سامر إسلامبولي Ýí 2007-03-26
الزكاة لغة من ( زكى ) تدل على النماء والزيادة . (مقاييس اللغة)
لنقوم بتحليل دلالة أصوات أحرف كلمة ( زكى ) للتأكد من دلالتها المعجمية صواباً أم خطأً .
ز : صوت يدل على بروز متصل .
ك : صوت يدل على قطع أو ضغط خفيف .
ى : صوت امتداد واستقامة .
ومجموع هذه الأصوات بترتيب كلمة ( زكى ) تدل على بروز الشيء وتواصله مع قطع أو ضغط خفيف واستمرار عملية البروز المتصل . فلاحظ علماء العرب دلالة &Cce; البروز المتصل فقالوا : إن كلمة ( زكى ) تدل على النماء والزيادة . لأن عملية البروز المتصل هي فعلاً في الواقع يترتب عليها نماء وزيادة الشيء البارز الذي لا يقف عن عملية بروزه , وغفلوا عن دلالة صوت ( ك ) فكان تعريفهم قاصراً .
تعالوا الآن لنعرف دلالة كلمة ( زكى ) بعد أن قمنا بتحليلها :
زكى : كلمة تدل على البذل والعطاء ( دلالة صوت حرف الكاف ) عند كل حالة نمو وزيادة في الشيء بصورة متصلة .
أما من قال : إن دلالة ( زكى ) هي الطهارة , فهذا من باب تفسير الشيء بما يترتب عليه في الواقع . فالإنسان الذي يقوم بعملية البذل والعطاء من كل شيء ينمو ويزيد عنده , يحصل بعد هذه العملية على سرور واطمئنان في نفسه من خلال عملية التعاون والتكافل الاجتماعي ، وبهذه العملية تتطهر نفسه من الشح والبخل والأنانية والكره والحقد . قال تعالى : [ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم ] التوبة 103
لاحظ عطف كلمة ( تزكيهم ) على كلمة ( تطهرهم ) والعطف يقتضي التغاير في المعنى كما هو معلوم . وتم تقديم كلمة ( تطهرهم ) على كلمة ( تزكيهم ) لأن المهم عند الإنسان هو الطهارة النفسية وهذا ما يحصل عليه عندما يقوم بعملية البذل والعطاء المادي . أما دلالة كلمة ( تزكيهم ) فيقصد بها نماء وزيادة مكانتهم عند الله عز وجل , وفي المجتمع ماداموا يقومون بعملية البذل والعطاء كلما نما وزاد عندهم المال . فصار معنا المقولة التالية :
البذل والعطاء طهارة للنفس وزكاة عند الرب وعند الناس .
قال تعالى : [ قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ] الشمس 9-10
[ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ] النجم 32
[ ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير ] فاطر 18
[ وسيجنبها الأتقى ، الذي يؤتي ماله يتزكى ] الليل 18
فالزكاة نتيجة لتطهير النفس ، والطهارة النفسية توصل إلى الزكاة . فالعلاقة بينهما جدلية .
فعندما تأتي كلمة ( الزكاة ) وحدها في نص قرآني مثل [ فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه ] الكهف 19 فتكون دلالتها تبدأ من النماء والزيادة المنتهية بطهارة الشيء , والمقصد في النص السابق هو أن الطعام متصفٌ بصفة الحجم الكبير أو الكمية الكثيرة مع طيبته. أما قوله تعالى : [ الذي يؤتي ماله يتزكى ] فهو خطاب للإنسان الذي يقوم بعملية البذل والعطاء قاصداً بذلك نمو وزيادة أجره ومكانته عند الله عز وجل , ويحصل في ذات الوقت على الطهارة النفسية من سعادة واطمئنان في الدنيا قبل الآخرة , لذلك يقول الحكماء : [ ازرعوا الخير فتحصدون المحبة والسلام ] وقال تعالى : [ ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ] والرؤية لنتيجة الخير تبدأ في الدنيا من محبة الناس لفاعل الخير التي تنعكس في نفسه سروراً وسعادة ، إضافة لدفع الشرور والمصائب عنه كما صح في الحديث النبوي إذ قال صلى الله عليه وآله : [ صنائع المعروف تقي مصارع السوء ] وقال [ داووا مرضاكم بالصدقة ] وقال : [ إن الصدقات يطفئن غضب الرب ] .
