نسيم بسالم Ýí 2012-02-20
كثيرا ما يلتَقي المَرءُ ببعض أصحابِ الأَهواء؛ المُكبَّلين بآصارِ معاصيهِم؛ فيُحاوِل وَعظَهُم وتذكيرهم؛ وتَخويفِهم مِن مغبَّة إصرارِهم وتَماديهم على ما هُم فيه؛ فيسمَعُ مِن أكثِرِهم عبارَة " إنَّ رَحمة الله واسِعة تَسعنا وتسعُك"؛ والله أرأَفُ بالعَبد مِن الأمِّ بوليدِها؛ وأنَّ لله مائة رَحمَة واحِدَة أنزَلَها للدُّنيا بِها يتَراحَم الخَلق جَميعا؛ وادَّخَر تسعة وتسعينَ مِنها للآخِرَة يَرحَمُ بِها العُصاة ؛ فهَل تتصوَّر أنَّ الله سيُكبُّنا على مناخيرِنا في جهنَّم بِهذه الصَّغائِر التي نَفعلُها والتي عمَّت بِها البَلوى؛ بل إنَّها غَدت مِن مُقتضيات الحَضارَة والتَّقدُّم؟! لماذا تُحجِّرون واسِعا عَلينا؛ وتُلزِمُوننا بالتَّوبَة النَّصُوح والتَّصفيَة والمُحاللَة والاستِقامَة؛ كشَرط واحِد ووَحيد للنَّجاة بينَ يدي الله غدا يَوم القيامَة؟! أين نَضع رَحمة الله إذَن؟!
نَظرا لاستِفحالِ هذا التَّصوُّر لَدى كَثير مِن المُنتسبين إلى الإسلام؛ حسُن بِنا بل وَجبَ أن نُبيِّن مَدلُول الرَّحمَة الحَقيقي مِن خِلال بيانِ الله عزَّ وجل الشَّافي الكافي، ونُصوصِه القَطعيَّة المُحكمَة ابتِغاءَ الوُقوفِ على أرضيَّة اعتِقاديَّة صَلبَة لا تغترُّ بالأَماني والسَّراب، ولا تتمسَّك بخُيوط عَنكبُوتيَّة سُرعان ما يبدُو للمَرء مِنها يَوم العَرض ما لَم يكُن يَحتسب؛ بهُجرانِه لكلمات ربِّه وآياتِه المُحكمَة! فالقضيَّة قضيَّة مصير أبَدي؛ لا قضيّة ضَياع مَصلَحة دُنيويَّة أو التَّعرُّض لعُقوبَة سُرعان ما تزُول آثارُها ولَو بالمَوت!
{أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ. وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدِّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ. إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَن يَضِلُّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [الأنعام :114- 117].
رحمات الله في كِتابِه باستِقراءِ آياتِه عدَّة؛ وكَكثير مِن مواضيع كِتاب الله عزَّ وجل؛ فإنَّها جاءَت مَقرُونَة بالمَشيئة الإلهيَّة في أكثَر مِن آيَة؛ ودَوما المَنهج الصَّحيح في مَوضُوع المَشيئة هُو تَقييد إطلاقِها (المَزعُوم عِند الكثيرين) بتتبُّع موارِد المَوضُوع المَبحُوث وسياقاتِه في القرآن الكَريم ذَاته. ولَو تَركنا الأَمر على عَواهِنه لَم يَنضَبِط شَيء أبدا! وهِي على كُلٍّ مَحمُولَة على إرادَة الله الابتدائيَّة في سنِّ القَوانين والنُّظم التي يَشاء مِن غيرِ مُعقِّب لحُكمِه؛ ولا تَعني العَشوائيَّة والانتقائيَّة التي تُصوِّرُها كَثير مِن الكُتُب والله المُستَعان.
سأقتَصِر في هذا المَقال على رَحمَة الله بعبدِه حَصرا دُون التَّعرُّض لرحمة المَخلُوق بالمَخلُوق التي ورَدت فيها بَعض الآيات القُرآنيَّة؛ كرحمة الرَّسُول (صلى الله عليه وسلَّم) بأمَّتِه في العِشرَة والتَّعامُل والنَّصيحَة؛ ورَحمَة الوالدين بأولادِهم مَثلا والعَكس.
أولى هذه الرَّحمات الإلهيَّة بِعبادِه: رحمتهم بالنِّعم والتَّسخير؛ وهِي رَحمَة تشمُل النَّاسَ كافَّة؛ برّهم وفاجرهم؛ ورُبَّما هِي مِن تجلِّيات اسم "الرَّحمن" خُصوصا؛ الذي يَعني الرَّحمة الشَّامِلة المُطلَقة؛ بِخلاف اسم الله "الرَّحيم" الذي يَردُ (في الأَغلب) في سياقِ الرَّحمة الخُصوصيَّة بالأصفياء والأَولياء.
