الناشطة النسائية الجزائرية نفسية لحرش لآفاق: استغلال الدين في الممارسة السياسية جعل العنف وسيلة قمع
قالت الناشطة النسائية الجزائر نفسية لحرش إن حالة التردي الذي وصلت إليه المرأة الجزائرية والعربية، ليس بسبب قلة عدد الجمعيات النسائية، وإنما يعود إلى فشل سياسات التنمية في المنطقة العربية.
وقالت لحرش رئيسة ومؤسسة جمعية "المرأة في اتصال" الجزائرية في حديث لموقع آفاق إن من أهم العوائق التي تحول دون تقدم المرأة العربية تفشي الجهل حول مشاركتها في تنمية المجتمع وسيطرة التعفن السياسي، والخطاب الديني المتخلف والمتطرف الذي يعمل على جعل المرأة إنسانا من الدرجة الثانية يخلق ويعيش من أجل عملية الإنجاب اللامحدودة والطاعة العمياء والكيان المهدور.
وفيما يلي نص الحديث:
آفاق: حدثونا عن جمعيتكم؟
نفسية لحرش: أسست جمعية "المرأة في اتصال" سنة 1994، وهي جمعية نسائية اختارت البعد الاتصالي كأحد أهم البرامج التي تصل بها للنساء وللرجال في المجتمع بشكل عام، انطلاقا من كون العضوات المؤسسات إعلاميات ويقدرن ماهية الاتصال ودوره في ترقية المجتمع وتغيير الأفكار، لذلك فقد بنت تواصلها مع النساء والمجتمع باستعمال مختلف أنواع وتقنيات وسائل الاتصال القديمة والحديثة، كما انتهجت الاتصال المباشر مع النساء سواء باستقبال المكاتب الولائية لهن والتعامل مع مشاكلهن، فجمعيتنا "جمعية وطنية"، أومن خلال الندوات والملتقيات والنشاطات المختلفة التي نقوم بها باستمرار، أو عن طريق النشر.
وقد أصدرنا العديد من النشريات والوثائق المتخصصة، وإعطاء النساء فرصة للتعبير عن واقعهن بالكتابة، حيث اصدرت الجمعية حتى اليوم ما يقرب من 20 كتابا في كل المجالات مع التزام التوعية والطرح في وسائل الإعلام - إذاعة وتلفزيون- التي تغطي 99% من التراب الجزائري والتي نعتبرها الوسيلة الأقرب للنساء لأنها تدخل كل البيوت وتحاكي جميع المستويات.
آفاق: في الجزائر مليون امرأة بلا مأوى. كيف تحاولون كجمعية نسائية ومهتمة بالاتصال تحسيس المجتمع بخطورة هذه الظاهرة؟
نفسية لحرش: غير صحيح، الرقم الذي في حوزتكم غير صحيح بتاتا.. لكن هناك نساء كثيرات بدون مأوى حقيقة، أو يسكنون بيوتا غير لائقة، نحن كثيرا ما نددنا بذلك وطالبنا بالمساواة في توزيع المساكن في كل نشاطاتنا وطروحاتنا.
من جهة أخرى مشكلة السكن مشكلة الشعب الجزائري ككل نظرا لغياب سياسة البناء في الجزائر حتى نهاية سنوات السبعينات، وعدم التكفل بالتأخير في هذا الشأن في سنوات الثمانينات ثم جاءت العشرية الدموية في سنوات التسعينات لتضاعف الأزمة، مع نهاية الثمانينات وما تلاه من هجرة سكان الريف إلى المدينة وتحمل النساء إعالة الأسرة بدل الرجل الضحية، ثم تأخرت برامج البناء بعد أن تراكمت وعدم قدرة البرامج المنجزة على استيعاب كل المطالب..
قد أقول لك إنه حتى نهاية السبعينات كان عدد النساء اللائي يسكن لوحدهن معدود على الأصابع لمقتضيات اجتماعية وثقافية، وقد أقول لك أيضا هناك نسبة كبيرة من النساء يسكن سكنا غير لائق، ولكنهن لم يكن مطالبات وإلى حد الساعة بإعداد سكن الزوجية، وهذا ربما من أحد الأسباب الكبرى العاملة على تفاقم عملية التمييز بين الجنسين، وفي كل الحالات الرقم ليس صحيحا.
