في العام 1986م، ذهبت لأداء فريضة الحج مع عائلتي، كنت ذو إثنى عشر عاماً وقتها، وهي مرحلة سنية، كانت ذاكرتي فيها قوية لمشهد الحج العظيم، فألوان الناس، وأجناسهم، ولغاتهم، وثقافاتهم، المتعددة أمر يثير الإنتباه.
إلا أننا وقت أداء مناسك الحج "بـ منى" نزلنا بأرض، كانت المملكة العربية السعودية، قد خصصتها للحجاج العراقيين.
وكان كل من الخوميني، الزعيم الإيراني، وصدام حسين الرئيس العراقي، يتنافسان فيما بينهما، في الهدايا التي يلقون بها إلى الحجاج، وأهم تلك الهدايا كانت "المياه" فأرض الحجاز، قاحلة لا يوجد بها ماء، وكانت سيارات المياه، تأتي من العراق، وعليها صور صدام حسين، وكان الزحام الشديد عليها قاتلاً، لم أنتبه وقتها، لزحام الناس على المياه، وإنتبهت إلى شيء واحد فقط، وهو صور صدام حسين، الموجودة على سيارات المياه، لا أدري لماذا تعلقت الصورة بذهني، لتحفر في ذاكرتي.
وفي العام 2016م كان لدي موعد بالقرب من ميدان "السيدة عائشة" بالقاهرة، وهو ميدان حيوي، يقطع شارع صلاح سالم، بقلب قاهرة المعز، وللسيدة عائشة رواد كثيرون، من مختلفي الأجناس والألوان، فهي واحدة من أهل البيت، كل ذلك ساهم في إزدحام الميدان، لكن .. أثناء سيري بالميدان، شاهدت أمراً مثيراً، فإذا بسيارات نقل كبيرة، مكتوب عليها "القوات المسلحة المصرية" يتدافع عليها الناس بقوة، فقررت أن أذهب خلف السيارة، لأعرف سبب التدافع، فإذا بي أجدها سيارة نقل مواد غذائية، تبيع للمواطنين خضروات ولحوم بأسعار مخفضة، في موقف مهين للمواطنيين المصريين، اللذين يدفعون بعضهم بعضاً، من أجل الحصول على سلعة أقل ثمناً من الأسواق، لقد كان المشهد مخزياً ومحزناً، وبعد إنتهاء البيع، جاء العسكر لغلق بابي السيارة الخلفيين، فإذا بي أشاهد صورتين للرئيس المصري "عبدالفتاح السيسي" على بابي السيارة من الخلف، وإذ بصورة صدام حسين، تلك الصورة التي مر عليها ثلاثون عاماً، تعود إلي في نفس التو واللحظة.
ما قصدت من كتابي هذا، تشبيه السيسي بصدام، لكنني أنقل حقيقة شعور راودني، بعد المشهد الثاني، والذي جعلني أتذكر المشهد الأول، ولم أكن أنوي ذكر الموقفين، في أي موقع يذكر.
إلا أنني تعرضت مع كل المصريين لمشهد آخر، فالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يتنازل للمملكة العربية السعودية، عن جزيرتي "تيران وصنافير" إنه لأمر مثير، لأن الجزيرتين راحت لأجلهما آلاف من أرواح الشهداء، فكيف للسيسي يضحي بهما، وفجأة يعود إلى ذهني مشهد تنازل الرئيس العراقي صدام حسين، للزعيم الإيراني الخوميني، عن أرض "شط العرب" عام 1991م، وهي الأرض التي راح ضحيتها أكثر من نصف مليون شهيد عراقي، في حرب دامت ثمانية أعوام.
في النهاية : أكرر لم أقصد أن السيسي صورة من صدام، بيد أنني ذكرت موقفين، شعرت من خلالهما بعودة صدام، ولم أذكر مشاهد أخرى أيضاً ذكرتني بعودة صدام.
وعلى الله قصد السبيل
شادي طلعت
اجمالي القراءات
9291
يُعيد التاريخ نفسه دائما، فهل تزودنا بالعبرة والعظة إلى اين ذهب صدام بجبروته ؟ وكيف صارت العراق بعده ، هل نحن حقا استفدنا من دروس الماضي ؟ الطريق واضح وهو طريق ذو اتجاه واحدللاسف الشديد ، لامكان فيه للتراجع ، فهل يدرك السيسي هذه الحقيقة ...