يقُول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحج : 65].
فتسخير خيرات الأَرض طيِّعَة بينَ يَدي الإنسان؛ وإرساء الفُلك لَه في البَحر كالأعلامِ تمخُر عُبابَه؛ وإمساك الأَجرام والشُّهب دُون أن تُفني حياتَه أو تُقلِقَ راحَته؛ كُلُّ ذَلِك رَحمَات كُبرَى مِن الرَّحمن؛ ليسَ بالضَّرُورَة أن تكُون؛ ولكنَّها كاَنت بفَضل الحَليم الرَّحيم سُبحانَه!
ويقُول الباري مُبيِّنا نِعمَة الأَنعام والمَراكِب في سُورَة النَّحل سُورة النِّعم: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [النحل : 7]...فكيِفَ ستُكون حياة النَّاس بدُون وَسائِل نَقل تُقلُّ أشخاصَهُم وأشياءهُم؟ ألا تغدو الحياة قِطعَة مِن العذاب؟ سُبحانَك رَبِّي ما أرحمَك! فلَو توقَّفت المِلاحَة البَحريَّة يَوما مِن الدَّهر مَثلا لشُلَّ عصب الاقتِصادِ مِن يومه، ولَوقع النَّاس في كَرب عَظيم!
{رَّبُّكُمُ الَّذِي يُزْجِي لَكُمُ الْفُلْكَ فِي الْبَحْرِ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ إِنَّهُ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [الإسراء : 66].
{قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَّأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً} [الإسراء : 100]
وعَن نِعمَة الرِّياح والماء يقُول الرَّازق عزَّ وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الروم : 46]... فإذا تنسَّم الإنسان هَواء عَليلا لا يُؤذي جِسمَه ثُمَّ إنَّه استَقبَل مِن السَّماء على إثرِه غيثا مِدرارا؛ ينبتُ الزَّرع ويُدرُّ الضَّرع؛ فليعلَم أنَّ ذَلك فيض مِن فُيوض رَحمة الله بِه؛ فأنَّى لَه بعد ذَلك أن يُقابِل هذا الإكرام بالعصيان؟!
واللَّيل حينَ يُرخي سدُولَه وينشُر خُيوطَه على الكَون؛ ثُمَّ يعقُبُه نَهار يبعَثُ الحَياة ويدفَع الإنسان نَحو الحَركَة والنَّشاط؛ لهُوَ رحمَة كُبرى ما كانَ الإنسان ليستَشعِر قيمَتها إلا إذا قُدِّر لَه أن يَفقدَها!
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلَا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ (72) وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (73)} القَصص.
ما أعجَب أكثَر خَلق الله {يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا وَأَكْثَرُهُمُ الْكَافِرُونَ} [النحل : 83]... نسأل الله العافيَة!
{مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر :2- 3].
وتبرُز هذه الرَّحمَة المادِّية أكثَر وتتجلَّى لمَّا يُصيبُ النَّاسَ ضيقٌ وشدَّة؛ ثُمَّ تَنفَرجُ الأُمور بَعدَها! فلا يُنكِر تِلك الرَّحمَة إلاَّ أعمى مَطمُوس القَلب؛ ولا يَنسَى فضلَ الباري إلاَّ جحُود كنُود!
{وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى : 28].
فهذا الخَليلِ عليه السَّلام لمَّا مسَّه الكِبَر واشتاقَ إلى وَلد مِن صُلبِه يُقيم أوَده، ويحمِل مَعه لأواءَ الحياة رحمَه ربُّ العزَّة وبشَّرَه بخير عَقب (اسماعيل عَليه السَّلام): {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْراَهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُواْ عَلَيْهِ فَقَالُواْ سَلاماً قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُواْ لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُواْ بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّآلُّونَ (56)}.الحِجر
وكذا سيِّدُنا زكرَّيا لمَّا وَهن عَظمُه واشتَعل رأسُه شَيبا لَم يكُن بدُعاءِ ربِّه شقيا؛ فوَجد ربُّه الرَّحيم بِه حفيَّا!
{كهيعص (1) ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيّاً (3) قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً (6) يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً (7) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِراً وَقَدْ بَلَغْتُ مِنَ الْكِبَرِ عِتِيّاً (8) قَالَ كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِن قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئاً (9)}مريم.
