غالب غنيم Ýí 2012-10-19
في البحث عن الإسلام - الطعام والطيبات في القرآن الكريم - الدخان والخمر
بسم الله الرحمن الرحيم ، والحمد والشكر لله رب العالمين
(أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ وَمَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) الزمر - 36
مقدمة :
هذه سلسلة من المقالات، التي أود من خلالها محاولة فهم الإسلام – دين الله القيم بشكل حنيف قريب الى المراد الإلهي الذي نبتغيه في بحثنا عن الحق، من منطلق عالميته واتساعه لنواميس الكون وسننه والتغيرات التاريخية في المجتمعات منذ نزوله حتى اليوم.
وأنوه أن فهمي لما ورد هنا هو نتاج تدبر خالص لله تعالى مني لكتابه العزيز فقط، حيث أنني لا أعرف غيره مرجعا لي ومصدرا لعلمي وفكري في دين الله تعالى ، وانا اعرض على الكتاب كل صغيرة وكبيرة حسب جهدي وما أوسعنيه الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، وهو عبارة عن رأي – أراء لي في بعض المسائل في الكتاب، التي لم يتعرض لها الكثير ، وهي نتاج آنيّ في زمننا هذا وفي وقتنا هذا ، ولا يلزم كونه الحقيقة بل هو نسبي بحكم أن الحقيقة لله وحده تعالى عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال، وهي ما نبحث عنه ونرجوا الوصول اليه.
وأكرر ما قاله تعالى – يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
وبعد،
هذا البحث مكون من ثلاث أجزاء متتابعة، في الجزء الأول بحثت مسألة الطعام والأكل عامة، وفي الجزء الثاني مسألة الأنعام والدواب وبهيمة الأنعام، وهنا سنبحث مسألتي الدخان – التبغ – والخمر إن شاء الله تعالى، لأنهي هذا البحث.
______________
التبغ والدخان أم التبغ؟
من البحث الأول في الطعام، وجدنا أن كلمة يأكل تختلف عن كلمة يطعم، وكانت كلمة يطعم أعم وأشمل مفهوما، كما تبين لنا من البحث في القرآن الكريم، فشملت كل ما يطعمه المرء مما قد يدخل جوفه منه أو لا يدخل، بينما الأكل تبين أنها لا بد من دخول الشيء إلى الجوف لكونها مرتبطة بالإنقاص من الشيء المأكول. ولهذا ذكر الله تعالى كلمة الأكل في الصيام وليس كلمة الطعم – يطعم.
بداية علينا – على الأقل – أن نفرق بين كلمة دخان وتبغ، فمما اعتاد الناس تسميته للتبغ هو إطلاق كلمة "دخان" عليه، بشد الخاء، وذلك بسبب احتراق التبغ أثناء "تدخينه"، وأهمل كثيرون أن التبغ يمضغ كذلك، فيتم أكله، وليس فقط ما سموه "تدخينه"!
فما هو التبغ؟ وكيف يتم استهلاكه؟ وهل هو من الخبائث؟ وما هي الخبائث؟ وما هي الطيبات؟
بداية، لمن لم يقرأ الجزء الأول من الدراسة فعليه العودة إليها ليرى ما هي الخبائث والطيبات، حيث تم دائما ربط الأكل بالطعام والرزق والطيبات، وكذلك ربط الأكل بالحلال من الطيبات أو الخبيث، بينما تم ربط التحريم والتحليل بالطعام فقط، ولم يرتبط الأكل بالتحريم أو التحليل كعملية وأمر أبدا،ولا علاقة للخبيث بما حرمه الله تعالى ومما كان حلالا بعدم ذكره لنا في القرآن الكريم، والجزء الثاني من الدراسة الذي يفيض في تذكيرنا بعدم الخوض فيما لم يتلى علينا، أي ان كل ما لم يتلى علينا فهو حلال طيب من الله تعالى، وأن ما تلي علينا تحريمه فهو من المحرمات بسبب تحريمه فقط.
