د. شاكر النابلسي Ýí 2010-10-21
وأخيراً، إنه الجنون بعينه.
-2-
هذه المقاربة، سقناها على هذا النحو، لكي نجعل من مفهوم "الشبق السياسي"، الذي كان - وما زال - متأصلاً في الشخصية السياسية العربية في الماضي والحاضر، مفهوماً واضحاً، سيما إذا جنحنا بالقول، أن الجدل الذي دار بين المهاجرين والأنصار في "سقيفة بني ساعدة"، في المدينة المنورة، على من الأولى بتولي الخلافة بعد رحيل الرسول عليه السلام، كان مرجعها ودافعها الشبق السياسي، الذي تحكَّم في الطرفين المتجادلين. كما أن الصراع الحربي الذي نشب بين معاوية والإمام علي، كان مرده أيضاً الشبق نفسه. ثم تكرر هذا، في الدولة العباسية حين تخاصم الأخوان الأمين والمأمون على الخلافة. وهناك أمثلة لا حصر لها في التاريخ الغربي أيضاً. ولكن الشبق السياسي وصل أوجه في الدولة العثمانية، حين كان الأخ السلطان، يقتل كافة أخوته لكي لا يطالبوا بالحكم (كما فعل السلطان سليم الأول)، أو يقتل السلطان أقرباءه للسبب نفسه.
كما ظهر الشبق السياسي جلياً في السياسة العربية في العصر الحديث، وذلك من خلال ما تم من توريث في النظم الجمهورية، وما سيتم مستقبلاً. كذلك أصبح الشبق السياسي مرضاً من الأمراض السياسية المستعصية، عندما أصبح الحاكم يُجدد لرئاسته أربع وخمس فترات، بعد أن يتم تعديل الدستور، مما يعني أن من يأتي بعده، سوف يقوم بالعمل ذاته، أو يعيد الدستور إلى عهده الأول، وهذا مستبعد، في ظل الظروف العربية العامة الآن.
-3-
معظم الحكام العرب، لديهم هذا النوع من الشبق السياسي، منه الظاهر ومنه الباطن. وهم محقون، وعلى صواب في شبقهم السياسي هذا. فليست هناك مهنة ناعمة ونعيمة كالرئاسة في العالم العربي. حيث لا سائل ولا مسئول، ولا حساب ولا عقاب. وحيث مال الدولة هو مال الراعي، وحب الوطن من محبة الحاكم، ونقد الحاكم خيانة للوطن، والمعارضة فئة خارجة على القانون، و"القانون" هو شرعية الحاكم. والحاكم لا يستشير ولكن يُستشار، ولا أحد يجرؤ على سؤاله. ومجلس شعبه يقوم بالمصادقة على القرارات وليس بالتصويت عليها. وإذا أُرغم الحاكم على إجراء انتخابات رئاسية من قِبل الداخل أو الخارج، فإنه يفوز بالخمس تسعات 99.999% العربية المشهورة. الخ. لذا، فإن الحكام لا يرجون اليومَ، الذي يتخلّون فيه عن الحكم.
فهل شاهدنا حاكماً عربياً (سابقاً) حياً الآن، في العالم العربي، فيما عدا لبنان، والعراق الجديد؟
-4-
وإذا أردنا أن نمعن النظر في ظاهرة الشبق السياسي العربي على الساحة العربية الآن، أو ما يُطلق عليها الباحث العراقي دانا جلال (الظاهرة السفيانيّة) وهي ظاهرة "الملاذ الديني في السياسة"، إشارة إلى أبي سفيان، الذي لاذ القتلة بداره عند "فتح مكة"، والذي قال للخليفة عثمان بن عفان عند توليه الخلافة: "لتتلقفوها تلقف الكرة، فليس هناك جنة ولا نار" كما ذكر المؤرخون كالطبري، والمسعودي، وابن عساكر.
والملاحظ اليوم، أن قادة الأحزاب الدينية في العالم العربي، هم أكثر القادة ابتلاء بالشبق السياسي. وأمامنا مثالان حيّان هما: مصر والعراق. ففي مصر نرى أن "جماعة الإخوان المسلمين"، تجد في الملاذ الديني خير وسيلة لتجييش الشارع المصري المتدين بطبعه، والذي تسهل قيادته من قبل الزعماء الدينيين، كما نرى الآن في السياسة، والإعلام (الفضائيات)، والفتاوى الدينية. وهذه "الجماعة"، ومنذ أن انتوى مؤسسها ومرشدها العام على دخول معترك السياسة عام 1942 والترشح في الانتخابات التشريعية، وتراجعه عن ذلك، برغبة من النحاس باشا والوعد – مقابل ذلك - بالسماح بفتح فروع للجماعة، في مختلف المناطق المصرية، وحتى هذا اليوم، و"الجماعة" تناطح وتباطح للوصول إلى الحكم في مصر بشتى الوسائل، حتى وإن اضطرها الأمر إلى التحالف مع اليسار اللاديني -كحزب الوفد - وها هي الآن تتبنى البرادعي العَلْماني، لكي تستعمله رأس حربة لها، للوصول إلى هدفها.
-5-
أما في العراق، فبلغ الشبق السياسي الآن حداً عالياً، بعد أن رفض المالكي مبدأ تداول السلطة، وراح يتنقل بين طهران ودمشق مجيئة وذهاباً، طالباً "القُرب"، لكي يتمكن من البقاء في الحكم فترة خمس سنوات أخرى، بعد أن عطّل الحياة السياسية أكثر من سبعة أشهر حتى الآن، على أمل البقاء في منصبه فترة أخرى. بل، وتناقلت الأنباء من بغداد، أن الشبق السياسي بلغ بالمالكي مبلغاً كبيراً، حين استبدل "حزب الدعوة" (وهو أحد أجنحة الإيديولوجية لـ "جماعة الإخوان المسلمين"، رغم إنكار قادة الحزبين.) الذي يترأسه المالكي، صورة الإمام علي بصورته هو. وانتشرت في قلب بغداد والمناطق الأخرى – كما قال موقع "عراق الغد" – لافتات عليها صور تشبُّه المالكي بالإمام علي. وكُتبت عليها عبارات بحجم كبير، تقول: "حيَّ على خير العمل .. المالكي هو الأمل." ثم عبارة أخرى تقول: " اللهم والٍ من والاه .. وانصر من نصره." وهي عبارة من تراث الإمام علي رضي الله عنه. وهذه عينة من الشبق السياسي العربي، الذي لن يوضع له حدٌ، إلا بالتطبيق الديمقراطي، واحترام الدستور، عملاً لا قولاً.
فالتطبيق الديمقراطي الصارم – كما في الغرب – هو القادر على لجم هذا الشبق السياسي المحموم، وعزل الحكام بقوة القانون والدستور، إذا ما أصروا على الموت فوق كراسيهم.
هل أصبحت مصر دولة "مدنية" لأول مرة ؟
هل مستقبل مصر السياسى فى ( الشوقراطية )
دعوة للتبرع
يا ليت ..!: صبا ح الخير قرات الان على اهل القرا ن ...
قبر الرسول: بعد وفاة الرسو ل الكري م محمد عليه السلا م ...
فبما اغويتنى : هل أغوى الله جل وعلا ابليس ؟ لأنه قال...
فلا تهنوا : كتبت تعليق ات على الفيس تنتقد ولى الأمر ،...
أسس الدعوة لله : تكلمت مع بعض المقر بين في عدة قضايا مهمة منها...
more