ج 2 ف1 :التوسل بالأولياء كصلاة للصوفية تخالف الاسلام

آحمد صبحي منصور Ýí 2015-02-13


  كتاب (التصوف والحياة الدينية فى مصر المملوكية )

 الجزء الثانى :  العبادات فى مصر المملوكية  بين الإسلام والتصوف               

 الفصل الأول :أثر التصوف فى شعيرة الصلاة  فى مصر المملوكية

التوسل بالأولياء كصلاة للصوفية تخالف الاسلام

1- الدين بما فيه من توسل وعبادة ومعاملة مع البشر يجب أن يكون خالصا لله جل وعلا : ( فَاعْبُدْ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) (3)( قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (11) (قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصاً لَهُ دِينِي (14) الزمر ). والاخلاص يعنى أن لا تكون هناك وسائط بين العابد وربه جل وعلا ، فاتخاذ الوسائط والأولياء والتوسل بهم للتقرب إلى الله زلفى أمر ينافي إخلاص الدين لله تعالى .وإذا أخلص انسان دينه لله – عقيدة و عبادة دعوة وصلاة وشعائر وتعاملا مع الناس – فلا مجال لأى انسان مقدس في عقيدته، وحق الله عنده أكبر الحقوق وأجلها وأعظمها . لذا كان من البديهي أن تبدأ الصلاة والآذان بقول المسلم (الله أكبر).، فهو جل وعلا ( الأكبر ) وليس معه معبود غيره ، لأنه جل وعلا لا خالق للمخلوقات غيره.

أما المشرك فهو يكره من المسلم إخلاص دينه لله جل وعلا : ( فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (14)غافر ) لأن هذا المشرك قد تبدد إخلاصه بالشوائب فتتعدد الآلهة أمام عينيه ، ويقصدها بالتوسل كي تتوسط له عند الله متناسياً أن الله تعالى قريب من عباده ، يقول تعالى  (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) (186) البقرة ). بل إن الله أقرب إلى الإنسان الحي من حبل الوريد حتى لا تخفى عليه خافية من هواجس النفس البشرية (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (16)  ق )، هذا فى الحياة ، وهو أيضا عند الاحتضار:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتْ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (85) الواقعة ). ذلك المشرك الذي يترك الله تعالى القريب منه ويتوجه إلى غيرالله بالتقديس والعبادة والدعاء والتوسل إنما يتدنى بنفسه إلى عبادة الشيطان ، فهو الذي يوحي إليه بذلك ويزين له أنه على حق في اتخاذه للأولياء وأنه بذلك يحسن صنعاً .. (أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِنْ دُونِي أَوْلِيَاءَ إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلاً (102) قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً (105) ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُواً (106) الكهف )، فالشيطان هو الذي جعلهم يعتقدون أنهم يحسنون صنعاً باتخاذ البشر أولياء وتقديسهم ، لذلك يصف رب العزة جل وعلا تلك القبور المقدسة بأنها رجس من عمل الشيطان.  أي من تدبيره (  يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90): المائدة ). ويؤكد جل وعلا على إجتنابها : (  فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30) الحج )، ومع هذا التأكيد على ( رجسية ) القبور المقدسة إلا إن المحمديين يحجون اليها ويعكفون عليها ، واشهرها القبر المنسوب زورا للنبى محمد والقبور المنسوبة زورا للحسين وأخته زينب بنت على ، والصحابة والأولياء وائمة الشيعة . يتفوق المحمديون ( سنة وشيعة وصوفية ) على أتباع كل الأديان الأرضية فى عبادة القبور والموتى ، ثم يتطرفون فى تحريم  التصوير والنحت والتماثيل العادية ، يعتبرونها كفرا وشركا. وهذا خبل عقلى مضحك .!

2- وقد حرص الصوفية على أن يتمثل فى التوسل كل خشوع وتذلل يتقدم به المريد أمام الأضرحة الصوفية ، حتى أن فقيهاً صوفياً طالما أنكر على الصوفية وانحرافاتهم في عصره سلم بهذه العقيدة الصوفية – عقيدة التوسل، وطالب بها زائري الأضرحة وعبُادها ، وهو بذلك يعبر – لا عن نفسه فحسب –  بل عن العصر،يقول ابن الحاج العبدرى عن الأولياء المقبورين : ( يتعين على الزائر قصدهم من الأماكن البعيدة ، فإذا جاء إليهم فليتصف بالذل والإنكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والإضطرار والخضوع ، ويحضر قلبه وخاطره إليهم وإلى مشاهدتهم بعين قلبه لا بعين بصره ، لأنهم لا يبلون و لا يتغيرون .. ثم يتوسل إلى الله تعالى بهم في قضاء مآربه ومغفرة ذنوبه)[1].

ويهمنا أن ابن الحاج ذلك الصوفي المعتدل لم يملك الا بالتسليم بالعقيدة الأساسية لدين التصوف الذي يؤمن به، وأن اشتراط الذل والإنكسار والمسكنة والفقر والفاقة والحاجة والإضطرار والخضوع وحضور القلب والخاطر وعين القلب – كل ذلك أكبر مما هو مطالب به المسلم في صلاته لله ، فلم يرد في القرآن الكريم بشأن الصلاة بعد المحافظة عليها إلا طلب الخشوع فيها كما جاء فى إفتتاحية سورة ( المؤمنون ). فابن الحاج وقع فيما تردى فيه الصوفية من تفضيل للولي على الله .. تعالى عما يقولون علواً كبيراً..

ويتجسد ذلك التفضيل في مقارنة التوسل بالصوفي بالصلاة لله تعالى ،فالمسلم مهما كان تقياً فإن صلاته لا تخلو من شرود وسهو ونسيان ، أما الصوفي عابد الأضرحة فيقف أمامها وكله انتباه وخشوع وتخشع وانكسار وتوسل واضطرار وتزلف..

وسبق أن ذكرنا أن بعض الصوفية اعتبر الخشوع في الصلاة الإسلامية بلاءاً عظيماً في الوقت الذي يعبر فيه صوفي معتدل كابن الحاج عن هيئة العابد الصوفي أمام الضريح بشتى صفات الفقر والاحتياج والذل والإنكسار، بل إن الشعراني صرح بأن الهدف من التوسل هو منع المريد من الإلتجاء لله تعالى ، فهى إذن حرب لله تعالى في سبيل سلب أكبر كمية من التقديس الواجب لله تعالى ،يقول الشعراني (المريد إذا مرض ولم يعده شيخه يحصل له الأسف في نفسه ويحول باطنه إلى الإعتماد على الله تعالى ، بخلاف ما إذا عاده أصحابه ، فإنهم ربما يحجبونه عن الإلتجاء إلى الله تعالى في مثل ذلك). وقد عد الشعراني من المنن مداواته بعض المريدين للأشياخ الآخرين إذا مرضوا فلم يزرهم شيوخهم[2].  ، وذلك حتى لا يلجأ المريد لله تعالى .

