سعد الدين ابراهيم Ýí 2010-07-24
حينما يقترب يوم ٢٦ يوليو من كل عام، تستعيد ذاكرتى وقائع ذلك اليوم عام ١٩٥٢، حيث بدأت قبل ثلاثة أيام عطلتى الصيفية فى الإسكندرية، قادماً، من قريتى (بدين) ومن مدينتى (المنصورة). وكانت الرحلة بالقطار مع والدى مليئة بالنقاش بين المُسافرين حول «حركة الجيش»، التى كانت قد وقعت فجر ذلك اليوم، من حيث أسبابها، وما يُمكن أن تؤدى إليه.
وما هو إلا منتصف يوم ٢٦ يوليو، حتى فاجأنا صوت المُذيع جلال معو&oslaوّض، يقرأ بصوت وقور، ولكنه حاد، إنذاراً من حركة الجيش إلى الملك فاروق، يُطالبه بالتخلى عن العرش، لنجله، ولى العهد، الأمير أحمد فؤاد الثانى، وأن يُغادر البلاد، فى موعد أقصاه الساعة السادسة، من مساء نفس اليوم. ومع نشرة أخبار الثانية والنصف، علمنا أن الملك فاروق، قد وافق على طلب الجيش، وأنه سيُغادر على ظهر يخته الملكى، «المحروسة»، من «قصر رأس التين العامر».
فى عصر ذلك اليوم خرجت مع عمى وأولاده وأصدقائهم، إلى كورنيش الإسكندرية، وسرنا عدة كيلومترات إلى قُرب قصر رأس التين... وانتظرنا نُراقب، بإمعان وتطلع وإثارة، حتى رأينا عن بُعد، أسرة الملك وحاشيته، تُغادر القصر أولاً، وتصعد إلى اليخت الملكى. ثم فى السادسة وخمس دقائق، رأينا الملك فاروق، فى زى البحرية الملكية .. يتوجه إلى نفس اليخت.. ثم سمعنا بداية الإحدى وعشرين طلقة، فى توديع الملك.. ومع الطلقة الأخيرة انفجر تصفيقنا.. وهتافنا «يحيا الجيش مع الشعب»
وخلال الأيام والأسابيع والشهور التالية، كنت أتابع مع أقراني، ومع من يكبرونى عُمراً، أخبار «حركة الجيش»، التى تحوّلت تدريجياً إلى «الحركة المُباركة»، ثم خلال العام التالى تخلى «الضباط الأحرار» عن النظام الملكى، وحوّلوا حُكم البلاد إلى النظام «الجمهورى»، واختاروا كبيرهم، وهو اللواء محمد نجيب، رئيس مجلس قيادة الثورة، ليكون رئيساً انتقالياً للجمهورية، إلى أن تنتهى فترة السنوات الثلاث الانتقالية. ومع قُرب نهاية الفترة الانتقالية، نشب صراع بين الضباط الأحرار أنفسهم. فقد أصرّ محمد نجيب أكبرهم، وخالد مُحيى الدين، أصغرهم، على احترام الوعد الذى قطعوه للشعب، بعودة الجيش إلى ثكناته، وتسليم السُلطة لحكومة مدنية، مُنتخبة ديمقراطياً، طبقاً للدستور المؤقت. بينما كان من رأى جمال عبد الناصر، ومعه أغلبية أعضاء مجلس قيادة الثورة (أحد عشر ضابطاً يُمثلون فروع القوات المُسلحة)، أن تمتد الفترة الانتقالية عدة سنوات إضافية.
كان واضحاً مع ذلك الوقت (مارس ١٩٥٤) أن أغلبية الضباط الأحرار استمرأوا السُلطة، واكتشفوا أن مُمارستها أسهل مما كانوا يعتقدون، وكانت الصفقة، أن يُصدروا دستوراً، ويتقاعدوا من القوات المُسلحة، ويتحولوا إلى مدنيين، ويُمارسوا السياسة كمدنيين. وهو ما كان حيث عقدت انتخابات، وترشّح جمال عبد الناصر، مُنفرداً لرئاسة الجمهورية.. وبدأ مسلسل الانتخابات الصورية، الفوز بنسبة ٩٩.٩%!
