قراءة فى كتيب الأول والآخر جل جلاله
قراءة فى كتيب الأول والآخر جل جلاله
المؤلف خالد بن محمد السليم والكتيب يدور حول اسمى الله الأول والأخر وقد تحدث المؤلف عن أن الله سمى نفسه بهما فى القرآن فى مقدمته فقال :
"تمهيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فسمى الله بهما نفسه في نص واحد من النصوص القرآنية، قال تعالى: (هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم) وورد في السنة عند مسلم من حديث أبى هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين واغننا من الفقر):
والحديث لا تصح نسبته للنبى(ص) لأنه يحدد لله جهات هى الفوقية والتحتية وهو بذلك يشبه الله بالخلق وهو ما نفاه الله بقوله:
"ليس كمثله شىء"
كما أنه لو أخذناه على ظاهره لكان مناقضا لقوله تعالى:
" وكان الله بكل شىء محيطا" فلو أخذنا الإحاطة على المعنى الشائع لكان الله فى كل الجهات
وفسر السليم اسم الأول فقال :
"والأول سبحانه هو الذي لم يسبقه في الوجود شيء، وأولية الله تقدمه على كل من سواه في الزمان، ومن حديث عمران رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، ثم خلق السماوات والأرض، وكتب في الذكر كل شيء) "
والخطأ التعبير عن الأسبقية بالوجود فالله هو الواجد ولا يوصف بأنه وجود لأنه من أوجد الوجود فهو الواجد
والخطأ الأخر هو تقدمه فى الزمان والزمان لم يوجد إلا مع وجود الوجود وهو السموات والأرض كما قال تعالى:
" إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا يوم خلق السموات والأرض"
ولو قلنا بوجود الزمان معه لكان معه قديم أخر وهو الزمان
ورتب السليم على اسم الأول كل ما يسمى بصفات الله فقال :
"واسم الله الأول يدل باللزوم على الحياة والقيومية، والسمع والبصر والعلم، والمشيئة والقدرة والعلو والغنى والعظمة فهو لا يحتاج إلى غيره في شيء، وهو المستغني بنفسه عن كل شيء "
وأدخل السليم نفسه فى المتاهة فقال بأوليته فى كل شىء يوصف بالكمال فقال :
"ومن الأولية أيضا تقدمه سبحانه على غيره تقدما مطلقا في كل وصف كمال وهذا معنى الكمال في الذات والصفات في مقابل العجز والقصور لغيره من المخلوقات فلا يدانيه ولا يساويه أحد من خلقه لأنه سبحانه منفرد بذاته ووصفه وفعله، والأولية وصف لله وليست لأحد سواه"
والكمال أمر مختلف فيه فهناك كمال فى حق الخلق دون الخالق مثل الانجاب ومثل اختلاف التكوين نفس وجسد ومثل التواضع ومثل الذل كما فى القول" أذلة على المؤمنين "
وأعاد أولية المخلوقات وهى الأشياء لله فقال :
"كما أن الأولية في الأشياء مرجعيتها إلي الله خلقا وإيجادا وعطاء وإمدادا، وقال: (كما بدانا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين) وقال: (قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم) "
ثم تحدث عن معنى الآخر فقال:
"والآخر سبحانه هو المتصف بالبقاء والآخرية فهو الآخر الذي ليس بعده شيء الباقي بعد فناء الخلق (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون) "
والآية فهمها الرجل خطأ فالناس لا يفنون بعد الحساب فهم مخلدون لا يذوقون فى الجنة والنار الموت كما قال تعالى:
"لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى "
فالآخر تفسيرها الحى الذى لا يموت ثم قال :
"الدائم الباقي الحي القيوم الذي تموت الخلائق ولا يموت كما قال تعالى (كل من عليها فان * ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام)"
والآية كالسابقة فهمها الكثيرون خطأ فوجه الله المراد به هنا الجنة والنار الخالدتين بما فيهما من ناس كما قال تعالى :
"ما عندكم ينفد وما عند الله باق"
ثم قال :
"وقد ثبت في الصحيح عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد ألا كل شيء ما خلا الله باطل)"
والكلمة التى قالها لابد إن عنى بباطل مضادها الحق فخطأ لأن الحق موجود مع المسلمين سواء كان المقصود وحى الله أو عملهم الصالح وإن عنى بها زائل فالكلمة كاذبة فالجنة والنار ومن فيهما لا يزولان ثم حثنا عن معنى الأخر من زاوية اخرى فقال:
"ومن معاني اسم الله الآخر أنه الذي تنتهي إليه أمور الخلائق كلها كما ورد عند البخاري من حديث البراء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم
قال: (اللهم أسلمت نفسي إليك وفوضت أمري إليك وألجات ظهري إليك رهبة ورغبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك) "
والحديث ليس دليل على ما قاله السليم فلا ذكر للأخروية التى ذكرها فى نص الحديث وكان الأفضل أن يستشهد بقوله تعالى:
" إلى مرجعكم " أو " ألا إلى الله تصير الأمور"
ثم قال :
"فأحاطت أوليته وآخريته بالأوائل والأواخر وما من أول إلا والله قبله وما من آخر إلا والله بعده فالأول قدمه والآخر دوامه وبقاؤه , فسبق كل شيء بأوليته , وبقي بعد كل شيء بآخريته فهو الأول في آخريته , والآخر في أوليته"
وتحدث عما يترتب على الاسمين من الأعمال فقال :
"الآثار:
منها: معرفة العبد غنى الرب من كل وجه بذاته وصفاته، وأن كمال أوصافه أيضا أولي بأولية ذاته؛ فلم يكتسب وصفا كان مفقودا أو كمالا لم يكن موجودا، كما هو الحال بين المخلوقات في اكتساب أوصاف الكمال.
