انفجار الأزهر الأخير
حين حاول السادات تشويه سمعة عبد الناصر بعد موته أطلق عليه كل وسائل الاعلام الحكومية فهدموا كل ما كان الاعلام الحكومى نفسه يفاخر به من قبل .شىء واحد لم يستطع السادات الاقتراب منه هو ذمة عبد الناصروطهارته المالية ونزاهته الشخصية ، أخيرا اضطر عثمان احمد عثمان الى أن يصبح مؤلفا ليجرح عبد الناصرفى نزاهته المشهود بها فكتب كتابا عن تجربته يزعم فيه ان نظام الحكم السابق "يقصد عبد الناصر" قد رضى ان يبنى له المقاولون العرب بيتا على نفقة الدولة ، أى أن ذمة عبد الناصرالناصعة قد تم تشويهها ببضعة عشرات الألوف من الجنيهات !!.
تخطى السادات القيادات العسكرية ليختار حسني مبارك نائبا له مرتكبا أعظم خطيئة فى حق مصر ومقدما لحسني مبارك اعظم خدمة لم يكن يحلم بها . رد مبارك الجميل للسادات سريعا بعد مقتله ، اذ قام بتشويه سمعة السادات فى قضية عصمت السادات وما يقال عن اختلاسات واستغلال نفوذ بلغ عدة ملايين من الجنيهات . كانت تلك القضية هي حفل التكريم الذى أقامه مبارك لنفسه فى رئاسته الأولى حيث قدم نفسه موصوفا بالنزاهة والطهارة. ماذا حدث بعدها بعشرين عاما لرئيس النزاهة والطهارة ؟؟
حكم مبارك مصر منفردا بقانون الطوارئ مستخدما الدستور الساداتي متمتعا بكل السلطات بدون ان يكون مسئولا امام أحد ، ورفض تعيين نائب له حتى يتوارث أبناؤه حكم مصر وثروتها . وتركزت سياسته الخارجية فى خدمة الغرب وأمريكا واسرائيل ، بينما تركزت سياسته الداخلية فى تشجيع ثقافة التطرف وتربية وحش الارهاب الى درجة معينة ليخيف المصريين وليجعل البديل له أسوأ منه حتى يرضى الناس بحكمه بديلا عن الارهابيين ، وليسوغ استخدام قانون الطوارىء للأبد وفى ظله أصبح التعذيب يمارس فى مصرممارسة منهجية عادية وفقا لما جاء فى شهادات دولية . الخطير ان ثقافة التطرف المعادية بالطبيعة للغرب والتى وطدها مبارك فى الأعلام المصرى وفى التعليم والثقافة والمساجد تقوم بتفسير كل الفساد والانحدارالذى يحدث لمصرفى عهده فى ضوء نظرية التآمر الاسرائيلي الأمريكي الغربي على مصر والمسلمين والاسلام . بالتالى يتم توجيه الغضب والاحباط ليس نحو مبارك ونظام حكمه ولكن نحو اسرائيل وأمريكا ، وبالتالى – أيضا – لا يوجد هناك داعى للاصلاح طالما ان العلل تأتى من الخارج وليس من الداخل ، ولهذا يتم وصم المصلحين بالعمالة للغرب واسرائيل ويتم اغتيالهم معنويا بالتشهير المستمر تمهيدا لاغتيالهم الجسدى ولاحباط الاصلاح حتى يستمر الوضع على ما هو عليه وينتعش الفساد أكثروأكثر ويتوغل ويتغول فى أمن واستقرار..
فى عصر مبارك وصلت مصر للحضيض سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتعليميا ورياضيا ودينيا مع افقارها بالديون فى نفس الوقت الذى يتم فيه النهب المنظم للثروة المصرية ونهب المعونات الخارجية . تحدثت صحيفة العربي الناصرى - مثلا - فى أواخرالتسعينيات ان عاطف عبيد وزير الخصخصة وقطاع الأعمال المكلف ببيع القطاع العام أو الثروة المصرية المملوكة للشعب المصرى قد أهدر مئات المليارات من الجنيهات فى بيع القطاع العام . ومفهوم ان هذا حدث للحصول على عمولات بعشرات المليارات لبيعها بأقل من قيمتها، وقد كوفىء على ذلك ليس بالمحاكمة والسجن ولكن بتعيينه رئيسا للوزراء مما يفهم منه انه كان ينفذ أوامرالرئاسة . ولاتزال نفس الصحيفة تتحدث حتى الآن عن سرقات تنسبها صراحة وضمنا الى مبارك تبلغ عدة مليارات اخرى . وتتحدث صحف أخرى منها " الشعب" المصادرة عن عمولات التسليح والميزانية السرية المفتوحة لرئاسة الجمهورية وميزانية وزارة الدفاع وكلها لا يمكن لمجلس الشعب مناقشتها . هذا بالاضافة الى المعونة الأمريكية السنوية التى وتى وصلت الى ما يزيد عن 90 مليارا من الدولارات فى حكم مبارك ، والمعونات الاخرى من دول عربية وغربية وسرقات الآثار وبيع الديون المصرية الخ .. الخ ....