ثاني هذه الرَّحمات هي الرَّحمَة الغيبيَّة العامَّة؛ بإنزالِ الوَحي وإرسالِ الرُّسل، وتفصيلِ المَنهج، وتبيان السَّبيل؛ فقَد كانَ الله قادِرا أن يَدع النَّاس هَملا مِن غيرِ حاد يحدُو بِهم إليه؛ بأن يكِلهُم إلى محضِ فطَرهِم؛ فمَن استَجاب استَجاب، ومَن زاغ حقَّ عَليه سُوء العَذاب! ولَكن الخالِق الرَّحيم اللَّطيف بعبادِه أرسَل رُسلَه مُبشِّرين ومُنذرين؛ لئلا يكُون للنَّاس على الله حُجّة بعَد الرُّسل!
{حم. تَنزِيلٌ مِّنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم. كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ. بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} [فصلت :1-4].
{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [الأنبياء : 107].{ وَمَا كُنتَ تَرْجُو أَن يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ} [القصص: 86]. {وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَاماً وَرَحْمَةً} [الأحقاف : 12].
هذه الرَّحمَة كسابِقتِها تعمُّ الأنامَ أجمَع؛ فكُلُّ مَن عَلم الله في قَلبِه خَيرا مِن البَشر، ولمَس مِنه البَحث عَن الهدايَة بِصدق؛ أخذ بيده نَحو شاطئ الأَمان، وأنارَ فُؤادَه بِبصائِر وَحيِه؛ وكُلُّ مَن استَنكَف واستَكبَر واستَحبَّ العَمى على الهُدَى (مِن أيَّة ملَّة) ولاَّه الله ما تَولَّى وأصلاه جهنَّم وساءَت مصيرا!
ثالث هذه الرَّحمات تَخفيف الشَّرائع وتسهيلها على المُكلَّفين؛ فقَد كانَ يُمكِن أن يُبيِّنَ الله شريعته ومَنهَجه؛ ولَكن يَجعل فيها إصرا وثِقلا وعَنتا لا مَحيصَ للإنسانِ مِن تحمُّلِه إذا ما أرادَ النَّجاة والعِتاقَ من النَّار؛ ولكنَّ الرحمن الرَّحيم ما جَعل علينا في دينِنا مِن حرَج؛ بل هُو مَحض اليُسر والسَّماحَة والجَمال ما أروعه مِن دين!
يقُول عزَّ شأنه في سياقِ تفصيلِ أحكام القَتل مَثلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [البقرة : 178] .
رابِع الرَّحمات الرَّبانية هي رَحمَة الله بِعبادِه المُؤمنين في الدُّنيا؛ وهِي رَحمَة خاصَّة تتمثَّل في الهِدايَة والمَعيَّة والتَّوفيق والتَّزكيَة والنُّصرَة؛ وفي كُلِّ مرَّة نُؤكّد أنَّ كُلَّ ذَلك ليسَ بلازِم ولا وَاجب على الله تَعالى؛ فحاشاه أن يَجبَ عَليه شَيء؛ فقَد كانَ الله قادِرا أن يقُول: مَن آمَن بي فقَد نَجا مِن عذابي مِن غير زيادَة شَيء لا في الدُّنيا ولا في الآخِرة؛ حسبُه أنَّه فكَّ رَقبتَه مِن النَّار؛ ومَن كفَر وأشرَك فالوَيل لَه... أقُول هذا حتَّى نستشعر حقيقَة الرَّحمَة ونُحسَّ بِها؛ لأنَّ الإنسان بحُكم "الرُّوتين والإلف" قَد يراها أمرا عاديا لا يستَحقُّ الالتفات!
{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [النور : 21].
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ. قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [يونس :57- 58].
{هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} [الأحزاب : 43].
{هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} [الحديد : 9].
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف : 52].
وهكذا بالنِّسبَة لكثير من الآيات المُشابِهة التي تُقرِّر رَحمَة خاصَّة للمُؤمنين برسالَة الله في الدُّنيا؛ ولا حظَّ فيها لمَن أعرضَ ونأى بجانِبه، ونسيَ آياتِ ربِّه؛ واتَّخذ كِتابَه ظِهريَّا!
خامِس الرَّحمات كَشفُ الضُّر عَن المُؤمن إذا ألحَف في الدُّعاء وصَدقَ في النِّداء؛ فما المَصائِب التي يُصابُ بِها المُؤمِن الحق إلاَّ ابتِلاء وتَمحيصا؛ ليتبيَّن الصَّادِقُ مِن الكاذِب؛ والعَبد الحَقيقي المُخلِص ممَّن يعبُد الله على حَرف! ونمُوذَج أيُّوب عليه السَّلام أحسَن نمُوذَج لهذا النَّوع من الرَّحمة.
{وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ. فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء :83- 84].