والتبغ هو زرع مثله مثل أنواع كثيرة من الزرع، بنبت في الأرض، ثم يتم جمع ورقه لغاية المضغ أو الحرق لإمتصاص الدخان الناتج عن حرقه عن طريق الفم. هذا توصيف بسيط لعملية إستهلاكه وليس وصف كاذب بجعل عملية الإمتصاص إستنشاقا!.
إن تسمية التبغ بالدخان هي من الأخطاء الشائعة لغة، ومن التسميات المستحدثة علينا، ففي الأصل إسمه تبغ، كما اسم نبتته، فنحن نسمي القمح قمحا، ثم حين يكون طحينا نسميه طحينا، ثم حين نعجنه نسميه عجينا ، وهكذا، والتبغ حين نجمعه ورقا يكون تبغا، ثم يتم مضغه أو تجفيفه فيكون له اسم آخر حسب البلد العربي، فمن مسمياته العامة في الأردن وفلسطين مثلا هي "الهيشي"، ولا اعرف اصل الكلمة، ولكنها تعني ورق التبغ المجفف والمفروك فيكون كالنشارة، أما في اللغة الإنجليزية فهو ليس دخان بل سجائر، اي لفافات تبغ، وتبغ هي "توباكو" بالإنجليزية، ويقال عن الدخان هو ما يخرج من الفم والأنف بعد امتصاصه ثم نفخه، أي أن كلمة دخان "سموك" بالإنجليزية تعني الدخان المنتشر بعد نفخه وليس عملية التدخين كلها! ولكن يبدو أن العرب تعودوا على وضع تسميات ليس في محلها ابدا، لعلهم يستفيدون من ذلك في التلاعب بمدول الكلام في القرآن الكريم يوما ما!
مسألة التحريم والتحليل هنا لا نستطيع أن نمسها بعد كل ما ذكرت في الجزئين الأول والثاني، فالتبغ ليس حراما بما حدد الله تعالى وذكره من محرمات في كتابه العزيز، وحتى نبات المخدر ليس حراما، ولكن كيفية استهلاكها قد توقع في الرجس، تماما كالخمر، وهنا لا اقيس ابدا، بل اذكر الرجس نفسه، والذي هو في داخل هذه الأشياء أصلا إن استخدمت بأسلوب خاطيء، والذي يؤدي إلى الفسوق والبغضاء والعداوة وعدم ذكر الله تعالى، فالرجس اصلا "يظهر ويختفي" حسب التعامل مع الشيء.
والمسألة هنا بشرية بحتة، أي متروكة للقانون المدني والرؤية العامة للمجتمع حول هذه المسائل من النباتات، فالدولة التي تمنع نبتة الهيروين، مثلا، تتخذ هذا القرار بناءا على المعطيات والمتغيرات فيها، وليس بناءا على الحلال والحرام.
فلكل شيء حدان كما تعلمنا، ومنه، العرب القدماء استخدموا – وخاصة الأطباء منهم – هذه النباتات في عمليات التخدير اثناء عملياتهم الجراحية، وهذا من فضل الله تعالى علينا، وليس من كونه حلال او حرام استخدامه.
التبغ أم الدخان؟
بداية، لكي ندرس وضع مسألة من وجهة نظر القرآن ودين الله تعالى القيم، فعلينا إعادة الأسماء إلى أصولها! وأصل كلمة الدخان هي تبغ، وأصل التبغ هو نبات!
فهل التبغ مفطر أثناء الصيام؟
قبل أن نبت بالأمر، علينا ان نتذكر أن الصيام أساسه التقوى وليس الإمتناع عن "الأكل"، والله تعالى استخدم كلمة الأكل لتدل على نقص الشيء، فما هو في الفم ولم ينقص شيئا لا يفطر، فإن نقص منه شيء الى الجوف فهو مفطر حينذاك.
