كمال غبريال Ýí 2010-05-31
هو سؤال واحد حائر حول وضع الأقباط في وطنهم الأزلي الأبدي. . سؤال واحد يمكن أن تتفرع وتنبثق منه بعد ذلك عشرات ومئات الأسئلة، التي ستظل يقيناً بلا إجابة، طالما مصر شعباً وحكومة قد قررت أن تنتحي بنفسها جانباً عن مسيرة التاريخ والحضارة الإنسانية، وأن تظل قانعة بالرقاد في أوحال التخلف الفكري والعادات والنظم العتيقة التي انتهت صلاحيتها من عصور.
هل الأقباط مواطنون كاملي المواطنة في بلادهم، أم هم ملحق أو زائدة شاذة، وموضوعون في حظيرة "أهل &Ccete; الذمة"؟
ذلك هو بداية السؤال، والذي تتطلب الإجابة عليه أن نتبين الفرق بين الخيارين الذين طرحهما، خيار المواطنة وخيار أهل الذمة. . خيار المواطنة في دولة حديثة، يقوم على انتماء كل المتمتعين بالجنسية المصرية إلى كيان واحد موحد، يخضع لمجموعة نظم وعلاقات موحدة، يحدد أسسها العريضة الدستور، ويفصلها ويفعلها القانون. . لا يعني هذا أن الكيان الوطني الواحد يصب جميع منتسبيه في قالب واحد، كما لو كانوا قطيع أغنام متشابهة متماثلة، لكنه لابد وأن يتيح لكل فرد فيه أن يكون ذاته، وأن يحيا وفق قناعاته الخاصة، ووفق خياراته الفكرية والدينية والاجتماعية، لكن ولكي يكون ذلك الكيان الوطني واحداً بالفعل، لابد وأن تكون العلاقات البينية بين الأفراد، وبينهم وبين الكيان الوطني، علاقات واحدة تساوي بين الجميع، والتي من المفترض أنه قد تم الاتفاق عليها أساساً الجميع، بموجب انتمائهم للوطن القائم على أساس الدستور، الذي هو العقد الذي وقع الجميع عليه، لكي ينظموا بموجبه شراكتهم الوطنية.
أما الخيار الآخر، والذي بموجبه لا يكون الأقباط جزءاً عضوياً من هذا الوطن، وإنما ملحقاً يطلق عليه الفقه الإسلامي "أهل الذمة"، فإن الوضع في هذه الحالة لابد وأن يختلف. . فوضعية الملحق يترتب عليها نتيجتان في غاية الخطورة: الأولى أن المصري الملحق على الكيان الوطني، ليس له ذات حقوق المواطن الأصيل، فليس من المنطقي أن يتساوى العضو الأصيل في الكيان الوطني، مع عضو منتسب له انتماء آخر مختلف، هو الانتماء إلى الأقباط وكنيستهم.
النتيجة الثانية لوضعية الأقباط كأهل ذمة هو ما يترتب على هذا المفهوم الفقهي من عدالة وإنصاف للأقباط ككيان قائم بذاته، بأن تطبق عليهم شرائعهم الخاصة، وألا تفرض عليهم شرائع الأغلبية، التي ستكون والحالة هذه ليست أيضاً شرائع وطنية، وإنما شرائع دينية وفق دين الدولة، الذي هو وفق المادة الثانية من الدستور المصري الإسلام. . وهكذا تصبح الكنيسة ليست مجرد دار عبادة لله، بل تكون مؤسسة تقوم بوظائف القصر الجمهوري ومجلسي الشعب والشورى، وأيضاً مجمع التحرير بوزاراته، فيما عدا بالطبع وزارتي الداخلية والدفاع
يلاحظ هنا أن انسلاخ الأقباط من مفهوم الدولة الوطنية، وانحشارهم في "قفة أهل الذمة"، يؤدي تلقائياً إلى التلاشي العملي للدولة الوطنية ومؤسساتها، لتندرج الأغلبية المسلمة هي الأخرى في "جبة المشايخ"، ليصبح كل ما عدا ذلك من مؤسسات الدولة ورموزها مجرد ديكور، وعلى أحسن الفروض يكون مسموحاً لها باللعب في المساحات التي يتخلى عنها طواعية أهل السطلة الحقيقية في الجانبين القبطي والإسلامي
يتحتم علي هنا أن أتوجه بسؤالي مباشرة إلى رأس دولتنا المصرية ورمزها السيد/ محمد حسني مبارك، فهو الوحيد المخول وفقاً للدستور لأن يعطيني إجابة حاسمة قاطعة: هل دولتنا يا سيدي دولة وطنية تقوم على معايير المواطنة المتعارف عليها في العالم أجمع، وعلى معايير حقوق الإنسان، أم أننا في تجمع لطوائف وملل ونحل ينتمي إلى نظم العصور الوسطى؟
أتخيل أن سيادة الرئيس سيبادر بالإجابة تلقائياً بالخيار الأول، بأننا في دولة وطنية حديثة، ولسنا تحالف قبائل عرقية أو دينية بدائية. . وأتخيلني وأنا أخفي مزيجاً من الارتياح ونفاد الصبر أقول له: عليك إذن أن تثبت ذلك بالفعل، وليس بترديد العبارات الإنشائية التي فقدت معناها من كثرة ما سمعناها. . عليك يا سيدي أن تثبت أن دولتنا جديرة بالاحترام، وأن قضاءنا له من المهابة والقدرة على إجبار كل رأس في مصر على الخضوع له
لقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا يوم 29/5/2010، حكمين فى دعويين منفصلتين، يلزمان البابا شنودة الثالث بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بالتصريح لاثنين من الأقباط المطلقين بالزواج مرة أخرى. . قالت المحكمة فى أسباب الحكم إن تكوين الأسرة حق دستورى، يعلو فوق كل الاعتبارات، وإنها إذ تحترم المشاعر الدينية، غير أنها تحكم وفقا لما قرره القانون، وإن القاضى لا مفر أمامه إلا تنفيذ ما نص عليه القانون، ويعتبر الحكمان باتين ونهائيين وغير قابلين للطعن.
الحكم هكذا يا سيدي الرئيس نموذج لسيادة القانون في دولة المواطنة، والتي تعلو فيها مظلة الدستور على كل ما عداها، والتي يكون فيها مصير وحياة مواطنيها جميعاً مسئولية الدولة، لا تفوضها أو تتخلى عنها لأي جهة أخرى، طالما الأقباط يحملون كغيرهم بطاقة هوية مصرية. . فهل ستسمح يا سيدي الرئيس لأحد بأن يتحدى سلطات الدولة، وأن يضع نفسه ومؤسسته الدينية فوقها وفوق الدستور؟
الأمر هنا يا سيدي لا يحتمل التلكؤ والموائمات اللعينة المعتادة، فإما أن تكون الدولة أو لا تكون
أريد شخصياً كمواطن مصري مسيحي الديانة أن أعرف، إن كان رئيسي المنوط به تسيير وتيسير حياتي أنا وأولادي وأحفادي هو رئيس جمهورية مصر، أم هو قداسة البابا المعظم أب الآباء وراعي الرعاة، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية والخمس مدن الغربية وبلاد الحبشة وأثيوبيا وأريتريا وسائر بلاد المهجر
من حق المصريين جميعاً يا سيدي الرئيس أن تضع لهم دولتهم المدنية قوانين حديثة تنظم جميع علاقاتهم، بما فيها قوانين الزواج، الذي هو أمر مدني محض، وحق من حقوق الإنسان غير قابل للمساومة أو المنع أو التضييق عليه من أي كائن من كان
الأمر يا سيدي الرئيس ليس خاضعاً للرؤى والأهواء، فإما أن أحتفظ كمواطن مصري مسيحي الديانة ببطاقة هويتي القومية، وإما أن أسلمها لوزارة الداخلية، لأحصل بدلاً منها على بطاقة كنسية
الدولة التي تعجز عن وضع حد لسلطات البابا المدنية على الأقباط، هي ذاتها التي تعجز عن وضع قاتلي الأقباط خلف قضبان العدالة.. العجز واحد، وتقصير الدولة الفادح في أداء مهامها واحد. . فالأقباط مواطنون في الدولة المصرية، وليسوا عبيداً في إقطاعية قداسة البابا أو على ذمة فضيلة هذا الشيخ أو ذاك، أي دولة تلك التي تسمح لفرد مهما عظم شأنه، أن يتحدى سلطاتها، ويضرب عرض الحائط بأحكام القضاء؟. . إلى متى تتراجع الدولة المدنية، لصالح رجال الدين واستبدادهم باسم الإله؟
لا يفوتنا في النهاية أن نعيد ما مللنا من تكراره، بأن الدولة المدنية لن تتحقق كواقع فعلي على أرض مصر، ما لم تحذف المادة الثانية من الدستور، وتنقية القوانين المصرية من كل آثارها، فليس لهذه المادة من جدوى غير بقاء ما نحن فيه من خلط واختلاط وتخبط
دعوة للتبرع
نصيبك من الدنيا : أنا عاوز أبقي غني جدا ومعاي ا فلوس كتير أوي...
العقل والنقل : إذا تعارض العقل مع النقل يقدم العقل .هل أول...
الله السلام : فى مقالك عن ( قل أخى فى الانس انية ولا تقل أخى...
خرافاتهم على اليوتوب: في اوقات الفرا غ ادخل على موقع اليوت وب ...
عن الصلاة من تانى : تعلمن ا ان نصلى صلاه الظهر و العصر بصوت غير...
more