من الشك إلى اليقين:
تأثير الشك الديكارتي على بعض الشخصيات الشهيرة

لطفية سعيد Ýí 2014-09-20


شخصيات شهيرة اتخذت االشك الديكارتي  منهجا  للوصول إلى اليقين ، سواءعن قصد منهم أو بدون قصد ، وسوف نتناول  ثلاثة أمثلة فقط للتدليل على فكرتنا ، وبحسب الترتيب الزمني : الفيلسوف جون لوك ،  والدكتور طه حسين ، والدكتور أحمد صبحي.  وسنبدأ بجون لوك  :

 أشهر من تأثر بالمنهج الديكارتي : أحد أبرز  زعماء الفكر والحرية الفيلسوف / جون لوك ، الذي لا ينكر تأثره بديكارت ويعترف بذلك في رسائله  فيقول ( إن الفضل في تحرره من الطريقة القديمة التي كانت تتبعها الفلسفة  المدرسية في معالجة مشكلات المدرسية والتي كانت سائدة في عصره  إنما كان يرجع الى كتابات ديكارت ومؤلفاته ، وقد تأثر به في عدة نواحي نذكر منها علي سبيل المثال 
في طريقة البحث ومدى ملائمة العقل الانساني وقدرته على مناقشة أسرار الطبيعة
- في المعرفة الحدسية وهى واضحة يقينية بالنسيبة لكل من لوك وديكارت. .. الا ان لوك قد عارض ديكارت في كثير من أفكاره الرئيسية وخاصة في نقده للمعرفة الفطرية التي كان يتباناها ديكارت فمن ديكارت في كلمات موجزة ؟

 رينه ديكارت :  فيلسوف ورياضي وفيزيائي فرنسي ، صاحب المقولة الشهيرة (أنا أفكر  !ذن أنا موجود ) ،يلقب بـ"أبو الفلسفة الحديثة"، وكثير من الأطروحات الفلسفية الغربية التي جاءت بعده، هي انعكاسات لأطروحاته، والتي ما زالت تدرس حتى اليوم ومنهج  الشك  منهجي عند ديكارت ، لأنه  لا يستخدمه إلا كوسيلة للوصول إلى يقين أول واضح بذاته  ، ولا يأخذ الشك موقفاً نهائيا له. يقول ديكارت: «يجب النظر إلى كل ما يمكن أن يوضع موضع الشك على أنه زائف ولا يقصد ديكارت بذلك الحكم تزييف كل شئ، أو بزيف كل ما يوضع محل الشك ، بل يقصد أنه لن يقبل بأي شئ على أنه حقيقى ما لم يخضع لامتحان الشك  ،الذي يستطيع به الوصول إلى شئ يقيني عن طريق برهان عقلي. وهو يذهب إلى أننا سوف نتمكن من التأكد من صحة ويقين أشياء كثيرة ومنها العلوم بعد أن نمارس خطوة الشك، وليس ذلك إلا لأننا تمكنا من تأسيسها على أسس من اليقين والوضوح العقلي. ولذلك فهو عندما يضع موضع الشك كل العلوم بما فيها الرياضية والهندسية فليس ذلك إلا بغرض تأسيسها على أسس يقينية واضحة. والحقيقة أنه يقوم بذلك بالفعل ابتداء من التأمل الرابع، حيث يثبت يقين العلم الطبيعي من منطلق أنه في العقل فكرة واضحة ومتمايزة ويقينية عن الامتداد الذي هو جوهر العالم الطبيعي  .

ومن أوضح من استخدم المنهج الديكاترتي في النقد كان الأديب طه حسين  وأستاذه أبو العلاء ، واشتهر التلميذ بـ قضية انتحال الشعر الجاهلي .. بكل بساطة اكتشف الدكتور طه حسين بأن هناك دلالات قوية تشير إلى أن الشعر الجاهلي تمت كتابته بعد الإسلام .. وهو يدرك خطورة ما يقول كأستاذ باحث متعمق .. قامت الدنيا ولم تقعد وطعنوا  ليس فقط فيما وصل إليه بحثه لكن في دينه .. ماذا أخافهم لهذه الدرجة من قضية الانتحال ؟ ولماذا وقفوا بكل حزم وشدة وصرامة.. لأن فتح هذه القضية سيفضح ما حاولوا عبر أجيال من النفاق طويلة كتمانه من انتحال احاديث ونسبتها للنبي محمد عليه السلام ، وانتحال تاريخ مشرق لشخصيات إسلامية.....(

يقول الأستاذ حسونة المصباحي  عن طه حسين :».

