آحمد صبحي منصور Ýí 2016-05-31
مقدمة :
1 ـ مسلسل الدم الذى تسبب فيه الخليفة الأمين إستمر هادرا فى خلافة أخيه المأمون. تفجرت الصراعات داخل ما يسمى ب ( دار السلام ) من كل الاتجاهات تقريبا ، تحمل شعارات مختلفة. وعرفنا سياسة المأمون فى الاغتيال لمن يخشى نفوذهم مع إستمالته لذويهم ، ونضيف الى هنا فى تعامله مع الثورات الدامية أنه كان أحيانا يعفو ويصفح عن الثوار بعد أن يتمكن منهم . ولكن لم تكن له سياسة محددة فى العفو ، فتراه يقتل يحيى بن عامر بن إسماعيل فى حضرته عام 200 ، لأنه قال له ( يأمير الكافرين ) ، بينما يعفو عن ثائر عربى ( نصر بن شبث العقيلى ) أرهق المأمون بثورته وتسبب فى قتل الآلاف ، ثم هو يقتل بعض أقاربه العباسيين الثائرين عليه ويصلبهم ( إبن عائشة وصحبه ) عام 210 ، بينما يعفو عن عمه الثائر عليه ( ابراهيم بن المهدى ) بعد أن ظفر به . . وثار المصريون ( الأقباط البشموريون ) بسبب الظلم الذى أوقعه بهم ولاة المأمون ، ومع أن المأمون قد إعترف بهذا الظلم وأصلحه بعض الشىء، ولكن عاقب الثوار المصريين بقتلهم ونفى من بقى من ذويهم عبيدا ليعملوا سُخرة فى إستصلاح الأراضى البور فى العراق .
2 ـ ولقد تنوعت الثورات فى خلافة المهدى فإشتعل ما يسمى ب ( دار السلام ) فى كل أرجائه ، ومع ذلك فقد فلم يغفل المأمون عن غزو ( دار الحرب ) . حارب المأمون البيزنطيين فى آسيا الصغرى ، وإستولى الأغالبة فى تونس على جزيرة سردينيا . أى إنه فى عهد هذا الخليفة المأمون ــ المثقف منشىء دار الحكمة ـ ظل الظلم سائدا ، وظل مسلسل الدم سائرا ، وظل سلب الرعية فاشيا واستمر السفه فى الانفاق مستحكما . ويكفى أن هذا الخليفة المثقف كان قبيل وفاته يغزو الروم ( دار الحرب ) وكان آخر قرارته إقامة محكمة تفتيش للفقهاء اهل الحديث الذين خالفوا رأيه فى موضوع ( خلق القرآن )، لم ينجح فى إقناعهم برأيه فاستخدم سلطته ليرغمهم على رأيه .
3 ـ ونتوقف مع مسلسل الدم داخل ( دار السلام ) بزعمهم ، ونبدأ بمسلسل الدم داخل ( دار السلام ) فى ثورات العرب والخوارج .
أولا : ثورات العرب : ثورة نصر بن شبث العقيلي:
1 ـ فى الصراع بين الأمين والمأمون كان معظم أنصار الأمين من العرب بسبب أن أمه عربية هاشمية عباسية ، بينما كان معظم أنصار المأمون من الفرس ( الموالى سابقا فى العصر الأموى ) . كانت لا تزال هناك ملامح إستعلاء لدى العرب مترسبة من العصر الأموى الذى ساد فيه إحتقار الشعوب غير العربية خصوصا ( الموالى ) أى الفرس ، وقابلها الفرس فى العصر العباسى بالشعوبية ( أى التغنى بالقومية الفارسية والحضارة الفارسية )، وهذه المواجهة الثقافية هى التى مكنت الفرس من الاحتفاظ بلسانهم الفارسى حتى الآن بينما اندثرت ألسنة المصرييين والأنباط والسريان . وهذه المواجهة الثقافية بين العرب والفرس كانت العامل المساعد فى سخط بعض العرب على المأمون وكراهيتهم لانتصاره على أخيه الأمين . لم يهتموا بتفاهة الأمين وعدم صلاحيته للخلافة ، ولكن الذى أهمهم هو أن إنتصار المأمون أصبح إنتصارا للفرس على العرب . ويمثل وجهة النظر هذه ( نصر بن شبث العقيلى ).
