آحمد صبحي منصور Ýí 2025-08-28
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 11 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
نستكمل الحديث ..
يقول إبن الجوزى في كتابه ( تلبيس إبليس ) تحت عنوان : ( أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة )
قال المصنف
( وقد كان أوائل الصوفية يقرون بأن التعويل على الكتاب والسنة وإنما لبس الشيطان عليهم لقلة علمهم .
1 ـ وبإسناد عن جعفر الخلدي يقول سمعت الجنيد يقول : قال أبو سليمان الداراني قال ربما تقع في نفسي النكتة من نكت القوم أياما فلا أقبل منه إلا بشاهدين عدلين الكتاب والسنة .
2 ـ وبإسناد عن طيفور البسطامي يقول سمعت موسى بن عيسى يقول قال لي أبي قال أبو يزيد ( البسطامى ) : لو نظرتم إلى رجل أعطى من الكرامات حتى يرتفع في الهواء فلا تغتروا به حتى تنظروا كيف تجدونه عند الأمر والنهي وحفظ الحدود . وبإسناد عن أبي موسى يقول سمعت أبا يزيد البسطامي قال من ترك قراءة القرآن والتقشف ولزوم الجماعة وحضور الجنائز وعيادة المرضى وادعى بهذا الشأن فهو مبتدع .
3 ـ وبإسناد عن عبد الحميد الحبلى يقول سمعت سريا ( سرى السقطى ) يقول : من ادعى باطن علم ينقض ظاهر حكم فهو غالط .
4 ـ وعن الجنيد أنه قال : " مذهبنا هذا مقيد بالأصول الكتاب والسنة " ، وقال أيضا : " علمنا منوط بالكتاب والسنة من لم يحفظ الكتاب ويكتب الحديث ولم يتفقه لا يقتدى به" . وقال أيضا : "ما أخذنا التصوف عن القيل والقال لكن عن الجوع وترك الدنيا وقطع المألوفات والمستحسنات لأن التصوف من صفاء المعاملة مع الله سبحانه وتعالى وأصله التفرق عن الدنيا كما قال حارثة عرفت نفسي في الدنيا فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري"
5 ـ وعن أبي بكر الشفاف : " من ضيع حدود الأمر والنهي في الظاهر حرم مشاهدة القلب في الباطن "
6 ـ وقال الحسين النوري لبعض أصحابه : "من رأيته يدعي مع الله عز وجل حالة تخرجه عن حد علم الشرع فلا تقربنه ومن رأيته يدعي حالة لا يدل عليها دليل ولا يشهد لها حفظ ظاهر فاتهمه على دينه ."
7 ـ وعن الجريري قال : " أمرنا هذا كله مجموع على فضل واحد هو أن تلزم قلبك المراقبة ويكون العلم على ظاهرك قائما "
8 ـ وعن أبي جعفر قال : " من لم يزن أقواله وأفعاله وأحواله بالكتاب والسنة ولم يتهم خاطره فلا تعده في ديوان الرجال" )
التعليق
أولا :
السقطة الكبرى لابن الجوزى أنه صدّق هذا الكلام ، وهو المؤرخ صاحب موسوعة ( المنتظم ) التاريخية . كان المفترض فيه مؤرخا ان يتفهم الظروف التي جعلت رواد التصوف يلجأون الى قول هذا هربا من الاضطهاد ، والذى بلغ ذروته بقتل الحلاج وصلبه بعد محاكمة زادت على العشر سنوات ثم قتلوه مصلوبا عام 301. والملاحظ ان ابن الجوزى لم يذكر محنة الحلاج مع شهرته حتى اليوم .
ونضع السياق التاريخى للموضوع :
1 ـ بدأ عرق الردة ينبض عند الفرس أكثر الأجناس المحكومة قومية وتاريخا وكراهية للعربوبني أمية . ووجد الفرس ضالتهم في قيام الدولة العباسية بمساعدتهم فصار لهم فيهاالنفوذ فتطلعوا إلى أتمام استقلالهم بالردة عن الإسلام ، فكثر في العصر العباسي الأولوجود الزنادقة لولا أن العباسيين في قوتهم استأصلوا حركة الزندقة وقضوا عليها سياسيا.
