مصر.. معركة القمح تشتعل مجددا والاكتفاء الذاتي يواجه ضغوطا
دبي – قطب العربي
مع تصاعد أزمة رغيف الخبز، تجددت معركة القمح في مصر بين فريق مؤيد ومطالب بضرورة وسرعة تحقيق الاكتفاء الذاتي من هذه السلعة الاستراتيجية، ومؤكد لإمكانية تحقيق ذلك، وفريق آخر مشكك في ذلك، وراغب في استمرار الاعتماد على الاستيراد الخارجي لأسباب اقتصادية وفنية، لكن هذا الفريق الأخير لم يشأ الإشارة إلى الضغوط الخارجية التي فرضت على مصر للابتعاد عن زراعة القمح محليا مقابل معونات أمريكية سنوية من القمح يمكن قطعها في أي وقت كما حدث فعلا منتصف الستينات.
وتنوعت ساحات المعارك الكلامية بين الفريقين سواء عبر الندوات المتخصصة أم الحوارات والتقارير الصحفية والتلفزيونية، ووصلت المعركة أخيرا إلى مجلس الشعب حيث حذر نواب ينتمون للحزب الحاكم أو للمعارضة من حدوث مجاعة إذا لم تتحرك الحكومة بسرعة لتحقيق هذا الاكتفاء الذاتي، وإذا استمر الاعتماد على الاستيراد من الخارج في ظل استمرار ارتفاع أسعار الحبوب عالميا.
وتستهلك مصر من القمح حوالي 15 مليون طن سنويا تستورد نصفها تقريبا من الخارج، خصوصا من أمريكا وأستراليا وكازاخستان، وقد تعرضت بعض الصفقات إلى انتقادات كبيرة بسبب احتوائها على حشرات وفطريات مسرطنة دفعت الحكومة لإلغاء صفقة أمريكية مؤخرا بقيمة 13 مليون دولار (الدولار = 5.4 جنيهات).
مزاعم تصدير سنابل القمح
وحذر النواب من سعي جهات مجهولة لشراء سنابل القمح بعشرة آلاف جنيه للفدان لتصديرها للخارج بهدف الحصول منها على طاقة الإيثانول، وهو ما نفاه على الفور وزير الزراعة المصري أمين أباظة الذي أكد أن هذا أمر خيالي، مدللا على ذلك بأنه "لكي تملأ سيارة بـ١٣٠ لتراً من إيثانول الذرة فإنك تحتاج إلى كمية من الذرة تكفي لإطعام فرد من الخبز لمدة عام، وهذا يعني أن استخراج الطاقة من سنابل القمح أو الذرة مكلف جداً جدا".
وطالب وكيل لجنة العلاقات الخارجية نائب الحزب الوطني الحاكم محمد خليل قويطة الحكومة بسرعة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح قبل حدوث مجاعة وانتفاضة شعبية جديدة، وقال قويطة لـ"الأسواق.نت" عبر الهاتف إن أسعار القمح ترتفع بصورة كبيرة عالميا حيث كان سعر الطن 185 دولارا في 2006 ارتفعت تكلفته إلى 500 دولار تقريبا حاليا، بسبب تأثير التغيرات المناخية على الإنتاج من ناحية، وبسبب تحول أمريكا والدول الأوروبية لاستخراج الإيثانول من القمح والذرة بديلا للنفط الذي يرتفع بشدة ويتعرض للنضوب من ناحية أخرى، وكذا مع توجه أوروبا لإلغاء الدعم المقدم لمزارعيها، وكل ذلك يؤدي إلى ارتفاع صادرات القمح إلى الدول المستوردة ومنها مصر.
ورد وزير الزراعة أمين أباظة على فكرة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح عبر تخصيص مساحات أكبر لزراعته بأن ذلك سيؤثر على محاصيل مهمة أخرى مثل البرسيم، وهو علف المواشي الرئيس، مستعيضا عن ذلك بفكرة إنتاج سلالات أكثر إنتاجية لكن قويطة قال لموقعنا إن خبراء الزراعة يؤكدون إمكانية زراعة القمح في مختلف الراضي الطينية والصحراوية حسب نوع السلالة.
ودعا قويطة إلى توجيه جزء من الاستثمارات العربية لزراعة القمح في السودان لتحقيق الاكتفاء الذاتي العربي من هذه السلعة الاستراتيجية بدلا من الاعتماد على الاستيراد من دول أخرى بتكلفة أعلى.