النتيجة :
الزكاة هي البذل والعطاء من كل أمر ينمو ويزيد بصورة متصلة . وفي الواقع يتحقق ذلك بصور كثيرة مما يُمَكِّنُ كل إنسان من فعل الزكاة , فالأصحاء الأقوياء يزكون عن ذلك بمساعدة المرضى والضعاف , والعلماء يزكون عن ذلك بعملية التعليم , و الأغنياء يزكون عن ذلك بأموالهم للفقراء ...الخ.
وبناء على ما تم ذكره نأتي لفهم دلالة قوله تعالى : [ فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم ] الحج 87 فكما أن الصلاة واجبة على كل مسلم ولا يعذر لتركها دون سبب أو عذر أبداً ، كذلك إيتاء الزكاة واجب على كل مسلم لا يعذر لتركها أبداً , لأن كل إنسان بمقدوره أن يفعل صورة من صور الزكاة في الواقع بالنسبة للمجتمع ، والإنسان الذي ينتفي عنه صفة الزكاة أو يسقط عنه الوجوب هو إنسان كَلٌّ وعالة على المجتمع بمعنى أنه إنسان ضعيف الجسم متخلف اجتماعياً ومنتفي عنه العلم الوعي والثقافة ، وفقير مادياً , أينما توجهه لا يأت بخير .... الخ فماذا يكون مستوى هذا الإنسان !؟ . لذلك حض الخالق المدبر الإنسان على تحصيل صفة الفاعلية في المجتمع بوجه من الوجوه ولا يكون عالة عليه . وقد قال النبي العظيم : [ المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير ] وقال : [ اليد العليا خير من اليد السفلى ] وقال : [ الدال على الخير كفاعله في الأجر سواء بسواء ] .
فالقيام بعملية التعليم ونشر الوعي الثقافي هو نوع عظيم من أنواع إيتاء الزكاة في المجتمع ، بل هو أرقى صورة للزكاة في الواقع وذلك لأن من يعطي الجائع سمكة يشبعه يوماً بينما من يعلمه الصيد يشبعه دوماً .
وهذا لا يقلل من أهمية البذل والعطاء المادي للمحتاجين لأن الإنسان في فترة تعليمه ووعيه يريد أن يأكل ويلبس ويعيش ....الخ فالأموات والمرضى لا يتعلمون !!.
فإيتاء الزكاة في المجتمع مرتبطة بسلم الأولويات فالمرضى بحاجة للدواء وليس للأفكار ابتداء ، كما أن الجائع بحاجة للطعام , وكذلك العريان , فهذه أمور إسعافية وعلاجية ظرفية لتأهيلهم للعلم والثقافة حتى يصيروا أفراداً أصحاء أقوياء فاعلين في المجتمع .
ومن هذا الوجه تبرز أهمية تنوع مؤسسات فعل الخير في المجتمع فلا بد من مؤسسة خيرية تعني بالعلاج للمرضى ، وأخرى للطعام والكساء , وأخرى للتربية والتعليم ، وأخرى للعلم والثقافة...الخ وهكذا تتنوع صور إيتاء الزكاة في المجتمع فيزكو المجتمع بخلاياه .
وقد يقول قائل : إن هذه الأمور هي من اختصاص وواجب الدولة تجاه المجتمع , فمن الخطأ القيام بها اجتماعياً لأن ذلك يطيل من عُمر الدولة الظالمة المستبدة , والحل هو ترك ظهور هذه العورات ونقاط الضعف لتصيب المجتمع أوباء وأضرار قاتلة فتدفعهم إلى رفض الظلم وتغيير دولهم المستبدة الظالمة !!.
