وصمة المجتمع تزيد الانتحار في العراق

اضيف الخبر في يوم السبت ٢٤ - مايو - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


وصمة المجتمع تزيد الانتحار في العراق

يُسجّل العراق أرقاماً قياسية في حالات الانتحار. ويؤكد متخصصون بأن الوصمة المجتمعية وتأثيراتها النفسية تفاقم الظاهرة، إذ تمنع الحواجز الثقافية بعض المصابين بحالات نفسية من طلب دعم فينتهي بهم الأمر إلى الانتحار، كما أن ضعف بنية الصحة النفسية ونقص الكوادر المؤهلة يفاقمان الأزمة ويتركان الضحايا في مواجهة معاناتهم من دون ملاذ آمن.

ورصدت تقارير صحافية 64 حالة انتحار في بغداد بين الأول من يناير/كانون الثاني والأول من إبريل/نيسان الماضيين، في حين وثّقت السلطات 772 حالة انتحار العام الماضي، بارتفاع 663 حالة عن عام 2023، ما يعكس استمرار الوتيرة المتصاعدة للظاهرة في السنوات الأخيرة.

يقول مسؤول أمني طلب عدم كشف هويته لـ"العربي الجديد": "أكثر الوسائل التي استخدمها من أقدموا على الانتحار القفز من المرتفعات والجسور والحرق وإطلاق النار والشنق، والشباب من كلا الجنسين هم أكثر من يُقبل على الانتحار الذي تقف خلفه صراعات أسرية بالدرجة الأولى، وبعدها الإخفاق في العلاقات العاطفية أو الزوجية، ما يؤدي إلى مرور أشخاص بحالات نفسية سيئة. ومن انتحروا لم يستطيعوا تجاوز هذه الحالة".

وحاولت الحكومة العراقية وضع حدّ للزيادة اللافتة في حالات الانتحار، وأقرّت الاستراتيجية الوطنية للوقاية من الانتحار للفترة بين عامي 2023 و2030، لكنها لم تذكر تفاصيلها باستثناء أنها تركّز على تعزيز فرص الحصول على رعاية صحية، وتكثيف جهود توفير مساعدة في مجال الصحة النفسية، ومعالجة الوصمة المرتبطة بها.

العجز المالي وراء نسبة كبيرة من حالات الانتحار، 29 إبريل 2024 (مرتضى السوداني/ الأناضول)
العجز المالي وراء نسبة كبيرة من حالات الانتحار، 29 إبريل 2024 (مرتضى السوداني/الأناضول)
يقول ماجد عواد (34 عاماً) لـ"العربي الجديد": "كنت أظنّ بأن لا أحد يفهمني بعدما خسرت عملي وضاقت بي سبل الحياة. قضيت ليالي بلا نوم، وأعدت حساباتي لأتخلص من كل شيء فقررت الانتحار. وقبل أن أقدم على ذلك عبر إلقاء نفسي من سطح مبنى مرتفع جاءت طفلتي الصغيرة وارتمت في حضني من دون أن تدري ما أريد فعله، وسألتني عن سبب حزني، فأيقظتني كلماتها وعزمت على طلب مساعدة، واعترفت للمحيطين بي بأنني أمرّ بحالة نفسية سيئة أتناول حبوباً مهدئة كتبها لي طبيب. ورغم خوفي من نظرات الآخرين لي بعد مرور أكثر من عامين على هذه القصة لا أزال اعتقد بأنهم يشكون باتزاني العقلي".ويروي جواد كاظم (52 عاماً) لـ"العربي الجديد" قصة أخرى تؤكد خطورة الوصمة الاجتماعية التي تنتشر بين العراقيين، ويقول: "كان جارنا شاباً طموحاً وخجولاً في الوقت ذاته. وبعد مرور أشهر على معاناته من الاكتئاب، بدأ الناس يتهمونه بالجنون لأنه خضع لجلسات علاج نفسي، وشيئاً فشيئاً أخذوا ينصرفون عنه، وتحوّلت نظرات الشفقة لديهم إلى سخرية، حتى فقد الأمل وحاول الانتحار مرة عبر أخذ جرعة من مادة سامة، لكن عائلته نجحت في إنقاذه بسرعة عبر نقله إلى المستشفى".

وتسلط هذه الشهادة الضوء على الوصمة الاجتماعية التي تحيط بمرضى الصحة النفسية في العراق، وكيف يمكن للانعزال والاتهامات المجتمعية أن تعمق جراحهم النفسية. وهذا ما يؤكده لـ"العربي الجديد" أخصائي الطب النفسي الدكتور فارس موفق الذي يتطرق إلى دراسة تناولت تقارير الطب الشرعي في العراق، وأكدت أن العجز المالي وقف وراء 14% من حالات الانتحار، في حين بلغت نسبة حالات الانتحار التي سببها الخلافات والمشاكل العائلية 13%، ونسبة حالات الانتحار بسبب الاكتئاب النفسي 17%.

ويؤكد موفق أنه عالج حالات صعبة حاول أصحابها الانتحار، ويوضح أن "الوصم الاجتماعي والأعراف الدينية تشكل عوائق كبيرة أمام المصابين بأمراض نفسية في العراق، فاللجوء إلى المعالجة النفسية يعدّ أمراً مخجلاً في كثير من المجتمعات المحلية". ويرى أن "هذه الموانع النفسية والاجتماعية تمنع المرضى من الإفصاح عن معاناتهم أو طلب مشورة من متخصصين، ما يفاقم الحالة لدى بعضهم وصولاً إلى الانتحار".ويرى الطبيب النفسي حسن الشمري، في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن الجهات الحكومية تتحمل مسؤولية كبيرة في انتشار ظاهرة الانتحار وزيادة الوصمة المجتمعية الخاصة بالحالات النفسية. ويلفت إلى أن الموارد المخصصة للصحة النفسية في العراق لا تزال دون المستوى المطلوب، وتفتقر معظم المستشفيات إلى أطباء نفسيين ومدربين متخصصين، كما تنعدم خدمات الدعم المجتمعي والمتابعة المنتظمة للمرضى".

يتابع: "يعاني العراق أيضاً بعدد سكانه الكبير ومدنه وقراه المترامية في مناطق واسعة من نقص المنظمات والجمعيات المتخصصة التي تراقب وتدرس وتحلل حالات الانتحار، كما لا تتبنى السلطات خطة خاصة بتثقيف وتوعية المجتمع بشأن أهمية الطب النفسي وضرورة استشارة الأطباء النفسيين. وهذه مسؤولية الدولة قبل المجتمع".
اجمالي القراءات 15
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق