القرضاويّ وبن لادن يوضعان في قفص واحد
في التّعليق على بيان اللّيبراليّين العرب، الذي طالبوا فيه بإنشاء محكمة دوليّة لدعاة الإرهاب، كتب الأستاذ خالد شوكت مقالا في جريدة إيلاف الموقّرة، ينتقد فيه هذا البيان في 16 نقطة، رأينا أن نناقشه في بعض ما جاء فيها، متجاهلين ما تشابه منها، وما كان منها لا يمتّ إلى البيان بصلة، بل هو من باب النّضال السّياسيّ والخصومة مع النّظام التّونسيّ.
ما يلفت انتباهنا بادئ ذي بدء، بعد قراءة هذا المقال، هو أنّ الأستاذ الكريم لم يقرأ البيان جيّدا قبل انتقاده، فهو يتكلّم عن جريمة الإرهاب المادّيّ، لا عن جريمة التّحريض على الإرهاب من خلال مؤسّسة الفتوى كما ورد في البيان، وهو كذلك ينظر إلى البيان باعتباره يقف ضدّ الإسلاميّين ككلّ، بمختلف توجّهاتهم وأساليبهم النّضاليّة، بينما كان البيان موجّها أصلا للفقهاء الذين يستخدمون الدّين ويوجّهون مقولاته نحو العنف وسفك الدّماء.
بعد هذا التّوضيح، لنتناول ما ورد في هذا المقال :
1/ يرى كاتب المقال أنّ توقيت البيان غير مناسب، لأنّ من شأنه أن يساهم في تمييع قضيّة الدّيمقراطيّة، باعتبار أنّ الظّاهرة الإرهابيّة هي نتاج وجود أنظمة قمعيّة في جلّ الدّول العربيّة، وأنّ إقامة نظام ديمقراطيّ في هذه الدّول ينزع عنها مسبّبات تفشّي هذه الظّاهرة.
أعتقد أنّ هناك لبسا في فهم البيان، كما أسلفت، لدى الأستاذ شوكات، لأنّه تكلّم عن ظاهرة العنف التي يقوم بها أفراد أو جماعات من المجتمعات العربيّة، لشعورهم بالغبن والظّلم والتّهميش، لذلك فهم يتّخذون من الأعمال العنيفة وسيلة للتّعبير عن رفضهم للحالة المعيشيّة والتّسلّط السّياسيّ.
غير أنّ البيان يتكلّم عن فقهاء الإرهاب الذين يستخدمون الفتوى من أجل إقصاء الآخر وقتل المختلف، وفي كثير من الأحيان من أجل القتل العشوائيّ أو ما يسمّى بالإرهاب المحض. وهؤلاء الفقهاء في الغالب الأعمّ يغشون بلاط الحكّام ويتمتّعون بامتيازات عمائمهم من أموال الخزينة العامّة.
من ناحية أخرى، كيف يمكن للكاتب أن يتصوّر تحقّق الدّيمقراطيّة في مجتمع تعشّش فيه الفتوى، إذا كانت الدّيمقراطيّة تعرّف بأنّها حكم الشّعب، وبأنّ لكلّ مواطن صوتا واحدا، وأنّ الوطن لجميع المواطنين، وأنّ الدّستور والقوانين التي تحكم المجتمع تشرّع من قبل ممثّلي الشّعب وباسمه؟ فكيف يستقيم كلّ ذلك مع مؤسّسة الفتوى التي قد تشرّع للنّاس في ما يخالف القانون الوضعيّ، بحيث توجد تحت كلّ عمامة قبّة برلمان تفتي وتشرّع وتحرّض. فيضحي الفقيه الفرد مؤسّسة تلغي كافّة مؤسّسات المجتمع المدنيّ وتحاول إخضاع المجتمع برمّته إلى مرجعيّة ماورائيّة، تكفّر كلّ مرجعيّة بشريّة، حتّى وإن تواضعت عليها الأمّة بأكملها، وهذا ينطبق على كلّ أدبيّات الإسلام السّياسيّ. إذا كان هذا هو الحال، فليشرح لنا السّيّد شوكات كيف أنّ للدّيمقراطيّة أن تنشأ في مجتمع مثل هذا؟ وهل أنّ إقامة المجتمع الدّيمقراطيّ تقتضي استئصال مؤسّسة الفتوى، أم العكس هو الصّحيح؟
2/ كتب الأستاذ شوكت أنّ إعلان هذه المبادرة في هذا التّوقيت لا يفيد غير الأنظمة المستبدّة التي قد تتخذ منه ذريعة لمحاربة المعارضين السّياسيّين بدعوى محاربة الإرهاب. وهنا يحقّ لنا أن نسأل الكاتب : في حال عدم صدور هذا البيان، هل سيكفّ الحكّام عن فعل ما تتخوّف منه، وهل ما جرى ويجري منذ عقود من الجور والطّغيان في العالم العربيّ كان متخفّيا وراء إعلان أو بيان مشابه؟
3/ يذهب الكاتب إلى أنّ هذا البيان ستستفيد منه السّياسة الأمريكيّة في مقاومة الجماعات الإرهابيّة وتعزيز استخدام الوسائل الأمنيّة في مواجهتهم، بدل تبنّي مقاربات ناضجة تتمثّل في مساعدة الدّيمقراطيّين العرب على إدراك غاياتهم النّبيلة. والسّؤال الذي يمكن أن نطرحه هو : إذا لم يصدر هذا البيان، فهل ستحجم السّياسة الأمريكيّة عن ملاحقة الإرهابيّين الذين يهدّدون أمن الولايات المتّحدة ومصالحها في العالم؟ هذا الاستقراء لا يستقيم ويجافي أبجديّات الاستراتيجية الدّوليّة والسّياسات الأمريكيّة المعتمدة. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإنّ اللّيبراليّين العرب الذين أصدروا هذا البيان لا ينتظرون الدّيمقراطيّة المنزّلة بطريقة سحريّة، أو تلك التي تفرض لرغبة قطب عالميّ، وإنّما يسعون ويكافحون لإيجاد مجتمع مدنيّ علمانيّ، يمكّن النّاس من التّقدّم على درب الحرّيّة والدّيمقراطيّة، لذلك يحاولون تمهيد الطّريق من خلال نزع الألغام النّكوصيّة المعوّقة للحداثة، وعلى رأسها الفتاوى الإرهابيّة ودعاتها.
4/ يقول الكاتب إنّ مشروع الدّعوة إلى إنشاء محكمة دوليّة خاصّة بالإرهاب يبدو شبيها بإقامة الدّعاوى القضائيّة في مصر ضدّ بعض المفكّرين اللّيبراليّين أمثال نصر حامد أبو زيد وغيره، حيث يجري تحويل الخلافات الفكريّة إلى أروقة المحاكم.
ونحن نقول للأستاذ شوكات إنّ تشبيهه مغلوط لأنّ تلك الدّعاوى التي أقامها الفقهاء وأعوانهم ضدّ المفكّرين الأحرار كانت ترمي إلى التّشهير بهم توطئة لتصفيتهم جسديّا، بعد حكم المحكمة بتصفيتهم معنويّا. ثمّ إنّ القصد من وراء هذا البيان هو وضع حدّ لمثل هذه المحاكم التي عانى ويعاني منها هؤلاء المفكّرين الذين كانوا دوما ضحايا لهذه الفتاوى التي ترميهم بالكفر والخروج عن الملّة وعدم الإيمان بما هو معروف من الدّين بالضّرورة.
فإذا لم تقم المحاكم في دعاوى الحسبة بما أراد الفقهاء، سخّر هؤلاء للمتّهم مؤمنا محتسبا ينفّذ فيه إرادة الفقيه الذي تقمّص وجه الإله المكفهرّ، مثل ما حصل مع المرحوم فرج فودة.
فسبحان اللّه كيف تستطيعون أن تلبّسوا الباطل لباس الحقّ، وتضعوا خنجر المجرم في كفّ الضّحيّة!
ثمّ إنّ هذا البيان ليس دعوة لقتل هؤلاء الفقهاء، ولا لتفريقهم عن زوجاتهم، ولا إجبارهم على ترك أوطانهم إلى المنافي، وإنّما هو مطالبة بوسيلة حضاريّة للحدّ من سطوتهم وتسلّطهم على النّاس، ومحاولة للتّقليل من خطرهم العابر للقارّات والدّول.
فإذا تمّ تبنّي هذا البيان، وغدا قانونا دوليّا، فإنّه سيكون وسيلة ناجعة للرّدع العامّ عن ارتكاب هذه الجرائم اللاّإنيسانيّة، أمّا إذا تجرّأ أحد على خرقه، فإنّه ينقلب إلى ردع خاصّ ، فيتمّ إنزال العقوبة على هؤلاء الفقهاء جزاء وفاقا لما قارفوا من ترويع البشر.
5/ أمّا ما ذكره الكاتب من معرفته للأستاذ العفيف الأخضر، وكيف أثّر بمواقفه الرّاديكاليّة على المفكّر شاكر النّابلسيّ والوزير جواد هاشم بجرّهما إلى تبنّي النّظريّة الأمنيّة المحضة، فكلّ ما نعرفه عن الأستاذ العفيف أنّه مفكّر حرّ لم يدع في يوم من الأيّام إلى قتل أحد ولم يصادر أو يدع إلى مصادرة أيّ رأي، وإنّما كان ولا يزال مواطنا في جمهوريّة الفكر التي لا تعرف النّظريّات الأمنيّة، ولم تتسرّب إليها أموال البترول حتّى تجنّد حرّاسا على النّوايا والأفكار.
6/ أمّا قول الكاتب إنّ البيان وضع كلّ التّيّارات الإسلاميّة في بوتقة واحدة وحكم عليها بشكل عامّ، فهذا قلب للحقائق، وأدعو الكاتب إلى إعادة قراءة البيان الذي لم يتناول أيّ تيّار إسلاميّ، وإنّما حدّد مطالبه في ملاحقة فقهاء الإرهاب فقط، أولائك الذين يحرّضون بفتاواهم على قتل الخصوم والمختلفين، أي أولئك الفاعلين المعنويّين لجرائم القتل.
7/ أمّا تجنّي البيان بوضع أسامة بن لادن والشّيخ القرضاويّ في سلّة واحدة، فنحن نتّفق فيه معك، لأنّنا نريد وضعهم في قفص اتّهام واحد لا في سلّة واحدة، نظرا إلى أنّ الحريص على القتل الفرديّ والجماعيّ والقاتل هما ملّة واحدة، ويجب أن يخضعوا إلى نفس القانون العقابيّ حتّى يكفّروا عمّا اقترفوه بقدر ولوغهم في الجريمة.
إنّ القرضاويّ عندما يعلن بأنّ مصائب الأمّة متأتّية من عدم تطبيق حدّ الرّدّة على العلمانيّين، إنّما يقصد تحريض نصف العرب على قتل نصفهم الآخر حتّى تتحقّق العدالة على الأرض ويدخل النّاس في دين اللّه أفواجا. هل هذا فكر يا سيّدي أم محض إجرام؟
8/ أمّا اتّهام الكاتب اللّيبراليّين العرب بتبنّي نظريّة الإقصاء والاستئصال، فهذا غير صحيح، ذلك أنّ اللّيبراليّين هم الذين يعانون من الإقصاء والاستئصال منذ عقود، بواسطة فتاوى الإرهاب ومحاكم التّفتيش، وأعداء الحرّيّة من فقهاء وقتلة. إنّ اللّيبراليّ لا يمكنه أن يقصي أحدا، فهو دوما على استعداد للنّقاش والمجادلة، وهي الأسلحة الوحيدة التي في حوزته ويجيد استعمالها، غير أنّنا لسنا بصدد الحديث عن فكر في مواجهة فكر، وإنّما نحن في مواجهة إيديولوجية دينيّة متعصّبة، تمثّل اللّه على الأرض وتحتكر تفسير وتأويل النّصوص المقدّسة وتطويعها للاستعمال السّياسيّ. فكيف يمكنك أن تحاور شخصا يصوّب مسدّسا إلى رأسك، وكيف يمكنك أن تجادل فقيها يطلق عليك رصاص التّكفير، وأحيانا قبل أن تبدأ النّقاش معه.
هنيئا لك أيّها اللّيبراليّ حتّى النّخاع في صحبتك لهؤلاء المحرّضين على قتل البشر وتدمير المجتمعات، ودعواك لهم إلى كلمة سواء تفتح بينك وبينهم بالحقّ!
هنيئا لك بهذا الانتحار على الطّريقة اللّيبراليّة!
اجمالي القراءات
14683
أود التعليق على الفقهاء الذين يتحدثون باسم السماء ـ إنهم فعلا يريدون أن يقتل نصف العرب نصفه الآخر ـ وهناك فتوى شهيرة تم اختراعها فى عصر تدوين التراث ـ تبيح للحاكم أو الإمام حسب تسميته أنذاك ـ أن يقتل ثلث الرعية لإصلاح حال الثلثين ـ وهذا القتل ليس فيه أى خلاف فى الرأى بين هذا الثلث الذى سيحكم عليه بالإعدام وبين الحاكم أو الإمام ـ
فما بالنا لو حدث اختلاف فى الرأى أو الفكر أو العقيدة .. فإنهم من السهل أن يفتوا بقتل المجتمع كله وهم متيقنون ان فى ذلك صلاح امر المجتمعات الإسلامية ..