والتفت الفرس إلى التشيع فقربوا بينه وبين عقاندهم القديمة وخلطوه بأغراض سياسية قومية فواجهوا الشدة من بني العباس ، إلا أن التشيع على أية حال قد أرسى للتصوف الأسس التي يقوم عليها، وورث التصوف عقائد التشيع ورسومه وتخفف من أوزاره السياسية ، فبدأ حركة دينية عقيدية أكثر، برواد من الأعاجم ، تتلمذوا على يد أساطين الشيعة ، (فمعروف الكرخي) الرائد الصوفي الأول كان نصرنيا فأسلم على يد الإمام على الرضى ، وهو من مواليه ، (ومعروف ) هو أستاذ ( السري السقطى)، الذي هو أستاذ (الجنيد) الملقببسيد الطائفة الصوفية ، وقد قال معروف لتلميذه السري السقطى : " إذا كانت لك حاجة إلى اللهفاقسم عليه بي "، فأرسى بذلك قاعدة التوسل بالأشخاص وجاههم عند الله . وبدأالتصوف بذلك مشواره العقيدي.
2 ـ ثم دخلت الخلافة العباسية في دور الضعف حين تحكمفيهم الأتراك ، فاستفاد المتصوفة من ضعف العباسيين فتشكلت خلايا التصوف من شيخومريدين ، وتمت الاتصالات بينهم فيما بين مصر والعراق والحجاز والشام عبر السياحة الصوفية ، ورفعوا لواء الحب الإلهي ليخفوا تحته عقيدة الاتحاد الصوفية ، ومع ضعفالخلفاء العباسيين فلم تمر الحركة الصوفية الجديدة بدون رد فعل فلاحقت الدولة روادالتصوف بالمحاكمات والنفي والاضطهاد . وقد اضطهد ذو النون المصري الرائد الصوفى ، وجىء به إلى بغداد معتقلاً مهدداً بالموت متهماً بالزندقة ، فأضطر إلى أن يجعل التوحيد الإسلامي درجة في العقيدة الصوفية فقال الطوسي عن التعريف الذي نقله عن ذي النون (فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ) أي جعلوا دين الله جل وعلا هو (توحيد العامة) ،أو الدرجة الدنيا . وحوكمسمنون .
3 ـ وأدى الإضطهاد الى أن اضطر الجنيد لأن يعلن أن (طريقته منوطبالكتاب والسنة ) ، وفى نفس الوقت يدرّس التصوف في عقر داره بين المخلصين منتلاميذه وبعد أن يقفل باب داره (ويضع المفتاح تحت وركه) خوفا من أن يتهموه بالزندقة ،ومع ذلك فلم ينج من الاتهام بسبب كلمة قالها مما جعله يتستر بالفقه ويختفي . ،. ولا يزال الجنيد زعيما للمعتدلين من الصوفية بسبب ما اشتهر عنه إعلان تمسكهبالكتاب والسنة مع ذلك إنالأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد تشي بعقيدته الحقيقية التي منع الخوف منظهورها ، فهو يرى أن العارف الصوفي هو ( من نطق عن سرك وأنت ساكت ) أي سنللصوفية ادعاء الكشف أو علم الغيب ، وسئل عن مصدره الذي يستقى منه أقواله الجديدةفقال : " من جلوس بين يدي الله ثلاثين سنة أسفل تلك الدرجة ، وأومأ إلى درجة - سلم -في داره ) ، فأرسى مقولة العلم اللدني والوحي . وقيل في ترجمة ( الجنيد) أنهم شهدوا عليه ( حين كان يقرر في علم التوحيد ( يقصد عقيدة التصوف ) ثم أنه تستر بالفقه واختفى ) أي أن محاكمة عقدت " للجنيد " فاضطر للتستر بالفقه وأخفى اجتماعاته مع الصوفية .. وفي هذه الأثناء بلغ اضطهاد الصوفية ذروته بصلب الحلاج فكان الجنيد ( يقول كثيرا للشبلي .. لا تُفش سر الله تعالى بين المحجوبين ) ، يعني أنه كان يأمر الشبلي – وهو أشبه بالحلاج – بألا يعلن عقيدته . وأصدر أوامره لأتباعه بأنه ( لا ينبغي للفقير ( يقصد الصوفي ) قراءة كتب التوحيد الخاص ( يقصد التصوف ) إلا بين المصدقين لأهل الطريق أو المسلمين لهم ) يقصد المعتقدين فيهم .. وطبق الجنيد هذا المبدأ على نفسه فكان ( لا يتكلم قط في علم التوحيد إلا في قعر بيته بعد أن يغلق أبواب داره ويأخذ مفاتيحها تحت وركه ويقول : أتحبون أن يكذب الناس أولياء الله تعالى وخاصته ويرمونهم بالزندقة والكفر ) ومعنى ذلك أنه كانت للصوفية في هذا الوقت اجتماعات سرية متفرقة وخلايا من مريدين وشيخ ، وفيها كانوا يقرءون (كتب التوحيد الخاص).