ونحن نقول لهؤلاء : إن ترك المجتمع ضحية للظلم والنهب والاستعباد والاستبداد سوف يصيبه مقتلاً ، ولن يرجى من هكذا مجتمع مريض متخلف فقير ....أن يقوم ويزيل الظلم ويساهم في عملية الولادة الثقافية والحضارية لمجتمعه, لأن بكل بساطة الميت لا يتحرك ,وهكذا مجتمع هو ميت ثقافياً رغم حياته الجسمية بالحد الأدنى ولن ينجب إلا أولاداً ضعافاً جسمياً ونفسياً وسوف يورثونهم الذل والعبودية والتخلف والخنوع لتصير مع الزمن جينات وراثية يتم تناقلها من الآباء إلى الأبناء ، وبالتالي يتم ترسيخ الظلم والاستبداد والاستعباد في الفئة الحاكمة ويورثونها في المقابل لأولادهم , وهكذا يتم التوارث لكل منهما . ويطيل ويمتد الظلم والاستبداد والاستعباد قروناً وقروناً كثيرة . فانظر إلى أهمية فعل إيتاء الزكاة في المجتمع من تلقاء نفسه واعتماداً على ثقافته لا ينتظر أن تقوم الدولة الظالمة به فإنها لن تفعل , وإن فعلت فسوف يكون لصالح إطالة عمرها وتحسين هندامها وتكديس ثروات أفرادها , وينعكس ذلك على الناس شراً عظيماً .
هذه هي الزكاة المصنفة ركن من الأركان , وهي حقاً ركن اجتماعي عظيم ، فالصلاة تربية وتهذيب للنفس وتعليم لقيمة الوقت وتنظيمه , وصلة مع الخالق ليستمد الإنسان منه القوة واليقين والاطمئنان , لذلك قالوا : إن الصلاة حكم فردي لتعلقها بالله عز وجل . ونحن نقول : إنها كذلك حكم اجتماعي لما يترتب عليها من صفات فاعلة في الإنسان الذي يؤديها تجاه مجتمعه ، فالمصلي إنسان فاعل وليس عاطلاً أو خانعاً أو كسولاً . وتأتي الزكاة بعد الصلاة لتكمل فاعلية هذا الإنسان المصلي فتدفعه إلى الخروج من محرابه إلى محراب المجتمع ليؤتي الزكاة بصورة من صورها حسب سلم الأوليات وحسب مقتضى الحال .
لذا كانت الصلاة في القرآن مقترنة بإيتاء الزكاة ، ولا يمكن أن يوجد إنسان يقيم الصلاة ولا يؤتي الزكاة ، فهما عملان مرتبطان ببعضهما بعضاً . فإن حصل وأن وُجِدَ إنسان يصلي ولا يزكي ، فصلاته فارغة من محتواها وهي شكل لا مضمون لها لأن الله غني عن العالمين ، والأصل في أداء الصلاة أنها لمصلحة الإنسان والمجتمع ، فإن لم يؤت الزكاة لم يستفد من الصلاة , ومثله كمثل المريض الذي يقوم بعملية التمثيل لأداء صورة أخذ الدواء ولكنه في الواقع حقيقة لا يتعاط الدواء . والنتيجة استمرار المرض وزيادته, وربما يصل إلى الموت . وهكذا الإنسان الذي يقوم بالصلاة ولا يؤتي الزكاة فهو مريض ثقافياً وفي طريقة إلى الموت اجتماعياً , وممكن أن يكون ميتاً وهو لا يدري , فيصبر ميتاً ثقافياً وحياً في جسمه , ينتظر أهله موت جسمه حتى يتم التخلص منه ودفنه في التراب للخلاص من خبثه وعفنه .
أما الصدقات المادية فهي صورة من صور إيتاء الزكاة في الواقع قال تعالى : [ إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليهم حيكم ] التوبة 60 وقال : [ خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ] التوبة 103
وقال : [ وفي أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم ]
وقال : [ يمحق الله الربا ويربي الصدقات ] البقرة 276
وبناء على تعريف الزكاة السابق تكون الصدقات واجبة في كل ثروة نامية سواء أكانت زراعية أم حيوانية أم تجارية أم مالية .....الخ أو أي شيء يصير مع الزمن ثروة نامية .
وهذه الثروات تنقسم إلى قسمين حسب طريقة نموها وزيادتها .
القسم الأول : ثروة حيوانية أو زراعية فتكون الصدقة فيها مرتبطة بحصول عملية النمو والزيادة في الواقع. فالثروة الزراعية يتحقق فيها ذلك في يوم حصادها وجني المحصول بشرط أن يتحقق به الوفرة والكثرة . قال تعالى : [ وآتوا حقه يوم حصاده ] ويتم تحديد قيمة الصدقة بحسب كلفة الزراعة من سقاية ورعاية وأجرة اليد العاملة وأخيراً قيمة الشيء . فمثلاً قيمة الموز والتفاح ... ليس مثل قيمة البطاطا أو الخس أو الفجل . ويتم تحديد نسبة الصدقة حسب مستوى المجتمع الذي يعيش الإنسان فيه ، لأن مفهوم الغنى والفقر مختلفان من مجتمع إلى آخر حسب القوة الشرائية وتطور المجتمع مدنياً . فما يُعَدُّ غنياً في مجتمع لا يكون كذلك في آخر .
