الحمد لله على هذا التناقض
الحمد لله على هذا التناقض
أ.د. عبد الرزاق منصورعلي
تتبع كل المخلوقات بشر-نبات-حيوان-جماد من أصغر ذره إلى أكبر مجرة قانونا موحدا هو قانون الأضداد أو التناقض أو الصراع، بل أن هذا القانون هو الحياة ولولاه ما كانت هناك حياه ولا وجود ولا كون من الأساس. وكيف هذا؟
قانون التسبيح: خلق الله تعالى كل المخلوقات من الاهتزازات التي تعتبر حركات متضادة متموجة أوموجات وكل موجه لها قمة وقاع (أضداد) وتتميز المخلوقات عن بعضها باختلاف سرعة الموجات المكونة لها وبالتالي تختلف المجالات (المدارات) التي تتحرك فيها هذه المخلوقات فكل مخلوق له مدار أوفلك خاص به. هذه الحركة الاهتزازية الموجية عبر عنها القرآن الكريم بكلمة يسبحون من سبح وسباحه -(إِنَّ لَكَ فِي النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا) المزمل7- - أما يُسَبِّحُ بتشديد حرف الباء فتعني المبالغة في السباحة وامتدادها لتصبح شكل دائرة (وكل في فلك يسبحون) يس40 -وكما قال فيثاغورث عالم الرياضيات بأن الدائرة هي شكل هندسي اكتمل بنيانه- إذن ما معنى يُسَبِّحُ المذكورة في آيات القرآن مثل قوله تعالى (يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)- تعني أن كل شيء في هذا الكون من مخلوقات "نعرفها أو لا نعرفها صغيره أو كبيره"تتبع قانونا موحدا في حركتها وسلوكها- وما هو مفهوم هذا القانون؟ ٳنه قانون التسبيح الموحد أو حركة الصراع والتضاد والذي يمكن فهمه كالتالي:
احتكاك الرياح يولد زوبعة تتطو إلى أن تصير إعصارا هائجا، ينتقل بقوة رياحه الدائرية واتجاه دورانه يكون عكس اتجاه عقارب الساعة
-كل كوكب من كواكب المجموعة الشمسية يدور حول نفسه بعكس اتجاه عقارب الساعة وفي نفس الوقت يدور حول الشمس، وفي الاتجاه المعاكس لعقارب الساعة، ومنها بطبيعة الحال كوكب الأرض الذي يدور مرة حول الشمس خلال سنه، كما يدور أيضا حول نفسه دورة كاملة خلال (24) ساعة، وتأتي كلتا الدورتين عكس اتجاه عقارب الساعة
تنبت سيقان (العنب مثلا) وتبحث عن شيء تلتف حوله لتمكنها من شد نفسها، وتقوم بدورات متتالية حول نفسها، ولا تتوقف عن الدوران إلا إذا وجدت ما تشد نفسها إليه، والمثير في هذا الأمر أن اتجاه دورانها يعاكس اتجاه عقارب الساعة
العنكبوت الصغير يبدأ بتثبيت الخيوط العرضية والأفقية لتكون الدعامات الأساسية لشبكته، ثم يتحول للخيوط المركزية في عملية حلزونية بادئا بالمركز ومنطلقا نحو الخارج، في دوران مستمر بالاتجاه المعاكس لعقارب الساعة،
لوفكرنا بمقاييس مجهرية، -وهي الذرة فكافة هذه الأجزاء في حركة دائمة والإلكترونات تدور دون توقف حول النواة على عكس اتجاه عقارب الساعة- يقول علماء الفيزياء أن محصلة الحركة عكس اتجاه عقارب الساعة (أي من الشمال لليمين) تولد موجات طاقة موجبة أما الحركة في اتجاه عقارب الساعة (من اليمين للشمال) فتكون محصلة حركة الدوران هو موجات سالبه
الكهرباء ماهي ٳلا حركة الإلكترون في اتجاهين متضادين ولولا هذا التناقض في حركته لما وجدت هذه القوى الكونية (الكهرباء -الجاذبية -القوه النووية الضعيفة -القوه النووية القوية للذرة), وبالتالي يصبح الكون عدما لأن هذه القوى الأربع هي القوى الأساسية لبناء الكون كما أثبتت الفيزياء- ورياضيا فعدم وجود التضاد يلغي كل الحسابات والأرقام الرياضية لأنه لن يتبقى الا رقم واحد هو الصفر- نستنتج إذن أن التسبيح هو المبدأ الموحد الذي يحكم حركة الصراع في بنية الكون الأساسية الفيزيائية والحسابية الرقمية وتوابعها- نأتي للأشياء الأكبر لنرى التضاد والصراع في جسم الانسان وتقسيمه ما بين يمين ويسار وأعضاؤه وأنسجته الداخلية لا تخلو من هذا التقسيم مثل الفص الأيمن والأيسر للمخ- الجسم أيضا في الحيوان قد يزيد التضاد في بعض الحيوانات ليشمل أمامي وخلفي. والنبات صنوان وغير صنوان (وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ) الرعد4-
نأتي للمعاني: السراء والضراء- (الذي خلق الموت والحياة) - (فألهمها فجورها وتقواها) – (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا) الحج40-الخۗ
- نستخلص إذن أن قانون حركة الأضداد (التسبيح) هوعمل حركي موحد تتبعه كل المخلوقات وليس قولا تنطق به الألسن (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ). أي أن الله عليم بما يفعل من يسبح لله في السماوات والأرض والطير الصافات. نلاحظ أن الله وصف التسبيح بالفعل وليس القول عكس ما يفهمه معظم الناس.
