كمال غبريال Ýí 2012-03-27
سواء ما نشهده في الساحة المصرية من جدل يتسم بالمقارعة لا بالحوار الحقيقي البناء، أو ما نطالعة بحزن يدفع للإحباط من تعليقات بعض القراء على المقالات والأخبار، يدفع لتأمل كيفية عمل عقلية الإنسان المصري، والتي يشترك معه في الكثير من ملامحها إنسان منطقة الشرق الأوسط.
هناك الميراث الثقافي العربي الذي يرى ما يعتقده أبو تمام من أن "السيف أصدق أنباء من الكتب"، وينتهج نهج عمرو بن كلثوم: "ألا لا يجهلن أحد علينــا فنجهل فوق جهل الجاهلينا"، وفي محاولة للتخفيف من العنف في الحوار مع الآخر باللجوء للسيف، ومواجهة الجهل بمعنى الظلم بظلم يفوقه، يرى الحكيم العربي الفضيلة في "مقارعة الحجة بالحجة"، هي أيضاً المقارعة سواء كانت بالعصا والسيف أو بالحجة، بل ربما يمكن للمقارعة بالعصي أن تصل في النهاية إلى نتيجة ما، حيث يتنصر الأقوى أو الأوسع حيلة وتحسم الأمور، أما "مقارعة الحجة بالحجة" فلا أتصورها سوى تصادم بلا نهاية لعقول مغلقة على ما تعتنقه من حجج تتصور لها صحة مطلقة، تقرع بها رأس أو حجة الآخر.
يختلف هذا جذرياً عن الحوار، الذي يستمع فيه الإنسان باهتمام لحجة الآخر ويتدراسها، ليتبين أولاً ما بها من فروق مع حجته التي كان يضمرها قبل بدء الحوار، ثم يقلب الجديد المعروض عليه يميناً ويساراً، ليتبين إن كان فيه ما يمكن أن يقبله، أو ربما به ما يمكن بتعديل محدود قبوله، وليحدد في النهاية ما يصر على رفضه، ليبدأ بعدها في عرض موقفه على محاوره، مبيناً مختلف رؤاه فيما عرض عليه، ومفصلاً في أسباب كل موقف وحيثياته. . وعلى ذات النمط أيضاً يستقبل مقابله ما عرض عليه، ليدور الحوار مخلصاً وإيجابياً وبناء.
يعرف الإنسان في منطقتنا وفي سائر أنحاء الكوكب الانتماء إلى فكر أو أيديولوجية أو دين، كما يعرف الانتماء لجماعة وطنية أو عرقية أو دينية، ومن الطبيعي أن تتأثر رؤى الإنسان وتتلون وفق تلك الانتماءات، ولا يعد هذا عيباً مستهجناً إلا بالنسبة للفلاسفة والمفكرين الذين يتصدرون للتفكير نيابة عن الإنسانية والإنسان بعامة، إذ يفترض ولو نظرياً تمكن هؤلاء من التخلص من انتماءاتهم الشخصية خلال إنتاجهم الفكري، وبقدر ما ينجحون في هذا التجرد بقدر ما تقيم تثميناً عالمية وإنسانية أفكارهم.
غير مطلوب ولا متوقع من الإنسان العادي إذن خلال محاوراته وجدله مع الوسط المحيط به أن يتجرد من انتمائه، لكن هنالك فارق كبير بين الانتماء وبين التخندق، الذي هو انغلاق الإنسان على ذاته وانتمائه، هذا الانغلاق الذي يميز التعصب الأعمى عن شدة أو عمق الانتماء، فالمتخندق لا يطيق مجرد رؤية وجه الآخر، وليس الاضطلاع على وجهة نظره وتقييمها، فهو أشبه بالمقيم في كهف مظلم، وأي رأي آخر يبدو كنور يفاجئ عينيه، ولن يكون رد فعله هكذا غير إصابته بعمى مؤقت، فيندفع مهاجماً مصدر النور المزعج بكل ما أوتي من قوة، وقد وصفنا هنا الرأي الآخر بالنور ليس من قبيل إصدار حكم قيمة إيجابي عليه، لكن لمجرد أنه يأتي بحالة مضادة للحالة التي يعيش فيها صاحبنا، فلا يقوى على مواجهة التغيير المفاجيء.
هكذا تأتي تعليقات بعض القراء على المقالات، فلا نجد فيها كلمة واحدة تدل على قراءة المقال ومناقشة ما به تأييداً أو رفضاً، بل نجد التخندق الديني صارخاً، فنجد القارئ المختلف في عقيدته الدينية او الأيديولوجية مع الكاتب يترك الموضوع محل النقاش، ويمسك بتلابيب الكاتب، فيصمه بأشد نعوت التعصب والحقد والتآمر والخيانة للوطن والعمالة للعدو وما شابه، لتبدأ سلسلة من تعليقات القراء عبارة عن معركة فيما بينهم وبين بعضهم البعض، مفارقة تماماً للمقال المفترض أنه محل التعليق، وقد اصطف السادة المعلقين في خندقين طائفيين أو أيديولوجيين متواجهين، يتبادلان قذف الأحجار وقنابل الدخان، ليقف كاتب المقال بينهما حزيناً على ما بذل فيه الجهد والفكر من سطور لا تجد من يقيمها، وقد انخرط الجميع في معركتهم الدينية الخاصة والمفارقة لكلماته.
