مهاجرو ألمانيا... ورقة انتخابية رائجة يستغلها اليمين الشعبوي

اضيف الخبر في يوم الخميس ٢٠ - فبراير - ٢٠٢٥ ١٢:٠٠ صباحاً. نقلا عن: العربى الجديد


مهاجرو ألمانيا... ورقة انتخابية رائجة يستغلها اليمين الشعبوي

أطلق زعيم الحزب المسيحي الديمقراطي فيردريش ميرز حملة أثارت نفور الرأي العام في البلاد، وقطاعات داخل حزبه، دفع فيها بمقترحات لقوانين تهدف إلى تحقيق تحول سريع في قضايا الهجرة واللجوء، وتمكين سياسة أمنية أكثر صرامة، مستعيناً في البرلمان "البوندستاغ" بأصوات نواب حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني الشعبوي المناهض للهجرة.
مقالات متعلقة :

وتشمل مقترحات ميرز توسيع قائمة البلدان الآمنة، وتخفيض المزايا الاجتماعية وفقاً لمبدأ "السرير والخبز والصابون" للحد من تدفق المهاجرين. ما دفع البعض إلى وصف خطوته تلك بأنها "انتحار سياسي" لزعيم الحزب المحافظ العريق الذي أطلقت زعيمته السابقة أنجيلا ميركل، في 2015 حين كانت المستشارة الألمانية، حملة ترحيب باللاجئين تحت شعار "نستطيع أن ننجز ذلك".
وحملت بعض المقترحات عدداً من النقاط المجحفة وغير الإنسانية، من بينها احتجاز الأشخاص المطلوب منهم مغادرة البلاد في الثكنات العسكرية الفارغة، أو مراكز مكونة من الحاويات، وأن تجرى عمليات الترحيل يومياً إلى أفغانستان وسورية، وأن تكون الشرطة قادرة على التقدم بطلب للحصول على أوامر بغرض الاعتقال المؤقت أو الاحتجاز بهدف الترحيل.
وقوبلت هذه الاندفاعة المفاجئة بردود فعل غاضبة خلال الأيام الماضية، فنظمت مسيرات واحتجاجات في عدد من المدن الألمانية، قدر عدد المشاركين فيها على مستوى البلاد بأكثر من 250 ألفاً، للتنديد بتعاون ميرز مع اليمين المتطرف ضد اللاجئين.
ورغم أن المشروع لم يُمرَّر في البوندستاغ، إلا أنه كسر "جدار الحماية"، وهو المصطلح الأخلاقي المعتمد بين الأحزاب لقطع الطريق على أي تعاون مع اليمين الشعبوي، ما قد يؤدي إلى نتائج خاطئة مستقبلاً، لا سيما أن البلاد مقبلة على انتخابات عامة مفصلية من المرجح أن تفرز أحجاماً حزبية جديدة، مع توقعات بتضخم ملحوظ لكتلة البديل اليميني.
في ظل هذه الأجواء، أعرب ممثلو مجلس الكنيسة الإنجيلية في ألمانيا والأساقفة الكاثوليك عن انتقادات حادة لقانون الحد من تدفق المهاجرين، الذي سقط خلال القراءة الثانية في البوندستاغ بعد أن مُرِّر أولاً، مبرزين أن "هذا النوع من النقاشات يشوه سمعة جميع المهاجرين الذين يعيشون في البلاد، ويطلق أحكاماً مسبقة ضدهم"، وأن هذه المقترحات "لا تساهم في حل القضايا الحقيقية، كما أن التدابير المشددة المقترحة في مشروع القانون ليست فعالة"، فضلاً عن انتقاد فرض الضوابط الحدودية الدائمة، ورفض الأشخاص الذين يسعون إلى الحماية على الحدود، كون ذلك ينتهك قوانين الاتحاد الأوروبي.
وقال الرئيس السابق للكنيسة الإنجيلية هاينريش بيدفورد ستروم إنه "لا ينبغي التعاون مع أولئك الذين يدوسون كرامة الإنسان"، في إشارة إلى حزب البديل اليميني.