2 ـ بمجرد إنتصار المأمون وقتل الأمين فى عام 198 ـ أعلن نصر بن سيار بن شبث العقيلي الخلاف على المأمون؛ ( وكان نصر من بني عقيل يسكن كيسوم، شمالي حلب، وكان في عنقه بيعة للأمين، وله فيه هوى؛ فلما قتل الأمين أظهر نصر الغضب لذلك، وتغلب على ما جاوره من البلاد، وملك سميساط، واجتمع عليه خلق كثير من الأعراب، وأهل الطمع، وقويت نفسه، وعبر الفرات إلى الجانب الشرقي. ).طمع نصر هذا فى التغلب على المنطقة وقت أن كان المأمون فى الشرق لم يأت الى بغداد بعدُ . وكثرت جموع نصر العقيلى ، وأصبح خطرا حقيقيا على سُلطة المأمون .
3 ـ لذا بادر المأمون عام 198 بتعيين أفضل قواده العسكريين ( طاهر بن الحسين ) وأمره أن يسير إلى ( الرقة ) لمحاربة نصر بن شبث العقيلي، وولاه الموصل والجزيرة والشام والمغرب، فسار طاهر إلى قتال نصر بن شبث، وأرسل إليه يدعوه إلى الطاعة، وترك الخلاف، فلم يجبه إلى ذلك، فتقدم إليه طاهر، والتقوا بنواحي كيسوم، واقتتلوا قتالاً شديداً أبلى فيه نصر بلاءً عظيمأ وإنتصر على طاهر بن الحسين الذى تراجع الى الرقة مهزوما، . وإقتصر على الحفاظ على ما تحت سيطرته .
4 ـ واستفحلت ثورة نصر بن شبث العقيلى مع إستمرار غياب المأمون فى الشرق بعيدا عن العراق ، وفى عام 199 تكاثرت جموعه ، وحاصر مدينة (حران ).
5 ـ وبسبب إنتصاراته المتتابعة جاءه بعضهم يطلبون منه أن يبايع لخليفة يحارب باسمه . قالوا له: ( قد وترت بني العباس، وقتلت رجالهم.. فلوبايعت لخليفة كان أقوى لأمرك.) ، فقال: ( من أي الناس؟) فقالوا: ( نبايع لبعض آل علي بن أبي طالب؛) فقال مستنكرا : ( أبايع بعض أولاد السوداوات فيقول إنه خلقني ورزقني؟) قالوا: ( فنبايع لبعض بني أمية؛ ) فقال: ( أولئك قد أدبر أمرهم، والمدبر لا يقبل أبدأ ، ولوسلكت علي رجل مدبر لأعداني إدباره. ) ثم قال لهم يعبر عن رأيه : ( ، وإنما هواي في بني العباس، ولكن حاربتهم محاماة على العرب لأنهم يقدمون عليهم العجم . ). هواه مع بنى العباس ، ولكنه ليس مع المأمون الذى إنحاز للفرس على حساب العرب.
6 ـ ثم رحل المأمون من الشرق وإستقر فى بغداد عام 204 ، وفى عام 206 مات يحيى بن معاذ والى المأمون على الجزيرة ، والذى كان يواجه نصر بن شبث العقيلى، وقد عهد يحيى قبل موته لابنه أحمد بن يحيى بن معاذ . ولم يرض المأمون بهذا ، ولم ير المأمون الوالى الجديد أحمد كفئا لمواجهة نصر العقيلى ، فاستدعى المأمون عبد الله بن طاهر من مصر ، وولاه الرقة مركز الجزيرة ، وأمره بحرب نصر بن شبث . وكان عبد الله بن طاهر بن الحسين ينقم على ( نصر العقيلى ) أنه هزم من قبل أباه ( طاهر بن الحسين ) ، ولقد كتب طاهر لابنه عبد الله كتابا يعظه وينصحه ، ذكره الطبرى بالكامل ، إعتبره المأمون وحاشيته آية فى الأدب السياسى .
7 ـ ودارت الحرب بين عبد الله بن طاهر ونصر بن شبث العقيلى حتى عام 209 . ودحر ابن طاهر غريمه العقيلى ، وحاصره عام 209 فى معقله كيسوم . وصمد نصر فى الحصار قليلا ثم طلب الأمان ، ودارت مفاوضات إشترط فيها المأمون أن يأتى نصر خاضعا اليه ،ورفض نصر خوفا من الغدر ، وطمأنه المأمون ـ عن طريق مبعوثه ـ بأنه صفح من قبل عمّن خانه ، كالفضل بن الربيع، وعيسى بن محمد ابن أبي خالد . ورفض نصر ، فضيق ابن طاهر عليه الحصار ، فرضخ فى النهاية نصر ، وتحول من معسكره إلى الرقة وسلّم نفسه الى عبد الله بن طاهر ، بعد حصار وحرب إستمرت خمس سنين، فلما خرج إليه أخرب عبد الله حصن كيسوم، وسير نصراً إلى المأمون . ووصل نصر فى صحبة عبد الله بن طاهر الى المأمون في صفر سنة عشر ومائتين . فأنزله المأمون فى مدينة المنصور وحدد إقامته فى بيت فيها .
