ومن الحب ما قتل

لطفية سعيد Ýí 2014-09-15


 

عاطفة الحب بين البشرمن أرقى المشاعر الإنسانية النبيلة التي تسمو بالإنسان ، وبهذه العاطفة يتميز عن غيره من الأحياء، لكن بشرط أن يحيطهاالعقل برعايته .. وبأن تقع تحت وصايته لأنه مناط التمييز عند البشر، وتلك هي المشكلة أو بيت القصيد كما يقولون ، إذ أن المدقق في أسباب انحراف البشر عن جادة الطريق يتمثل في بعدهم عن التوازن الذي هو عمل العقل الأساس ..  وفي غياب العقل يسهل على إبليس تأدية دوره المحبب في الغواية والدخول من شيء إيجابي  (حب إيجابي ) وتحويله إلى تقديس  فهذه فرصته التي ينتظرها بشوق .. وسنأخذ أمثلة بشرية متنوعة  لشرح فكرتنا ، فإيزيس وأوزوريس كانا مجرد ملكين بداية ،  لكن الشعب بتعاطفه مع قصة حبهما الأسطورية  ،و تدخل  الشيطان (المستعد دائما ) فحالهما بدوره إلى آلهة معبودة من دون الله ...

وبدافع  من الحب كذلك رأينا تقديس الأقوام لرسل الله جميعا بعد موتهم تعويضا لهم عما تعرضوا له من أذى.. وبتدخل العدو الأزلي  ( إبليس ) وتحويل تلك العاطفة الإيجابية إلى تقديس ،باختصار فالحب المرضي هو المتهم الأول وهو السبب الرئيس لما مر به البشر من انحراف ،محاط  بالطبع برعاية شيطانية ويقص علينا القرآن قصة أصحاب الكهف ، وما فيها من عبر أهمها الهدف منها : ( وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا)  فعودتهم أحياء  أمام اهل المدينة ، ليعلموا أن وعد الله حق ويصدقوا بالبعث والحساب ،كان الأساس ،  لكن ومع حب اهل المدينة لأصحاب الكهف ، ومحاولة تعويضهم عما تعرضوا له من أذى ، كانت فرصة للشيطان بأن يتدخل بأن يحيل هذا الحب الإيجابي  إلى تقديس  مرضي أيضا.. ، وبدأ التنازع  والاختلاف بشأنهم إلا أن اقترح عليهم أحد المحيطين بولاة الأمر أن يبنوا عليهم بنيانا ،وقد تم بلورة هذا الاقتراح والوصول به إلى صورته النهائية على يد  من غلبوا على أمرهم ( ولاة الأمر في المدينة  ) فكان  الأمر: (لنتخذن عليهم مسجدا )  ولنلاحظ معا  تأكيد  هذا الفعل بأكثر من أداة توكيد (اللام ونون التأكيد الثقيلة)مما يدل انه واجب التنفيذ في الحال ( الشيطان نشيط جدا )  قال تعالى  :

 (وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَاراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً (18) وَكَذَلِكَ بَعَثْنَاهُمْ لِيَتَسَاءَلُوا بَيْنَهُمْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً (19) إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً (20) وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَاناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً (21) سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلاَّ مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً (22) الكهف

وما وقع فيه  المسلمون من تلفيق وتزييف لرويات كاذبة ، تؤيد من وجهة نظرهم حبهم الشديد للرسول، كان برعاية من الشيطان وعنايته .. وهم  يؤكدون دائما أنهم وحدهم من يحافظ على الإسلام ضد الشرذمة المنبثة قليلة العدد ـ الغائظة لهم ـ   ويدافعون بكل ضراوة عن بخاريهم بكل الأسلحة ، وبكل الوسائل الميكافلية ، والغريب أنهم مازالوا معتقدين أنهم يحسنون صنعا ..

وما حدث من حروب في الفتنة الكبرى ودخول المسلمين في مفترق الطرق كان سببه ذلك الحب البشري المدعوم بعصبية قبلية قوية  ،وغياب للإسلام الحقيقي وتعاليمه السمحة، فكلا الفريقين صحابة .. وكلا الفريقين قتل ... فالقاتل صحابي والمقتول أيضا  ، فمن على حق ...ولماذا يجب علينا الصمت، وعدم التركيز على أخطائهم ألمجرد أنهم صحابة أو تابعين ؟!!  إذن تحول الحب إلى مرض وبث الشيطان سمومه فتحولوا إلى آلهة بشرية ...