سادس رَحمات ربِّي فَتح باب التَّوبَة للعاصي حتَّى يتُوب؛ وقَد كانَ الله قادِرا أن يمحُو مِن على وَجه البسيطَة كُلُّ إنسان وَقع في المَعصيَة لأوَّل مرَّة؛ فتَرى النَّاس وأنتَ تَمشي يُصعَقُ الواحِد منهُم تِلو الآخَر؛ فكُلُّ مَن انزَلَقت به قدمُه فغَوى؛ فتِلك لَحظَة فراقِه للدُّنيا إلى عذاب سَقر والعياذ بالله. ولكنَّ الرَّحيم الحَليم تَرك أبواب التَّوبَة مُفتَّحَة لا تُغلَّق دُون المَرء حتَّى يُغرغِر أو تَقُوم عليه السَّاعَة.
{وَإِذَا جَاءكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَن عَمِلَ مِنكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِن بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام : 54].
ولَكن هذه الرَّحمَة مَقرُونَة بالاستسلام الكَامل لله عزَّ وجل؛ والنَّدَم الأكيد على ما فات؛ والتَّضرُّع القَلبي الخالِص للمَولى بالمَغفرة والصَّفح كَما هُو شأن الصَّفوة مِن عباد الله الكُمَّل.
فهذا أبونا آدَم "عليه السَّلام" استهواه الشَّيطان وأزلَّه فأكَل مِن الشَّجرة التي نَهاه عَنها ربُّه؛ فاهتاجَت في جَوانِحه مشاعِر الضَّراعَة إلى صَفح ربِّه الرَّحيم هُو وزوجُه؛ فما كانَ مِنهُما إلاَّ أَن {قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف : 23]... فلمَّا تلقَّى الله مِنهُما هذه الكَلِمات تابَ عنهُما ورَفع عَنهُما إصرَهُما.
وهذا نبي الله نُوح بدَر إلى خلَدِه أنَّه أساءَ الأَدب في حقِّ خالِقه، وتطاوَل على جَنابِه، وسأله ما ليسَ بِه عِلم؛ فلمَّا نبَّهه ربُّه لَم يستَكبر ولم يَطوِ كشحَه؛ ولَم يَمُنَّ عليه بسابِق عملِه وجِهادِه؛ بل عرف ربَّه رَحيما عفُوا غفُورا؛ فتاب وأناب و{قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ} [هود : 47].
وهؤلاء قَوم مُوسى لمَّا استَخفَّ عُقولَهم السَّامري؛ فأخرَج لَهُم عِجلا جَسدا لَه خُوار؛ فقالَ هذا إلهُكم وإله مُوسَى؛ ولمَّا رَجع مُوسَى غضبانَ أسِفا فعاتَبهُم وشنَّع صَنيعَهُم؛ سُقط في أيديهِم ورأوا أنَّهُم قَد ضلُّوا و {قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف : 149].
إذا تبيَّن جليا مَناطُ هذا النَّوع مِن الرّحمَة الآن وأنَّها تكُون مُقتَرنَة بالتَّوبَة النَّصُوح، والإنابَة الصَّادِقَة النَّابِعَة مِن مشاعِر وُجدانيَّة خالِصَة؛ فما بالُ أُناس يزعُمون الإسلام وينتَحلُون الإيمان، وينتسبُون لِحضرَة النبي العَدنان؛ يُبارِزُون الباري عزَّ وجل بالعِصيان؛ ويَحترِفُون شتَّى ألوان الطُّغيان؛ وينغمسُون في الشَّهوات إلى الأذقان؛ إذا قيلَ لأحدِهم اتِّق الله حسبَ ذَلك ضَربا مِن الهذيان؛ وأمرا قَد تجاوَزه الزَّمان!
تَلفاهُم عارِفين حُرمَة ما يقتَرفُون غير جاهِلين، ومَع ذَلك يلبَثون مُصرِّين غَيرَ مُقلعين؛ لا يحملُون الكَل ولا يُطعمُون المِسكين، يخُوضون مَع الخائِضين، وهُم أبعَد ما يكُونون عَن مجالِس الذَّاكِرين؛ تجارتُهم ربا، وفُرشُهم زِنى، وأعيُنهم نضَّاحَة بالخنى، وألسنتُهم لا تَنطِقُ إلاَّ فُحشا وهُجرا! مُترَفين مُنعَّمين إذا رأيتُهم تُعجبُك أجسامُهم كأنَّهُم خُشب مُسنَّدة؛ تُخالِجكَ نفسُكَ أحيانا أن تُفاتِح بَعضَهُم في حالِه سائلا إيَّاه: ماذا تتوقَّع ربُّكَ فاعِل بِكَ غدا حينَ تَقفُ بينَ يَديه؟! وإلى أينَ أنتَ صائِر إذا جُمعَت الخَلائِق يَوم العَرض الأَكبَر؟! فيلتَفت إليكَ التفاتَة المُستَنكر المُتعجِّب من سُؤالك قائلا: وهَل هذا الأَمر يحتاجُ إلى أخذ وردٍّ وقيل وقال؟! إذا لَم يَرحَم الله أمثالي بجنَّة الخُلد فمَن يَرحم إذَن؟ وأين تذهب تِلك الرَّحمات التسع والتِّسعين التي خبَّأها الله لعبادِه غدا يَوم القيامَة؟! ألِفرعَون وأبي لَهب؟!
