النضوج عشر سنوات في كل عام!
النضوج عشر سنوات في كل عام!
سألني صديق: هل يمكنك تلخيص تجارب حياتك في فكرة واحدة وقد بلغتَ من العُمر ثلاثة أرباع القرن؟
قلت له: فكرة تموت فور الجهر بها؛ لا أظنها تصدر عني، ولكن فكرة تحتفظ بها مع روحِك فلا ريب في أنها مختصر عُمري كله!
ثم أردفت: ضاعِف تجارب حياتك بإزاحة كل الخطوط الحمراء التي تعرقل مسيرتك الإنسانية؛ فكلما تكثفت الممنوعات والمحظورات، تراجعتْ إنسانيتك وزادت القيود في معصميك و.. عقلك.
أكثف الخطوط الحمراء هي تلك التي يضعها على عقلك المتحدثون الكاذبون باسم السماء؛ فكلها تقريبا تهديد، ووعيد تعقبها وعود بمكافآت أخروية، كلما مرَّ زمن أضاف إليها أو حذف منها بحيث يصبح القفص الذي يضمّك أضيق من القفص الصدري الذي تضمه!
تعلــّــتُ أن حريتي واستقلاليتي وشجاعتي وسعادتي في ركل القيود التي يضعها المتلاعبون باسم السماء، والترهيبيون باسم السلطة السياسية.
لو عاد بي الزمن إلى الوراء لمسحت كل الخطوط الحمراء، ووضعت بدلا منها خطوطا خضراء قد تميل إلى الأحمر البسيط بفضل تعاليم دينية مقبولة وأخرى وطنية تحترم قوانين العدالة.
كلما زادت الخطوط الحمراء، اقترب منك زمنُ عبوديتك حتى تصبح أنت وكلب السلطة توأمين، وتتحول مع العبودية المقدسة إلى طاعة أوهموك أنها تُرضي السماءَ فإذا هي ملتصقة بالأرض.
قابلت في حياتي الطويلة أسيادًا من القصر أو من المنبر يجــُــرّون شعوبا لا تعرف قيمة السعادة في الحرية، ويستعذبون المذلة وتطربهم المهانة.
ابدأ يومَك بمسح خط أحمر، والذي قد يكون رجلا أو داعية أو صديقا يسيطر عليك أو قوة غاشمة داخل يونيفورم عسكري أو شُرطي أو صاحب سطوة مالية أو كاتبا أو إعلاميا أو مُربيا فاشلا في جعلك تحب الحياة.
شكك في كل ما حولك حتى لو لم تنبذه أو تطرده أو تصارعه؛ لكن الشك والارتياب وعدُ التصديق للوهلة الأولى وهو يفتح لك الطريق إلى أول أنفاس الكرامة والحرية والإنسانية، وبغير ذلك ستتكاثر عليك القيود المجتمعية، وتـــُـتــْعسك القيود الداخلية فتظنها إيمانا أو طاعة واجبة أو احتراما لبلاهة الوهم المقدس.
ضع علامة استفهام أمام كل جملة تقرأها، أو تسمعها ولو كانت في أحشاء أي كتاب مقدّس، وعلامة الاستفهام تختلف عن الإنكار، بل إن الاستفهام بداية الطريق للإيمان المطلق النظيف والطاهر والعقلاني.
عندما تُفرج شفتيك، وتفتح فاك، وتبدي دهشتك من أفكار غيرك فأنت قد تدخل المصيدة من حيث لا تدري، فلم يُخلـــَـق على وجه الأرض من التراب أو من الطين الإنسان المعبود ولو كان داخل مئة قصر أو ألف معبد.
اصفع الكبير بينك وبين نفسك، وامسح قداسة كل تواريخ العالم، ولا ترفع أحدا فوق رأسك؛ حينئذ قد تكتشف أنك أكبر وأشرف وأسمى وأعظم من معبودك الأرضي.
قُم بينك وبين نفسك بتكذيب كل الحكايات الماضوية والسلطوية، ولا مانع أن تعيد رسمها في تقدير واحترام جديدين عن قناعة يقينية.
هل جربت السعادة المطلقة؟
إن لم تكن قد فعلت من قبل؛ فعليك أن تمسح كما تفعل مَسّاحة التلميذ ما كتبه بالقلم الرصاص، وقُل لنفسك عن مُعلمك: لعله مخطيء!
كل الطغاة في أركان الأرض الأربعة يعتمدون على صمتك المرتعش للخطوط الحمراء، ويفعل مثلهم الكاذبون باسم السماء على الأرض.
أنا مؤمن ولي عشاق من المخلوقين من طين وتراب الأرض، لكنني أحطــّـم عشاقي كما يفعل الطفل مع ما يصنعه على شاطيء البحر، أو يركل لعبتــَـه إذا غضب منها.
هذا هو ملخص تجاربي الحياتية في ثلاثة أرباع القرن!
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
عضو اتحاد الصحفيين النرويجيين
أوسلو في 24 ابريل 2022
اجمالي القراءات
3555