مدخل عن تشريعات الأحوال الشخصية بين الاسلام ودين السُنّة الذكورى
مدخل عن تشريعات الأحوال الشخصية بين الاسلام ودين السُنّة الذكورى
باب : تشريعات الأحوال الشخصية بين الاسلام والدين السًنّى الذكورى
كتاب ( تشريعات المرأة بين الاسلام والدين السنى الذكورى )
مدخل عن تشريعات الأحوال الشخصية بين الاسلام ودين السُنّة الذكورى
أولا :
1 ـ الوجود الإنساني في بدايته كان مركزّاً في جسد ونفْس واحدة ، ثم انشطر هذا الوجود إلى جزئين ، آدم وحواء ، يقول سبحانه وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً ) النساء : 1 ) . أي ان الوجود الإنساني الأول انشطر جزئين كل منهما زوج للآخر ، الرجل زوج ، والمرأة زوج ، وحين " يتزوج " " الزوجان " يتحول الشطران إلى اندماج واتحاد بمثل ما كان الوجود الإنساني في بدايته ، وهذا هو معنى الزواج اللفظي والمعنوي والشرعي ؛ فالزواج هو اندماج الزوجين جسداً ونفساً ليعودا كما كانا منذ البداية ، جسداً واحداً ونفساً واحدة ، او بالمعنى الحسابي ، واحد زائد واحد يساوي واحداً . وهذا هو معنى مصطلح زوج وزواج في القرآن ، وهذا هو المقصد التشريعي لأحكام الزواج في القرآن ، لأنه من خلال ذلك الاندماج بين الزوجين تتناثر الذرية لتصبح رجالا ونساءاً ، وتتكرر القصة ، ويقوم الإنسان بالخلافة في الأرض .
2 ـ وللقرآن الكريم تعبيراته الموحية شديدة الدلالة على عمق الاندماج ( الجنسى ) بين الزوجين في إطار الزواج ، اقرأ مثلا قوله سبحانه وتعالى :
2 / 1 : في التوصية بالزوجة وحقوقها (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) النساء ك21 ، إن عبارة " أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ " شديدة الدلالة والإيحاء بالاندماج بين الزوجين جسدياً ونفسياً ، بحيث ان كل منهما يتسلل إلى كيان الآخر رويداً رويداً حتى يتحقق الاندماج ، وهذا السريان يكون تحت راية الزواج الشرعي الذي تعطي به المرأة نفسها وجسدها وذاتها لرجلها طائعة مختارة وسعيدة لأنها اخذت بعقد الزواج ميثاقاً غليظاً من الرجل ، والذي يراقب هذا الميثاق الغليظ هو الله تعالى ، الذي شرع الزواج وتكفَّل بالرزق 2 / 2 : فى المباشرة الجنسية : وهى ركن أساس في الزواج ، وفيها يتحقق الاندماج ، وينتج عن هذا الاتحاد الجنسي الذرية ، أي انه اتحاد يعقبه التكاثر :
2 / 2 / 1 : الله جل وعلا يعبر عن العلاقة الجنسية بين الزوجين بكلمة شديدة التأثير ، فيقول (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) البقرة : 187 ، فالرجل (العفيف) يكره ان يُرى نصف عارٍ امام أي إنسان آخر ، فكيف إذا كان هذا الإنسان امرأة غريبة عنه ، والمرأة تكره نفس الشيء ، أن ترى منها امرأة شيئا ، فكيف إذا كان الرائي رجلاً غريباً ، ولكن الزواج يجعل المرأة لباساً داخلياً للرجل ، ويجعل الرجل "ستراً" و "غطاءاً" للمرأة ، كما يقول المثل الشعبي ، ولذلك فإنهما في خصوصياتهما الجنسية يتحرران من كل القيوم والحدود ليمارسا غرائزهما الطبيعية بأعلى درجة من المساواة بين الذكر والأنثى ، لأن هذه الممارسة الطبيعية تحتاج لهما معاً وتتحقق بهما معاً ، ولذلك فإن قوله تعالى (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) غاية الإعجاز في التعبير اللفظي والبلاغي عن المساواة في تلك الحالة .
2 / 2 / 2 : فى ضوء العلاقة الجنسية بين الزوجين نقرأ قوله جل وعلا : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِقُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ (223) البقرة ). ونفهم منها :
2 / 2 / 2 / 1 : المحيض أذى للزوج وللزوجة ، لذا فمن الأفضل لهما الاعتزال الجنسى طيلة المحيض .
2 / 2 / 2 / 2 : وفيما عدا المحيض فالالتقاء الجنسى وارد . والرغبة والبداية قد تكون من الزوج ، ولكن عليه أن ( يقدّم ) لنفسه ولها ، بمقدمات الجنس حتى يصلا معا الى لحظة الانتشاء الجنسى .
3 ـ على أن هذه المساواة تتحقق بقيام كل نصف او كل زوج بدوره . والدور مختلف ، بل متناقض أحيانا ــ ولا زلنا في اطار العلاقة الجنسية ــ ولكن هذا التناقض بين دور الذكر ودور الأنثى هو جوهر العلاقة الجنسية ، وهو أساس التساوي بينهما فيها .
