مئات القرى العراقية الحدودية مع تركيا تنتظر عودة الحياة إليها
يُقدّر عدد القرى العراقية الحدودية مع تركيا الخالية من السكان بأكثر من 700 قرية، نزح عنها أهلها بفعل المواجهات والمعارك والأنشطة المسلحة لحزب العمال الكردستاني منذ سنوات طويلة. وتترقب تلك القرى اليوم عودة الحياة إليها بعد اتفاق السلام بين أنقرة ومسلحي حزب العمال القاضي بحل الحزب وإلقاء السلاح.
سكّان هذه القرى التي تمتد على عشرات الكيلومترات ضمن محافظتي أربيل ودهوك في مدن سيدكان وسوران والعمادية وزاخو والزاب ومتين وكاني ماسي وقنديل، ومناطق عراقية غيرها ضمن إقليم كردستان، ما زالوا ضمن تصنيف النازحين ويعيشون في مناطق متفرقة من إقليم كردستان، وغالبيتهم من الأكراد العراقيين ومن العراقيين المسيحيين.
وأجرت مجموعة من مسلحي حزب العمال الكردستاني، يوم الجمعة الماضي، فعالية رمزية لتسليم السلاح داخل كهف "جاسنة" بمدينة السليمانية، ثاني كبرى مدن إقليم كردستان العراق، بحضور وفود أجنبية، منها الوفد التركي.
الصورة
عناصر من حزب العمال الكردستاني يسلمون سلاحهم، السليمانية 11 يوليو 2025 (إكس)
عناصر من حزب العمال الكردستاني يسلمون أسلحتهم، 11 يوليو 2025 (إكس)
وتأمل العائلات المتضررة والتي اضطرت إلى مغادرة قراها وبلداتها ولجأت إلى مراكز المدن بالعودة والاستقرار في مناطقها الأصلية بعد الاتفاق بين أنقرة والعمال الكردستاني، إلا أن مراقبين يجدون أن الوقت ما زال مبكراً لعودتهم، ولا سيما أن الجيش التركي نفذ عمليات ضد معاقل تابعة للعمال الكردستاني بعد الفعالية التي أجريت بمدينة السليمانية لتسليم السلاح أخيراً، وفق مصادر كردية أفادت بذلك لـ"العربي الجديد".
تأمل العائلات المتضررة والتي اضطرت إلى مغادرة قراها وبلداتها ولجأت إلى مراكز المدن بالعودة والاستقرار في مناطقها الأصلية
ووفقاً لتقارير منظمات كردية إنسانية، فإن الصراع المسلح بين مسلحي العمال الكردستاني والجيش التركي تسبب خلال السنوات الماضية بنزوح عشرات الآلاف من مواطني إقليم كردستان من قراهم وبلداتهم، ويُقدر عدد هذه المناطق بنحو 700 قرية في الإقليم، وهي إما خالية تماما من سكانها أو معرضة لخطر الهجمات، مشيرة إلى أن "السلام الدائم سيسهل عودة النازحين إلى قراهم ومناطقهم، وأن استمرار الوجود العسكري التركي قد يُؤخّر إعادة التوطين الكاملة".
ويقول أحمد شقلاوي، عضو منظمة "دهوك" الإنسانية، لـ"العربي الجديد"، إن اتفاقية السلام من المؤمل أن تُعيد أكثر من 700 قرية للحياة كلها على الحدود مع تركيا، مضيفا أن المناطق والقرى هذه هجرها أهلها منذ ما يقارب 20 سنة إما نهائيا أو تركوا زراعتها بسبب القصف والعمليات المسلحة لحزب العمال وخروجها عن سلطة أربيل وقوات البيشمركة وكذلك الجيش العراقي، مؤكدا أن "العديد من أهالي القرى ينتظرون لحظة مناسبة للعودة إلى بيوتهم ومزارعهم، لكن آمل عدم الاستعجال الآن لحين انكشاف آليات اتفاق السلام والتأكد من أنه سيمضي حتى النهاية".
القرى العراقية من الغزو الأميركي إلى داعش
وبعد الغزو الأميركي للعراق في 2003، تحولت مدن ومناطق كاملة في شمال العراق إلى معاقل رئيسية لـ"الكردستاني"، وهو ما دفع الجيش التركي إلى التوغل في العمق العراقي وإنشاء أكثر من 30 موقعاً عسكرياً دائماً له في الأراضي العراقية حتى عام 2013. وبعد اجتياح تنظيم "داعش" الإرهابي مساحات واسعة في العراق في 2014، توسعت سيطرة الحزب إلى سنجار ومخمور وزمار وكركوك تحت عنوان حماية الأيزيديين والأكراد، لتبلغ مساحة الأراضي التي يسيطر عليها أو ينشط فيها "الكردستاني" أكثر من أربعة آلاف كيلومتر مربع.
في السياق، يقول بهجت سورزي، وهو سياسي كردي مقرب من حزب العمال الكردستاني، إن "التقدم في الاتفاق بين حزب العمال وتركيا يبشر بالخير في حال التزمت أنقرة، لأن حزب العمال يريد إنهاء معاناته والنزول من الجبال والعودة مرة أخرى إلى الحياة المدنية والسياسية وتنظيم أفراده في مؤسسات ومنظمات غير مسلحة، لكن الجانب التركي ما زال قلقاً بسبب انشقاق بعض الجماعات المسلحة من العمال ويعمل ضد الاتفاق"، وفقاً لقوله، مؤكداً في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "عودة أهالي القرى والبلدات في المناطق المتأثرة بالمعارك والاشتباكات لا تزال غير واردة في حسابات العمال أو الأتراك أو حتى الحكومة في إقليم كردستان، لأن الحديث عنها ما زال مبكراً".
وأكمل سورزي أن "بعض تلك المناطق من المحتمل أنها تحتوي على ألغام ومفرقعات كان قد نشرها الأتراك أو حزب العمال، بالتالي فإن تلك المناطق تحتاج إلى عمل أمني وتفتيش وتطهير من الألغام المزروعة فيها أو في المنازل"، معتبراً أن "الحديث عن انتهاء المعاناة مما خلفته المعارك ما زال مبكراً، لأن الاتفاق بين العمال الكردستاني وأنقرة قد يحتاج إلى أكثر من عام، ولا نعرف في الحقيقة ما إذا كان الاتفاق سينجح أم لا، لكن كل ما نعرفه أن العمال الكردستاني جاد جداً في حل الأزمة والتحول من الميدان العسكري إلى المساحات السياسية الآمنة".ودعا زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان، في 27 فبراير/شباط من هذا العام، حزبه إلى عقد مؤتمر وإلقاء السلاح وحلّ نفسه. واستجابةً لهذه الدعوة، عقد الحزب مؤتمره الثاني عشر بين الخامس والسابع من مايو/أيار الماضي، وقرّر خلاله حلّ نفسه وإنهاء الكفاح المسلح. وقد رحّب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وعدد من الأحزاب التركية بدعوة أوجلان، في وقت دخلت فيه العملية مرحلة جديدة لا تزال مستمرة حتى الآن. وجاء ذلك بعد زيارات متكررة من وفد حزب "المساواة وديمقراطية الشعوب" إلى عبد الله أوجلان في سجن إمرلي.
اجمالي القراءات
24