ثُمَّ يُعقِّبُ بلَهجَة الواثِق الآوي إلى رُكن شَديد: تيقَّن أنَّ رحمَة الله واااااااااااااااااسِعة؛ إنَّها أوسَع ممَّا تتصوَّر أنتَ وأتصوَّر أنا ويتصوَّر الخَلق أجمَعين؛ فدَع عَنك التَّشديد والتَّهويل والوَعيد، ونَم قَرير العَين؛ فما دُمتَ ناطِقا بالشَّهادَتين، ومَحظُوظا بِدَعوة الوالِدين؛ وإن تفضَّلتَ فقُمت في جَوفِ اللَّيل بِركعتين؛ وتكفَّلت بيتيمين؛ فلا خَوفٌ عليكَ ولا حَزنَ إلى يَوم الدِّين!!! إنَّ ربِّي غفُور رَحيم!
طَبعا لَولا الحُجَّة النَّاصِعَة والبُرهان لقالَ من شاءَ ما شاءَ؛ ولا عَتبَ لأحد عَلى آخَر؛ لأنَّ الجَميعَ واقفٌ عَلى أرضيَّة مُشتَركَة مِن العَقل والمَنطِق والذَّكاء؛ أمَا وأنَّ هُنالِك وَحيٌ بيِّنٌ يَهدينا ويُوجِّه أحكامَنا ويَضبِطُ تصوُّراتِنا؛ فليسَ بعدَ كَلام الله كَلام؛ وأنَّى لمَخلُوق أن يَعتَرض على ربِّ الأَنام؟!
لأستَمِع وإيَّاك أخي القارئ بخُشوع وإنصات؛ ومِن غير خَلفيَّات إلى ربِّ البريَّات وفاطِر الأَرض والسَّماوات؛ يُبيّنُ لَنا مَناطَ رَحمتِه ولمن تكُون، ومَن هُو الأَجدَر باستِحقاقِها والدُّخول فيها؟ ولننزَع قِناع أيّة فِرقَة أو جماعَة؛ فلَن تكُون والله في الآخِرَة مِللٌ ولا نِحَل ولا طَوائِف؛ وإنَّما سنُسأل (نَحنُ الأُمَّة الخاتَمة) عَن كِتاب واحِد ووَحيد هُو القُرآن الذي بيَن أيدينا كيفَ تلقَّيناه وبلَّغناه. وستُدعَى كُلُّ أمّة إلى كِتابِها حتَّى تُجزَى بِما تقُول وما تَعمل! إنَّه لَقولٌ فصل وما هُو بالهَزل!
يقُول تَعالى في سُورَة الأَعراف: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَـاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ}.
غالِب المُسلِمين يَحفَظُون العبارة الأولى مِن الآيَة الكَريمَة ويُسوِّقُونَها حتَّى إنَّك تجدُها على كُلّ لسان ومُعلَّقَة على كُلِّ جدار؛ ولكن الشَّيطان الرَّجيم غطَّى لَهُم بقيَّة الآيَة التي هيَ السِّر في القضيَّة والجَوهَر في الأَمر!
صَحيح أنَّ رحمَة الله واسِعة ولكن لِمن تكتُبها يا رب؟! هَل لكُلِّ النَّاس؟ هَل لكُلِّ مَن قال بعظمَة لسانِه: آآآآآآآآآآمنَّا على شاكِلة إيمان الأَعراب؟! لا لا! فسأكتُبها للذين يتَّقُون وبآياتي يُؤمنون؟!
هَل حَصرا يا رب؟! نَعم ولا مُبدّل لكلماتي ولَن تجدُوا مِن دُونِها مُلتَحدا!
هَل يُتصوَّر بَعد هذا الكَلام المُحكَم البيِّن أن تأتي رِوايَة ظنّيَة أو قَول مِن أقاويل البَشر فيتدخَّل في الكَلام الإلهي تحويرا وتبديلا بِدعوى التَّفسير أو النَّسخ، ويُصبِح قُرآنا جَديدا يُتلى؟! إن لَم يكُن هذا تَحريفا للكلَم عَن مواضِعه واتِّباعا لِسنن بني إسرائيل مِن قبلِنا حذوَ القذَّة بالقذَّة؛ فلا أدري كيفَ سيكُون التَّحريف؟!