أي أن عقائد التصوف قد دونت منذ عهدها المبكر ، إلا أننا لم نعثر على مؤلف كامل للجنيد إذ أنه في غمرة تمسكه بالتقية أوصى حين الموت بأن (يدفن معه جميع ما هو منسوب إليه من عمله) ، فلم يحفظ عن الجنيد إلا القليل من الآراء الصوفية مع أنه سيد الطائفة ، حتى أن كل الطرق الصوفية المتأخرة تنتهي إليه بالخرقة. وإذا كان للجنيد كلام خاص مع أتباعه في اجتماعاتهم السرية فإنه حرص على إعلان تمسكه بالإسلام ، وشاع عنه إعلانه التقيد بالكتاب والسنة فقال ( مذهبنا هذا مقيد بأصول الكتاب والسنة ) ، ( ومن لم يحفظ القرآن ولم يكتب الحديث لا يُقتدى به في هذا الأمر "، أي التصوف . ومن خلال الأقوال القليلة التي حفظت عن الجنيد في عقيدة التصوف يمكن أن نتعرف على طبيعة هذه المرحلة من مراحل العقيدة الصوفية ، يقول الجنيد عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته بكمال أحديته ، بأنه الواحد الذي لم يلد ولم يولد ، وينفي الأضداد والأنداد والأشباه ،و ماعُُبد من دونه بلا تشبيه ولا تكييف ولا تصوير ولا تمثيل ، إلها واحدا صمدا فردا ليس كمثله شيء وهو السميع البصير" ، وقال مرة أخرى " معنى تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلوم ، ويكون الله تعالى كما لم يزل " ، قال أبو نصر الطوسي : فالجوابان اللذان لذي النون والجنيد رحمهما الله في التوحيد ظاهران ، أجابا عن توحيد العامة ، وهذا الجواب الذي ذكرناه أشار إلى توحيد الخاصة ،وقد سئل الجنيد رحمه الله عن توحيد الخاصة ، فقال أن يكون العبد شبحا بين يدي الله عز وجل وتجري عليه تصاريف تدبيره في مجارى أحكام قدرته في لُجِِّج بجار توحيده بالفناء عن نفسه وعن دعوة الخلق له وعن استجابته بحقائق وجود وحدانيته في حقيقة قربه بذهاب حسه وحركته ، لقيام الحق له فيما أراد منه ، وهو أن يرجع آخر العبد إلى أوله ، فيكون كما كان من قبل أن يكون ، وقال أيضا . التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية إلى سعة فناء السرمدية .) وهذا النص أوردته كاملا من كتاب ( اللمع ) للطوسي ، وقد عني بتحقيقه الدكتور /عبد الحليم محمود لأنهما – أي الكتاب والمؤلف – يعبران عن التصوف المعتدل .. وبالتمعن في النص تبدو لنا درجات للعقيدة الصوفية ، فقد اضطر الجنيد – خوف الاضطهاد – إلى أن يعترف بالعقيدة الإسلامية فقال عن التوحيد ( إفراد الموحد بتحقيق وحدانيته .. الخ ). وعلق الطوسي بأن ذلك هو توحيد العامة ، ويقصد به الإسلام ، أما عن توحيد الخاصة الذي يتردد في الاجتماعات السرية فيقول فيه الطوسي ( وقد سئل الجنيد عن توحيد الخاصة ) أي سأله أتباعه في مجلس سري ، وقد قال فيه أكثر من تعريف وبعضها يعبر عن الاتحاد مثل قوله ( أن يكون العبد – أي الصوفي – شبحا بين يدي الله عز وجل .. الخ ) والتعمق في هذا التعريف يظهر أن غاية الاتحاد في أن يذوب الصوفي بروحه في