في السياق، شكك خبراء في بعض نقاط المقترح لعدم توافقها مع القانون الألماني أو القوانين الأوروبية. يقول محامي الهجرة دانييل ثييم، لشبكة "إيه آر دي" الإخبارية: "القانون الأوروبي الحالي ينص على أنه يسمح للأشخاص بدخول البلاد حتى يتمكنوا من فحص طلبات لجوئهم، وما إذا كان من الممكن الحصول على تصريح إقامة. حزب الاتحاد المسيحي بزعامة ميرز يحاول تفعيل بند الاستثناءات في المعاهدات الأوروبية، وفي نهاية المطاف، تظل مسألة قانونية تطبيق الطوارئ أمر يتعين على المحاكم توضيحه".
يضيف ثييم: "يستخدم حزب البديل من أجل ألمانيا مشكلات الهجرة واللجوء لإثارة الكراهية ضد الأجانب، ونشر نظريات المؤامرة، ما يعرض ألمانيا وأمنها وازدهارها للخطر. الزعيم ميرز يمشي على حبل مشدود، وعليه اتخاذ خطواته السياسية بعيداً عن اليمين الشعبوي وخططه غير القابلة للتنفيذ، إذ لا يمكن مثلاً احتجاز الأشخاص لأجل غير مسمى، أو إلغاء حق اللجوء، أو إغلاق الحدود، وغيرها من مطالب الفاشيين من حزب البديل من أجل ألمانيا".
في السياق، تعتبر مديرة الشؤون البرلمانية في الحزب الاشتراكي الديمقراطي كاتيا ماست أن مقترحات ميرز لتشديد قانون اللجوء تشكل انتهاكاً للدستور، وأنه يعطي بطاقة مجانية لصعود اليمين المتطرف، ويتخلى عن محاولة خلق أغلبية بين الديمقراطيين.
في المقابل، أكد ميرز في مقابلة مع صحيفة "بيلد" أنه لا يستطيع أن يتخيل أن أحزاب الائتلاف الحاكم لا تريد فعل شيء لتحسين الوضع الأمني، وأنه يتعين على أحزاب الوسط أن تتحمل مسؤوليتها، معتبراً هذا "أفضل علاج ضد التطرف السياسي".
في حين يؤكد خبراء اللجوء والهجرة أن هناك حاجة إلى حلول تمنع حزب البديل المتطرف من الفوز، لكن هذه الحلول لا يمكن أن تقتصر على الخطب والوعود، مشيرين إلى أن التنسيق بين حزب راديكالي وحزب محافظ معتدل فيه الكثير من الغموض.من جانبها، ردت وزارة الداخلية الاتحادية، مؤخراً، على طلب إحاطة تقدم به حزب اليسار بخصوص نوعية وعدد الانتهاكات التي طاولت اللاجئين، ليظهر تقريران للشرطة تنفيذ 218 هجوماً بدوافع سياسية على مراكز إيواء للاجئين في أنحاء ألمانيا، وأن 14 شخصاً، من بينهم طفل، تعرضوا لإصابات بالغة، كما أن عدد هذه الجرائم ارتفع نسبياً مقارنة بأرقام عام 2023 التي لم تتخط 167جريمة جرى الإبلاغ عنها.
وعلقت النائبة عن حزب اليسار كلارا بونغر قائلة إن "عدد الإهانات والتهديدات والهجمات ضد اللاجئين مرتفعة بشكل مقلق منذ سنوات، ومن المثير للغضب أن يُقبَل هذا الوضع بلامبالاة من قبل شريحة كبيرة من السياسيين والرأي العام. في نهاية المطاف، فإن المتضررين هم أشخاص يبحثون عن الحماية في ألمانيا، لكن ما يجدونه هو العداء العنصري والعنف، ولا ينبغي لنا أن نعتاد ذلك أبداً".
إلى ذلك، أعلنت السلطات الألمانية أخيراً إحباط مخطط لتنفيذ اعتداء على مركز استقبال لطالبي اللجوء في زنفتنبرغ التابعة لولاية سكسونيا (شرق)، وأفادت النيابة العامة ومكتب الشرطة الجنائية المسؤولة عن مكافحة جرائم اليمين المتطرف بأنه "بعد دهم منزل المشتبه به (21 سنة)، ضُبط جهازان متفجران وسكاكين وذخائر، وأُصدرت مذكرة اعتقال بحقه، لكن التحقيقات الأولية لم تكشف مدى تورط المشتبه به في المشهد اليميني المتطرف".وعلى غرار فرنسا، تدرس الحكومة الألمانية منذ سقوط نظام الأسد "تقديم عروض" بإمكانية السماح للسوريين بالسفر إلى وطنهم لمرة واحدة من دون أن يفقدوا وضع الحماية الذي يتمتعون به.
وقالت وزيرة الخارجية أنالينا باربوك، المنتمية إلى حزب الخضر، أخيراً، إنه يجب منح اللاجئين الفرصة لاستكشاف ما إذا كان خيار العودة الدائمة متاحاً، وإنه يتعين أن يكون هناك استثناء لهذا.
وفي الإطار، أفاد المتحدث باسم وزارة الداخلية ماكسيميليان كال بأن الوزارة تدرس سبلاً عملية لتنفيذ ذلك بالتعاون مع المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين، وأن وزيرة الداخلية نانسي فيزر ترى أن هذا النهج واقعي لتشجيعهم على العودة بشكل دائم، موضحاً أن العودة الطوعية إلى سورية لن تكون ممكنة إلا إذا تمكن الناس من تفقد ممتلكاتهم وأفراد عائلاتهم أولاً، والتأكد أنهم سيكونون آمنين في وطنهم.
لكن مع تعدد الاعتبارات، هناك شكوك عدة حول ما يسمى "الزيارات الخاصة لتفقد المنازل واكتشاف الوضع على أرض الواقع"، ويرى حزب الاتحاد المسيحي أن أي خطوة من هذا النوع ستكون "مغامرة".
في هذا الصدد، بينت تقارير إعلامية أن مجموعات تابعة للبديل اليميني الشعبوي عمدت، في خطوة أثارت الكثير من الاستغراب ضمن حملتها ضد اللاجئين، إلى توزيع نماذج بطاقات سفر حملت شعار الحزب، كتب عليها: "العودة فقط يمكن أن تنقذ ألمانيا"، وأنها وضعت تلك البطاقات في صناديق بريد منازل وشقق لمهاجرين في عدد من المدن.
ويذكر هذا السلوك بما أقدم عليه حزب "إن بي دي" اليميني المتطرف في فترات سابقة، كما يعيد إلى الأذهان الحملات التي روج لها النظام النازي ضد اليهود، حين وزع ملصقات كتب عليها حينها "تذاكر إلى القدس".
وحذرت جمعيات مدافعة عن حقوق الانسان من ثقافة الإقصاء، وزيادة نسب التوتر ضد اللاجئين مع الزيادة الملحوظة في مستوى التطرف لدى الجماعات اليمينية.
اجمالي القراءات 192
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق