انها المعادلة المصرية

كمال غبريال Ýí 2014-05-02


 


إنها المعادلة المصرية

كمال غبريال
 4 1 Blogger0 0
فكرة تطاردني ولا أستطيع الخلاص منها. أن مشوار تحديث مصر، الذي بدأ مع القرن التاسع عشر على يد محمد علي باشا، لم تكن العثرات التي واجهته من يومها وحتى الآن، من قبيل طبيعة الأمور. وإنما لأن المسيرة ذاتها تتعارض مع مكونات أصيلة في الشخصية المصرية، وتذهب بها إلى أبعاد حضارية، تفوق قدرات الشعب المصري. ربما لو صح هذا، فلن يعود الاستقرار النسبي، إلا بالتراجع بضع خطوات حضارية للخلف. رغم أن هذا أيضاً أصبح غير متاح في عالم اليوم. هي ربما أزمة شعب لا يطيق الحضارة، ولا يطيق أيضاً مفارقتها!!
تظهر الآن في الجسد المصري تصدعات جسيمة، بعضها يشير إلى انهيار وشيك، فالعدالة مثلاً أهم الأعمدة التي تقوم عليها المجتمعات. العدالة تعني أن ينال المخطئ نوع وحجم العقاب الذي قرره المجتمع لمرتكب خطأه. تعني عدم تجاوز العقوبة نقصاً أو زيادة. وتعني ألا يفلت مجرم بجرمه، وألا يؤخذ بريء بجريرة مجرم. إذا تلوث ضمير مجتمع، وغاب وعيه، تراخت يد العدالة عن ملاحقة المجرمين، أو تحولت إلى يد باطشة مجرمة، تصدر أحكامها عن الهوى باختلاف تصنيفاته. يوم يحدث هذا، تكون هذه الأمة قد سقطت بالفعل في هاوية بلا قرار!!
الحقيقة التي أراها، أن ما نشهده من فوضى وتصدعات وانهيارات في مؤسسات الدولة، حتى أعظمها خطورة، لا يرجع بكليته كما يبدو في الظاهر إلى إسقاط نظام حكم مبارك، والفشل حتى الآن في إيجاد بديل مناسب له. الواضح أن المجتمع المصري بعمومه، بالإضافة إلى سائر مؤسسات الدولة المصرية، كانت قد أصابتها الشروخ والتحلل خلال عهد مبارك وما سبقه من عهود، بعد أن تغلغلت وتوحشت التيارات الدينية، والفساد الإداري، واستشرى انعدام الكفاءات وتردي القيم، وسيطرة قيم سلبية مدمرة في عموم المجتمع، ما انعكس على الأداء الوظيفي، وعلى العلاقات البينية بين منتسبي المؤسسات. سقوط مصر الحقيقي الذي نشهده بكل فجاجته الآن، لم يتم فجأة على يد ثوار يحملون أمال التغيير. ولا عن طريق مؤامرة خارجية، كما يحلو للبعض أن يقول. مصر كلها شعباً ودولة، قد تصدعت من تلقاء نفسها، وما الأحداث التي بدأت في 25 يناير 2011، إلا كما لو عود ثقاب، أشعل كومة قش مهيأة للحريق. شيء قريب من هذا حدث للاتحاد السوفيتي ودول أوروبا الشرقية.
لذا فإن التقييم لشخص الحاكم المصري القادم، لا يجب أن يقتصر على ما إذا كان صالحاً أم طالحاً، عالماً أو جاهلاً. إنما بالدرجة الأولى على أساس إن كان ينتوي تغيير المعادلة المصرية، التي حمكت مصر طوال عهد مبارك، وهي معادلة التوافق والموائمة مع سائر التيارات بالساحة، وفي مقدمتها التيارات الظلامية، وتوأمها اليسارية العروبجية الحنجورية الشعاراتية، وضمن قطعانها فيالق الفساد والإفساد. فالدفع نحو التحديث اللازم لبقائنا على قيد الحياة. لا يتفق مثلاً مع ما نشهده من الترويج لما يسمونه "إخوان بلا عنف". التسمية مجرد خرافة، فلو نزعنا العنف والكراهية عن أيديولوجيا الإخوان، لن يتبقى منها شيء له قيمة أو يشد انتباه. هي أيضاً مثل "تجار مخدرات بلا عنف". ما يعني السماح لهم بترويج مخدراتهم بالطرق السلمية.
رغم أننا شعب من الفلاحين، إلا أننا الآن نريد حصاداً دون أن نزرع. نريد أن نحصد الخير، ونحن طوال يومنا لا نزرع إلا الشرور. الفكر الناصري السائد الآن، والذي يجوز تسميته باليساري المصري، يستبعد فكرة زيادة الجهد والإنتاج لرفع مستوى المعيشة، ويركز على فكرة استعادة الفقراء لحقوقهم التي نهبها الأغنياء. هذه هي الطبعة اليسارية لذات الفكر البدوي، الذي لا يعرف الإنتاج، ويعتمد على الغزو والسلب والنهب. أوجه التشابه بين اليسار والفكر الديني المنكفئ على نفسه أكثر من أن تحصى!!
ما يتضح من مقابلات السيسي الانتخابية الآن، أنه يريد أن يكون رئيساً توافقياً، فيخاطب كل فريق باللغة والشعارات التي يرددها. هذا جيد سياسياً، لكنه يعني بقاء المعادلة المصرية على حالها أيام مبارك، بل وأسوأ. وإن استمر الحال هكذا، ليس أمامنا إلا أن نأمل أن يكون معدل السقوط أقل ما يمكن، ريثما نجد ما نغير به هذه المعادلة، التي لن تسمح مكوناتها لنا بترقية حياتنا، ولا تحقيق ما نهتف به من "عيش. حرية. كرامة إنسانية". التغيير واستئصال أو تحجيم المكونات الضارة بالمعادلة المصرية، أمر يحتاج إلى رؤية وإرادة ومساندة شعبية. هذا ما يفترض أن تنجزه الثورات، وليس تغيير حاكم بآخر. وإلا سنظل نحصد لأنفسنا، ما زرعناه طوال ستين عاماً، من فشل وكراهية للحضارة ولكل من حولنا!!
لا أكاد أعرف في عصرنا الحالي غير استبداد الشعوب. فالشعوب الخراف تقهر الأحرار بينها، وتستدعي الراعي الذي يقودها، في ظل إصرارها على غلق أعينها وتنحية عقولها. والشعوب المهووسة بالدين، تقهر وتكفر كل فكر حر، وتسلم قيادها لرجال الله على الأرض، يقودونهم ولو إلى الجحيم. عموماً الشعوب الفاسدة لا تترك لحكامها خياراً، فلا يملكون إلا أن يسايروها على فسادها. الاستبداد والديكتاتورية هي صناعة الدهماء وحدهم لا شريك لهم. فديموقراطيتهم ديماجوجية، تعني اجتياح الدهماء لبقع الحضارة القليلة، وخنق همس الحرية الواهن، وإستدال ستائر سوداء على البلاد والعباد!!
كان نظام مبارك في حد ذاته فاسداً، لكن بدرجة أقل كثيراً من درجة فساد عموم الشعب المصري، من قاعدته إلى قمته. كان نظام مبارك جاهلاً وجهولاً، لكن بدرجة أقل كثيراً من حجم الجهل والجهالة السائدة بالمجتمع. كان نظام مبارك مستبداً، لكن بدرجة أقل كثيراً من الاستبداد الشائع في كل جوانب حياتنا، عن طريق التدين والعادات والتقاليد البالية. تأكيد هذا يتضح في حالنا الآن، بعد أن أسقطنا نظام مبارك.
السؤال هو: هل تتوفر لدينا الرغبة والاستعداد، للتخلص من عوامل فشلنا، أو فلنقل تعثرنا، أم سنظل نتمسك بها، باعتبارها هويتنا الأصيلة؟!!
اجمالي القراءات 11154

للمزيد يمكنك قراءة : اساسيات اهل القران
أضف تعليق
لا بد من تسجيل الدخول اولا قبل التعليق
تاريخ الانضمام : 2007-03-23
مقالات منشورة : 598
اجمالي القراءات : 5,548,749
تعليقات له : 0
تعليقات عليه : 264
بلد الميلاد : Egypt
بلد الاقامة : Egypt