آفاق: ثمة من يتهم الجمعيات النسائية الجزائرية بأنها استحلت أن تكون ديكورا لواقع يمشي عكس ما هو قائم. كيف تردين على هذا؟
نفسية لحرش: المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمع العربي كبيرة جدا ومتشابهة، وأخطرها مشكلة التربية والتوجيه في الأسرة التي تتلقاها الفتاة منذ طفولتها، ثم التمييز الذي تتعرض له في المجتمع يحكم هذه التربية لتصبح عندها من المسلمات التي تعمل بدورها على تكريسها لأطفالها دون أن تشعر، ومن هذه المسلمات عدم الانتماء إلى الجمعيات النسائية..
من التجربة وجدنا النساء يتوجهن في غالبيتهن إلى الجمعيات فقط عندما تغلق في وجوههن الأبواب وهذا من التجربة المعاشة، ومن يؤمن بالنضال إما هن عاملات وربات بيوت لا يمكنهن وضعهن من توفير الوقت الكافي للنضال، وإما نساء ممنوعات من النشاط بحكم التركيبة الاجتماعية التي ذكرتها، ومع ذلك هناك جمعيات ذات مصداقية ولها برنامجها المحترم ونشاطها الفعلي رغم قلة إمكاناتها المالية. فهي ليست مدعمة من الدولة كما قد يعتقد، مع ملاحظة أن التغيير والريادة في كل العالم إنما تتقدم به الأقلية الطلائعية المتنورة وليس العكس..
أما التردي الذي وصلت إليه المرأة الجزائرية وأيضا المرأة العربية، فلا يعود لعدد الجمعيات التي هي أصلا غير كافية سواء بالنسبة لعدد النساء أو عندما تقارن بمعاناتهن اللامحدودة، وإنما يعود للفقر الناتج عن فشل سياسات التنمية في المنطقة العربية، وتفشي الجهل حول مشاركة المرأة في تنمية المجتمع وسيطرة التعفن السياسي، والخطاب الديني المتخلف والمتطرف الذي يعمل على جعل المرأة إنسانا من الدرجة الثانية يخلق ويعيش من أجل عملية الإنجاب اللامحدودة والطاعة العمياء والكيان المهدور.
آفاق: هناك من يتهم السلطة بأنها ترفض تغيير قانون الأسرة بدليل أنها صاغته في الثمانينات، أي قبل انفجار الوضع الأمني؟
نفسية لحرش: لا أوافقك الرأي، فرغم كل التهديدات بالموت التي تلقيناها من المتطرفين الإسلاميين، وفقداننا للعديد من المناضلات، وقبلهم الكبت المقنن من سلطة الحزب الواحد، فقد انتصرت الديمقراطية، وحتى وإن كنا نعلم أنها منتقصة فنحن نؤمن ببنائها تدريجيا بدليل تعديل كثير من القوانين وخاصة قوانين: الأسرة والجنسية والعقوبات، والتي ما كانت لتعدل لولا حملات التوقيعات والحملات الإعلامية المدعمة بالتظاهرات الميدانية المستمرة التي لم تهدأ منذ صدور قانون الأسرة عام 1984، ولم تخيفنا كل التهديدات والاغتيالات التي مست كثيرين منا، رغم أنها من أقبح أنواع العنف وأقساها.
إن الحق في الحياة كان بالنسبة لنا من الأولويات التي تتطلب منا تعبئة وطنية ودولية، كما أن تعديل القوانين، حتى لو لم تكن بالمستوى الذي نريده، هي من النضالات التي نعمل من أجلها لأنها تعمل على توصيف العنف والحد منه فقط ولكنها لا تقضي عليه، ونعتقد أن تطوير المناهج المدرسية، وتحسين مستوى ما يقدم من برامج ثقافية وإعلامية، بإثرائها بمفاهيم المساواة بين الجنسين واعتناقها لمبادئ الاختلاف الثقافي والتعددية السياسية والعقائدية، هي وحدها التي ستحد من همجية العنف ضد النساء التي يؤسس لها في الغالب التخلف والفقر ومحاكاة ما يجري في الإعلام الغربي، فالعنف لا يحمل جنسية جزائرية.
