محمد عبد المجيد Ýí 2011-11-18
من الصناعات الثقيلة التي تمتلكها السلطــة والإعلام والقوىَ الخارجية والشركات متعددة الجنسيات ورجال الدين، فضلا عن قوىَ خفية تتحرك في الظـلام، وتهمس لانعاش حدث، ثم تــُسدل الستار مؤقتا على حدث آخر.
في صناعة الذاكرة سباقٌ محموم بين قوىَ تريد أن تنعشه في ذهنك، وأخرى تبحث عن إهالة التراب عليه، وأنت حائر بين الاثنين: لا تعرف من يمسك السلسلة المعقودة حول رقبتك!
تــُطيع، مثلا، حشودٌ جماهيرية يقدر عددها بمئات الآلاف دعوةً للخروج منددين بالدولة المدنية، ويبحثون عن هويتهم في الدستور، وعن منهجهم في مواده وليس المادة الثانية فقط، فتسري الدعوة بين الجماهيري المغيــَّبة وتمسح في طريقها عشرات الأشياء الأخرى المهمة والعاجلة جداً والتي لا تحتمل تأجيلا، وعلى رأسها الانتهاء من محاكمة الرجل الذي آذاهم، وقتل من اخوانهم المئات، وأمر بالاغتصاب وانتهاك كرامتهم، ودفع لأقبية السجون منهم أعداداً غير معروفة في عالم النسيان.
تنسى، مثلا، العبــّارة وحريق مسرح بني سويف ومصرع 33 خبيرا عسكريا مصريا ومئات من الحوادث المفجعة، لكن الإعلام يعيد حدثاً قديما، ثم يلقي به إلى السطــح فيطفو، ولا ترى الجماهيرُ غيره فتتمسك به، فهو الشيء الوحيد المسيطر، مؤقتا على الذاكرة، وتلعب القوى الخفية لعبتها الساحرة، فتخفي ثعباناً في صدرك، وتخرج لك حمامة تطير أمامك!
يصغر الحدث الأكبر، ومصارف الدنيا تلطم وجهها فالمصريون غير معنيين باسترداد أموال لو عادت إليهم لوضعت حلولا فورية لنصف أزماتهم الاقتصادية، وينام الجوعى على بطون خاوية فيحلمون بأموالهم المنهوبة تــُخرج لهم لسانــًها، فإذا استيقظوا شغلتهم السلطــة والإعلام بقضايا أخرى.
في الأيام الأولى للثورة المجيدة كانت صور الشهداء الصغار تطارد أعيننا الدامعة عليهم، فينتفض الجهاز العصبي مثيرا رغبة التمرد والتظاهر والاعتصام، لكن صانعي الذاكرة يخفونها رويدا .. رويدا وراء ظــهورهم، وبعد أقل من عام لا يستطيع أيٌّ مــِنــّا، باستثناء الأقارب والأصدقاء، استدعاء صور الشهداء الشباب لعلنا نقوم بشحن أفئدتنا بمشاعر الحزن والغضب والأسف و .. الرغبة في القصاص لهم من قاتليهم.
القوى الكبرى التي تزعم أنها مناهضة، وقد حصلت على الثمن مسبقا، لا تنسى أن في اللعبة قواعد وأصولا ينبغي احترامها، فتعلن أن نزولها المظاهرات لا يعني قبولها الاعتصام، فهي ساعات قليلة يجب أن يتحملها المجلس العسكري والحكومة والشرطــة والجيش فهي ستعود إلى مكاتبها بعد صلاة العشاء لتمارس الدور المطلوب منها.
صورة الطاغية المخلوع تتلون، فتكون فاتحة تارة، وغامقة تارة أخرى، يضعون لها رتوشاً فيبدو كأنه حقا في السجن أو في مستشفى مزرعة طره، ثم يعيدون رسم الصورة فيبدو كأنه مخلوع برغبته، ومخدوع بحساباته، لكنه يتحكم من فراشه كما كان يتحكم من منتجعه، فيتبادل السجن والمنتجع الأدوار لكي تظل ذاكرة المصريين بين اصبعين من أصابع الطاغية مخلوعا أو .. غير مخلوع.