ملف السرقات فى عهد مبارك تضخم الى درجة لم يعرفها التاريخ المصري أقدم تاريخ فى العالم . وقد تجرأت بعض الصحف المصرية على نبش بعض عناوينه مشيرة للرئيس نفسه باعتباره المسئول عنه فدفع صحفيون أشراف ثمن الاقتراب من نقد مبارك، منهم من تعرض لضرب البلطجية مثل جمال بدوى وعبد الحليم قنديل، ومنهم من دخل السجن مثل صحفيى جريدة الشعب التى تعرضت للاغلاق وتعرض حزبها للتجميد . ويتشوق الجميع الى مجىء حاكم بعد مبارك يفتح ملف السرقات كله بكل فواجعه ولذلك يحتاط مبارك مقدما بالتمسك بالتمديد والتوريث ليضمن بقاءه واسرته فى السلطة للحماية من العقاب .
أدركت أمريكا أخيرا بعد الحادى عشر من سبتمبر ان حربها ضد الارهاب لابد ان ترتبط باصلاح الشرق الأوسط سياسيا وثقافيا لأن الشباب المسلم الذى تمت تربيته على التطرف وكراهية أمريكا والغرب والذى أصبح من ضحايا الاستبداد والفساد قد تحول الى ضرب أمريكا والغرب تنفيسا عن احباطه فى الداخل. الاصلاح يعنى أنه لا توريث ولا تمديد بل يفقد مبارك عرشه ويتعرض للمساءلة عن كل جرائمه وهو ما لا يريده لذلك لابد أن يتمسك بالسلطة الى النهاية حتى لودمر مصر ومن عليها. فى الوقت نفسه أدى التحول الديمقراطي فى العالم ومظاهرات الحرية الى تشجيع المصريين على التظاهرضد التمديد والتوريث . وفى النهاية جاء انفجار الأزهر الأخير بعلامة فارقة تنبىء بامكانية تحول المظاهرات السلمية التى تستجدى الاصلاح الى عنف مدمر لا يعلم مداه الا الله تعالى.
هذا الحلقة المدمرة التى توشك مصر على ولوجها من المسئول عنها غير مبارك ؟
ذلك الشاب الضحيةهو رمز جيل مبارك ، الجيل الذى فقد الأمل فى وظيفة وزوجة وبيت وعمل ومستقبل وكرامة وعزة. عاش هذا الشاب حياته كلها فى عصرمبارك وفجر نفسه وشبابه الغض احتجاجا على هذا العصر الذى لم يشهد غيره . ذلك الشاب تعلم فى عصر مبارك تعليما مزيفا وأكل طعاما فاسداواستنشق مناخا ملوثا ، وتم تعليمه وتصنيعه ليكون قنبلة بشرية قابلة للانفجار فى أى لحظة فانفجرمضحيا بحياته مثيرا علامة فارقة فى هذا الوقت العصيب. هذا الشاب الضحية مع جيله المظلوم هو النصف الأول لانجازات مبارك. أما النصف الآخر من انجازاته فهوالتمديد لشخصه والتوريث لأبنائه. أما نحن وابناؤنا ومصر وحاضرها ومستقبلها وعراقتها فلا تساوى عنده الا مجرد ضيعة يملكها ويورثها لأبنائه وأحفاده.
لقد احتج الشعب سلميا قائلا فى بساطة :" كفاية" وجاء تفجير هذا المسكين نفسه ليقول للمتظاهرين انفسهم " كفاية استجداء". فتح المسكين بابا أخاف على بلدى منه وكم حذرت من الاقتراب منه . لقد انفقت أكثر من نصف عمرى فى مصارعة الثيران أى فى الالحاح على الأصلاح السلمى تخوفا من أن تقترب من هذا الباب حين يهب وحش التطرف صارخا مدمرا بعد أن يتضح للجميع ان لا فائدة من استجداء الاصلاح بالطرق السلمية. أخاف على مصر من انفجارات تالية وتدخل خارجى. ومبارك هووحده المسؤول .
أناشد فى المواطن المصرى المسلم محمد حسنى مبارك أن يتذكر القسم الذى أقسم عليه عند توليه الرئاسة بالمحافظة على مصر ونظامها الجمهورى ، وأن يتقى الله تعالى فى هذا الشعب الذى تحمل وصبرعلى الظلم طيلة عهده. أن الانسان لا بد ان يراجع نفسه عندما يبلغ الآربعين وفقا لما جاء فى القرآن الكريم فكيف اذا كان يقترب من الثمانين؟
اجمالي القراءات
21867