توترات في أعلى هرم السلطة في إيران
ربما يشير التوبيخ الذي وجهه مؤخرا المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي للرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إلى أن المؤسسة الدينية المتنفذة بدأت تفقد صبرها من الرئيس الذي أخذت شعبيته في الاضمحلال خلال الأشهر الأخيرة مع تردي الوضع الاقتصادي للبلاد.
فقد تدخل خامنئي علنا الاثنين لإنهاء نزاع بين أحمدي نجاد والبرلمان آمرا الرئيس بتنفيذ قانون يتعلق بقطاع الغاز.
ويعد هذا النوع من التدخل من جانب المرشد الأعلى أمرا نادرا في السياسات الإيرانية.
فقد كان بإمكان المرشد الأعلى أن يسعى لحل داخل الأروقة المغلقة للنزاع، ولكنه باختياره المجاهرة علنا بالتدخل وإرسال خطاب إلى البرلمان لتحييد موقف أحمدي نجاد، ربما يقصد أن يبعث برسالة تنم عن استيائه من الرئيس.
لقد أثار إغداق آية الله خامنئي، من قبل، الثناء على أحمدي نجاد غضب الكثيرين في المؤسسة الدينية، إذ يعتقدون أن السياسات الداخلية والخارجية للرئيس أضرت بمصالح الجمهورية الإسلامية.
موقف أضعف
ومن المفارقة ان موقف أحمدي نجاد أصبح أكثر ضعفا داخل البلاد منذ نشر تقرير استخباري أمريكي في ديسمبر/ كانون الأول يشير إلى أن إيران ربما لم تعد تسعى وراء حيازة برنامج للأسلحة النووية.
لقد نزع التقرير الأمريكي جزئيا فتيل النزاع النووي بين إيران والغرب، ومن ثم فقد أحمدي نجاد أحد أفضل ما بجعبته من أوراق لحشد الدعم له وللتغطية على المشكلات الداخلية.
ولا شك أن منصب الرئاسة ليس المنصب الأقوى في المنظومة السياسية الإيرانية المعقدة والمتعددة المحاور.
فالمنصب الأكثر نفوذا متروك للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، وهو خامنئي.
غير أن الرئيس هو المسؤول عن إدارة الاقتصاد، وقد أثبت الاقتصاد أنه نقطة ضعف نجاد التي قد تودي به كلية.
فخلال حملته الرئاسية، عز أن تجد أي ذكر لطموحه أن يجعل إيران قوة نووية أو أن "يمحو" إسرائيل، بل كانت الشعارات الرئيسية تتعلق بإرجاع "العائد النفطي إلى مائدة كل أسرة"، ومكافحة الفساد وخفض التضخم المتصاعد والبطالة المزمنة.
وبهذه الأهداف اجتذب نجاد فقراء إيران، الذين أعطوه أصواتهم وثقتهم.
ولكن بعد عامين قضاهما في السلطة، ومع عائدات قياسية بسبب ارتفاع أسعار النفط، أضحى الاقتصاد في وضع أسوأ. وغدا الفقراء هم أكثر المتضررين من سياسات نجاد الاقتصادية.
"نظام ثكنات"
وقد تسببت تلك الإخفاقات وتسببت احتمال وقوع تمرد شعبي في إثارة مخاوف رجال الدين المحافظين.
لقد واجه نجاد مؤخرا حشودا غاضبة في الجامعات، وزادت الإضرابات التي قام بها المعلمون وسائقو الحافلات وعمال المصانع.
كما خلق أسلوب أحمدي نجاد في إدارة الحكم الكثير من الأعداء، وتسببت إجراءات "التطهير" الواسع لأروقة وظائف الدولة، وتعيين حلفاء مقربين في مناصب رئيسية، ووصم خصومه السياسيين بالعمالة والخيانة، فضلا عن خطبه الثورية، في دق نواقيس الخطر لدى المؤسسة الدينية التي بات الكثيرون من أقطابها ينظرون إليه باعتباره مصدر عبء أكثر منه مفيدا.
ووصف خصومه الإصلاحيون حكومته بأنها "نظام ثكنات" لأن غالبية المسؤولين البارزين فيها من صفوف الحرس الثوري.
كما يعتقد كثيرون أن أحمدي نجاد يستغل المسألة النووية لتعزيز سلطاته الشخصية.
تداعيات إعادة الانتخاب
ولا شك أنه دون الدعم المباشر لآية الله خامنئي ما كان أحمدي نجاد قد انتخب للرئاسة.
ولكن المرشد الأعلى ربما غدا الآن نادما على هذا الدعم الذي قدمه.
وخلال الأشهر الأخيرة الماضية أعطى خامنئي الضوء الأخضر لبعض الصحف وللبعض من المقربين منه لانتقاد الرئيس.
دار نزاع عام حول وقود الشتاء
ولكن الصفعة التي وجهها مؤخرا لنجاد بتدخله العلني في خلافه مع البرلمان تبدو وكأنها بداية فصل جديد من العلاقة بين المرشد الأعلى والرئيس.
وربما يحمل الموقف الجديد تداعيات خطيرة على فرص إعادة انتخاب نجاد للرئاسة عام 2009.
وإذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي، وبالتالي تردت شعبية نجاد أكثر، وإذا استمرت العقوبات الدولية على إيران بسبب برنامجها النووي، فقد يقرر رجال الدين الممسكون بزمام الأمور أن يقدموه كبش فداء حتى يحفظوا نظام الحكم الإسلامي في إيران.
ولكن أحمدي نجاد عنيد وليس ممن يتراجعون بسهولة عن قناعاتهم أو خطواتهم.
SF-OL
اجمالي القراءات
4217