والذي نريد الوصول إليه ان المساواة بين الزوجين لا تعني ان يكون دور الذكر مماثلا في طبيعته لدور الأنثى ، في الحياة الجنسية الخاصة ، وفي الحياة الاجتماعية العامة ، قد يكون هناك تخصص واختلاف في طبيعة العمل ، ولكن ذلك التباين في دور كل منهما لا ينافي المساواة بينهما ، وقد اوضحنا في مقدمة الكتاب ان الله سبحانه وتعالى اكّد على المساواة بين الرجل والمرأة في الوجود البشري " فكلاهما زوج " وفي التشريع والثواب والعقاب ، ولكن تزداد المسئولية بازدياد حجم الأعباء الملقاة على الزوج ، إذا كان ذكر او أنثى ، وذلك ما سنعرض له في موضوع القوامة في الحياة الزوجية ، على ان هذه القوامة مرتبطة بالإصلاح وحفظ كيان الأسرة ، وفي النهاية فقيام هذه الأسرة على أساس عمودين ملتصقين متساويين هما الرجل والمرأة ، او الزوجان ، وكلاهما اتحد بالآخر واندمج فيه في كيان بشري واحد ، حتى ينفصل عن الكيان الواحد ذرية .
4 ـ وللتشريع الاسلامى : أوامر ونواهى ، وهى تخضع لقاعدة تشريعية ، وهذه القاعد التشريعية تخضع لمقصد أعلى . وفى موضوعات الزواج وملحقاته فإن المقصد التشريعى هو ضمان حياة سعيدة في هذا الكيان الواحد وذريته، والحرص ما أمكن على تدعيم الأسرة هو المقصد التشريعي لأحكام الأحوال الشخصية في القرآن الكريم .
5 ـ على أن الزواج هو أقدم تشريع إلاهي ، وأقدم عُرف اجتماعي ، وكان ـ ولا يزال ـ مجتمع الرجال يظلم المرأة في تشريع الزواج ، وندخل بهذا بايجاز على منهج القرآن في تشريعات الزواج والطلاق . فقد نزل القرآن الكريم وفيه تصحيح الأوضاع الخاطئة في ممارسات الأحوال الشخصية . وما كان من ممارسات الزواج صحيحا لم يتعرض له القرآن طالما كان عُرفا اجتماعيا مقبولاً. إذا كان حراما وظلما نزلت فيه التشريعات الاسلامية بالتصحيح والتوضيح ، وكلها فى حقوق المرأة المهدرة فى الزواج والطلاق . هذا عن منهج القرآن ومقصده التشريعي . أما فقهاء الدين السُّنّى الذكورى فقد أعادوا بعض ما كان من التشريعات المجحفة بحقوق المرأة ، وكان ذلك استجابة منهم لمنطق القرون الوسطى ، والتى لا تزال حيّة فى عصرنا ، خصوصا مع صعود التيار السلفى الشيعى والسنى فى كوكب المحمديين . وهذا ما سنحاول توضيحه بتوفيق الله جل وعلا فى هذا الباب من الكتاب .
6 ـ ونتعرض فى هذا الباب للقضايا الآتية :
( أولا ) :ــ قبل الزواج : المحرمات في الزواج : في القرآن وفي الدين السُنّى ، ( العضل بين الاسلام والدين السُّنّى : في الدين السنى وتحريم ما أحلهن الله في الزواج ، وتحريم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ، وفي المحرمات في الرضاع ، وفى تحريم الزواج بأكثر من أربعة ، وفى تحريم الزواج من المشركين وأهل الكتاب ، وفى تحريم زواج المتعة ، وفى تحريم زواج المحلل , وفى التحريم بالزنا وفي تحريم الزواج في الإحرام ، وفى التفريق بين الزوجين ، وفى موضوع الردة .
( ثانيا ) : ــ قبل الزواج كالخطبة ، رضى المرأة بالزواج ، الولي في عقد النكاح ، عقد النكاح : الصداق ، و تفصيلات في عقد النكاح ، الشهود ، الزواج السري ، الشروط في عقد النكاح ، صيغة العقد ) .
( ثالثا ) :ــ أثناء الزواج :ــ العلاقات الزوجية : مدخل ، الحياة الجنسية في الزواج ، آداب العلاقة الجنسية ، المباشرة الجنسية حق للزوج أم الزوجة ، الجنس سبب في فسخ النكاح ، حقوق الزوجية ، تعدد الزوجات وحقوق الزوجية . حل الخلافات الزوجية : نشوز الزوجة ، ضرب الزوجة ، نشوز الزوج ، نشوز الزوجين .
رابعا : قطع العلاقة الزوجية :
( قطع العلاقات الزوجية بغير الطلاق : ــ اللعان ، الخلع ، الفسخ .
الطلاق بين القرآن والدين السنّى : في القرآن . الطلاق في الدين السُنّى : الفاظ الطلاق ، الطلاق بالثلاث ، الطلاق قبل الزواج ، طلاق السكران والغضبان والمكره والشك ، الطلاق عند الموت ، طلاق السنة وطلاق البدعة، الطلاق المعلق والمشروط ، ملحقات الطلاق : العدة ، النفقة ، المتعة ، الحضانة.
أخيرا :
1 ـ ولأهمية هذا الباب فهناك أبحاث أخرى تمت إضافتها ، خصوصا فى زواج المتعة والمسيار وضرب الزوجة والطلاق .
2 ـ نبدأ بعون الله جل وعلا وتوفيقه ، وهو جل وعلا المستعان .
اجمالي القراءات
1987