3- والتوسل بالولي الصوفي ركن أساس وهام في العقيدة الصوفية ، بل هو عمودها وبدايتها ، وقد سبق أن ذكرنا أن التوسل بدأ مع بداية التصوف الأولى  فمعروف الكرخي كان نصرانياً فتصوف وادعى الإسلام وأصبح رائداً في الطريق الصوفي ،وقد قال لتلميذه السري السقطي :(إذا كانت لك حاجة إلى الله تعالى فأقسم عليه بي)[3].  ,أنه وقع على عاتق الغزالى فى القرن الخامس الهجرى إختراع الصيغة المناسبة للتوسل بالولى الصوفى ، أى الصلاة اليه ـ فوجد ضالته فى صناعة حديث مزور ينسبه للنبى عليه السلام ، فزعم أن صوفيا ظل يتمرغ فى التراب يلوم نفسه قائلا : أجيفة بالليل بطّالة بالنهار ، وتمضى الاسطورة بأن يلقى النبى فيقول له النبى : أما لقد فُتحت لك أبواب السماء ولقد باهى الله بك الملائكة ، ثم قال لأصحابه : تزودوا من أخيكم ، فجعل الرجل يقول له : يا فلان ادع لي ، فقال النبي (ص) عمَهم فقال الرجل :اللهم  اجعل التقوى زادهم واجمع على الهدى أمرهم فجعل النبي (ص) يقول : اللهم سدده فقال الرجل : اللهم اجعل الجنة مآبهم) [4].  ويقول العراقي في تصحيح سند هذا الحديث : (هو منقطع أو مرسل ولا أدري من طلحة هذا)[5]. أى إنه حديث لا أصل له ، أى إخترعه الغزالى نفسه ، ولم ينقله عن آخرين . ومن حيث المتن نقول إن هذا الحديث ذكر مصطلحات صوفية لم تكن معروفة في عصر الرسول عليه السلام مثل (بطال) ( أى عاطل عن العمل ) . مع وجود الجو الصوفي في تعذيب النفس بلا مبرر، والتوسل بذلك الذي تمرغ في الرمضاء بدافع صوفي هو مجاهدة النفس.  ومع أن النبى محمدا نفسه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فكيف يملك هذا الحق شخص من عامة المسلمين لم يجرؤ الراوي الكاذب على أن يطلق عليه إسماً.. ثم كيف يتوسلون به فى عصر النبى والنبي موجود معهم والإسلام يمنع التوسل بالنبي؟ ألا يعبر ذلك عن عقيدة الإتحاد الصوفية التي تفضل الولي الصوفي على الرسل والأنبياء؟؟

وقد يلجأ الغزالي إلى أقاصيص الصوفية التي تنبىء بالتوسل وعلم الصوفي بالغيب كقول ابن علوان ( كنت قائماً ذات يوم أصلي فخامر قلبي هوى طاولته بفكري حتى تولد منه شهوة الرجال فوقعت إلى الأرض وأسود جسدي كله ، فاستترت في البيت فلم أخرج ثلاثة أيام وكنت أعالج غسله في الحمام بالصابون فلا يزداد إلا سواداً ، حتى انكشف بعد ثلاث ، فلقيت الجنيد وكان قد وجه فأشخصني من الرقة فلما أتيته قال لي : ما استحييت من الله تعالى ، كنت قائماً بين يديه فساررت نفسك بشهوة حتى استولت عليك برهة  فأخرجتك من بين يدي الله تعالى فلولا أني دعوت الله لك وتبت إليه عنك للقيت الله بذلك الذنب ، قال فعجبت كيف علم بذلك وهو ببغداد وأنا في الرقة).وعلى هذا فالجنيد علم الغيب وكشف المستور وأن إبن علوان هذا إحتلم وهو يصلى فإسودّ جلده ، فما كان من الجنيد إلّا أن توسط لدى الله تعالى ــ بزعمهم ــ حتى انقشع اللون الأسود عن مريده . كل ذلك والجنيد في بغداد والمريد في الرقة لم يخطر بباله أن الجنيد يعلم بحاله.

 ثم يومىء الغزالي للتوسل ويسنده حتى لخدام الصوفية في الربط يقول (خدام الصوفية في الربط يخالطون الناس بخدمتهم وأهل السوق للسؤال منهم – أى التسول منهم – كسراً لرعونة النفس واستمداداً من بركة دعاء الصوفية المتصرفين بهممهم إلى الله تعالى )[6]



[1]
المدخل جـ1/ 125 : 126.

[2]لطائف المنن 319 الطبعة القديمة.

[3]الرسالة القشيرية 15.

[4]إحياء جـ4/ 347.

[5]إحياء جـ4/48.

[6]إحياء جـ2/212.

اجمالي القراءات 7332

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2006-07-05
مقالات منشورة : 5131
اجمالي القراءات : 57,304,866
تعليقات له : 5,458
تعليقات عليه : 14,839
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : United State

مشروع نشر مؤلفات احمد صبحي منصور

محاضرات صوتية

قاعة البحث القراني

باب دراسات تاريخية

باب القاموس القرآنى

باب علوم القرآن

باب تصحيح كتب

باب مقالات بالفارسي



فيديو مختار
د. أحمد صبحى منصور: لحظات قرآنية 447 : يسعون فى القرآن معاجزين