 ( اتهام بالكفر

(في عام 1914، أعدّ طه حسين رسالته الجامعيّة الأولى، وكانت عن أبي العلاء المعري، الشاعر الفيلسوف الذين جعل من الشكّ مذهبا في الحياة، والذي حُرمَ أيضا نعمة البصر.. غير أن بعض شيوخ جامع الأزهر الذين كانوا يكنّون العداء لطه حسين، هاجموا الكتاب بشدّة متّهمين صاحبه بـ"الكفر والإلحاد".

وقد كتب أحدهم يقول: "إن طه حسين- جنى على أبي العلاء فأخرجه من دين الإسلام". وردّ طه حسين على خصومه ردّا مفحما قائلا إنه لم يكن يبتغي من خلال كتابه أن يخرج من الإسلام أحدا، ولا أن يدخل فيه أحدا، وإنما كان هدفه هو التصوير الدقيق لأبي العلاء ولحياته وأدبه وعصره وفلسفته. وكانت العاصفة التي أثارها كتابه عن أبي العلاء لا تزال على أشدّها عندما غادر طه حسين مصر متوجّها الى فرنسا لاستكمال دراسته الجامعيّة.

وبسبب الحرب الكونيّة التي كانت قد اندلعت في السنة المذكورة، كان على طه حسين أن يمضي سنة في مونبيلييه، أجبر بعدها على العودة إلى بلاده بسبب الأزمة الماليّة الخانقة التي كانت تعاني منها الجامعة المصريّة. ومن جديد شنّ هجومات على شيوخ جامع الأزهر، منتقدا بحدّة طرقهم العقيمة في التدريس، فزادهم ذلك حقدا عليه. وبفضل تدخّل ومؤازرة المتعاطفين معه من أصحاب السّلطة والنفوذ في الجامعة المصريّة، تمكّن طه حسين من الحصول من جديد على منحة دراسيّة، فانطلق إلى باريس ليبدأ مرحلة جديدة في حياته، وفي مسيرته العلميّة والفكريّة.

 )"في الشعر الجاهلي"

صدر كتاب "في الشّعر الجاهلي" عام 1926. ومن خلاله أراد طه حسين اعتمادا على عقلانيّة ديكارت، طرح الأسئلة حول العديد من القضايا المتّصلة بالتراث الجاهلي في مجال الشعر بالخصوص، مشكّكا في المسلّمات واليقينيّات، معيدا النّظر في كل ما كان يعتبر من الحقائق التي لا تقبل الشكّ، والدّحض والسّؤال قائلا: "أمّا أنا فلا أقدّس القدماء، وإنّما أنظر إليهم كما أنظر إليك، وإلى نفسي. وأعلم أنهم مثلي ومثلك يجدّون ويمزحون.. يحسنون ويسيئون". كان غرض طه حسين من كلّ ذلك، الثّورة ضدّ الجمود الفكري، وضدّ تقديس كلّ ما هو قديم في الثقافة العربيّة، وهو ما كان سائدا حتى ذلك الوقت. كما كان غرضه أيضا تحرير الفكر من القيود التي تمنعه من طرح الأسئلة، وزعزعة المسلّمات فاصلا بذلك الدين عن العلم فلا سلطان على العلم إلاّ العقل!

وكانت تلك الجرأة التي أظهرها طه حسين في كتابه المذكور اعتمادا على ما سمّاه بـ"التجديد العقلي" كافية لكي تشعل نار معركة حامية بينه وبين شيوخ الأزهر، والرجعيّين من رجالات الأدب والفكر. وبسرعة فائقة توالت الرّدود على كتاب "في الشعر الجاهلي" من خلال كتب ورسائل عديدة يمكن أن نذكر منها، "تحت راية القرآن" لمصطفى الصادق الرافعي و"الشّهاب الرّاصد" لمحمد لطفي جمعة، و"نقد الشعر الجاهلي" لمحمد فريد وجدي، و"نقض الشعر الجاهلي" للتونسي محمد الخضر حسين الذي كان آنذاك شيخا مدرّسا في جامع الأزهر.. وقد تضمّنت العديد من الردود اتّهامات لطه حسين بالكفر والإلحاد والمطالبة بمحاكمته، وحرق كتابه "المسيء للإسلام وللقرآن الكريم".

ورغم أن طه حسين سعى إلى إقناع خصومه والمناوئين له بأن شكّه بالشعر الجاهلي لا يعني شكّه بالدين، بل كتب إلى مدير الجامعة مؤكّدا له أنه "مسلم يؤمن باللّه وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر"، فإن المعركة ضدّه وضد كتابه ازدادت اشتعالا متسبّبة في أزمة سياسيّة. لذلك وجدت السّلطات نفسها مجبرة على منع الكتاب من التداول ليجد طه حسين نفسه معزولا ومجبرا على الاستقالة من الجامعة ليعيش فترة عصيبة وهو صامت على مضض.

