هل يفعلها مُبارك- استجابة لهيكل- فيدخل التاريخ؟
سعد الدين ابراهيم
Ýí
2009-10-24
طرح الأستاذ محمد حسنين هيكل، فى حوار صريح مع الأستاذ مجدى الجلاد (المصرى اليوم ٢١/١٠/٢٠٠٩) مجموعة من المُقترحات المُثيرة، للانتقال السلس من الفترة المُباركية (٢٨ عاماً) لمرحلة ما بعد مُبارك، على أن يُشارك فى تنفيذها الرئيس مُبارك نفسه، وعدد من أقطاب النظام، من المؤسسة العسكرية، وعدد من الرموز الوطنية، المشهود لها شعبياً بالحب والتقدير، وأن يتشكل من هؤلاء، ما أسماه هيكل بمجلس الدولة والدستور.
ورغم اختلافى م&Uace;ع هيكل فى الماضي، إلا أننى أحييه على هذه المُبادرة البناءة، والتى يجعلها جديرة بالالتفاف حولها عدة اعتبارات أهمها:
١ - أن الأستاذ هيكل كان شريكاً فاعلاً فى صياغة ودعم نظام ثورة يوليو ١٩٥٢، والتى يستمد منها النظام الحالى شرعيته التاريخية، حيث لا شرعية مُستقلة له، لا بالانتخاب الديمقراطى الحقيقي، ولا بإنجازات فذة من تلك التى رأيناها على يد عبد الناصر (الجلاء، تأميم القناة، السد العالي، تصنيع مصر، وإقرار قدر هائل من العدالة الاجتماعية)، أو تلك التى رأيناها على يد السادات (انتصار أكتوبر، والانفتاح الاقتصادى، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلى بمُعاهدة سلام)، ومن هنا يمكن لمُبارك أن يكون له إنجاز ديمقراطي، يُناظر به إنجازات سلفيه.
٢ - أن اقتراحات هيكل تأتى من شخص، كما يقول هو نفسه، قد تجاوز السادس والثمانين من العُمر، ولا يطمع فى سُلطة أو جاه. فهو يفعل ما يفعل من أجل مصر ومُستقبل أجيالها.
٣ - أن هيكل، بُحكم وعيه التاريخى وقراءته المُتعمقة للمشهد العالمي، يُدرك أن دنيا القرن الحادى والعشرين قد أصبحت قرية كونية صغيرة، تنتقل أخبار أى ركن فيها إلى الأركان الثلاثة الأخرى، خلال دقائق أو حتى ثوان. ولأهمية مصر إقليمياً ودولياً، فإنها دائماً تحت المجهر. وسيُتضاعف ذلك عدة مرات، إذا ظهرت بوادر قلاقل أو توترات مُصاحبة لعهد ما بعد مُبارك.
وربما تتدخل قوى خارجية فى شؤون مصر إذا ما لاحت بوادر صراع على السُلطة فى مصر. وقد رأينا مؤخراً، تدخلاً من هذا النوع فى جمهورية الصرب، ثم فى البوسنة، كذلك فإن أى انتخابات تشوبها الشكوك كما حدث فى زيمبابوى، وأفغانستان، وإيران، فإن شرعية النظام نفسه تصبح محل شك. وقد يؤدى ذلك إلى سحب أو تجميد الاعتراف بنتيجة الانتخابات، وربما النظام الحاكم كله.
٤ - فتح الأستاذ هيكل، ضمن اقتراحاته، ولو بشكل غير مُباشر، ملف المصريين فى الخارج، والذين قدّرهم هو نفسه فى الغرب وحده، بما يقرب من ٤٠٠.٠٠٠ شخص، هم خُلاصة الخُلاصة من الكفاءة والنبوغ فى شتى مجالات المعرفة، ولا بد من مُشاركتهم فى العمل العام، حتى وهم بعيدون عن مصر، حيث مقر إقامتهم فى الخارج. وآية ذلك أن ثلاثة من الذين رشحهم هيكل لعضوية مجلس الدولة والدستور، يعيشون ويعملون فى الخارج وهم د. محمد البرادعي، ود. أحمد زويل، ود. مجدى يعقوب. ويأتى فتح هذا الملف مُتزامناً مع دعوات المصريين فى المهجر إلى المُشاركة فى التصويت فى الانتخابات العامة بمصر أسوة بمُعظم ديمقراطيات العالم.
٥ - من المعروف عن الذين رشّحهم هيكل لعضوية مجلس الدولة والدستور، أنهم مثل الأستاذ هيكل فى زهدهم فى السُلطة، لا لأنهم كبار فى العُمر، ولكن لأنهم يتمتعون فعلاً بقدر هائل من الشهرة والاحترام، وليسوا فى حاجة إلى المنصب. فاثنان منهم حازا على جائزة نوبل للسلام، وهما أحمد زويل، ومحمد البرادعى. وثالثهم حائز على ما هو ربما لا يقل عن نوبل، وهو حُب وتقدير الناس وفخرهم بإنجازاته، وهو د. مجدى يعقوب.
٦ - ربما يُدرك الأستاذ هيكل، وأرجو أن يعود إليه تحديداً فى أحاديث قادمة، أهمية تعديل الدستور، وخاصة المواد ٧٦ و ٧٧ و٨٠.