آفاق: على ذكر الأسرة حدثونا عن مطالب العديد من الجمعيات النسائية بتعديل قانون الأسرة الجزائري؟
نفسية لحرش: إن أهم ما تطالب به المرأة الجزائرية طبعا من خلال الجمعيات النسائية، هو اعتبار المرأة الجزائرية التي تشكل ما يقرب من 80 % في مختلف الجامعات الجزائرية، شريكة الرجل ومشاركة له وليست ملحقة به ـ تابعا ـ وبأسرته خاصة وقد أثبتت جدارتها في كل المجالات التي اقتحمتها، وأن يكون لها، من منطلق المساواة، اختيار زوجها، وعدد أطفالها، ومتى تعمل ومتى تتوقف عن العمل ومتى تقبل بالحياة مع زوجها ومتى تتطلق حسب الواقع والظروف التي تعيشها هي نفسها كمواطنة متساوية في الحقوق والواجبات وكإنسان ذي كيان فاعل في المجتمع. الفكر السلطوي التمييزي هو النظام الذي أقر قانون 1984 خاصة وأنه لم يقاوم بفكر معاكس نظرا لنوعية الحكم آنذاك، الحزب الواحد، وكان النساء وحدهن من خرج للشارع وصرخ ضد المشروع..
أما عندما وصلن بنضالهن إلى مرحلة التعديل، فإن الفكر الظلامي هو الذي جاهد في مقاومة التعديل الإيجابي وقد تشكل هذا الفكر في الإسلاميين وذوي المصالح ومن يؤمنون أصلا بعدم إنسانية المرأة.. ولدى كل من لا يؤمنون بتغيير الوضع وتحقيق المساواة بما فيهم بعض النساء ..
آفاق: حاول المتشددون إعادة المرأة إلى البيت بتهمة أنها أخذت مناصب الرجال. هل تعتبرين أن الخطاب الديني المتطرف أعاق الكثير من الجهود التي كانت تصب نحو ترقية ظروف الحياة في الجزائر؟
نفسية لحرش: عانت الجزائر من سوء التسيير في نظام الحكم لسنوات طويلة، ثم جاءت سنوات الأزمة السياسية وطول مدتها للزيادة في تعميق السلبيات، وكان من الممكن أن يعمل الانفتاح السياسي على تحسين الأوضاع من خلال برامج اقتصادية متنوعة وهادفة، لكن تردي الأوضاع الأمنية حال دون ذلك، أما البرنامج الإسلامي فلم يقدم حلولا اقتصادية وسياسية فاعلة تحمل مشروعا علميا متطورا، بل انطلق فيما قدمه من حلول بالاعتماد على إلغاء جزء هام من المجتمع من المساهمة في التنمية باعتبار عمل المرأة هو من تسبب في بطالة الرجال ومعناه إلغاء تلك الأطر النسوية التي تشكل 64 % من السلك الطبي، و54 % من قطاع التربية و37 % من قطاع القضاء، وأكثر من نصف العمالة في الخدمات، ألا تدل هذه الحلول على ظلامية وتمييز الخطاب الإسلامي.. فهو بهذا الطرح يتفرد بخطاب متخلف يعمل على عرقلة تطور المرأة وإلغائها من المساهمة في تنمية وطنها؟
آفاق: ثمة إشكالية أخرى تبدو خطيرة و هي العنف ضد المرأة اخذ العديد من الصور. حدثونا عن هذه النقطة؟
نفسية لحرش: كما قلت لك سابقا العنف ظاهرة دولية، لكنها في مجتمعاتنا العربية لم تتمتع بنفس الاهتمامات ولم تبرمج لها برامج التكفل والاحتواء ولم تسطر لها قوانين المعاقبة والحساب، كما لم توضع في مخططات السياسي ودعاية الإعلامي، وإذا كانت الجزائر لا تعاني من جريمة تسمى جريمة الشرف أو الختان مثلما هو موجود في الشرق، فإنها قد عانت من جريمة القتل والاغتصاب المتعمد باسم الدين والسياسة طوال عشرية كاملة، و بإنشاء وزارة الأسرة وقضايا المرأة انطلقت سياسة وطنية تشمل المجتمع المدني ومؤسسات الدولة، تقوم على التكفل المادي والمعنوي، وأيضا التوعية والتنديد وتسخير القوانين ووضع ما يسمى باستيراتيجية العنف ضد النساء.
