المغترب و.. مصيدة الطعام!
عندما تتسع دائرة المهانة العلنية لكرامة المغتربين في بلد ما، وتصبح الفجوة بينهم وبين أهل البلد كبيرة، وتَضحىَ الصداقة مستحيلة أحيانا ومتقطعة أحايين أخرى، يظن المغترب أن الطريق إلى قلب ابن البلد المضيف بطنه، وأن دعوة عشاء فيها ما لذ وطاب يتخللها حديث أجوف وبراق زائف عن حضارة المغترب وعبقرية أجداده وجمال شواطيء بلده تفتح له مسامات جسد لم يستطع المغترب أن يخترق عقله أو يلمس شغاف قلبه.
يقبل دعوتك على الرحب والسعة، ويتذوق طعامك، ويزداد وزنه كيلوجرامين بعد العشاء فقد أكل ضعفي ما تتحمل معدته!
لا مانع من حديث أحمق عن عبقرية الشرق الذي أنجب نجيب محفوظ والبرادعي وبطرس غالي، وتتفاخر أن كيسنجر بنفسه طلب وصلة رقص لنجوى فؤاد، وأنت تقع في المصيدة فيتركك تتحدث عن حضارة بلاد الرافدين والطعام الشهي في استنابول وصمود الأهرامات في وجه أعتى العواصف وأن لبنان سويسرا الشرق.
يرد عليك مواسياً إياك بأنه مؤمن أن من حق الفلسطينيين أي يعيشوا مثل خلق الله، وأن الإسرائيليين يخطئون أحيانا، وأن ( هناك عندكم ) دائما مشاكل وحروب وأزمات!
أكثر من هذا لا يقدم لك، وأكثر من هذا لا يمكنك الحديث عنه، وإلا أسمعك ما لا تحب أن تسمع.
العشاء الدسم الذي تكلف كثيرا بعد مشتروات أثقلت عدة أكياس من محل الخضروات التركي أو الكردي أو العربي أو الفيتنامي أو الهندي لا يصلح أن يكون رشوة لعرض قضايا وطنك المغدور، فهي سهرة أسعدتك وتحملها هو بكل صبر لعدة ساعات، وإياك أن يذهب بك الظن أن المعدة الممتلئة تقنع العقل بصحة قضاياك.
سيطرح عليك تساؤلات غريبة، وستنفرج شفتاك وأنت تشرح بلغة، أحيانا، تميل إلى الضعف الظلم الواقع على أهلك وبلدك من جراء الدعم الأمريكي والغربي.
لا تحاول تفكيك ما عصىَ على فهمه، فكل الأمور متشابكة، والبرجان التوأمان أسقطهما الارهابيون ( عندكم هناك )، ويجب أن تعترف أن الكيماوي سوري ولكن لا تسأل عمن باعه لنظام فاشي! وأبو غريب سجن صدامي حتى لو ملك مفاتيحه أحمد الجلبي وبريمر والمالكي. والاخوان المسلمون وصلوا بانتخابات ديمقراطية لكن ليس من حقك أن تسأله عن رد فعله لو جكمت بلاده جماعة دينية مرتبطة بشبكة تنظيم عالمي.
مأدبة العشاء الفاخرة ينتهي تأثيرها صباح يوم الاثنين إذا التقيتم في العمل، وشكرك على ضيافتك، وأصر أن الفلفل الحار الذي كان في الطبق الصغير أمامه ألهب لسانه.
إياك أن تتحدث مرة ثالثة عن العشاء فستبهت ابتسامته.
الطعام كرم، والطعام رشوة!
الطعام ثقافة قوم يمكن أن يقدموه لضيوفهم، لكن ينبغي أن لا يعبر عن ثقافة تحتية، وخنوع ولو بدا أنه ندية ومساواة.
تمتع باسعاد ضيوفك، لكن كرامتك قبل كرمك، وطعمك قبل طعامك، وبلدك قبل بلادتك، ولغتك المنطقية والمحشوة بمعلومات مفيدة وشبه الخالية من توافه الأمور ستجعلك في نفس الصف مع ضيفك الأوروبي الأشقر الشعر والأزرق العينين حتى لو كنت قادما من أفقر دولة أفريقية.
محمد عبد المجيد
طائر الشمال
أوسلو في 13 فبراير 2014
اجمالي القراءات
15930
باسلوب رائغ وأخّاذ قمت بتسليط أشعة ليزر تضىء ولا تحرق ، تتجه مباشرة للهدف بدقة ، فتثير مشاعر المغترب ، ويرى نفسه فى كتاباتك ، التى توجز بغاية الصدق والروعة مشاعر المغترب الحائر بين وطن تركه مُرغما وبين وطن إستقرُ فيه مُكرها . أزعم أن كل مغترب كان يتمنى أن يظل فى وطنه الأم متمتعا بالعدل والحرية والكرامة الانسانية والأمن ولقمة عيش سهلة ميسرة بلا عناء ولا بهدلة وفى وطن بلا فساد ولا إستبداد .
المغترب حالة إنسانية خاصة تستدعى من كاتب مثلك يملك ناصية الكلمة وصدق التغبير أن يكتب عنه كتابا كاملا ، يعززه بالحكايات وتجارب الحياة عنه وعن الآخرين، ليكون أكثر فائدة .
أرجو أن تفعل ذلك أيها الطائر المصرى ..حورس ..