مع ذلك الوقت (١٩٥٥)، أصبحت حركة الجيش المُباركة تُسمى «ثورة يوليو». وللأمانة والإنصاف، حققت ثورة يوليو فى سنواتها العشر الأولى (١٩٥٢-١٩٦٢) عدة إنجازات مُبهرة: تحديد الملكية، والإصلاح الزراعى، وإلغاء الألقاب المدنية (مثل أفندى، وبك، وباشا)، وتمصير المصالح الأجنبية، وإجبار المُحتلين الإنجليز على الجلاء عن آخر معاقله فى منطقة قناة السويس، ثم تأميم هذه الشركة نفسها (يوليو ١٩٥٦)، لاستخدام إيراداتها فى بناء السد العالى، وهو ما عرّض مصر لعدوان ثلاثى من بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بداية من أكتوبر ١٩٥٦. وكان صمود الشعب والقيادة لهذا العدوان، هو بداية المرحلة «الكاريزمية» (الإلهامية) لعبد الناصر، وتعميد الجماهير، داخل وخارج مصر، له زعيماً شعبياً عربياً. وهو الأمر الذى ضخّم من «الذات الناصرية»، خاصة بعد اتفاق سريع وغير مدروس، لوحدة اندماجية بين مصر وسوريا.. وبدأت الأخطاء القاتلة لعبد الناصر، مصرياً وعربياً. وقد تفاقمت هذه الأخطاء إلى أقصاها وأسوأها فى هزيمة عربية مروعة على يد إسرائيل، فى يونيه ١٩٦٧.
وكانت تلك الهزيمة، والتى سُميت «نكسة» بواسطة النظام الناصرى، حدثاً كاشفاً للعفن والفساد الذى أصاب جوانب عديدة من مؤسسات المجتمع والدولة، والذى بدى لكثير من المُخضرمين أضعاف ما كانوا يأخذونه على النظام الملكى الذى ثار عليه «الضباط الأحرار»، قبل خمسة عشر عاماً (١٩٥٢-١٩٦٧).
من ذلك أنه حتى هزيمة العرب الأولى، بما فيهم مصر، فى أول حرب مع إسرائيل، استغرقت المعارك فيها عدة شهور (١٥ مايو ١٩٤٨ – ٢٠ فبراير ١٩٤٩)، بينما الهزيمة عام ١٩٦٧ لم تستغرق إلا ستة أيام. ولذلك سُميت بحرب الأيام الستة. ولذلك أيضاً، شعر عبد الناصر نفسه بمسؤوليته عن تلك الهزيمة، فسارع بمُخاطبة الشعب المصرى على شاشات التليفزيون، وقدم استقالته. وخرجت مُظاهرات عارمة إلى شوارع المُدن المصرية والعربية، رافضة استقالة عبد الناصر، ومُطالبة إياه بالبقاء فى موقع القيادة، «لإزالة آثار العدوان».
وبعد أكثر من نصف قرن من إلغاء الملكية فى مصر، أنتج التليفزيون السورى مسلسلاً درامياً عن الملك فاروق، أذيعت حلقاته خلال شهر رمضان، حيث تتضاعف المُشاهدة التليفزيونية. وكان جديراً بالمُلاحظة الإقبال الأشد على ذلك المسلسل من البُلدان العربية التى كانت ملكية مثل العراق وليبيا وتونس واليمن والجزائر وتحوّلت إلى جمهوريات بعد الاستقلال، أو على أيدى انقلابات عسكرية مُشابهة لما حدث فى مصر.
وفى جولاتى فى البُلدان العربية قرب الفترة التى أذيع فيها مسلسل الملك فاروق، كان الناس يُبادرون بفتح الموضوع، إما للتعبير عن استحسانهم لتلك الحقبة من التاريخ المصرى الحديث (١٩١٩-١٩٥٢)، أو لدهشتهم كيف كانت القاهرة والإسكندرية تبدو جميلة ونظيفة، وكيف كانت السيدات المصريات، أنيقات ومحتشمات رغم أنهن غير مُحجبات.
