درس في عدل عمر بن عبدالعزيز
في تاريخ الخلفاء للسيوطي روى أن أمير خراسان .."الجرّاح بن عبدالله".. في عهد الخليفة.."عمر بن عبدالعزيز".. أنه كان يعذب الناس بالضرب، ولكي لا يكون ذلك مدعاةً لعزله من منصبه كتب إلى الخليفة يبرر له ما فعل بقوله أن أهل خراسان لا يصلح معهم إلا الضرب فهم قوم سوء، فما كان من الخليفة العادل.."عمر بن عبدالعزيز"..أن قال له كذبت بل يصلحهم العدل والحق فأبسط ذلك فيهم والسلام.
هذا له علاقة بقصور فهم الحاكم عن التعاطي مع قضايا شعبه، فيلجأ إلى أقصر الطُرق لديه وهي القمع، لأنها طريقة سهلة وفي متناول يد أي حاكم لا يرى بصيصاً من النور والأمل في حل أي مُشكلة.
من ذلك أن الكثير بدأ يردد مقولة أن الشعب لا يصلح معه إلا العصا أوالحاكم القوي الذي يسومه سوء العذاب، والغريب في ذلك أن القائل لا يعترف كونه من هذا الشعب، فإذا قلت له هل لا يصلح معك إلا العصا لتهذيبك قال لا،فكيف يحكم هذا على الشعوب ويستثني نفسه منهم؟!...هذا دليل على تفشي نزعة الحُكم على الناس وتوهم امتلاك الحقيقة المُطلقة لدى العامة، وهي نتيجة حتمية للخطاب الديني الأحادي الذي لا يزال يفكر بعقلية الفِرق، فمن كان منا كان صالحاً، عدا ذلك فهو ضال ومبتدع.
متى نتعلم أن الآخر ليس بالضرورة أن يكون على خطأ، فقد أنزل الله في كتابه أن الاختلاف حق، وأن من يحاول أن يجمع الناس على رأيٍ واحد بالقوة فسيُفسد في الأرض حتماً، وقد يشرع في ارتكاب الجرائم كالتي ارتكبها ملوك وسلاطين المسلمين بعد انتقال الحُكم من المبايعة إلى الوراثة، وهو ما أسماه البعض زوراً بالخلافة، فهذه التسمية زور لأن الحاكم الأموي أو العباسي أو المملوكي أو العثماني لم يكن خليفةً لرسول الله أبدا، وأن الغالب على هؤلاء السلاطين والملوك كان الاستبداد والقتل باسم الله.
ومن ذلك اختراع تهمة.."الزندقة"..ووصمها بكل من يُعارض أو يتسبب في اهتزاز كرسي العرش من الأسرة الحاكمة، وإذا نظرنا إلى هذه التُهمة ومن اتُهِم بها من القُدماء سنجدها قد التصقت بكل مفكر حر أراد أن يأخذ زمام أفكاره بعيداً عن الشائع، فإما أن يلجأ لتأويل النصوص أو إعادة فهمها وتوجيهها من جديد، أو أن يقول بأقوال لم يقلها السابقين، حينها كان المقلدون هم السادة وكانوا هم أهل الحل والعقد ، فضلاً عن كونهم كانوا في مأمنٍ من بطش وجور الحاكم...وحينها أيضاً لم تكن عقلية الفِرق بعيدة عن السياسة، فأهل السنة كانوا هم السادة والحكام، أما المبتدعة فهم الزنادقة وأهل الضلال والزيغ من المعارضين والثائرين.
هذه العقلية توارثناها أباً عن جد حتى امتدت في خلايانا الجينية وأنسجتنا الدماغية مما ساهم بشكلٍ أو بآخر بإحاطة أي معارض سياسي بشُبهات دينية أو فكرية، حتى حمل ذلك البعض منا لاتهامهم بالجنون، كل ذلك لأجل الإعلان عن رأيه بشجاعة، ورغم أن ذلك هو الواجب لتنقية الأفكار.. إلا أن خوف الأكثرية من التصريح بآرائهم حملنا على اعتقاد الجُبن والانهزامية في الغير ونفيها عن أنفسنا...ورحم الله عمر بن عبدالعزيز فلو كان الحاكم على الحق والعدل ما كان له أن يقمع رأياً أو يظلم نفسا بغير هدى ولا بيان حتى يُعطي لنا الفرصة في التعبير عن آرائنا بشجاعة فنتقدم وننهض.
اجمالي القراءات
18202