أسباب العزوف عن القرآن
كان القرآن الكريم سبباً في إسلام الكافرين والمشركين، فلم يقدر العرب على نفي إعجابهم به كلغة عربية فصى صيغت بشكل عجز عنه البشر شعراء وخطباء لطالما تمكنوا من اللغة، إلا أن ضعفهم بدا واضحاً أمام آيات الفرقان.
إنه الكتاب الذي رق له قلب الوليد إبن المغيرة، فأغضب ذلك المشركين، فقالوا للوليد قل لنا في القرآن قولاً يبين للناس أنك كارهاً له، فرد عليهم "وماذا أقول فوالله، ما فيكم رجل أعلم بالشعر مني ولا أعلم برَجَزه ولا بقصيده مني، والله ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإن عليه لطِلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمُغْدِق، وإنه يعلو وما يُعْلَى عليه، وإنه ليحطم ما تحته" ققيل له : لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه شيئاً يظهر بغضك، قال: فدعوني حتى أفكر فيه، حتى قال : هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره، حتى نزلت فيه الآية : "ذرني ومن خلقت وحيداً.
لقد كان عمر بن الخطاب كارهاً للإسلام والرسول "ص" حتى قرأ من القرآن : "طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)" سورة طـه، بعدها أشهر عمر إسلامه وكان من أشد المدافعين عن الإسلام بعدها.
إن القصص حول القرآن الكريم، وإسهامه في نشر الإسلام كثيرة، ولكن هذا كان قديماً، فلماذا اليوم لا يؤثر القرآن في قلوب أو عقول القراء أو المستمعين ؟ ليس للأمر علاقة باللغة، فالعالم يعج بأكثر من 300 مليون عربي ومسلم ناطقين ومتحدثين باللغة العربية، لكن مع هذا العدد الذي يضم في طياته من الأدباء والشعراء والكُتاب الآلاف، إلا أن إستيعاب الناس للقرآن قل لدرجة تقترب من الندرة، من هناا علينا أن ندرك ان هناك شيء ما خطأ، والخطأ ليس في الكتاب المقدس معاذ الله، بل إنه في الأجيال التي حملت الفرقان بكل تأكيد، لذلك سأجتهد في كتابي هذا لأقف على أسباب عزوف الناس عن القرآن، وفي النهاية قد يصيب إجتهادي وقد يخطىء، فالعلم في النهاية عند الله وحده.
السبب الأول/ القرآن الكريم لا نسمعه بكثرة، إلا بعد وفاة من حولنا من أهل أو أصدقاء أو معارف، فمن منا لم يذهب لتأدية واجب العزاء ولم يستمع لآيات الذكر الحكيم، هنا إرتبط القرآن بأذهان الناس بالمواقف الصعبة والحزينة فقط، فأصبح الناس كلما سمعوا قرآن في الشارع أو في الإذاعة أو عبر الشاشات، يتذكرون مواقفهم المتعلقة بالموت، بينما غاب القرآن عن مواقف الفرح والسرور، فكان ذلك سبباً لعزوف البعض عن الذكر الحكيم.
السبب الثاني/ ربط القرآن بالآخرة والمواعظ، دون التركيز على بلاغة الكتاب المقدس، فغاب الجمال اللغوي عن الناس، ورسخ في أذهانهم إرتباط الكتاب المقدس بالعالم الآخر أو الموعظة لأجل ما بعد الموت أيضاً، وبالتالي عزف الناس عن القرآن حتى وإن كانوا شعراء أو أدباء، ومالو للشعر والنثر القديم كمواد أخرى بلاغية.
السبب الثالث/ ربط القرىن بالآخرة ونسيان الدنيا، أمر يجعل المستمع يؤجل القرآن إلى مرحلة أخيرة في الحياة، لأنه يترسخ في ذهنه أن الكتاب المقدس جاء فقط للموعظة قبل الموت، دون النظر إلى القرآن على أنه كتاب للحياة الدنيا قبل الآخرة.
السبب الرابع/ طرق قراءة القرآن المعروفة والمتداولة، هي القراءة والتلاوة والترتيل، والواقع أنني ما إستمعت يوماً لشيخ يقرأ القرآن بأي طريقة من الطرق الثلاثة وشعرت بجاذبية لإستكمال سماع ما يقرأهُ الشيخ، أياً ما كان صوت هذا القارىء، من الشام أو مصر او من المغرب أو الخليج، فطريقتهم جميعاً وأداؤهم في قراءة القرآن واحدة، وكأن جميعهم تخرج من نفس المدرسة، لذلك أعتقد أن لقراءة القرآن شكل آخر إلا أننا إفتقدناه، وهذا الشكل في القراءة كان سبباً لإسلام المشركين منذ بداية الإسلام.
السبب الخامس/ المبالغة ممن يقرءون القرآن في إظهار مشاعر الخوف من خلال البكاء أو التقطع في القراءة، فمثل تلك المبالغات، لا تشعر المستمع بإيمان أو رهبة كما يعتقد قارئ القرآن، لكنها في الواقع قد تتسبب في عزوف المستمع عن القرآن.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
اجمالي القراءات
11466