ثانيا : الصراعات الحربية بين القبائل العربية
أشعل الأمويون التعصب القبلى بين قبائل العرب العدنانية ( بفروعها المختلفة من نزار وربيعة ومُضر وربيعة وقيس ) وقبائل قحطان اليمنية ( كلب وقضاعة والأزد ..الخ )، واستمرت الصدامات الحربية بين القبائل وفروعها فى العصر العباسى ، وكان منها فى خلافة المأمون :
1 ــ عام 198 حرب قبائل نزار والأزد فى الوقعة المعروفة بالميدان بالموصل ، وكان سببها أن عثمان بن نعيم البجمي صار إلى ديار مضر، فشكا اليهم الظلم الذى يقع على قومه من قبائل الأزد اليمنية ، واستنصر قبائل مُضر ، فسار معه إلى الموصل ما يقارب عشرين ألفا من قبائل (مُضر ) ، فتفاوض معهم ( علي بن الحسن الهمداني ـ من قبيلة همدان اليمنية )، وهوحينئذ متغلب على الموصل، ، وفشلت المفاوضات بين ( علي بن الحسن الهمداني ) و( عثمان بن نعيم البجمى ) ، فنشبت الحرب بينهم ، تقول الرواية ( فالتقوا واقتتلوا قتالاً شديدأ، عدة وقائع، فكانت الهزيمة على النزارية، وظفر بهم (علي) وقتل منهم خلقاً كثيراً وعاد إلى البلد ).
2 ــ وفى عام 200 ( وقعت الفتنة بالموصل بين بني سامة وبني ثعلبة، فاستجارت ثعلبة بمحمد بن الحسين الهمداني، وهوأخو (علي بن الحسين )، أمير البلد، فأمرهم بالخروج إلى البرية، ففعلوا ، فتبعهم بنوسامة في ألف رجل إلى العوجاء، وحصروهم فيهأ، فبلغ الخبر علياً ومحمداً ابني الحسين، فأرسلا الرجال إليهم، واقتتلوا قتالاً شديدأ، فقتل من بني سامة جماعة، وأسر جماعة منهم، ومن بني تغلب، وكانوا معهم فحبسوا في البلد . )
3 ـ وفى عام 202 كان قتل (علي بن الحسن الهمداني ) وأخوه أحمد وجماعة من أهل بيته. وسبب قتله أن ( على الهمدانى ) ، كان متغلباً على الموصل ، وقد إختلف مع قبائل الأزد فى الموصل ، وطمع فى إخراجهم منها وأمرهم أن يلحقوا بعُمان ، وهم ينتمون مثله الى قبائل قحطان اليمنية ، ( ثم قتل رجلا من الأزد يقال له عون بن جبلة، فبنى عليه حائطأ، فمات فيه، وظهر خبره، فركبت الأزد، وعليهم السيد بن أنس، فاقتتلوأن واستنصر علي بن الحسين بخارجي يقال له مهدي بن علوان، فأتاه، فدخل البلد، وصلى بالناس، ودعا لنفسه، واشتدت الحرب، وكانت أخيراً على علي بن الحسين وأصحابه، فخرجوا عن البلد إلى الحديثة، فتبعهم الأزد إليهأ، فقتلوا علياً وأخاه أحمد وجماعة من أهلهمأ، وسار أخوهما محمد إلى بغداد، فنجا وعادت الأزد إلى الموصل، وغلب السيد عليها وخطب للمأمون وأطاعه. )
ثالثا : الخوارج ( الحروية و الشراة ) :
إستمرت ثورات الخوارج فى خلافة المأمون :
1 ـ تقول الروايات فى أحداث عام 202 : ( خرج مهدي بن عُلوان الحروري فوجه إليه إبراهيم بن المهدي أبا إسحاق بن الرشيد في جماعة من القواد فهزم مهديًا .) ( وخرج عليه مهدي بن علوان الحروري، وغلب على طساسيج نهر بوق والراذانين، فوجه إليه إبراهيم أبا إسحاق بن الرشيد، وهوالمعتصم، في جماعة من القواد، فلقوه، فاقتتلوا، فطعن رجل من أصحابه ابن الرشيد، فحامى عنه غلام تركي يقال له: اشناس، وهزم مهدي إلى حولايا.)
2 ـ وتقول الروايات فى أحداث عام 214 : ( خروج بلال الضبابي شاريًا ، فشخص المأمون إلى العَلْث ، ثم رجع إلى بغداد ، ووجه ابنه عباسًا في جماعة من القواد ، فيهم هارون بن أبي خالد فقتله هارون .)
رابعا : فى شمال أفريقيا
عام 218 ، ثار فضل بن ابى العنبر على الوالى زيادة الله بن الأغلب ( صاحب أفريقية / تونس ) وتعاون هذا الثائر مع ثائر آخر هو عبد السلام بن المفرج الربعى ، وتحارب الاثنان مع جيش الأغلبى ، تقول الرواية : (فالتقوا مع عسكر زيادة الله، وجرى بين الطائفتين قتال شديد عند مدينة اليهود بالجزيرة، فقتل عبد السلام، وحمل رأسه إلى زيادة الله.وسار فضل بن أبي العنبر إلى مدينة تونس، فدخلهأ، وامتنع بهأ ، فسير زيادة الله إليه جيشأ، فحصروا ( فضلاً ) بهأ، وضيقوا عليه حتى فتحوها منه، وقتل وقت دخول العسكر كثير من أهلهأ ، وهرب كثير من أهل تونس.. )
أخيرا : حتى لايضيع منا طرف الخيط :
نذكركم بعنوان الكتاب : الأصل التاريخى لتقسيم العالم الى ( دار السلام ودار الحرب ).
ونذكركم :
1 ـ بأن الله جل وعلا لم يخلق البشر ليكونا معسكرين متحاربين ، بل خلق البشر جميعا أخوة من أب واحد وأم واحدة ، وجعلهم شعوبا وقبائل كى يتعارفوا سلميا ، لا لكى يتقاتلوا ، يقول جل وعلا يخاطب البشر جميعا : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13) الحجرات )
2 ـ إن الله جل وعلا أرسل رسوله بالقرآن الكريم رحمة للعالمين وليس لقتال العالمين ، يقول جل وعلا : ( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ (107) الأنبياء )
3 ـ إن الله جل وعلا أمر المؤمنين بالدخول فى السلام كافة ، فقال جل وعلا : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208) البقرة ). وتشريعات القتال الدفاعية هى إستثناء يخدم السلام . ولكن الصحابة إتبعوا خطوات الشيطان بالفتوحات ، وجعلوها دينا ، نتج عنه تقسيم العالم الى معسكرين متحاربين ـ حربا مستمرة ، لا يزال الوهابيون يواصلونها حتى اليوم
4 ـ القتال فى الاسلام هو لرد العدوان فقط ، وهذا معنى أن يكون فى سبيل الله جل وعلا . أما القتال المعتدى الذى فعله الصحابة فهو فى سبيل الشيطان ، وليس هناك توسط : إما قتال دفاعى فى سبيل الله جل وعلا ، وإما قتال باغ معتد ظالم يريد الثروة والسلطة ، أى فى سبيل الشيطان . يقول جل وعلا عن نوعى القتال : (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ )(76) النساء ) .
تاريخ الانضمام | : | 2006-07-05 |
مقالات منشورة | : | 5130 |
اجمالي القراءات | : | 57,285,801 |
تعليقات له | : | 5,458 |
تعليقات عليه | : | 14,839 |
بلد الميلاد | : | Egypt |
بلد الاقامة | : | United State |
أسئلة عن : ( بوتين سيقتل بشار ، سوريا وثقافة الاستبداد والاستعباد )
الغزالى حُجّة الشيطان ( الكتاب كاملا )
خاتمة كتاب ( الغزالى حُجّة الشيطان فى كتابه إحياء علوم الدين )
دعوة للتبرع
المستبد ولى الشيطان: نرى في دول المست بدين العرب انهم يسعون...
الذين إصطفينا : من هم ورثة الكتا ب ( القرآ ن ) في الاية (( ثم...
الانعام 136: الآية 136 من سورة الانع ام فى قوله تعالى : (...
لسان القرآن عربى : ما هو الفرق بين لغة قوم محمد و لغة القرآ ن ؟...
هلاوس وهواجس : انا ياسمي ن عمري 27 محتاج ه مساعد ه داخل على...
more