لقَد قالت شِرذمَة مِن أهل الكِتاب مِن قبلِنا " نحنُ أبناء الله وأحبَّاؤه"؛ ثمَّ إنّهم يأخُذون عَرضَ هذا الأدنَى ويَشترُون بآيات الله ثَمنا قَليلا؛ ويقُولون بَعدَ ذَلك سيُغفَر لَنا وسنُرحَم؛ و "المُسلِمُون" اليَوم يُعيدُون نَفس الكَلام عبر رواياتِهم وأقاويلِهم وفِرقِهم! وأصبَحتُ أفهَم الآن أكثَر مِن ذي قَبل لماذا كثُر الحديث عن بني إسرائيل في القُرآن، ولماذا ذُكِر مُوسَى أكثَر ممَّا ذُكِر غيرُه مِن الأنبياء قاطِبَة!
يقُول تَعالى في آية أُخرى: { لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النمل : 46]. فالرَّحمة إذَن على لسان نبي الله صالِح لا تنالُ إلاَّ المُستَغفِرين؛ وأعلَم أنَّه سيَأتي مَن يَرى إلى القُرآن بِخلفيَّة ضيِّقَة ويقُول: إنَّ الذَّنب هُنا هُو ذَنب الشِّرك؛ وأمَّا مَع الإيمان (ويَقصِد بِه القَولي الظَّاهِري طَبعا) فلا تضرُّ مَعصيَة؛ وسُبل النَّجاة كثيييييرَة لابُدَّ أن ندخُل في إحداها!
آيَة أُخرى في سُورة النساء يقُول فيها الله عزَّ وجل: {وَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً} [النساء : 175]... وفيها نستبين بِجلاء أنَّ رَحمة الله الدُّنيويَّة والأُخرويَّة لا ينالُها إلا مَن آمَن بالله واعتَصم بِه؛ وفي نَفس السُّورة يُبيِّن لنا الله عز وجل أنَّ الإيمان والاعتصام لابُدَّ أن تقتَرنَ بِهما تَوبَة حقيقية وإخلاص أكيد.
{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 146].
ولنَذهب إلى سُورة البَقرة لنتعمَّق أكثَر في مَفهُوم الرَّحمَة ولمن تُستحق؛ يقُول تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُوْلَـئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [البقرة : 218].
حقا مَن أغبَى ممَّن يَرجُو رحمَة الله ولَم يسلُك مسالِكَها، وتمنَّى على الله الأَماني! ألا فلنَعلَم (والكَلام أوجِّهه لنَفسي القاصِرة أولا) أن لا رَحمَة ولا خُلَّة ولا شَفاعَة لمَن لَم يُؤمن ولَم يُجاهِد في سَبيل الله حقَّ الجِهاد؛ فلنَدع السَّراب جانبا؛ ولنعُد إلى كِتاب ربِّنا قَبل أن يَحيقَ بنا رَيبَ المَنُون.
وفي سُورة التَّوبَة لمَن أرادَ أن يتُوب حقَّ التَّوبَة نَقرأ قَوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ. يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ} [التوبة :20- 21].
أستَجدي أربابَ كُتب العَقائِد والمُشتغلين بالتَّفسير أن يُعيدُوا بجد وحَزم مُراجَعة ما يحمِلُونه في أذهانِهم مِن مفاهيم (حول هذا الموضوع وغيرِه)، وأن يتَّقُوا الله فيما ينشُرونَه بين النَّاس؛ فما يَلفِظ الإنسان مِن قَول إلا لَديه رَقيب عَتيدٌ؛ ولا يَنقَضي عجبي مِن بعض خُطباء المَساجِد الذين يلقُون في الجُموع خُطبا حماسيَّة تَوجَل مِنها القُلوب وتَذرَفُ مِنها العُيون؛ والكُلٌّ مُشتَغل بتذكُّر ذُنوبِه وعازِم على الإقلاع عَن خبائثه مِن قُوَّة وَعيد تِلك الآيات البيِّنات؛ حتَّى إذا أوشَكت الخُطبَة على النِّهايَة ألقَى على الحَشد الحاضِر صُكوك المَغفرَة، ومنَّاهُم بالرَّحمات (في غير سياقِها الحَقيقي أقصِد) ووَعدهُم بشفاعَة النبي لأهل الكبائر وما شاكَل ذَلِك؛ فكانَ كمَن صبَّ الماءَ البارِدَ على الزَّيت الحار فخفتت جِذوتُه وذَهبت حُرقَتُه! وينهض الجَميع وكأنَّ شَيئا لَم يكُن! كُلٌّ يعُود إلى ما كانَ عليه!
أنَّى يَرعَوي النَّاس وأنَّى يدَّكِرون؛ وكتُبُنا مُخلّطَة، وخُطبُنا من قَبيلِ حِصص ما يطلُبُه المُستَمعُون؟! نسأل الله العافيَة والمُعافاة.
وطَبعا لا يُمكنُ استِقصاء جَميع الآيات والوُقوف عندها واحِدة واحِدة؛ أكَتفي الآن بسَرد بَعضِها؛ والمَضمُون على كُلٍّ واحِد.
