شيء ما غامض حدث في الكويت..
هذه ليست الكويت التي كنا نعرفها برحابة صدرها للاختلاف، وحرية شعبها في التعبير، وقدرتها علي التفتح الفكري والانفتاح السياسي!
ليست هذه الكويت التي كان المثقفون يختلفون مع أنظمتهم العربية ويعارضونها، لكنهم حين يتحدثون عن الكويت احترموا احترامها للحرية واستيعابها للمختلفين والمخالفين وقدرتها علي أن تكون ساحة للجميع فتشغل مساحة في قلب الجميع.
منذ فترة بدأت الكويت تتحول عن مَثَلها الديمقراطي إلي مِثْلها من الدول الشقيقة العريقة في الاستبداد ، شيء ما من روح صدام حسين يحلق علي سماء الكويت ويقضم سيرتها وسمعتها المنفتحة ويحولها كغيرها من الدول المستبدة التي تعيش علي القمع وتتغذي علي قهر أبنائها والمقيمين فيها، منذ أيام قررت النيابة العامة في الكويت القبض علي الكاتب والمحامي محمد الجاسم، فسلم الرجل نفسه لأمن الدولة فعلاً ، حيث وجهت النيابة له ثلاث تهم: الأولي هي المساس بالذات الأميرية، والثانية التطاول علي مسند الإمارة، والثالثة تقويض أركان الحكم، وذلك وفق المادتين 25 و29 من قانون الجرائم الواقعة علي أمن الدولة. والمتأمل في التهم يجدها عربية بامتياز، وصدامية بتفوق، وأغرب ما فيها أنها كانت غريبة عن الكويت فإذا بها تحضر بثقل وعلي عجل، فقد جاءت هذه الاتهامات بناء علي كتاب صادر للنيابة العامة عن وزير شئون الديوان الأميري الشيخ ناصر صباح الأحمد ضد الكاتب محمد الجاسم. وكأن الإمارة وأميرها يضع نفسه مباشرة في مواجهة كاتب من وطنه وبلده يمارس ما يراه حقه، وتم الاستناد في هذه التهم الموجهة للجاسم إلي 32 مقالاً للكاتب، وكتابين هما «آخر شيوخ الهيبة»، و«شيوخنا الأعزاء». وكأننا فعلاً أمام نسخة مكررة من التهم العربية للكاتب والصحفي أياً كان ومتي كان!. اتهامات تلاحق محمد الجاسم عن مقالات وكتابات خطها علي مدي السنوات الخمس الأخيرة كاتب كويتي معارض يخضع إلي استجواب أمني حول آرائه وأفكاره وحروفه، مع منع زيارات أهله وأبنائه عنه، رغم أن الجاسم أجري تسع عمليات قسطرة في القلب وعملية قلب مفتوح لكن الأمن الكويتي في نسخته الجديدة لم يرحم قلباً مفتوحاً فقد أقفل قلبه!
هذا الفعل الغريب يأتي عقب فعلة مستغربة أقدمت عليها الكويت متخلية عن أجمل ما فيها لأقبح ما في الوطن العربي حين رحلَّت قسراً وغصباً وظلماً مجموعة من المواطنين المصريين فكروا فقط في مناصرة الدكتور محمد البرادعي، وبينما استعدوا للقاء رمتهم يد القمع في غرف الحجز والتحقيق فوضعوهم علي طائرات للعودة إلي مصر، كأن هؤلاء الذين اقتحموا وأغاروا علي بيوت المصريين وحرية الكاتب الكويتي هم جنود صدام وقد تخفوا في جلود كوايتة وكأن غزو ديكتاتور العراق للكويت نجح أخيراً!