آحمد صبحي منصور Ýí 2016-11-07
خاتمة كتاب ( هجص مالك فى الموطأ ):
أولا: ( موطأ مالك وكتب الفقه ): هل يصح أن تكون تشريعا إلاهيا ؟
1 ــ ليس هذا سؤالا للإستفهام ، بل هو سؤال للإستنكار والاستهجان والتعجب والتقريع والتحقير لمن يؤمن بتلك السُّنة المفتراة ويجعلها وحيا إلاهيا ( بأثر رجعى ) أى يتهم الرسول محمدا عليه السلام أنه لم يبلّغ الرسالة الاسلامية كاملة ، وترك جزءا منها بلا تبليغ ليقوم مالك بكتابته ، ثم يأتى الشافعى ويتوسع ثم يتوسع بعده ابن حنبل والبخارى ومسلم والترمذى وابن ماجة والنسائى والحاكم ..الخ ..، يزايد اللاحق على السابق ، ويختلفون ، ثم يصممون على أن هذه السُّنة وحى إلاهى ، أى إن جبريل نزل على مالك بوحى الموطأ فأملاه مالك على أكثر من عشرين من تلامذته ، وكلهم إختلف فى النقل فأنتجوا لنا أكثر من عشرين كتابا مختلفا من ( الموطئات ) ، ثم نزل جبريل بوحى آخر مفصل على الشافعى فكتب (الأم ) وغيره ، وظل يتنزل على من جاء بعده من ابن حنبل الى البخارى ومسلم ..الخ . لذا فحين نتساءل : ( موطأ مالك : هل يصح أن يكون تشريعا إلاهيا ؟ ) فهو سؤال ليس فقط إستنكارا بل وتحقيرا لمّن يجعل تلك الأكاذيب المُسمّاة بالسُّنّة وحيا إلاهيا ودينا وشريعة إسلامية . وهو تحقير نتقرب به الى رب العزة ، فبقدر التعظيم والتقديس الذى يملأ قلوبنا لرب العزة جل وعلا يكون تحقيرنا لأعدائه المفترين على دينه وعلى رسوله محمد عليه السلام .
ثانيا : ( موطأ مالك ) وكتب الفقه : هل يصح أن تكون تشريعا (قانونا) بشريا ؟
1 ـ عرفت الدول النهرية المتحضرة سنّ القوانين ، والملك البابلى حمورابى ( حوالى 18 قرنا قبل الميلاد ) هو صاحب أول مدونة تشريعية معروفة ومتكاملة وشمولية فى تاريخ البشر ، وإن كانت تعتبر إنعكاسا لثقافة عصرها ، كما يتجلى فى قوانين العقوبات التى تختلف حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لإحدى القوانين والضحية. ولا تقبل هذه القوانين الاعتذار، أو توضيحٍ للأخطاء إذا ما وقعت.ونأخذ منها بعض أمثلة : ( قانون رقم : 8 ):إذا سرق سيد ثوراً أو شاة أو حماراً أو خنزيراً أو قارباً، إذا كان (المسروق) يعود للإله أو للقصر، فعليه أن يعطي 30 مثلاً. أما إذا كان يعود إلى مسكين، فعليه أن يدفع 10 أمثال كاملة، إذا لم يكن لدى السارق ما يعوّض به فإنه يعدم.( قانون رقم : 129): إذا قبض على امرأة مضطجعة، مع سيد فيجب عليهم أن يوثقوهما ويلقوهما في الماء. ويمكن لزوج المرأة أن يبقي زوجته على قيد الحياة إذا رغب، كما يمكن للملك أن يخلّي حياة أمته.( قانون رقم: 195 ): إذا ضرب ولد والده فعليهم أن يقطعوا يده. (قانون رقم : 196 ) إذا، فقأ سيد عين ابن أحد الأشراف، فعليهم أن يفقؤوا عينه.( قانون رقم : 197) إذا كسر سيد عظم سيد آخر، فعليهم أن يكسروا عظمه . (قانون رقم : 200 ) إذا قلع سيد سن سيد من طبقته، فعليهم أن يقلعوا سنه.(قانون رقم : 245 ) إذا استأجر أحدهم ثوراً وأماته بسبب الإهمال أو الضرب، يعوّض صاحب الثور بثور مثله.(قانون رقم : 250 ) إذا عجل، وهو مار في الطريق، نطح رجلاً ما وأماته، هذه القضية لا تستوجب التعويض.).
2 ـ هنا أول كتابة لقانون من صُنع البشر ، وتكون إنعكاسا لثقافة المجتمع . ونرى فيها ترقيما للقوانين وتنويعا لها حسب الموضوع ، ولا تعارض فيها ، ولا إدعاء بانها وحى الاهى .