مع ذلك، كان هناك من انتصر لكتاب "في الشعر الجاهلي" ولصاحبه. ويرى سامي الكيّالي أن النقطة الأساسيّة التي عالجها طه حسين في كتابه المذكور "ليست شكّه في أكثريّة الشعر الجاهلي، ولا تعرضه لتلك النقطة الدينيّة الحسّاسة التي أقامت الدنيا عليه – دنيا الرجعيّة المتزمّتة – بل هي التّمهيد للحريّة المطلقة لكي تشيع في البحوث الأدبيّة".

وللتحرّر من قيود الجامعة، توجّه طه حسين للكتابة في الصحف والمجلاّت مدافعا عن حريّة الفكر والرأي، وعن قيم التقدّم والرقي، راغبا في أن تتحرّر الأجيال الصّاعدة، وهي تقرأ مقالاته وتعليقاته، من الأفكار الرجعيّة، ومن التزمّت الديني، فمن دون ذلك لن تتمكّن مصر من الخروج من ظلمات الماضي لكي تكون لها المكانة اللاّئقة بها تحت سماء العصر الجديد. وفي تلك المقالات لم يكن طه حسين يكفّ عن المطالبة بإحياء الجوانب المشرقة في الثقافة العربية القديمة. وفي ذلك كتب يقول: "إنّ النهضة الأولى التي ظهرت في القرن الثاني عشر في أوروبا إنّما هي نتيجة اتّصال أوروبا بالعرب. فأدبنا هو الذي أحْيَا العقل الأوروبي حتى جاءت النهضة الثانية التي اتصل فيها الأدب الأوروبي بالأدب اليوناني القديم. فلو لم يكن للأدب العربي إلاّ أنه قد حمل لواء الأدب الإنساني، والعقل الإنساني في عشرة قرون لكان هذا كافيا للاعتراف بأن هذا الأدب من الآداب التي تعتزّ بنفسها، وتستطيع أن تثبت لصروف الزمن ) انتهى ..

ونستطيع أن نقرر أن الشك الديكارتي ليس شكا من أجل الشك فقط  ، بل هو خطوة في سبيل الوصول إلى اليقين ، لكن إلى أي حد يمكننا أن نستخدم طريق الشك هذا ؟ أتحدث  عني  أولا ، ( فكل منا يسأل فقط عن طائره الذي يراه مكتوبا  ، قال تعالى : (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً (13) اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (14) الإسراء حدوده عندي فيما  كتبه البشر من كتابات وأبحاث وعلوم ونظريات جديدة وقديمة ... أما ما أرسله رب العزة إلى البشر عن طريق رسالات سماوية فهذه لا يمكن أن تخضع للتجربة البحثية إلا ما رحم ربي.. ...

ثالثا الدكتور أحمد صبحي :

على أن بعض الكتاب القرآنيين قد مر بهذا  الشك الديكارتي وخرج من هذه التجربة  باليقين ، لكنه ليس من العدل أن ننكر أن هناك قدرات متفردة ليس بوسعنا إلا أن نرجعها إلى توفيق الله وحده أولا ، ثم رغبة صادقة عند الباحث وتجرده لبحثه  ، ولا أتحدث هنا عن ألمعية اختص الله  بها هذا الباحث فقط...  بل  عن صبر وتفرغ لمتاعب البحث  ، وإعراض عن كل المغريات ،بل  وتحديا لكل التحديات ... فمتى توفرت الشروط سالفة الذكر كان قادرا على الريادة والسبق  وأقول الريادة، وأظن أن هذه الشخصية غنية عن التعريف، فمن خلال شك الدكتور أحمد صبحي منصور في الأحاديث ، وما حملته كتب التراث من أكاذيب تفرغ بعدها  لدراسة القرآن ..وقاده بحثه هذا  بصورة لا تقبل الشك إلى حقيقة مؤداها : أن القرآن وكفى  به وحده مصدرا للتشريع ،وهو الرسالة والحجة للمسلم ..   لكن أن أكون من التلامذة فهذا فضل كذلك أن أختار طريق القرآن وكفى ، فكفى المرء شرفا ذلك الاختيار ،ولكن تظل الريادة حتى وإن لم يطالب بها صاحبها  حق أصيل له ، فالصف الثاني لا يعيبه شيئا  ، لكنه يظل ناقدا للفكر الأصلي معلقا .. سواء بالرفض  ..أو القبول ..

اجمالي القراءات 14235

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-10-30
مقالات منشورة : 113
اجمالي القراءات : 2,042,103
تعليقات له : 3,703
تعليقات عليه : 378
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt