ملف اللاجئين في مصر: توظيف لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية
في اليوم العالمي للاجئين، الذي وافق أمس الجمعة، أصدرت وزارة الخارجية المصرية بياناً أكدت فيه التزام مصر الدائم تجاه اللاجئين وملتمسي اللجوء والمهاجرين، مشيرة إلى أنها تستضيف نحو 10 ملايين شخص من 62 جنسية مختلفة. وقال البيان إن مصر تتبنى سياسة قائمة على احترام الكرامة الإنسانية وتكفل للاجئين حرية الحركة وتوفير الخدمات الأساسية لهم أسوة بالمواطنين، كما أعادت التذكير بقانون اللجوء الذي أقرته في ديسمبر/كانون الأول 2024، مؤكدة أنها الدولة الأولى في شمال أفريقيا التي تعتمد إطاراً قانونياً خاصاً باللجوء.
لكن هذه الصورة التي ترسمها الحكومة المصرية لا تنسجم مع الواقع الموثق من قبل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، وهي الجهة الوحيدة المنوطة رسمياً بإحصاء وتسجيل اللاجئين في مصر، والتي تشير بياناتها حتى نهاية مارس/آذار 2025 إلى وجود نحو 914 ألف لاجئ وملتمس لجوء فقط. وتؤكد المفوضية أن أغلبية اللاجئين المسجلين في مصر من السودان وسورية وجنوب السودان وإريتريا، إلى جانب أعداد أقل من جنسيات أخرى. وبينما يمكن افتراض وجود لاجئين غير مسجلين، لا يمكن تفسير الفارق بين الأرقام الرسمية والأممية – الذي يتجاوز 800% -بحسب مراقبين- إلا في إطار التضخيم المتعمد للأرقام في الخطاب الرسمي.
في السياق ذاته، أدلى وزير الشؤون النيابية والقانونية، المستشار محمود فوزي، بتصريحات خلال لقائه ممثلة المفوضية في القاهرة، تحدث فيها عن وجود أكثر من 9 ملايين لاجئ وملتمس لجوء في مصر، وهو ما يزيد الغموض حول الأرقام الرسمية المتداولة، ويطرح علامات استفهام بشأن غياب أي مصدر مستقل أو أممي يدعمها.
ويشير مرصد الهجرة واللجوء إلى أن مثل هذه التصريحات لا تقتصر على المبالغة، بل تُستخدم أحيانًا في سياقات تحريضية لتعزيز خطاب يعتبر اللاجئين عبئاً على الدولة، رغم غياب أي أدلة أو بيانات تؤكد أن اللاجئين يشكلون سببًا مباشرًا في الأزمات الاقتصادية أو الاجتماعية التي تعانيها مصر. ويُضاف إلى ذلك أن هذه اللغة المزدوجة تُستخدم في الخارج لحشد الدعم المالي والسياسي، خصوصاً من الدول الأوروبية، عبر تصدير صورة مفادها أن مصر تتحمل أعباء تفوق طاقتها في ملف اللجوء والهجرة.قانون اللجوء المصري
وفي ديسمبر 2024، أصدرت مصر قانون اللجوء رقم 164، وسط ترويج رسمي بأنه تم بالتشاور مع شركاء محليين ودوليين. لكن مراجعة مسار إصدار القانون تكشف عن غياب أي مشاورات حقيقية مع منظمات حقوق الإنسان أو المفوضية، بحسب ما وثّقته 22 منظمة حقوقية دولية ومحلية، أكدت أن القانون أُقرّ في أجواء من السرية، وأنه يفتقر إلى الضمانات الأساسية التي تنص عليها الاتفاقيات الدولية. كذلك، وجّه سبعة من خبراء الأمم المتحدة المستقلين رسالة إلى الحكومة المصرية عبّروا فيها عن قلقهم من مضمون القانون.
ويتعرض القانون الجديد لانتقادات حادة، إذ ينص على أن الحماية من الإعادة القسرية تُمنح فقط بعد الاعتراف الرسمي بصفة اللاجئ، وهو ما يخالف اتفاقية 1951 التي تحظر إعادة أي شخص يواجه خطراً في بلاده. كما يفرض القانون عقوبات على من يتأخر عن تقديم طلب اللجوء خلال 45 يوماً من دخوله البلاد، ويجيز ترحيل طالب اللجوء حتى خلال فترة الطعن على القرار. هذا إلى جانب تجريم تقديم الدعم أو الإيواء لطالبي اللجوء، واستخدام مبررات فضفاضة مثل "تهديد الأمن القومي" لسحب صفة اللاجئ.
وفي ظل غياب اللائحة التنفيذية للقانون، وعدم تشكيل اللجنة الإدارية المنوطة بدراسة طلبات اللجوء، لا تزال المفوضية السامية هي الجهة الوحيدة التي تسجل وتدير ملفات اللاجئين في مصر، استناداً إلى الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية عام 1951 والبروتوكول الملحق لعام 1967 ومذكرة التفاهم الموقعة مع الحكومة المصرية عام 1954.
ويعتقد خبراء أن الأرقام والتشريعات الرسمية المتعلقة باللاجئين تبدو جزءاً من خطاب مزدوج، فمن جهة، هي تسويق دولي لمصر بوصفها دولة تتحمل أعباء ضخمة تستوجب دعماً سخياً، ومن جهة أخرى، فرض سياسات وتشريعات تقيّد أوضاع اللاجئين وتفتقر إلى الحماية الفعلية. ويرى حقوقيون أنه بين خطاب الاستحقاق الخارجي والنظرة الأمنية الداخلية، يبقى اللاجئون في مصر أسرى معادلة لا تعترف بحقوقهم ولا تحترم كرامتهم، بل توظفهم لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية، من دون ضمان لحقوقهم الأساسية في الأمن والتعليم والصحة والعمل.
أهمية ملف اللاجئين في مصر لدى أوروبا
وفي السياق، قال الناشط السياسي رامي شعث في تصريحات لـ"العربي الجديد" إن ملف اللاجئين يحظى بأهمية خاصة لدى أوروبا بالنظر إلى الموقع الجغرافي لمصر، واتساع سواحلها، وحجم الفقر فيها، وهو ما يجعلها بمثابة حاجز يمنع تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى الشواطئ الأوروبية. وأضاف: "منع السلطات المصرية عبور المصريين واللاجئين من جنسيات أخرى عبر البحر نحو أوروبا يخفف الضغط على الشرطة وحرس الحدود الأوروبية، ويُكافأ عليه النظام المصري بدعم مالي وتقني، مقابل العمل الذي تقوم به السلطات في قمع اللاجئين وتقييد حركتهم، رغم أن الأصل أن تكون لهم حرية التنقل واللجوء هرباً من الحروب والفقر والعوز".
وأوضح شعث أن جذور هذه الأزمات التي تدفع اللاجئين إلى الفرار تكمن في السياسات الغربية ذاتها، قائلاً: "أوروبا تتحمل مسؤولية كبيرة في إشعال الحروب وإفقار الشعوب، ثم تعاقب من يحاولون الهرب من الجحيم الذي ساهمت في صناعته". ومع ذلك، بحسب شعث، يقبل النظام المصري بلعب هذا الدور القمعي، مقابل الحصول على دعم أمني وسياسي. لكنه استدرك قائلاً إن ملف اللاجئين ليس هو الملف الرئيسي في العلاقات بين الغرب والنظام المصري، موضحاً أن "الاهتمام الغربي الحقيقي بمصر يتمحور حول ضمان أمن إسرائيل، والحفاظ على استقرار المشروع الاستعماري القائم في المنطقة، وهو ما يستدعي بقاء مصر في حالة ضعف وتبعية، ويجعل من النظام أداة تخدم هذا المشروع".
واعتبر شعث أن هذا الوضع يُمكّن النظام المصري من ابتزاز الغرب، والحصول على دعم مالي وسياسي رغم سجله في مجال حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن ملف اللاجئين يمنح النظام بعض القدرة على التفاوض، لكنه محدود التأثير في تحقيق مكاسب جوهرية لمصر، سواء على مستوى الاقتصاد أو الأمن الإقليمي. وختم بالقول: "أوروبا تتعامل مع مصر باعتبارها دولة حاجز، وتدفع بعض الأموال مقابل ذلك، لكنها لا تعترف علناً بهذا الترتيب، ولا تمنح النظام أكثر مما تفرضه الضرورة، فيما يُستخدم هذا الملف داخلياً لتبرير القمع، وخارجياً لكسب شرعية سياسية لا تُستحق".
وفي المقابل قال السفير محمد حجازي، المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، إن ملف اللاجئين يُعد أحد أبرز الملفات التي تُظهر من خلاله مصر التزاماً إنسانياً وسياسياً واضحاً، إذ تستضيف - بحسب تقديرات الدولة - ما يزيد عن 10 ملايين لاجئ ووافد من نحو 134 دولة، وتوفر لهم خدمات الإقامة والتعليم والرعاية الصحية من دون إقامة معسكرات لجوء أو استخدام الملف ورقةَ ضغطٍ لطلب المساعدات. موضحاً أن مصر تعتمد في تعاملها مع هذا الملف على قيم إنسانية ثابتة، تتيح للاجئ والمهاجر فرصة الاندماج في المجتمع لحين تهدئة الأوضاع في بلاده وعودته إليها، مشدداً على أن هذا النموذج المصري في الاستضافة يستحق دعماً ومساندة حقيقية من المجتمع الدولي، خاصة من الدول الأوروبية، "التي تُعد المقصد الطبيعي لهؤلاء اللاجئين في حال غياب الأمان في أوطانهم أو في الدول المضيفة".ولفت حجازي إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لطالما أكد في لقاءاته الدولية أن مواجهة أزمة اللاجئين لا يمكن أن تقتصر على سياسات الاحتواء، بل يجب أن تشمل ضخ الاستثمارات في الدول المصدرة للهجرة ومناطق النزاع، بهدف معالجة الأسباب الجذرية للهجرة واللجوء، وتوفير سبل الحياة الكريمة للاجئين في أماكن وجودهم. مضيفاً أن مصر، التي استقبلت أعداداً ضخمة من النازحين من السودان ومن دول أفريقية وعربية عدة، تتحمل أعباء كبيرة، ما يجعل هذا الملف أحد أبرز محاور التفاوض المصري مع الاتحاد الأوروبي والمانحين الدوليين، من أجل حشد الدعم اللازم لتمكين المجتمعات المضيفة من تلبية احتياجات اللاجئين، وتمكين اللاجئين أنفسهم من الاعتماد على الذات، سواء في مصر أو في بلدانهم الأصلية إذا ما أتيحت فرص العودة.
وشدد حجازي على أن مصر تسهم بدور فاعل في ملفات تسوية النزاعات في ليبيا والسودان وسورية والعراق ولبنان، وتسعى إلى دفع جهود الحلول السياسية، بما يسهم في الحد من موجات النزوح والهجرة غير النظامية. وختم بالقول: "اللاجئون والنازحون يستحقون دعماً دولياً حقيقياً، ومصر تؤدي دورها، لكن استمرار هذا الجهد يتطلب إدراكاً أوروبياً بأن عدم الاستثمار في استقرار هؤلاء في بلادهم أو في دول الاستضافة، سيعني انتقالهم الحتمي إلى أوروبا، وتفاقم أزمة اللاجئين هناك".
اجمالي القراءات
12