفترون على الله الكذب .
. قلتم: فالمرأة الحائض أسقط الشارع عنها أداء الصلاة في فترة حيضها لاشتراطه حصول الطهارة البدنية للصلاة ، ولم يكلفها بقضاء الصلاة المتروكة في أيام الطهر .
نعم أخي الكريم من شروط إقام الصلاة الطهارة، طهارة العقل و طهارة البدن و هذا لا خلاف فيه، فأوجب المولى تعالى على السكران ألا يقرب الصلاة حتى يعلم ما يقول فهذه طهارة العقل، و على المجنب حتى يغتسل وهذه طهارة البدن، فإن لم يجد الماء يتيمم، فأين أوجب الله تعالى على الحائض الاغتسال من الحيض والتيمم إن تعذر وجود الماء؟ وما هي الطهارة؟
يقول سبحانه: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا(43). النساء.
فهل إذا تبرز أحدنا أو جاء من الغائط و لم يغتسل يمكنه إقام الصلاة؟ طبعا لا، يجب عليه أن يغتسل و يتطهر و يتوضأ، وكذلك بالنسبة للحائض عليها أن تغسل فرجها ـ وهذا يمنع من احتمال سرطان الرحم لأن ذلك الدم فيه الأذى لو لم يٌطهر من حين لآخر، و أوقات الصلاة كافية لذلك ـ و تضع عليه حفاظة ثم تتوضأ و تقيم الصلاة ولا علاقة بالآية التي سأل الصحابة فيها عن المحيض وجاء الجواب من العليم الحكيم مباشرة " قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ" فالآية تتحدث عن الجماع فقط، و نهى الخبير العليم الرجال باعتزال المحيض و الاتصال بمكان وجود الدم لوجود الأذى لكلا الجنسين، و لم يأمر سبحانه النساء بترك الصلاة و الصوم لأنه لا يوجد الأذى في إقام الصلاة و الصوم، و الحديث البخاري مردود دراية لبطلان متنه كلية، و لا يصلح أن يحتج بما هو مردود.
و شكرا جزيلا أخي الكريم لو توضح لنا وجهة نظركم. مع تحياتي.