لا نعدم أيضاً أن ينهال المنتمون لنفس ديانة الكاتب عليه باللعنات والطعنات والاتهامات بالخيانة والارتزاق من الخندق المقابل، إذا ما بدر منه في معرض مقال طويل جملة أو فقرة يفهمون منها توجيهه النقد للأسياد المقدسين، رغم أن صلب المقال أو أغلبه قد يكون دفاعاً مجيداً وغير مسبوق عن هؤلاء المتخندقين في قواقع الزمن المنسي، وعن حقهم في الحياة الكريمة كسائر البشر الأسوياء!!
الحقيقة أن حالة التخندق هذه يمكن أن تكون عابرة ومؤقتة، فالانفتاح الرائع الذي نتج عن ثورة الاتصالات، وما أتاحته المواقع الإلكترونية التفاعلية من إمكانية وسهولة تعبير الفرد عن نفسه وآرائه، كل هذا جاء مفاجئاً وعلى غير توقع من شعوبنا الراقدة في كهوف الجهل والقهر والتعمية التي فرضها عليهم دهاقنة الدوجما والأيديولوجيا، فلم يتعودوا طوال دهور إلا على سماع صوت واحد هو صوت رجال الله أصحاب الفضيلة والقداسة، الذين يأتون بكلماتهم مباشرة من فم الإله، وبالتالي يكون على المؤمنين الأنقياء مجرد التلقي السلبي لما يقال، وحفظه وترديده كما هو دون زيادة أو نقصان. . الآن عندما يداهمهم على الصفحات الافتراضية مثلاً طوفان من الآراء الغريبة من أناس كانوا في المخلية دائماً باعتبارهم الآخر العدو الكافر أو ابن العالم أو ما شابه من تسميات من وحي قاموس التخندق الديني أو الأيديولوجي، لنا أن نتوقع أن يكون الأمر كما أسلفنا، عبارة عن تبادل قذف الأحجار بين فرق متمترسة في خنادقها!!
علينا هكذا أن نراهن على الزمن، وعلى دوام حالة المكاشفة والافتضاح والمواجهة بين سائر سكان الخنادق والقواقع، فبعدما يستهلكون ويستنزفون جهودهم في تبادل قذف الأحجار والاتهامات، من المتوقع أن يهمدوا وهم يلهثون، ليبدأوا في تأمل أحوالهم التي تتردى، ومجتمعاتهم التي تتمزق، وأوطانهم التي تتقهقر وتتخلف. . عندها لابد وأن أعداداً متزايدة في كل هذه الخنادق والقواقع ستبدأ في استعادة ما سبق وهاجمته بضراوة من رؤى الآخر، لتبدأ في إعمال ملكة التفكير والنقد التي لم يسبق استعمالها، ومع بداية هذه العمليات العقلية غير المسبوقة يبدأ ذوبان قشور القواقع، وتبدأ الخطوات الأولى للمتخندقين لمبارحة خنادقهم الأزلية، تمهيداً لما سوف نشهده قريباً من حوارات حقيقية بناءة بين منتسبي سائر الانتماءات، ما لابد وأن يترتب عليه تغييرات عميقة في مجتمعاتنا، ليست من قبيل تغيير الانتماءات أو هجرانها، ولكن بالدرجة الأولى التعايش الراقي المتحضر والتفاعل والتلاقح البناء بين سائر الانتماءات
لا يستسيغني ما تكتب.
أنت لا تختلف مطلقا عن الإخوان بل حتى السلفين في تعصبك و إحتقارك للشعب المصري.
و الله نار الإخوان و لا جنتك يارجل.
دعوة للتبرع
المسجد الاقصى: بعض الناس يحتج بدليل المسج د ذو القبل تين ...
ابن رشد ميديا : هناك مقابل ة قصيرة لكم في اليوت يوب مع "إبن...
وأورثكم أرضهم: وَأَو ْرَثَ كُمْ أَرْض َهُمْ ...
حديث هجص: كيف ينسب إلى النبي عليه السلا م حديث وأقضو...
سيد الخلق ؟؟: هل يصح وصف النبى محمد عليه السلا م بأنه ( سيد...
more
شكرا للأستاذ / كمال غبريال على مقاله الذي يريح الأعصاب ويجعلها تلجأ للحوار الصادق المطمئن بدلا من الصراخ والصياح الذي يعرض علينا في مجلس الشعب وفي وسائل الاعلام ليل نهار..
لابد من الحوار بهدوء وقبول المنطق العلمي والعقلي في ما يخص مشاكل مصر وأولويات الحل..
التعصب قطعة من العذاب نعذب بها بعضنا البعض ..
نار التعصب لايطفئها إلا نور التعلم..
شكرا لك ومع خالص الحب والتقدير لما تكتب من أجل مصر.