فالأولى، تضع شروطاً تعجيزية للترشيح للرئاسة، والتى هى بوضعها الحالى تجعل الأمر شبه مقصور على الرئيس ونجله، وهو ما ارتبط فى مُعظم ما يرد فى الإعلام داخلياً وخارجياً بسيناريو توريث الحُكم على الطريقة السورية، أو الطريقة الليبية. وبقاء هذه المادة على حالتها المعيبة، يجعل من ترشيح بعض من ذكرهم هيكل أمراً مُستحيلاً. فأحد شروط المادة ٧٦ هو ألا يكون المُرشح قد حمل فى أى وقت من حياته جنسية بلد آخر، حتى لو تنازل عنها فيما قبل، أو فيما بعد.
وهو ما يعني، مثلاً، استحالة ترشيح أحمد زويل ومجدى يعقوب، أما المادة ٧٧ فهى تلك التى تبقى الباب مفتوحاً للاستمرار فى السُلطة إلى أبد الآبدين. ولا بد من تعديلها، بحيث لا يتجاوز أى رئيس فترتين مُتعاقبتين أقصاهما عشر سنوات. وأما المادة ٨٠ فلابد من إلغاء تعديلاتها المعيبة التى تقوض إشراف القضاء على الانتخابات العامة، فالعودة بها إلى ما كانت قد أقرته المحكمة الدستورية العُليا عام ٢٠٠٠ بعدم شرعية أى انتخابات لا تتم تحت الإشراف القضائى المُباشر. والمطلوب هو العودة إلى هذا النص.
٧ - فتح الأستاذ هيكل ملفاً آخر، غاية فى الأهمية، ولم يتحدث عنه كثيرون. وهو دور المؤسسة العسكرية فى صياغة المستقبل. ولا يخفى على أحد أنه رغم عدم الحديث العلنى، وحذر الصُحف من تناول دور هذه المؤسسة، إلا أنها أحد الأعمدة الرئيسية لشرعية النظام الحاكم منذ ثورة ١٩٥٢.
ورغم أن هيكل اقترب من الموضوع بحذره المعهود، حينما فرّق بين دورها فى تركيا ودروها فى مصر، فعلى كل من يُهمه الأمر أن يُدلى بدلوه حول هذا الموضوع، كما فى بقية ما طرحه هيكل من اقتراحات. ونحن من أصحاب الرأى، أن يكون الجيش والمحكمة العُليا مُجتمعين حاميين لمدنية الدولة والمجتمع.
٨ - وهو ما ينقلنا إلى إغفال دور القضاء وحُكم القانون فى مُقترحات هيكل. ونرجو أن يكون ذلك سهواً غير مقصود، وليس من رواسب عداء ثورة يوليو للقضاء، الذى كان يتمسك باستقلاليته، رغم ما وقع له فى ظل ثورة يوليو، وسمّاه أصحاب الشأن وقتها «بمذبحة القضاء».
فإذا كان هيكل يأخذ على الإخوان عزوفهم عن أى نقد أمين لذاتهم، ويأخذ على حزب الوفد استغراقه فى الانتقام من ثورة يوليو، فعليه هو أن يكون قدوة، وأن يقوم بنقد ذاتى أمين لمُمارسات ثورة يوليو، التى كان شريكاً أصيلاً، إن لم يكن فى القيام بها، فمن خلال قربه الشديد من الزعيم الراحل عبد الناصر، والمُشاركة المُكثفة فى صياغة خطابها وبرامجها فى السنوات العشرين التالية (١٩٥٢ـ ١٩٧٤).
٩ - تبقى الإجابة عن السؤال الذى وضعناه فى عنوان المقال... وهو هل يفعلها الرئيس مُبارك، ويستمع إلى ما يطرحه هيكل من اقتراحات؟ إن العدد الكبير من القرّاء، الذين علّقوا على حوار هيكل مع مجدى الجلاد إلكترونياً، هو دليل قاطع على حيوية وإلحاح مسألة المُستقبل، وتوجس الملايين فى مصر المحروسة مما يمكن أن تؤدى إليه فوضى المرحلة الانتقالية لما بعد مُبارك، من ويلات المجهول.. إن مُبارك إذا استجاب لروح ما ورد فى حوار هيكل والجلاد، فإنه سيدخل التاريخ من أوسع أبوابه.
لقد فعلها من قبل قادة عظام من أمثال جوليوس نيريرى فى تنزانيا، وليوبولد سنجور فى السنغال، ونلسون مانديلا فى جنوب أفريقيا. ولا تقل مصر مجتمعاً وثقافة، وحضارة، عن هذه الدول الأفريقية الشقيقة، والتى لم تكن موجودة على الخريطة حينما عرفت مصر أول ديمقراطية فى أفريقيا والعالم الإسلامى، فى عهد الخديو إسماعيل، فى أواخر القرن التاسع عشر (١٨٦٦).
أرجو أن يكون الرئيس مُبارك قد قرأ الحوار، بين هيكل والجلاد، وكذلك أن يكون قد قرأ هذا المقال!
اجمالي القراءات
11301