السجود: تطلق كلمة السجود على عملية إتباع قانون التسبيح الموحد ولذلك جاءت كلمة "ما" التي تفيد عموم المخلوقات عاقله أو غير عاقله بعد السجود (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِن دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ) النحل 49- وتدبر معي تناغم قانون التسبيح معالسجود في قوله تعالى (ولله يسجد من في السماوات والأرض طوعا وكرها وظلالهم بالغدو والآصال) والتضاد في: السماوات والأرض- طوعا وكرها- الغدو والآصال- وسجود "من" للعاقل يقابله سجود "ظلالهم" لغير العاقل. وللتقريب فان "من" تطلق على الشخص العاقل أما ظلال أو صورة هذا الشخص فتعتبر غير عاقله. من خلال فهم التسبيح يتضح أن:
1- قانون حركة الأضداد والتناقض هو مبدأ واحد وأساس خلق الكون وأن عدم وجود هذا المبدأ يعني عدم وجود الكون والحياة من الأصل (وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ)،البقره252- قانون واحد بهذه الخطورة والثبات والاستقرارويميز كل المخلوقات يعني أن من وضعه وخلقه هوخالق وإله واحدا- وحدة قانون الوجود والخلق يعني وحدة الخالق أي أنه استحالة وجود شريك لله الخالق في تصميم وتدبيرخلق هذا الكون.وإلا حدث العكس أي حدث انهيار وفساد الكون كله- وهذا لم نشاهده ونعاينه على أرض الواقع (لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا ألله لفسدتا فَسُبۡحَٰنَ ألله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء22- أي لفسدت السماوات والأرض وخرجت عن نظامهم البديع، الذي لا خلل فيه ولا اضطراب.
2- من الناحية الرقمية الحسابية يستحيل أن يكون هناك خالقا آخر غير الله جل وعلا. وكيف هذا؟ نقول إن تصميم بناء الكون على الأضداد يعني أن وجود وحركة كل ضد مرهونة ومتوقفة على وجود الضد الآخر أي أن عدم وجود الأضاد أوإِختلال نظامهم وحركتهم سيؤدي لتعادلهم حسابيا وتكون المحصلة صفرا وبالتالي لن تكون هناك أرقام وحسابات وسيلغى وجود الكون من أساسه- ولله المثل الأعلى نضرب مثالا للتقريب: عندما تقوم بإجراء عمليه حسابيه على الآله الحاسبة فأنت تضغط بإصبعك لوحدك لكي يتم اجراء الحسابات بشكل صحيح ودقيق، فلوافترضنا أن جاء صديقك لكي يساعدك بضغط إِصبعه هو الآخر على نفس الآلة الحاسبة فماذا تكون النتيجة؟ بالتأكيد سيحدث ِإِختلال في التنسيق والضغط على الآلة مما يسبب انهيارا للمنظومة والحسابات.
3- وجود هذا القانون الموحد وتطبيقه بهذه الدقة وعدم الاختلال يستلزم الحمد والتقدير لمن وضعه وهو الخالق الواحد الأحد وبما أنه واحد فالحمد لابد أن يكون واحدا ولا يكون الا لله فقط. وهذا يعني أن الحمد هو حصري ومقصور على رب العالمين (الحمد لله رب العالمين)- أما الثناء والشكر فليس حصريا لله، بل يمكن أن تشكر أي أحد يستحق الشكر (ِوان من شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)
اجمالي القراءات
1648