ومنها: إذا علم المسلم أن أصله من طين وله بداية ونهاية وحياة إلى حين؛ أيقن أن ما قام به من الحسن مرجعه إلى رب العالمين، وأن الفرع لا محالة سيرجع إلى أصله كما ذكر الله تعالى في قوله: (إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون)
وقال تعالى: (وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه وله المثل الأعلى في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم)
ومنها: اعتراف العبد أن الفضل كله من الأول والآخر سبحانه وليس من نفسه ولا أحد سواه
قال ابن القيم: " فعبوديته باسمه الأول تقتضي التجرد من مطالعة الأسباب أو الالتفات إليها , وتجريد النظر إلى مجرد سبق فضله ورحمته , وأنه هو المبتدئ بالإحسان من غير وسيلة من العبد إذ لا وسيلة له في العدم قبل وجوده؛ فأي وسيلة كانت هناك وإنما هو عدم محض وقد أتى عليه حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا , ووسمك بسمة الإيمان وجعلك من أهل قبضة اليمين فعصمك عن العبادة للعبيد وأعتقك من التزام الرق لمن له شكل وندية , ثم وجه وجهة قلبك إليه سبحانه دون ما سواه فاضرع إلى الذي عصمك من السجود للصنم وقضى لك بقدم الصدق في القدم أن يتم عليك نعمة هو ابتدأها وكانت أوليتها منه بلا سبب منك , وعليك بالمطالب العالية والمراتب السامية التي لا تنال إلا بطاعة الله فإن الله سبحانه قضى أن لا ينال ما عنده إلا بطاعته ومن كان لله كما يريد كان الله له فوق ما يريد فمن أقبل إليه تلقاه من بعيد , ومن تصرف بحوله وقوته ألان له الحديد , ومن ترك لأجله أعطاه فوق المزيد , ومن أراد مراده الديني أراد ما يريد واقصر حبك وتقربك على من سبق فضله وإحسانه إليك كل سبب منك , بل هو الذي جاد عليك بالأسباب وهيأ لك وصرف عنك موانعها وأوصلك بها إلى غايتك المحمودة , فتوكل عليه وحده وعامله وحده وآثر رضاه وحده واجعل حبه ومرضاته هو كعبة قلبك التي لا تزال طائفا بها مستلما لأركانها واقفا بملتزمها فيا فوزك ويا سعادتك إن اطلع سبحانه على ذلك من قلبك ماذا يفيض عليك من ملابس نعمه وخلع أفضاله , فمن نزل اسمه الأول على هذا المعنى أوجب له فقرا خاصا وعبودية خاصة "
ومنها: التحقق بمعرفة اسم الله الآخر يوجب صحة الاضطرار وكمال الافتقار
يقول ابن القيم:" وعبوديته باسمه الآخر تقتضي أيضا عدم ركونه ووثوقه بالأسباب والوقوف معها فإنها تنعدم لا محالة وتنقضي بالآخرية ويبقى الدائم الباقي بعدها. فالتعلق بها تعلق بعدم وينقضي , والتعلق بالآخر سبحانه تعلق بالحي الذي لا يموت ولا يزول؛ فالمتعلق به حقيق أن لا يزول ولا ينقطع بخلاف التعلق بغيره مما له آخر يفنى به. كذا نظر العارف إليه بسبق الأولية حيث كان قبل الأسباب كلها وكذلك نظره إليه ببقاء الآخرية حيث يبقى " فكما كان واحدا في إيجادك فاجعله واحدا في تألهك إليه لتصح عبوديتك , وكما ابتدأ وجودك وخلقك منه فاجعله نهاية حبك وإرادتك وتألهك إليه لتصح لك عبوديته باسمه الأول والآخر وأكثر الخلق تعبدوا له باسمه الأول وإنما الشأن في التعبد له باسمه الآخر فهذه عبودية الرسل وأتباعهم فهو رب العالمين وإله المرسلين سبحانه وبحمده "