بعد أن اعدنا التسمية إلى المسمى، نرى بوضوح وبلا جدال أن "الدخان" مفطر لمن تناوله! نعم، كلمة الحق هي الكلمة التي ليس فيها ما تصفه السنتنا كذبا! فلا نصف التبغ دخانا فنجل منه كما دخان الحريق! الذي نستنشقه عبر الأنف وليس الفم!
التبغ يمضغ فيفطر الصائم، ولا جدال هنا، والتبغ "يمتص" من الفم فيفطر الصائم، وسنثبت ذلك الآن.
التبغ يتم استهلاكه بطريقة أخرى هي ما نسميها "تدخين"، حيث يتم "إمتصاصه" عبر الفم إلى الرئتين، وجزء مما "امتصصناه" يدخل إلى المعدة، وهذا لا جدال فيه فهو من الإثباتات العلمية عند كل الشعوب، الكافر منها والمشرك والملحد والمؤمن.
إن وصفنا لعملية "إمتصاص" الدخان الناتج عن حرق التبغ بكلمة "تدخين" أو "دخان" وكأننا "نستنشقه" هي ما تصفه ألسنتنا هنا من كذب.
فالدخان – التبغ – لا يستنشق بل يمتص من الفم. أما دخان الحريق فهو يستنشق فقط.!
وعملية امتصاص التبغ المحروق هي نفسها عملية الأكل، لكونها تنقص في المادة الأصلية، المكونة من نيكوتين وقطران.
وكل ما يمتص من الفم فهو مادة، يدخل فيها النيكوتين والقطران والدخان ومواد أخرى مصنعة إن كان التبغ مشغولا في مصنع.وهذه المواد كلها تدخل إلى مكانين في الجسم البشري، الرئة والمعدة. والفرق بين المضغ والإمتصاص في تحديد الكمية فقط، كما الفلتر في السيجارة!
والإمتصاص يتم لما يمر من الفلتر – إن وجد فلتر في السيجارة – وليس للدخان فقط، فيتم امتصاص مواد أخرى مع الدخان، ومن لا يصدق ذلك فليجرب النظر إلى محتوى الفلتر أو – مصاصة طبية – تستخدم للتخفيف من المواد الممتصة، حيث تمتليء بعد تدخين سيجارة بمادة داكنة اللون، هي ما يحتاجه جسمنا حين ندخن لفائف التبغ أو حين نمضغه!
ومنه، الدخان – التبغ – مفطر للصائم.
______________
الخمر في القرآن الكريم:
أنا اعلم أن هناك كثيرون ممن كتب في الخمر، بل هو موضوع مسه الجميع من كل الملل والنحل! وكان لا بد لنا من التعرض له هنا من منظور قرآني بحت بلا تعرض لما تصفه ألسنتنا وما نحرمه مما لم يحرمه الله تعالى، ونحلله مما حرمه، فما الذي حرمه الله تعالى؟ هو ما تم ذكره في الجزء الأول والثاني من هذا البحث، فهل تم تحريم الخمر؟ هذا ما سنبحث فيه هنا!
والخمر قد يكون سائل وقد يكون غير سائل، فهو أنواع، تفنن البشر في صنعه، وبالتالي قد يطعم بشكليه، السائل والهلامي كما الجيلي!
والخمر يشرب لأسباب عدة، منها بعض ما يفيد البشر، ومنها ما هو لذة لشاربه، ومنها ما يدخله في حالة قد تستدعي ظهور الرجس عليه، وخاصة بتعاطيه، أي بالإكثار منه!
______________
تاريخ الخمر:
الخمر ورد في القرآن الكريم منذ القدم، ومما يبدوا أن الناس عرفوه منذ زمان بعيد وليس بالأمر المستحدث، فقد ورد في القرآن عنه في قصة يوسف عليه السلام، في قوله تعالى (وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف – 36، وفي قوله تعالى (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ) يوسف – 41
وذكر عرضا في قوم يوسف في زمن العزيز من عصرهم للعنب خمرا، ونحن نعلم أن العزيز في ذلك الوقت كان حاكما مؤمنا، من خلال القرآن الكريم ووصفه لما قاله، وهذا بحد ذاته من غريب الأمور بالنسبة لنا كونهم كانوا يتناولون الخمر!
(ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ) يوسف – 49
وورد في قوم صالح والناقة، أي بعد نوح وقبل إبراهيم عليهم السلام جميعا: (فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ) القمر - 29
بل ورد منذ الأزل، من قبل أن نخلق نحن، ومنذ خلق الجنة، ولكنه تميز عن خمر الدنيا بميزة ذكرها الله تعالى في قرآنه الكريم (مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ) محمد – 15
وهنا تم تمييز ما تحويه الجنة عما تحويه الأرض الآنية، فالماء في الجنة لا يأسن، واللبن لا يتغير طعمه، والخمر هو نفسه الخمر، لذة للشاربين، فالخمر في هدفه النهائي هو اللذة، وليس فقدان الوعي، واللذة تصل الإنسان عن طريق التذوق والبصر واللمس،وورد ما يميز خمر الدنيا عن خمر الآخرة في آيات أخرى.
وجائت الخمر بطرق ليست مباشرة في القرآن الكريم، بل بتسمية وعائها، مما هو معلوم عندنا،أي الكأس، ومنها قول الله تعالى (يُطَافُ عَلَيْهِم بِكَأْسٍ مِن مَّعِينٍ * بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ * لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنزَفُونَ) الصافات – 45:47
وهنا تم التمييز بين خمر الدنيا وخمر الآخرة بأنه لا غول في خمر الآخرة، وسنأتي إليها لاحقا.
والكأس يستخدم في الجنة لشرب كثير من أنواع الشراب المختلف، ومنه الخمر، ونذكرها هنا بسبب تمييزها عن كأس الدنيا، من خمر، ولفهم ماهية خمر الدنيا من خلال فهم ماهية خمر الآخرة! (يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ * لَّا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ) الواقعة – 18:19
(يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا لَّا لَغْوٌ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمٌ) الطور – 23
ومن هذه الآيات نعلم أن تاريخ الخمر بتاريخ البشر أنفسهم، بل هو منذ الأزل، منذ خلق الجنة، ولكن مالفرق بين خمر الآخرة وخمر الدنيا؟ سنأتي إلى هذا لاحقا إن شاء الله تعالى، في نهاية بحثنا.
______________
الخمر في الدنيا:
ورد الخمر في آيات تمسنا نحن، وعلينا التوجه إليها كما وردت، وليس كما تراه أنفسنا وواقعنا ورؤيتنا التاريخية أو الإجتماعية. ولكن قبل التعرض لهذه الآيات علينا أن نعي وعيا جيدا أن إلصاق كلمة على كلمة تشبهها لفظا في القرآن الكريم، هو توجه غير سليم لفقه القرآن وفهمه، وأحيانا قد يصل إلى مرحلة المعاجزة، وجعل القرآن دين عسر وإصر وأغلال، ومنها خلط الكثيرين بين كلمة (بِخُمُرِهِنَّ) مع كلمة (الْخَمْرِ) حيث هما كلمتان مختلفتان تماما، وكل ما نحن فيه الآن من ضلال في فهم الأمر هو بسبب هذا الخلط بينهما، حيث أن ما يغطى به الجيب – الصدر – عند المرأة هو اسمه بضم الخاء والميم جمعا، أي (خُمُر)، وليس كالخَمْرِ الذي جمعه شيء آخر، وهو نفسه! ، وهذا ما جعلنا ننظر للخمر على أنه "يخمر الدماغ كما يقال مثل الخمار الذي لم ينزل الله تعالى به من سلطان، والذي وضعوه على الرأس ومكانه الجيب في القرآن الكريم!