آفاق: تحاول جمعيتكم أيضا تأسيس مشروع فكري بأقلام نسائية عبر منشورات أسستموها لهذا الغرض. حدثينا عن هذه التجربة و عن تقييمكم لها و هل صنعت شيئا للثقافة الجزائرية؟
نفسية لحرش: أشرت في البداية إلى أهمية وسائل الاتصال والتعبير في أهداف الجمعية، من منطلق منح المرأة فرصة التعبير عن ذاتها، كما أننا نعتبر الكتابة من أهم الوسائل التي توصل من خلالها المرأة صوتها إلى أبعد الحدود، وقد ساهمنا بمساعدة بعض النساء بنشر كتبهن، ولو كنا ميسرين ماديا لنشرنا لعدد أكبر خاصة وأن الطلب كبير جدا، كما أن النشر كإحدى وسائل التعليم والتربية والتعبير هو أهم سند للمرأة وللجمعية مثلما هو إيماننا بعملية البحث والتوثيق تماما والتي أنجزنا من خلالها مجموعة لا بأس بها من الدراسات طبعا حول المرأة ومختلف مجالات الحياة، وهو ما نجتهد من خلاله على التأسيس لمشروع فكري علمي ثقافي أيضا.
آفاق: كيف تنظرون إلى ظاهرة " التفجيرات الانتحارية " في الجزائر التي يعتبرها العديد من الملاحظين دخيلة عن ثقافة الجزائريين؟
نفيسة لحرش: ليس هناك بشر عاقل يؤمن بأبسط المبادئ الإنسانية أو الدينية، يمكنه أن يقبل بهذا الفكر التخريبي الإجرامي اللا إنساني، فقد يكون دخيلا على مجتمعاتنا، ولكنه يمارس بأيدي أبنائنا ويشجع من كثيرين من رجال الدين والفتاوى في مجتمعاتنا أيضا، وهو ما أعتبره مسيئا لديننا ولمجتمعاتنا، ورغم أن ممارسات هؤلاء التكفيريين لن تستطيع أن تغير في مجريات الأحداث، فهم مهما قتلوا ودمروا لن يستطيعوا أن يستولوا على السلطة في البلاد، وحتى لو فشلت السلطة في التصدي لهم فإن الشعب سيقاومهم إلى آخر فرد منه، ولنا تجربة في ذلك، وحتى وإن تفهم كثيرون عندنا ظروفهم، لأن منهم المظلوم ومنهم الفقير ومنهم المغلوب على أمره، فإنهم لا يجدون تبريرا لسلوكاتهم، فلو كان الفقر سببا لكانت ملايين أوروبا وأمريكا الذين يفترشون الشوارع في ليالي الشتاء القارصة أكبر خزانات التدمير العالمي.
حقيقة أن فشل التنمية الوطنية في الجزائر في العقود الماضية وانتشار الفساد وانعدام الديمقراطية، ظروف تعمل على توفير المناخ لهؤلاء القتلة، لكننا لابد وأن نعترف أيضا بأن استغلال الدين في الممارسة السياسية بسط العنف وجعله وسيلة قمع وإجرام ضد المجتمع فنفر الناس من الدين وحمل الإسلاميين مسؤولية هذه الأفعال، وكما أقنع رجالهم بذلك تم إقناع نسائهم أيضا، فأصبحت الظلامية إذا قادها أب الأسرة استقرت في جل أعضائها. لكن المؤسف حقا هو أن هنالك وسائل إعلامية مسلمة تحث على القتل والتدمير، فهذا الإعلام الذي يعتمد مبدأ العلم والمعرفة هو الذي يدعو بطريقة ممنهجة إلى الظلامية وإلى القتل من منطلق الحقيقة الإعلامية والسبق الإعلامي.
اجمالي القراءات
4060