وقال "ويجعل المرجعية في فعله إلى ما اختاره لعبده، لعلمه أن الله عز وجل مالك الإرادات ورب القلوب والنيات، يصرفها كيف شاء، فما شاء أن يزيغه منها أزاغه، وما شاء أن يقيمه منها أقامه، قال تعالى: (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب) وهو الذي ينجي من قضائه بقضائه، وهو الذي يعيذ بنفسه من نفسه، وهو الذي يدفع ما منه بما منه، وما شاء لم يستطع أن يصرفه إلا مشيئته وما لم يشأ لم يمكن أن يجلبه إلا مشيئته؛ فسبحان من لا يوصل إليه إلا به، ولا يطاع إلا بمشيئته، ولا ينال ما عنده من الكرامة إلا بطاعته، ولا سبيل إلى طاعته إلا بتوفيقه ومعونته، فعاد الأمر كله إليه، كما ابتدأ الأمر كله منه، فهو الأول والآخر، والكل مستند إليه إبداعا وإنشاء واختراعا، وخلقا وإحداثا، وتكوينا وإيجادا، وإبداء وإعادة وبعثا، فله الملك كله، هو الأول بلا أول كان قبله، والآخر بلا آخر يكون بعده"
ومنها: أن يظهر أثر الاسم على سلوك العبد فيظهر من محبة الأولية في طلب الخير، وطلب الأسبقية في التزام الأمر، وحرصه على المزيد والمزيد من الأجر، قال تعالى في وصف عباده الموحدين:
(أولئك يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون) وقال سبحانه أيضا: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغبا ورهبا وكانوا لنا خاشعين) فتجد توحيد الله في اسمه الأول باديا على العبد عند مداومته على الصلاة في أول الوقت، عملا بما ورد عند البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل قال: (الصلاة لوقتها وبر الوالدين ثم الجهاد في سبيل الله) وكذلك حرصه على الصف الأول ومجاهدة الآخرين في استباقهم إليه، فقد ورد عند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)
ومنها: التوجه إليه وحده وعدم التفات القلب لغيره فكما أن كل الذوات فانية وزائلة إلا ذاته تعالى وتقدس فكذا لن يبقى إلا ما أريد به وجهه وكل ما كان لغيره يضمحل وهو أحد التفسيرين في قوله (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)
فكل الأعمال أخبر بأنها باطلة إلا ما أريد به وجه الله تعالى من الأعمال الصالحة المطابقة للشريعة أستغفر الله ذنبا لست محصيه رب العباد إليه الوجه والعمل
ومنها: أن تجعله وحده غايتك التي لا غاية لك سواه ولا مطلوب لك وراءه، فكما انتهت إليه الأواخر وكان بعد كل آخر فكذلك اجعل نهايتك إليه، فإن إلى ربك المنتهى، انتهت الأسباب والغايات فليس وراءه مرمى ينتهي إليه طريق كما يقول ابن القيم.
ومنها: أن العبد إذا علم أنه من جملة من كتب الله عليهم الفناء دعاه ذلك إلى أن يبادر بالتوبة قبل أن ينزل به ما لا طاقة له على دفعه ويقوده ذلك إلى التسليم له سبحانه حين يقضي على العبد بفوت صفقة , وخسار تجارة؛ ويتمثل قول الشاعر:
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة ***** فكيف آسى على شيء إذا ذهبا.
ولا يتسخط على الرب في قضائه حيمنا يقضى على حبيب له بموت قد كتبه على الخلائق أجمعين
روى ابن أبي الدنيا في كتاب التفكر والاعتبار كان بن عمر إذا أراد أن يتعاهد قلبه يأتي الخربة فيقف على بابها فينادى بصوت حزين فيقول أين أهلك ثم يرجع إلى نفسه فيقول، (كل شيء هالك إلا وجهه له الحكم وإليه ترجعون)
ومنها: الدعاء بهما كما ورد عند مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا آوى إلى فراشه قال: (اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شيء، فالق الحب والنوى، ومنزل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقض عنا الدين واغننا من الفقر) "
وكل ما قاله الرجل هو ضرب من الإنشاء فنحن لا نفكر فى الله فى كل اسم بمفرده وإنما نتعامل معه على أنه واحد ونفكر على أنه واحد ومن ثم يترتب على اسم الله كل ما يترتب على الأسماء التى سمى بها كلها ومن ثم على ما يتناول الألفاظ التى تطلق على الله ألا يذكر حكاية الآثار المترتبة فلا يوجد إلا يفكر فى ذلك إلا من له فى نفسه هدف أخر وهو هدف غالبا هدف غير نبيل
اجمالي القراءات
2908