يتكرر من القراء تعليقاً على كلماتي سؤال "وما هو الحل؟". الحقيقة أنني لا أعرف حلاً لهذه الحالة المتدهورة المستعصية، ولقد كففت منذ زمن يأساً وعجزاً عن البحث عن حل. لكنني أهدي المصرين على البحث عن حل هذه الأسئلة، التي يتحتم الإجابة عليها، قبل أن يصبح من الممكن الأمل في إجابة عن تساؤل "وما هو الحل؟".
أول الأسئلة هو سؤال الحرية، وإن كنا بالفعل نريد مجتمعاً حراً، أم نعد الحرية كفراً وانفلاتاً للنصف الأسفل من الجسد؟
السؤال الثاني عن علاقتنا بالعالم وعلاقته بنا، هل هي علاقة ترصد ومؤامرات وفضح للمؤامرات، أم هي كسائر علاقات الشعوب ببعضها، فيها التعاون والتكامل والمنافسة الشريفة؟
السؤال الثالث هو شكل الهيكل الاقتصادي لبلادنا، وهل يجب أن يكون وفق النسق الراهن للاقتصاد العالمي الحر، أم أننا نريد اقتصاداً خاصاً لشعب من العجزة، يحتاج دوماً للرعاية الخاصة، كتلك التي يجدها مرضى غرف العناية المركزة؟
*****
في قضية جزيرتي خليج العقبة يظهر انعدام الحس السياسي لدى المسؤولين. فالقضية كما قالوا تبحثها لجنة فنية منذ خمس سنوات، وكان آخر اجتماع لها في 2015، فلماذا ننتظر حتى نقر بما توصلت إليه اللجنة أثناء زيارة ملك السعودية لمصر، ليبدو الأمر أمام الشعب وكأنه هدية من رئيس جمهورية مصر إلى أخيه الشقيق ملك السعودية، أو كأن العملية ليست اعترافاً بحق، وإنما عملية بيع وشراء للأرض المصرية؟!!
أظن وليس كل الظن إثم أن موضوع اعتراف مصر بملكية السعودية لجزيرتي صنافر وتيران واحد من الأمثلة، التي تفرز "المعارض الجاد" الموضوعي، من "المعارض اللدود" الذي يقف من كل ما يصدر عن الحاكم موقف الشاجب المندد، وكأنه في حالة عداء شخصي موتور لشخص الحاكم، وليس "معارضاً موضوعياً"، يقول للحاكم أصبت إن أصاب وأخطأت إن أخطأ.
قضية الجزيرتين قضية موضوعية، لا مجال فيها لاختلاف الرؤى السياسية. . هما جزيرتان سعوديتان، والمزايدة على الدولة فيها تبدو انتماء لمعارضة مهووسة، إن لم تصدر عن جهل بأوليات القضية. . احتراماً للنفس ولمواقع التواصل الاجتماعي التي صار منبراً للرأي الحر، أتمنى أن يدقق كل قادر على القراءة والفهم في الرؤى التي يتبناها، حتى لا يصير مزمراً ومطبلاتياً في سوق عكاظ، كما هو حال الكثيرين ممن يفترض أنهم محسوبون مفكرين محترمين، بخصوص موضوع جزيرتي تيران وصنافير. . فلنحترم أنفسنا حتى نجبر الحاكم الذي نعارضه على احترامنا
!!
*****
حاجة الإنسان للتدين لا تأتي فقط من احتياجه إلى إله يتعبد له، لكنها أيضاً وربما بالأساس حاجة إنسانية اجتماعية. فالإنسان ذلك الحيوان الاجتماعي يحتاج الانتماء إلى جماعة، يحقق في ظلها ذاته، التي تنمو عبر العلاقات الاجتماعية. هكذا يكون تمسك الإنسان بدينه يتضمن التمسك بجماعته، التي يحقق له انتماؤه إليها الاستقرار الاجتماعي والسيكولوجي. أيضاً ذهاب المؤمنين لدور العبادة لا يكون فقط لتقديم طقوس العبادة للإله، لكن أيضاً لالتقاء المؤمنين معاً حول ما يجمعهم. لذا عرفت المسيحية المعابد، رغم أن المسيح حث المؤمنين بقوة على الصلاة الفردية داخل المخادع، ونلاحظ أن دخول المسيح للهيكل وطرده التجار من ساحته حدث وفق مقولته "بيتي بيت الصلاة يدعي وأنتم جعلتموه مغارة لصوص"، يأتي بتجاهل العامل الثاني غير الصلاة الذي يذهب الناس من أجله للمعبد، وهو اجتماعهم ببعضهم البعض، ما يتطلب بالتبعية وجود التجار الذين يبيعونهم ما يحتاجون إليه. لذا رغم موقف المسيح هذا، نجد الكنائس والأديرة تضم أسواقاً خاصة للمؤمنين، بل وتضم خدمات تعليمية وطبية واجتماعية. كما تلعب المعابد مسيحية وإسلامية الآن في بلاد المهجر بالنسبة للمصريين دور مؤسسات اجتماعية تضمهم، وتوفر لهم المساندة السيكولوجية والاجتماعية. الدين هكذا رابطة اجتماعية للمؤمنين، وربما هذا ما يعطيه لدى الشعوب الأقل تطوراً قوة وثباتاً، يتعدى حدود ثبات الإيمان بمقولاته
.
اجمالي القراءات
7095