بين المزارع المصري والأوروبي
عزب مصطفى
وقدم النائب المعارض عزب مصطفى استجوابا لوزير الزراعة يتهمه فيه بتبني سياساتٍ زراعيةٍ خاطئة، وخاصةً في زراعة محصول القمح، أدت إلى تدمير هذا المحصول الاستراتيجي، موضحا أنَّ السياسات الزراعية الفاشلة للحكومة أدت إلى عدم تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، واستيراد أكثر من نصف احتياجها من الخارج بالرغم من ارتفاع الأسعار العالمية.
وأشار النائب إلى أنه نتيجة لهذه السياسات الخاطئة، أعلنت الحكومة مؤخرًا عن زيادة حجم الميزانية المخصصة للسلع التموينية بمبلغ قدره 4.7 مليارات جنيه بسبب ارتفاع الأسعار.
وأوضح أن الحكومة بإصرارها على اعتماد هذه السياسة فإنها تدعم المزارع الأوروبي، وتتخلى عن المزارع المصري، داعيًا إلى شراء محصول القمح من المزارعين المصريين بالأسعار العالمية تشجيعًا لزراعة هذا المحصول الحيوي.
وقد أكد وزير الزراعة في البرلمان أن الحكومة ستشتري القمح من المزارعين بالسعر العالمي، محذراً من أن ارتفاع أسعار القمح سيجعل الفلاحين يقبلون على زراعته، وهو ما سيؤدي إلى تناقص إنتاجه لأن القمح -على حد قوله- يجب ألا يزرع في الأرض الواحدة إلا كل عامين أو ثلاثة أعوام.
ضغوط محلية وخارجية
من جهته أكد الخبير الاقتصادي الدكتور حمدي عبد العظيم أن أزمة القمح ناشئة عن بعض السياسات الحكومية الخاطئة، إضافة طبعا لاستمرار الضغوط الخارجية خصوصا الأمريكية لمنع تحقيق الاكتفاء الذاتي.
وقال عبد العظيم لـ"الأسواق.نت" إن الحكومة سبق أن أعلنت قبل موسم حصاد القمح عن اتجاهها لعدم تسلم المحصول من المزارعين بدعوى أن الأسعار العالمية في طريقها للانخفاض، وبالتالي فإن الاستيراد سيكون أقل كلفة، وأعطت الحكومة القطاع الخاص حق طحن القمح بعد أن مقصورا على القطاع العام، وبعد تذمر الأخير سمحت الحكومة للقطاعين بالطحن؛ مما أدى لزيادة تكلفة إنتاج الدقيق، وبعد ذلك فوجئت الحكومة بأن الأسعار العالمية للقمح والذرة ترتفع 140%، وبالتالي اتجهت الحكومة مرة أخرى لرفع أسعار التسليم للمزارعين فارتفعت تكلفة الدقيق.
وقال عبد العظيم إن الحكومة لم تتوسع في زراعة القمح خلال السنوات الماضية؛ لأنها تتلقى كميات من القمح الأمريكي وفقا للقانون 480 الذي ينظم توزيع معونات القمح الأمريكي والدقيق والذرة على الدول الصديقة، موضحا أن الولايات المتحدة تقصد من ذلك استمرار غياب زراعة القمح محليا بهدف الحفاظ على استخدامها للمعونات كسلاح ضغط ضد مصر حكومة وشعبا، كما حدث أيام الرئيس عبد الناصر حينما أعلن الرئيس الأمريكي عام 1965 عن قطع القمح عن مصر التي شهدت أزمة في كل القطاعات الصناعية والغذائية المرتبطة بالدقيق، وكان ذلك القطع عقوبة أمريكية ضد مصر وتضامنا مع إسرائيل، وتعرضت وزارة الزراعة المصرية لضغوط من منظمات زراعية دولية متأثرة بمواقف الولايات المتحدة حتى لا تلتزم بالدورة الزراعية السابقة التي كانت تعطي مساحة أكبر للقمح، ولذلك اتجه المزارعون لزراعة مساحات أكبر بالبرسيم ومحاصيل أخرى أكثر وأسرع ربحا من القمح، وواصلت الحكومة استيراد القمح بدلا من زراعته محليا، ولم تهتم بإجراء أبحاث لتحسين الإنتاجية كما كانت تفعل من قبل.
وأضاف عبد العظيم أن مصر أفضل حالا من غيرها من البلدان التي تعاني التصحر وندرة المياه، حيث تكفي مياه النيل لزراعة مليوني فدان إضافية من القمح، كما أن دخول المياه إلى سيناء عبر ترعة السلام يمكن من زراعة آلاف الأفدنة بالقمح فيها أيضا؛ لكن عبد العظيم عبر عن اعتقاده بأن القرار الحكومي لن يستطيع الفكاك من الضغوط الخارجية، وبالتالي لن يستطيع تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح، خاصة مع تزايد عدد السكان بمعدلات كبيرة سنويا.
اجمالي القراءات
3975