أكثر من ذلك، كيف بدت للمُشاهدين العرب، سُلطة الملك التى كانت مُحدّدة، وغير مُطلقة، وكيف كان عليه أن يُقنع رئيس الوزراء، وأن يُناور سياسياً حينما يُريد أمراً شخصياً أو عائلياً أو سياسياً. نعم كان دستور ١٩٢٣ قد جعل من نظام الحُكم بعد ثورة ١٩١٩، «ملكية دستورية» (Constitutional Monarchy). وهو نظام يملك فيه رأس الدولة رمزياً، ولكنه لا يحكم تنفيذياً. فهذه الأخيرة هى من سُلطة رئيس وزراء ووزراء منتخبين دورياً، أسوة بمجالس برلمانية (مجلس نواب وشيوخ) تتنافس على عضويتها الأحزاب السياسية.
وفى آخر التقارير السنوية «لبيت الحُرية»، Freedom House الذى يصنف كل دول العالم على مقياس من ثلاث درجات: حُرة، نصف حُرة، وغير حُرة، كانت هناك فقط سبعة بُلدان عربية صنّفها بيت الحُرية «كنصف حُرة»، وهى المغرب، والأردن، ولبنان، والكويت، والبحرين، والعراق، وفلسطين.
وهذا يعنى أن ثلثى البُلدان العربية طبقاً لبيت الحُرية، هى بُلدان «غير حُرة»، وحتى الثلث الأخير، هو «نصف حُر».
فإذا تصفحنا هذا الثلث الأخير نجد أن مُعظمه ذو «أنظمة مالية» وهى المغرب والأردن والكويت والبحرين. وفقط ثلاثة بُلدان ذات أنظمة جمهورية وهى لبنان والعراق وفلسطين.
فإذا أضفنا مؤشرات أخرى مثل الاختفاء القسرى، والتعذيب، والأحكام العُرفية، لوجدنا تقريباً نفس الخريطة، مُعظم البُلدان العربية تحتل أسوأ المواقع، وأن القلة القليلة المعقولة، هى فى مُعظمها بُلدان ذات أنظمة ملكية أو أميرية. وهو ما يحتاج تأملات القرّاء الكرام. فإلى أن أسمع منهم، فإننى أترحم على ملوكنا الذين قُتلوا، أو عُزلوا، أو توفاهم الله وفاة طبيعية. فلو عرفنا من سيأتى بعدهم من المُستبدين، لكنا قد حميناهم وحافظنا على أنظمتهم.
والله أعلم
للأسف الشديد هناك حقيقة مع انها كارثة ..وهي ان إصلاح مصر هو إصلاح للعرب .. وفساد مصر هو فساد للعرب .. وهذه الحقيقة نجدها متوهجة وواضحة ..
ثورة يوليو مع ما فيها من ميزات تجمعت جميعها في أول عشر سنوات فقط .. إلا أنها قطعت الحبل الوريدي للديمقراطية في مصر .. وبالتالي في الوطن العربي ..
هذا القطع للحبل الوريدي الذي يغذي الديمقراطية على أيدي الضباط .. أصاب المصريين والأمة العربية في مقتل ، حيث ان العمل السياسي في مصر قبل الثورة كان مامون الجانب .. اما العمل السياسي بعد الثورة فلو كان مع السلطة فهو مأمون الجانب ويثري ويفسد صاحبه ، وإن كان بخلاف ذلك فهو يؤدي إلا ما يحمد عقباه من سجن وتعذيب وقتل ..وبالتالي فإن الشعب المصري آثر السلامة ..ووصلنا إلى عصر مبارك الذي أحتكر بشكل كامل السلطة والثروة واحتكر المصريين وتملكهم أيضا ..
المؤسسة الأزهرية: لا هى راغبة ولا قادرة على التطوير
الجشع والفساد فى تجريف أراضى المحروسة
هل الشعب المصرى فى حالة عِشق دائم مع جيشه؟
دعوة للتبرع
المطففين 7 الى 21: تقول إن اصحاب الجنة فريقي ن المقر بين ...
الوراثة فى الآخرة : لماذا يقال عن المتق ين انهم يرثون الجنة ولا...
تضرب زوجها: اريد ان اسال سيادت ك عن رأيك فى فتوى ظهرات ...
هل المحمديين كافرون : هل كل المحم ديين كافرو ن ؟ ...
طلب مساعدة : نحن من جمعية اغبار للتنم ية والتع اون نريد...
more
أستاذنا الفاضل / الدكتور سعد
بارك الله فيك وأشكرك على هذا المقال الذي أبحر بنا فى سنوات يتمنى المرىء ان يحظى بالعيش فيها حقيقة ، إن ما تحكيه سيادتك عن ترقب بعض المصريين عن بعد الملك فاروق وأسرته وحاشيته حينما أجبر على مغادرة البلد لهو حدث جلل يتمنى أن يعايشه كل مصري ، وهذا الحدث التاريخي الذي كان سببا فى تخليص مصر من الملكية وتحويلها لجمهورية ليتحكم فيها العسكر الى الآن بسياسة الاستبداد والقهر ، كل هذا التغيير كان سببه الشعب نفسه ، فالضباط الأحرار هم من أبناء الشعب ، وهم من خططوا واتحدوا وجعلوا مصلحة مصر فوق مصالحهم الشخصية وفوق رغباتهم ونزواتهم ، حتى خلصوا مصر من الملكية التى كانت كما أشرت لها مميزات نفتقدها اليوم ، وكذلك نجح الضباط الاحرار بمعاونة الشعب وإرادته فى تخليص مصر أرضا وشعبا الاحتلال الانجليزي والجلاء ، وتأميم قناة السويس والشروع فى بناء السد ، والى هنا كان الشعب المصري يعيش حالة معينة ، وقد تحولت هذه الحالة وتغيرت من وجهة نظرى منذ ان هزمت مصر فى 67 أو النكسة وأعلن عبدالناصر أن يترك الحكم ، منذ هذا الوقت تحول الشعب المصري لنوع أخر لا تنطبق عليه مواصفات الثورة ولا قدرات وإرادة الشعب الذي قهر الملكية والانجليز ، حيث حولوا عبدالناصر لإله ، وتخيلوا أنه لو ذهب عبدالناصر لماتوا ، وهذه الحالة الردئية للشعب المصري هي سبب ما هو فيه الآن ، لا ننكر حالة العدالة الاجتماعية التى عاشها الشعب المصري فى عهد عبدالناصر ، لكن كانت أسيئاته تفوق حسناته بكثير ، ولا يختلف الأمر فى عشوائية السادات واستبداد مبارك فاستمرار كل هذا سببه الشعب المصري الذي ساهد بدور فاعل فى الثورة وفى الجلاء وفى صنع حكم عسكرى مستبد طوال نصف قرن تقريبا ، لا يمكن على الاطلاق مقارنة الشعب المصري بعد ثورة 19 وحتى منتصف الستينات بالشعب المصري بعد النكسة وحتى يومنا هذا ، تحول الناس لليأس والانهزامية ، ولا انكر أن الحكام المستبد صنع هذا وساهم فيه بكل ما يمكل من سلطة ، فالشعب صنع مستبده والمستبد صنع شعبه أيضا وكل منهما يؤثر فى الاخر ويتأثر به ، خوف فاروق من المصريين جعله يسارع بتنفيذ مطلبهم وغادر مصر ، ورؤساء مصر الثلاثة عبدالناصر والسادات ومبارك ذاقوا عظمة المصريين وعرفوا كيف يتعاملون معهم ويسيطرون عليهم ويقهروهم ، ولو شعر هؤلاء الرؤساء بما شعر به فاروق لما استمر أحدهم فى الحكم فترتين متتاليتين
هذه رؤية مبسطة وتحليل للتحول الذي حدث للمصريين منذ ثورة 19 مرورا بثورة 52 والنكسة وما وصل اليه المصريون فى عصرنا الرهن من هذه الحالة الميؤس منها لدرجة جعلت معظم المصريين يقولون عندما يسمعون أن هناك مرشح محتمل للرئاسة غير مبارك فيكون رد الفعل سريعا (اللى نعرفه احسن من اللى مانعرفوش) أو ( دا سرق وشبع مش عارفين اللى جاى هايعمل فينا أيه) ، هل هنا سلبية وانهزامية اكثر من هذا شعب يعرف ان حاكمة رارسق وحرامى ورغم هذا يستسلم ويستكين ويوافق .!!!!! وعجبي...