يقُول تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [النور : 56].
ويقُول: {وَهَـذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الأنعام : 155].
ويقُول: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [الحجرات : 10].
ويقُول: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّقُوا مَا بَيْنَ أَيْدِيكُمْ وَمَا خَلْفَكُمْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [يس : 45].
وفي سُورة التَّوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [التوبة : 71].
وفي سُورة الحَديد: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الحديد : 28].
وفي الأعراف: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف: 56].
إذن: مَن استَجمَع هذه الأَوصاف التي جاءَت في هذه الآيات وتحلَّى بِها وجاهَد نفسَه حتَّى تكُون فيه سجيَّة وطَبعا؛ استَحقَّ رحمَة الله في الدُّنيا بِشفاءِ صَدره، وتزكيَة نَفسِه، وتنجيتِه مِن شرِّ نَفسِه الأمَّارة بالسُّوء، وكذا إبعاد الشَّيطان عَنه.
يقُول تَعالى على لسان امرأة العَزيز: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[يوسف: 53].
ويقُول في النِّساء: {وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} [النساء : 83].
وفي الآخِرة يُحظَى بأعظَم رَحمَة؛ بل هيَ أصل الرَّحمات ومُنتَهى الخَيرات؛ ألا وهيَ جنَّة الخُلد جَعلنا الله جَميعا مِن أهلِها.
{وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [آل عمران : 107]...لَم تبيض وُجوهُهم إلاَّ لمَّا ابيضَّت صحائِفُهم؛ وأتوا ربَّهُم بقلب سَليم وبِعمل خالِص لا شائِبَة فيه مِن لَوث أو عصيان!
والله في كِتابِه يُحدِّثُنا عَن أُناس قَد حُظوا بِرحمَة الله، وزُكِّيَت أعمالُهم مِن قبَل الخالِق؛ جعلهم الله قُدوَة وأُسوَة لمَن أراد أن يترسَّم خُطاهُم، وفي ذَلك فليتنافَس المُتنافِسُون؛ ولمثل هذا فليَعمل العامِلُون!
{وَلُوطاً آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء :74- 75].
{وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ. وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُم مِّنَ الصَّالِحِينَ} [الأنبياء :85- 86].
يقُول ربِّي على لِسان مُوسى عليه السَّلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأعراف: 151].
وعلى لسان نبيه سُليمان: { رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل : 19].
فإذا كانَ أنبياءُ الله يسألُون الله المَغفِرَة والرَّحَمة، ويطمَعُون الدُّخول في رَحمَته بوَجل وَخوف؛ وهُم على ما هُم فيه مِن الصَّلاح والتَّقوَى؛ فما بالُ مَن هُو بعيد كُلَّ البُعدِ عَن الله ومَع ذَلِك يتمنَّى رحمَة الله؟!
قَبل أن نُسدِل السِّتار عَن المَوضُوع أُنُوِّه بأنَّ هُنالِك رَحمَة سابِعة وثامِنة؛ تتمثَّل في إيقاع الضُّر بالعاصي تَذكيرا وتنبيها؛ ثُمَّ كَشفُه عنه بعدَ ذَلك امتحانا واختبارا؛ وقَد كانَ الله قادِرا أن يَدع العاصي سادِرا في غيِّه غارِقا في ضَلالِه حتَّى يَفجؤه مَلك المَوت مُبشِّرا إيَّاه بِعذاب السَّعير! ولكنَّ الرحمن الرَّحيم آلى على ذاتِه العليَّة أن لا يُدخِل أحدا نارَ الخُلد حتَّى يستنفِد مَعه جَميع فُرص الرُّجوع والأَوبَة قَبل أن يسحَب اسمَه "الرَّحيم" ويُحلَّ محلَّه اسمه "المُنتَقم".
{فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} [الزخرف : 55].
ولَكن قبل ذَلك: {وَمَا نُرِيهِم مِّنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا وَأَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الزخرف : 48].
فإذا كانَت هذه رَحمَة الله بِفِرعَون قمَّة الطُّغيان والفَساد؛ فَكيف بمَن دُونَه؟! صدَق الخَليل إبراهيم حينَ خاطَب أباه: يا أبَت إنِّي أخافُ أن يمسَّك عذابٌ مِن الرَّحمن! أي ما كانَ ليُعذِّبَك العذَاب السَّرمَدي حتَّى يكُونَ قَد رحمَك قبل ذَلِك مرَّات ومرَّات! ولَكن إن لَم يكُن العَبد أهلا لرَحمَة الله لَم يأبَه الباري في أيِّ أوديَة الدُّنيا والآخِرة هلَك!
ومِن فِطرَة الإنسان إذا أحاطَ بِه الضُّر مِن كُلِّ مَكان أن ينسَى الشُّركاءَ والأَندادَ مِن دُون الله؛ ويستَغيثُ بمَولاه وَحدَه مُعرِضا عمَّن سواه؛ ولَكن ما إن يَرحمه الله ويَكشِف عَنه الضُّر حتَّى يعُودَ إلى سابِق عصيانِه وتمرُّدِه.
يقُول تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ. وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ. حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِم بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ}[المؤمنون:75- 77].
وحينَ يَفتَح الله بابَ العذاب الشَّديد للعُصاة في الدُّنيا (عِند غَمرات المَوت)، أو في الآخِرة (على شَفير جهنَّم) ويَأتي أَمر الله تَعالى الذي كانَ يستَعجِل بِه المُجرِمُون؛ يكُون الله تَعالى قَد نجَّى المُؤمنين المُتَّقين برَحمَة مِنه وفَضل، وهذه رَحمَة أُخرَى تاسِعة!
{فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 72].
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُوداً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَنَجَّيْنَاهُم مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} [هود : 58].
{فَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ} [هود : 66].
{وَلَمَّا جَاء أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مَّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ}[هود: 94].
{قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ}[الأنعام :15- 16].
{إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِين. يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ. إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} [الدخان :40- 42].
ومِن رحمَة الله بالعُصاة أنَّه يتقبَّل مِنهُم التَّوبَة ويَغفِر لهُم ولَو بلَغت ذُنوبُهم عَنان السَّماء! وقَد كانَ الله قادِرا أن يُحدِّدَ نَصيبا مُعيَّنا مِن السَّيئات والمَعاصي يفتَح مَعه بابَ التَّوبَة؛ إن تعدَّاه المَرء وَجد بابَ الإنابَة دُونَه مُوصَدا كما تَفعَل بعض الشَّرائِع الأَرضيَّة! وقَد كانَ الله قادِرا أيضا أن يُصنِّفَ بعض المَعاصي في المَنطقة الحَمراء لا يَقبَل التَّوبَة والتَّنصُّل مِنها؛ ولكن الغفُور الرَّحيم فتَح باب الرُّجوع على مصراعيه بالنَّهار ليتُوبَ مُسيء اللَّيل، وباللَّيل ليتُوبَ مُسيء النَّهار ولا يُبالي! وهذه رَحمَة عاشِرة.
لنُنصِت لهذا النِّداء الوَدُود الحَنين لكُلِّ من كبَّلته ذُنوبُه وانغَمَر في لُجَّتِها واستَهوَته الشَّياطين في الأَرض حَيران: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ (55) أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلَى قَدْ جَاءتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (61) اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (62)} الزُّمر.
وأحسَن ما أختِم به هذا المَقال دُعاء المَلائِكَة للمُتَّقين المُستَغفرين في سُورة غافِر ففيه زُبدَة الكَلام وخُلاصَتُه لمَن أرادَ أن يذَّكَّر ويعُود إلى كِتاب ربِّه عَودا جَميلا قَبل أن لا تَنفع الظَّالمين معذرتُهم ولا هُم يُستَعتبُون!
{الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِن مَّقْتِكُمْ أَنفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ (11) ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَاءِ رِزْقاً وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ (13) فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)}غافر.
اللهم اجعَل لَنا حظا مِن دُعاء ملائكتِك الأطهار، واحشرنا مَع المُتقين الأبرار، وانأَ بِنا عَن سبيلِ الفُجَّار، إنَّك أنتَ العزيزُ الغفَّار!
والحمد لله ربِّ العالمين
شكوى مراهق من إدمان العادة السريَّة!!
ضربات اقتصادية موجعة بمجرد نوايا قلبية خبيثة!!
دعوة للتبرع
سؤالان : السؤا ل الأول ما أهمية فهم قواعد النحو فى...
الأحاديث المفيدة: الا تعتقد بان ولو اليسي ر مما قوله الرسو ل ...
القضاء و القدر: هل لك ان تكتب لنا عن عقيدة القضا ء والقد ر ...
الزواج من أمريكية: أريد الزوا ج من أمريك ية كانت لها علاقا ت ...
الايمان بالأحاديث: الأحا ديث التى توافق القرآ ن ؟ هل نؤمن بها ؟...
more
بسم الله الرحمن الرحيم
الاخ نسيم بسالم
السلام عليكم
وبعد,احيي جهودك في هذه المقاله الجميله لانك تمسكت بالقران المجيد في التصدي لفكره شائعه لم تتحرى الرشاد ولكني افهم
وجهة النظر التي تصر على ابقاء الباب مفتوحا للجميع ومنهم المتبنيين لتلك الفكره وبالاسباب المذكوره في القران الكريم والله اعلم.
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.