المواطن لا يبحث عن الحدث ليعيد استخراجه بقوة إيمانه وحبه لوطنه، لكنه يترك الكبار يعبثون في جمجمته، فيتبادلون الأدوار في وضع اهتمامات المواطن وهو مستكين إليهم كما يفرش المريض الفقير جسده أمام جزاري الطب وهم يسرقون من أعضائه تحت التخدير ما تحتاج إليه أجسام أسيادنا.
أهم أربعة أحدث تهز الكون كله لو تم عرضها على محكمة الضمير الدولي، لو كان لها وجود: أموال شعب فقير تنتظر في الخارج سلطــة الشعب تطالب باستردادها. جبال من القمامة تغطــي شوارع وأزقة وحواري وطرق أم الدنيا، وتنذر بطاعون وكوليرا وملاريا وأمراض أخرى تفتك بربع أو خــُمس سكان الوطن المسكين. قاتل ومجرم وجبان وطاغية وسفاك للدماء والأب الروحي لكل لصوص مصر تحميه السلطتان التنفيذية والقضائية، وتؤجل في صدور الحـُكم، وتترك كل رجاله وكلابه لمدة عام بعد نجاح الثورة. والأمر الرابع انفلات أمني متعمد، وعشرات الآلاف من القتلة واللصوص والبلطجية والمسجلين كأخطر أصحاب السوابق، تعرفهم الحكومة والمجلس والأمن والجيش والشعب، يثيرون الفزع، ويروعون الآمنين، ويغتصبون أمة صامتة على من تركهم يرتعون، ويحيلون حياة المواطن إلى جحيم.
تلك أربع كوارث لو تحولت السماء والأرض ومن فيهن إلى ضمير يحكم على الصامتين عليهم لما بقيت للمصريين حجة واحدة للمكوث في بيوتهم منتظرين كلمة السماء التي سمعوها عشرات المرات ووضعوا أصابعهم في آذانهم.
أربع كوارث تصغر بجانبها كل مصائب الوطن، ومنها الانتخابات والمظاهرات والأوزمات الاقتصادية والفقر ومياه النيل وقناة السويس والسياحة والتعليم وغيرها.
أربع كوارث لو لمست ضمائر حية لايقظتها أو سحقتها، ومع ذلك فذاكرتنا بين أيدي كبارنا، فيحددون لنا مع كل صباح كان يمكن أن يشرق ويكون جميلا على أصحاب أطــهر ثورات مصر في كل عصورها، ماذا نفعل، ولماذا نتظاهر، وما هي أولوياتنا؟
كيف تقنع القرد ميمون بأنه لا يضحك على المتفرجين، إنما يحصل صاحبه على ثمن اضحاكهم عليه؟
كيف نتحرر من قيود العابثين بذاكرتنا، والمحددين أولوياتنا، والذين يخفون وراء ظــهورهم همومنا الحقيقية، وفواجعنا القاتلة، وأمراضنا الوبائية؟
كيف نعرف الأهم .. فالمهم؟ إذا عرفنا فربما نضع أقدامنا على الطريق الصحيح!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 17 نوفمبر 2011
Taeralshmal@gmail.com
دعوة للتبرع
مسألة ميراث: انا جزائر ي عندي استفس ار بارك الله فيك يا...
سؤالان : السؤا ل الأول : اكرهت نا عليه من السحر هناك...
الأكراد ودولتهم : لقد قرأت موضوع الاكر اد وجواب الدكت ور عليه...
شيعة العصر المملوكى: قرأت كتابك ( السيد البدو ى ) وأريد أن أجعل...
حقوق الجار: إذا كان لي جاروه ومسلم وقريب مني يقولو ن: له...
more