وكذلك الثروة الحيوانية يراعى فيها نوع الحيوانات وقيمتها و مرور الحول عليها ووفرتها . فالأغنام غير الجمال والبقر ، والدجاج غير البط والوز ويتم تحديد نسبة الصدقات منها حسب مستوى المجتمع الذي يعيش الإنسان فيه.
القسم الثاني : الثروات المالية بكل صورها من ذهب وفضة وألماس وجواهر ولؤلؤ وغير ذلك مما يصير ثروة ماليه له قوة شرائية , فيجب الصدقة في كل هذه الأموال إذا حال عليها الحول ونمت وزادت , ويحدد نصاب هذه الأموال حسب مفهوم الغنى والفقر في كل مجتمع لأن كل مجتمع له احتياجات تختلف عن الآخر .
أما نصاب الذهب الذي وضعه الفقهاء ثمانون غراماً تقريباً فهذا لم يعد يصلح لمجتمعنا , فمثلاً في بلد كمصر وسورية من يملك عشرة آلاف دولار لا يسمى غنياً فهو لا يستطيع أن يشتري بيتاً وسيارة ولا أن يقيم مشروعاً يعمل فيه . لذا ينبغي على الباحثين وعلماء الاقتصاد إعادة دراسة مفهوم الصدقات الواجبة من خلال دراسة ميدانية لكل مجتمع على حدة ، وتحديد الأنصبة والنسب . مع العلم أن النِسب ممكن أن تكون بطريقة تصاعدية حسب شرائح الملكيات والثروات . مثلاً تكون نسبة أول عشرة ملايين ل.س 3% والعشرة الثانية 4% ، وهكذا ممكن أن تصل إلى نسبة مرتفعة كلما ارتفع حجم المال , فمن يملك مليار دولار ليس مثل من يملك مليون دولار وبهذه الطريقة يتم تفتيت الثروة وعدم كسادها وجمعها في جهة واحدة , وتعم الفائدة على الناس جميعاً .
أما تحديد الأنصبة والنسب في الفقه التراثي بناء على أحاديث نبوية إن صحت فهذا أمر غير إلهي وإنما هو من اجتهاد النبي حسب مستوى المجتمع الذي عاش فيه . وبالتالي فهذه اجتهادات غير ملزمة لنا لأنها ليست وحياً إلهياً له صفة الأبدية . وثانياً لأن ظروف المجتمعات تختلف من زمن إلى آخر كما هو معروف في علم الاقتصاد, فمفهوم الغنى والفقر ليس واحداً في كل المجتمعات .
لذا لا بد من عملية تجديد ودراسة اقتصادية اجتماعية لكل مجتمع على حدة , ووضع دراسة تمكن الناس من فهم أحكام الصدقات ليؤتوها كما أمر الرب تبارك وتعالى لأن من الملاحظ أن المجتمعات العربية والإسلامية من أضعف وأبخل المجتمعات في أعمال الخير والبر والإحسان .
دعوة للتبرع
خمسة أسئلة : السؤا ل الأول لو شخص تلفظ بالطل اق في سره...
أنا إحترت ..: انا احترت في وضع الحال - اصبح كل شيء احتيا ل -...
تمنى الموت: لي عندك سؤال قُلْ يَٰٓأ َيُّه َا ...
إختلافهم كفر: هل اختلا ف العلم اء في الدين نعمة ام نقمة ؟ ...
أمل فى المستقبل: فى كتابك ( شاهد على بضعة أشهر من حُكم السيس ى )...
more
برايك في موضوع زكاة الراتب الشهري..
فهل ترى ان الموظف مطالب بزكاة راتبه الشهري.. وهل قوله تعالى:واتوا حقه يوم
حصاده..ينطبق
على المزارعين فقط ؟ام ان المعنى يشمل كل
حصاد ياتي لصاحبه سواء كان ناتج زراعي او راتب شهري.
وشكرا