المنوفية تغرق جزئياً.. والري المصرية تحذر من "فيضان اصطناعي" وراءه سد النهضة
شهدت محافظات وسط وغرب دلتا النيل شمالي مصر، اليوم الجمعة، ارتفاعاً ملحوظاً في منسوب مياه نهر النيل بفرع رشيد، ما أدى إلى غمر مساحات واسعة من أراضي طرح النهر في عدة مناطق، خصوصاً في مركز أشمون بمحافظة المنوفية وجزيرة داوود بمدينة السادات.
ورصدت المشاهد الميدانية محاصرة المياه المنازل والمزارع في تلك القرى، ما اضطر السكان إلى استخدام المراكب للتنقل، في وقت ناشدت فيه رئاسة مركز ومدينة أشمون الأهالي إخلاء المنازل والمزارع المقامة داخل الحرم النهري واتخاذ تدابير لحماية ممتلكاتهم. وأكدت السلطات المحلية أن ما حدث لا يرقى إلى "غرق محافظة" كما تروّج بعض صفحات التواصل، بل هو غمر طبيعي للأراضي المنخفضة داخل مجرى النهر، موضحة أن غالبية المنازل المقامة على الطرح إما خالية أو شبه خالية، لكنها شددت على ضرورة التزام الأهالي بتعليمات الإخلاء المؤقت ووقف أي أنشطة زراعية داخل الحرم حتى استقرار الأوضاع.
وتزامن هذا المشهد المحلي مع سجال إقليمي ودولي حول إدارة إثيوبيا سد النهضة. ففي بيان رسمي مطوّل، قالت وزارة الموارد المائية والري إنها تتابع تطورات فيضان نهر النيل لهذا العام وما ارتبط بها من "تصرفات أحادية متهورة" من جانب إثيوبيا في إدارة سدها "غير الشرعي المخالف للقانون الدولي". واعتبرت الوزارة أن هذه الممارسات تفتقر إلى المسؤولية والشفافية وتمثل تهديداً مباشراً لحياة وأمن شعوب دول المصب، مؤكدة أن ما تردده أديس أبابا عن عدم الإضرار بالغير "ادعاء زائف" يخفي استغلالاً سياسياً للمياه على حساب الأرواح والأمن الإقليمي.وأشار البيان إلى أن فيضان النيل الأزرق عادة ما تبلغ ذروته في أغسطس/آب، لكن إثيوبيا خالفت القواعد الفنية حيث قللت التصريفات من نحو 280 مليون متر مكعب يومياً إلى 110 ملايين فقط في 8 سبتمبر/أيلول، ثم عمدت بعد احتفال افتتاح السد في 9 سبتمبر إلى تصريف كميات ضخمة بلغت 485 مليون متر مكعب في يوم واحد، وارتفعت إلى 780 مليون متر مكعب في 27 سبتمبر قبل أن تنخفض إلى 380 مليون متر مكعب في 30 سبتمبر. وقد أدى ذلك إلى انخفاض منسوب السد الإثيوبي بنحو متر واحد، أي ما يعادل تصريف ملياري متر مكعب من المياه المخزنة دون مبرر، وهو ما وصفته الوزارة بالإدارة "غير المنضبطة والعشوائية".
وأضافت الوزارة أن هذه التصرفات تسببت في تغيير مواعيد الفيضان الطبيعي وإحداث "فيضان صناعي مفتعل" أشد قوة في سبتمبر، ألحق خسائر واسعة في السودان وغمر مساحات من الأراضي الزراعية والقرى، كما دفع سد الروصيرص السوداني لتمرير كميات كبيرة حفاظاً على أمانه. وأكد البيان أن مصر حذرت مراراً من خطورة وجود سد يخزن 74 مليار متر مكعب دون اتفاق قانوني ملزم، محذّرة من أن العشوائية الحالية تمثل خطراً دائماً خلال فترات الجفاف والفيضان معاً.
وأوضحت الوزارة أنها تدير الموقف المائي ديناميكياً عبر الرصد اللحظي والتنبؤات الهيدرولوجية لضبط كميات المياه في مواسم الزراعة والفيضان والسدة الشتوية، مؤكدة أنها خاطبت جميع المحافظين في 7 سبتمبر لتحذير المواطنين من مخاطر ارتفاع المناسيب داخل أراضي طرح النهر. وأضافت أن الأراضي التي غمرتها المياه هي بطبيعتها جزء من المجرى الطبيعي للنيل ومعرضة للغمر، وأن ما يجرى تداوله عن "غرق المحافظات" ادعاء مضلل. كما شددت على أن التعديات بالبناء أو الزراعة داخل المجرى تقلّص من قدرته التصريفية وتضر بالملايين من المزارعين، مؤكدة أن الدولة تنفذ جهوداً مكلفة للحفاظ على أراضي المخالفين رغم مخالفتهم القانون.
وختم البيان بالتأكيد أن السد العالي يبقى الضمانة الأساسية لحماية مصر من تقلبات النيل والفيضانات المفاجئة، وأن الموارد المائية المصرية تُدار بكفاءة عالية تراعي جميع الاحتمالات، بما يضمن تلبية الاحتياجات المائية وحماية الأرواح والممتلكات. وبينما تتواصل آثار الفيضان في قرى دلهمو وجزيرة داوود بالمنوفية، يتجدد النقاش في القاهرة حول مستقبل إدارة النهر والمخاطر التي تهدد المجتمعات المحلية في غياب اتفاق قانوني ملزم بشأن سد النهضة.
اجمالي القراءات
145