خالقه بحيث يصبح جسده شبحاً تتحكم فيه " روح الله وقدرته " ، وقال ( التوحيد هو الخروج من ضيق رسوم الزمانية ) يقصد أحكام البشرية وحدودها ( إلى سعة فناء السرمدية ) أي إلى الألوهية الباقية بلا نهاية . وعبًر الجنيد عن وحدة الوجود بقوله ( معنى تضمحل فيه الرسوم ، ويقصد بالرسوم مظاهر الكون المادية من إنسان وحيوان وجماد فكلها تضمحل في ذات الله ( وتندرج فيه العلوم ) أي أن كل العلوم والمعارف البشرية والكونية مظاهر إلهية ( ويكون الله تعالى كما لم يزل ) أي أن الله مع ذلك – مع وجود هذا التعدد في المظاهر المادية والعقلية – هو كما كان وسيظل – وجوداً واحداً يشمل الرسوم المادية والأفكار المعنوية .والغزالى في كتابه ( إحياء علوم الدين ) نقل هذا وشرحه تفصيلا . أخيرا :
لم يكن ابن الجوزى ( الحنبلى ) وحده الذى إنخدع بنفاق الصوفية ( المعتدلين ) في القرن السادس ، إذ سار على سنته إبن تيمية الحنبلى أيضا في العصر المملوكى . يقول عن الصوفية (إن الصوفية مجتهدون في طاعة الله كما اجتهد غيرهم من أهل طاعة الله ، ففيهم السابق بحسب اجتهاده ،وفيهم المقتصد الذي هو من أهل اليمين .. وقد انتسب إليهم طوائف من أهل البدع والزندقة ، ولكن عند المحققين من أهل التصوف ليسوا منهم كالحلاج مثلاً ، فإن أكثر مشايخ الطريق أنكروه وأخرجوه عن الطريق مثل الجنيد سيد الطائفة وغيره ) ويعتقد ابن تيمية بكرامات الصوفية حتى ممن يعتبرهم أولياء للشيطان ، يقول عنهم ( وهؤلاء يأتيهم أرواح تخاطبهم وتتمثل لهم وهي جن وشياطين فيظنونها ملائكة .. وهذه الأرواح الشيطانية هي الروح الذي يزعم صاحب الفتوحات ( يعني ابن عربي ) أنه ألقى إليه ذلك الكتاب .. وأعرف من هؤلاء عدداً ، ومنهم من كان يحمل في الهواء إلى مكان بعيد ويعود ، ومنهم من كان يؤتي بمال مسروق تسرقه الشياطين وتأتيه به ، ومنهم من كانت تدله على السرقات بجعل يحصل له من الناس ) ( ومن هؤلاء من يأتيه الشيطان بأطعمة وفواكه وحلوى وغير ذلك مما لا يكون في ذلك الموضع ، ومنهم من يطير به الجني إلى مكة أو بيت المقدس أو غيرهما ، ومنهم من يحمله عتيية عرفه ثم يعيده في ليلته .. ومن هؤلاء من إذا أحضر سماع المكاء والتصدية يتنزل عليه شيطانه حتى يحمله في الهواء ..) .
شاهد قناة ( أهل القرآن / أحمد صبحى منصور )
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5255 |
اجمالي القراءات | : | 63,133,320 |
تعليقات له | : | 5,503 |
تعليقات عليه | : | 14,901 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 11 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 10 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 9 ) : كتاب ( الفقه الوعظى )
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 8) : كتاب ( الفقه الوعظى )
( الفصل الخامس):الفقه الوعظى في كتاب ( تلبيس إبليس ) لإبن الجوزى ( ج 7):كتاب ( الفقه الوعظى )
دعوة للتبرع
نحن ضد الظلم : سلام علی ;کم یا دکتر صبح 40; ...
ختان الذكر: يشغلن ي حاليا موضوع ابني الذي سيأتي الى هذا...
مقدم صداق المطلقة : لو الواح د طلق زوجته قبل الدخو ل من حقه يسترد...
هجص الشيعة: اكبر دليل من القرا ن على ان الاما مه بالنص...
النساء 103: اخي الكري م انا قراءة كتاب القرا ءن ...
more