إذن فمن الحب ما كفر

 

فحب ابن جوزيه لأحمد بن حنبل دفعه برعاية شيطانية خالصة إلى ما قام به من تزوير وتأليف لرويات ومنامات في تأليه ابن حنبل .. وذلك الحب المرضي هو أيضا المتهم الأول في جرثومة البخاري ومرض نقص المناعة العقلية  الموجود عند أكثر مسلمي اليوم .. فلم ولن يقدم الشيطان  استقالته ، وليس لديه أية رغبةأو نية  في تسوية معاشه مبكرا،  أو حتى استبداله ... ويكتفي  بماتم إنجازه  في تاريخه الطويل هو وذريته.. لا بل لديه مهمة محددة  وواضحة  ، ولن يرضى عنها بديلا ، وقد تعهد أمام الله سبحانه  بتحقيقها بإخلاص ما وسعه إلى ذلك سبيلا ... ويعرف من أين يدخل جيدا لتحقيقها ، والمذهل أن أكثر المسلمين يعملون بجد  وإخلاص تحت إمرة الشيطان لتحقيق وعده ، ويساقون  بسرعة بالغة في طريق إحادي الاتجاه ،مؤصدين عيونهم وعقولهم وقلوبهم هواء وهم في رفضهم لمجرد سماع القرآن ومقارنته بما لديهم من كتب بشرية يشبهون من تصفهم الآيات الكريمة  :

 (فَمَا لَهُمْ عَنْ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (49) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (50) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (51) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتَى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (52) كَلاَّ بَلْ لا يَخَافُونَ الآخِرَةَ (53) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (54) فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ (55) وَمَا يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ (56) المدثر

  ودائما صدق الله العظيم

اجمالي القراءات 13599

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
التعليقات (3)
1   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الإثنين ٣٠ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[81754]

نعم، إن من الحب ما قتل ، ولكن شتان ما بين مقتول ومقتول ...


صدقت  يا أستاذة ،  فمن  الحب  ما  قتل ...



أو لنقل، إن السواد الأعظم منا نحن المسلمين - يظهر- أننا وقعنا  في ارتكاب خطإ  فظيع، ولعله خطأ الدهر، أو أم  الأخطاء، ما  دام  الرسول سيقول حتما - عنا – في  يوم  من الأيام الحاسمة المصيرية ما يلي :  (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ) سورة الفرقان 30. بل هو خطأ مركب :



 



فنحن من جهة: تنكرنا وأدرنا ظهرنا لتلك الآية الكريمة الودودة العجيبة العظيمة: ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم  والله  غفور رحيم ) .آل عمران 31. فبكل  بساطة  أو – بلادة -  تمكنا من لـيّ عنق المعنى، وقلبناه رأسا على عقب، وكان لسان حالنا  في هذا العصر، بل وفي كل العصور المتعاقبة  المنصرمة  يقول : ( بل إن كنتم  مؤمنين حقا  فعليكم  به أي بذلك الرجل، سواء  كان في طوره كنبي، أو كان في  طوره  كرسول  مبلغ، عليكم به وبإغراقه بلا هوادة، وبصبّ جام  حبكم  فيه  وعليه، وتجريده  من إنسانيته رغم  أنفه).



2   تعليق بواسطة   يحي فوزي نشاشبي     في   الإثنين ٣٠ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[81755]

من الحب ما قتل فعلا ولكن ...


وهنا لا يمكن أن يختلف  اثنان  في  كوننا  فعلا  وفقنا أيما توفيق في التسلط على الرجل وإغراقه  في  حب محموم بدائي،( كدتُ  أقول في  حرق  أنفسنا في جحيم من حبه)، نعم  وكيف لا  يكون  فعلنا جحيما ؟ عندما  نكون تنكرنا  لتعليمة الله سبحانه وتعالى ؟ وهو يقول على لسان رسوله ما معناه : (... إن كنتم  تحبون الله ....  وتصبون  إلى  أن  ينالكم  حب  الله ؟ ). وباختصار شديد لسان حالنا يقول بأننا  لم  نهتم  بحب الله ،  بقدر ما  ركزنا  اهتمامنا  الوحيد في حب  نبي الله ورسوله.



وبالتالي فإن هذا الحب الدعي قتل وخنق  الدين  الحنيف خنقا همجيا، وصيره  أخيرا مهزلة ومادة  للتفكه به من طرف الجاهلين، وعنوانا لكل الصفات التي  يمكن أن تقول ( إننا  شر أمة أخرجت للناس نأمر باللامعروف وبالمنكر، ونمارسه، وننهى  وبكل حماس عن الصالحات ).



وأولا  وأخيرا  فمن الحب ما  قتل ،  ويا  له  من  مقتول ...



 



 



 



3   تعليق بواسطة   لطفية سعيد     في   الثلاثاء ٣١ - مايو - ٢٠١٦ ١٢:٠٠ صباحاً
[81797]

تعليقاتك إضافة قيمة للمقال ،أستاذ يحي


أشكرك أستاذ يحي على هذه الإضافة القيمة التي اثرت الموضوع .. نعم وُفقت في ضرب المثل بالآية الكريمة : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34.. آل عمران



فاتباع الرسول يكون فقط  باتباع ما أرسل به وهو الرسالة ،التي القرآن الكريم .. لمن أراد  معادلة محسوبة ومقننة ليس فيها وجهات نظر !! وقليل هم من استطاع أن يصدق مع نفسه وينحي العواطف جانبا ..ويسير حسب التعليمات الإلهية  ..  واسمح لي ان أتناقش معك ( لو سمح وقتك ) في نقطة في الآية 33 من آل عران وبالتحديد في موضوع الاصطفاء لم كان الاصطفاء لآدم ونوح فقط ، بينما الاصطفاء كان لـ ( آل عمران وآل إبراهيم ) جميعا  لماذا . شكرا لك مرة اخرى



أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2008-10-30
مقالات منشورة : 113
اجمالي القراءات : 2,042,084
تعليقات له : 3,703
تعليقات عليه : 378
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt