سؤال : الثورة أم الفوضى؟
ما يحدث في منطقة الشرق الأوسط الآن، هل هو انتفاضة وثورة شعوب ترفض الواقع سعياً لما هو أفضل، ودخلت في معرض ذلك حالة صراع اجتماعي سياسي ثقافي، لابد وأن ينتهي بانتصار الشعوب التواقة للحرية والحداثة، على غرار ما حدث مثلاً بالثورة الفرنسية؟
مع الأسف لا نرى وجهاً لأن نجاوب بنعم على هذا السؤال، لكننا لا ننكر على الإجابة بنعم أي قدر من الصحة، إذ نرى لها من الصحة قدراً، وإن كانت ضئيلاً نسبياً، بحيث لا يعد مؤثراً في تشكيل الملامح الميدانية العامة للحالة الشرق أوسطية.
يبدو لنا ما يحدث أقرب لتصدعات وانهيارات أنظمة اجتماعية وسياسية وثقافية، تحت تأثيرات فشلها الذاتي، الذي وصل إلى مداه الأقصى، وآن أوان سقوطه الدراماتيكي المروع. يحدث هذا تحت تأثير عوامل الفشل والتفسخ الداخلي، وأيضاً بتأثير ضغوط العالم والعصر، ذلك العالم الذي غيرت ملامحه بما لا يقاس، ثورات التكنولوجيا والمعلومات ووسائل المواصلات والاتصالات، بحيث تساقطت الأسوار والحدود بين ما هو داخلي بشع التخلف، وما هو خارجي فائق التطور، ويشكل صدمة حضارية وجودية، لشعوب طال بها الركود والعجز وغيبوبة الدوجما.
في كافة البقع المشتعلة الآن بالصراع، في العراق وسوريا واليمن وليبيا، وبدرجة أقل حدة في مصر وتونس، ونظن أن الدور سيأتي قريباً على السعودية وسائر دول الخليج (ربما باستثناء الإمارات)، يحدث الصراع بين مكونات وعناصر ذات النظم التي كانت أو مازالت قائمة، وبين المكونات الشعبية التي عاشت وتعايشت، ويصح أن نقول أنتجت تلك النظم. أنظمة حكم ديكتاتورية بوليسية، وتيارات إسلامية بمختلف أطيافها، بدءاً بالمدرسة الأم جماعة الإخوان المسلمين، مروراً بالسلفيين والجهاديين بتنظيم القاعدة وحتى دولة الخلافة الإسلامية داعش، وعلى الهامش نخب عروبجية ويسارجية، تتعلق بأذيال التيارات الإسلامية، لمجرد البقاء طافية على سطح الأحداث، دونما وزن حقيقي لها وفق أي مقياس أو معيار لموازين القوى. هذا بخلاف الأقليات العرقية، التي عاشت طوال الوقت تحت نير الأنظمة السياسية الشمولية وقهرها، ونير المجتمعات التي شاعت فيها النزعات العنصرية العرقية والمذهبية الوهابية. هي بالإجمال مكونات عتيقة فقدت صلاحيتها، هذا بافتراض أن ثمة صلاحية كانت لها في أي عصر مضى، تقتتل فيما بينها، في غياب أي مكونات يمكن وصفها بالحداثية والمتوافقة مع العصر. لذا لا يحق لنا التطلع لأن ينتج لنا الصراع الدائر الآن في النهاية، ولو بعد عدة عقود، تلك النهاية السعيدة التي يأملها البعض، من عالم جديد، ورؤى قادرة على الحياة، متناغمة مع الحضارة العالمية المعاصرة. إن صح ما ذهبنا إليه، فلن يخلف الصراع الدائر الآن سوى الرماد والخراب. هو في الأغلب الأعم ليس سؤال الثورة والحداثة، وإنما سؤال الفشل والانهيار والفوضى.
اجمالي القراءات
10704