3 ـ قانون حمورابى يصفع كل الكتابات الفقهية التى صيغت فى العصر العباسى بعد حمورابى بأكثر من خمسة وعشرين قرنا من الزمان . تقرأ كتب ( الشريعة ) للفقهاء السنيين فتجد فيها الهجص على اصوله ، ليس فيها ترقيم لقوانين تلك الشريعة ، ولا تنظيم لها ، بل آراء مختلفة ومتضاربة يصعب التوفيق بينها حتى فى نفس الكتاب فكيف بالتوفيق بين كل الكتب وكل الأحاديث . وتتعقد المشكلة عند إسناد هذا الهجص للنبى محمد ، وإعتبارها وحيا إلاهيا . فطالما صاغوا آراءهم فى صورة أحاديث ، وطالما زعموا أن تلك الأحاديث وحى إلاهى فإن إنتقادها يعنى الكفر ، ولا مخرج إلا بالتوفيق بينها وجعلها كلها صحيحة .
4 ـ ومن عجب أنهم يختلفون ويتناقضون فى إفتراء الأحاديث ثم يضيعون وقتهم فى التوفيق بينها ــ بلا طائل . نقول بلا طائل لأن جهدهم فى التوفيق بين الأحاديث المختلفة سار جنبا الى جنب مع إنتاجهم لتلك الأحاديث . اى كانت هناك مصانع لإنتاج الأحاديث المتضاربة والى جانبها مصانع أخرى للتوفيق بينها . بدأ ذلك الشافعى الذى قام بمنهجة الدين السُّنّى فى كتبه المختلفة من (الأم ) و ( الرسالة ) وهو أول من كتب فى ( اختلاف الحديث ) ثم أبن قتيبة الدنيورى فى كتابه : ( تأويل مختلف الحديث )، ثم أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي في كتابه: ( مشكل الآثار )، وابن فورك في كتابه : ( مشكل الحديث وبيانه ). هذا عدا كتابات متفرقة لابن عبد البر وابن تيمية وابن القيم والنووى وآخرين .
ثالثا : ( موطأ مالك ) تعبير عن ثقافة أهل المدينة فى عصر مالك
1 ـ وبالتوقف مع موطأ مالك ــ بإعتباره أول كتاب تشريعى فى الدين السُّنّى نجده الأكثر تخلفا وبُدائية وسذاجة . ليس فقط فى تعدد وإختلاف نُسخ الموطأ أو فى التناقض البينى بين تلك النسخ وفى داخل كل نسخة ، وليس فقط فى سطحيتها وسذاجتها وتخلفها، ولكن أيضا فى أن الموطأ يقف حائرا بين (الحديث ) و ( الفقه ). فهو ليس كتابا فى الحديث فقط مثل مسند أحمد وصحيح البخارى ومسلم ، وليس كتابا فى الفقه مثل ( الأم ) للشافعى . وحتى فى ( الحديث ) لا يرفع كل الأحاديث للنبى بل أحيانا للصحابة والتابعين . هو بإختصار نقل لأفكار مجتمع المدينة وثرثرة أهلها ، منها ما يخص التشريع ومنها يمكن وضعه فى السلوكيات الاجتماعية والمعتقدات الخرافية ، ومنها ما يدخل فى السيرة (النبوية ) والفخر بالمدينة وتحويلها ومسجدها الى ( حرم ) يضاهئون به البيت الحرام ، ومنها ما يدخل فى باب التفاهات ( العلم بها لا ينفع والجهل بها لا يضر . )
2 ـ وباعتباره معبرا عن ( المدينة ) فى حياة (مالك ) فقد جاء الموطأ بهذا التخلف وتلك البُدائية والسذاجة . لقد رحل عن المدينة بالفتوحات من عصر ابى بكر الى نهاية الدولة الأموية خيرة رجالها شاركوا فى الفتوحات وفى الفتن وفى الصراعات السياسية . أغلب من بقى فيها كانوا أحطّ الناس . ويمكن تقسيمهم الى نوعين : أصحاب المجون والشراب والغناء والجوارى والسهرات ، ثم من كان ينكر عليهم ممّن يزعم العلم . وهؤلاء الذين كانوا يزعمون العلم معظمهم كان من أبناء الموالى ، جىء بآبائهم ضمن السبى فى الفتوحات ، فعاشوا رقيقا ناقمين على السادة ، وأنجبوا وعاش ابناؤهم خدما فى البيوت قد ورثوا نفس النقمة على أسيادهم . وبعض أولئك الخدم ( الموالى ) وجد طريقه فى التميز بالتدين والتفرغ للعلم ، فأحرز مكانة تحرّر بها من الطبقة الاجتماعية التى ينتمى اليها ، خصوصا وقد أثار الاعجاب بورعه فى مجتمع يسوده الانحلال . ثم تعلم على يديهم آخرون من أبناء الأسياد ، مثل مالك الذى تعلم على يد ( ربيعة بن فروخ ) ، وكان مالك أقل علما من استاذه ( ربيعة بن فروخ ) ولكنه أصبح أشهر منه لأن مالك بن أنس من أبناء السادة وليس من ابناء الموالى مثل استاذه ربيعة بن فروخ . وقد عرضنا له فى مقال فى قسم الدراسات التاريخية بموقعنا بعنوان :(ربيعة الرأى : الامام المجهول شيخ الأئمة ).
3 ـ فى بيئة الانحلال الخلقى فى المدينة كان الزوج يخرج للجهاد أو للقتال فى الفتنة تبعا لهذا ضد ذاك ، ويتمتع فى غيبته عن زوجته بجوارى السبى تاركا زوجته ، وقد يعود بعد سنوات فيجد زوجته وقد أنجبت فى غيابه أطفالا ، فيحملون نسبه ، ولا ضير فى ذلك ( إجتماعيا ) فى مجتمع المدينة الذى كان اشبه وقتها بماخور كبير. لم يكن ينقص هذا الماخور إلا التسويغ والتشريع . وقام الفقه السُّنّى بهذا ، فألحق الطفل من هذه النوعية بأبيه بحديث ( الولد للفراش وللعاهر الحجر ) ، أى نسب الطفل الى الزوج صاحب الفراش وملعون الأب الحقيقى . كما اصدر الفقه السُّنّى فتوى بأن أقصى مدة للحمل هى اربع سنوات ، وقالوا إن أم مالك قد أنجبته بعد حمل إستمر أربع سنوات . وإتخذوا من هذا دليلا على أن الحمل قد يطول الى أربع سنوات . ليس مهما أن يتعارض هذا مع القرآن الكريم أو مع قوانين الخلق الى وضعها الخالق جل وعلا. المهم هو إسباغ المشروعية على ما يريدون بنسبة ما يقولون للنبى محمد عليه السلام بعد موته . هذا هو مجتمع المدينة الذى جاء الموطأ تعبيرا عنه .
4 ـ واذا كان الموطأ تعبيرا عن ثقافة أهل المدينة وأحوالهم الاجتناعية والأخلاقية فى عهد مالك، فإن القرآن الكريم ــ الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ قد أوضح فى أواخر حياة النبى محمد عليه السلام ، وفى أواخر ما نزل فى المدينة ــ تيارات النفاق فيها وعن إدمان بعض المؤمنين الخمر والميسر والأزلام وتقديس الأنصاب (أى القبور ). وترى هذا فى سور المائدة والتوبة والمنافقون . وكان هذا يحدث فى وجود النبى عليه السلام ووقت نزول الوحى يفضح ويعظ وينذر . ولنا أن نتخيل ما حدث بعد موت البنى وقد اصبحت المدينة مركزا يشنُّ منه أبوبكر وعمر وعثمان حروبا عالمية تتوسع فى الشرق وفى الغرب ، فى آسيا وآسيا الصغرى وأفريقيا ، واليها يؤتى بمئات الألوف من السبابا من أجمل نساء العالم ، يتم بيعهن بأبخس الأثمان ليلهو بهن أبناء السادة الذين يحارب آباؤهم بعيدا عن المدينة .
أخيرا :
يصلح موطأ مالك أن يكون دليلا على :
1 ـ تخلف أهل المدينة العلمى فى عصر مالك . وهو تخلف هائل إذا تذكرنا قوانين حمورابى التى سبقت مالك ب 26 قرنا من الزمان .
2 ـ تناقض ثقافة أهل المدينة مع تشريع الاسلام ودين الاسلام .
3 ــ سبق أهل المدينة فى العداء للاسلام لأن موطأ مالك هو الرائد فى التشريع السُّنّى . هم جعلوا مالك إماما لهم . لأن كتابه كان معبرا عنهم .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5130 |
اجمالي القراءات | : | 57,291,076 |
تعليقات له | : | 5,458 |
تعليقات عليه | : | 14,839 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أسئلة عن : ( بوتين سيقتل بشار ، سوريا وثقافة الاستبداد والاستعباد )
الغزالى حُجّة الشيطان ( الكتاب كاملا )
خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
دعوة للتبرع
موافق ولكن : انا من المعج بين بكم واتمن ى ان انضم اليكم...
عن لحظات قرآنية : شكرا على بيانك الذى يدافع عن الشيخ نصر . ولكن...
حُزن و ( حزن ): هل هناك فرق بين حزن بضم الحاء وبفتح ها ؟...
البحث القرآنى: د\أح د لدى إستفس ار أود لو أنك تجيب عنة وهو :...
المعجم المفهرس: ما تقييم ك لكتاب المعج م المفه رس لألفا ظ ...
more