فالخَمْر مفرد وجمع في نفس الوقت مثل كلمة نهار. قلا نجمع الْخَمْر على أنه خُمُر والذي مفرده خمار!.
ومنه، لا علاقة لآية غطاء الجيب بالخَمْر ابدا، ولمن لا يعلم، ليس شرطا تغطية الخمر ليخمر، فعملية تخميره تتم من داخله وليس من الخارج بتغطيته، وهذا فرق جديد عن الخمار.
والله تعالى ذكر الخمر في الآيات التالية:
(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ * فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ....) البقرة 219 وجزء من 220 .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ
وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ
لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ) المائدة 90:93
أما بالنسبة لكلمة "سكران و سكر" فلن أتعرض لها هنا فمفهومها اليوم غير مفهوم البارحة، ولكل رأيه فيها، وفقط اقول أن كلمة السكر جائت بمدلولين في القرآن الكريم أحدهما هو الحلو من النبات مثل العنب والتمر، والآخر هو غياب الذهن النابع عن إنغلاق البصيرة (لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَّسْحُورُونَ) الحجر - 15
أو النابع عن هول الموقف (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَٰلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) ق - 19 ، (يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَىٰ وَمَا هُم بِسُكَارَىٰ وَلَٰكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) الحج - 2
والتعرض لها هنا لن يفيدنا بشيء في فهم الموقف القرآني من الخمر!
ومنه، ومن خلال الآيات أعلاه، نبدا في فهم موقف القرآن الكريم من الخمر بأسلوب الباحث عن الحقيقة وليس عن المعروف بين افراد المجتمع، فالمجتمعات كلها تحت هيمنة القرآن الكريم، وليس فئة محددة من الناس من الذين يكرهون الخمر اصلا بنظرة شخصية بحتة، وهذا ما لن نقع فيه هنا بإذن الله تعالى.
هنا يوجد موردان للخمر، حيث تم ذكر الخمر فيهما، الأول هو مورد البقرة، العام في حكمه، والثاني المفصل له – جزئيا - وهو مورد المائدة، من سورة المائدة، حيث وردت اغلب مسائل "الطعام" في القرآن الكريم قديمها وحديثها، بإصرها وأغلالها، والمخفف منها، في القرآن الكريم.
______________
عالمية الخمر :
كما تبين لنا أعلاه، من تاريخ الخمر في القرآن الكريم، أن الخمر مسألة عالمية بشرية إنسانية منذ الأزل، وهي من القرآن موجودة منذ بدء الخلق وليس منذ زمن محدد.
فكما الخمر موجود على الأرض، هو موجود في السماء، ومن خلال فهمنا وتدبرنا لخمر السماء، سنصل إلى حكم وفهم خمر الأرض. والإنسان ربط وجوده بالخمر هنا وهناك، وهذا أمر محتم مفروغ منه نراه من حولنا كل يوم في كل وقت وزمان، ولن أكابر في آيات الله تعالى وخلقه.
______________
الخمر والرجس والتحريم
هل الخمر رجس أم فيه رجس؟ ولم امر الله تعالى باجتناب الرجس وليس الخمر؟ وهل فصل هذا في كتابه العزيز؟
بحثنا سيكون مبنيا على فهم عام لآيات الخمر الأرضي – خمر الدنيا – ثم نربطه بخمر الآخرة، لنصل إلى مراد الله تعالى من الخمر كله!
أولا: من مورد البقرة – 219 نرى بكل بيان أن الله تعالى ربط الخمر والميسر بالإثم، وحدد أن فيهما إثم كبير، وأن فيهما منافع للناس، ورجح كفة الإثم فيهما على كفة النفع، بأن قال إن إثمهما اكبر من نفعهما، وهذا موقف عام، يحتاج لتفصيل من القرآن الكريم، الذي نبحث عنه في بقية الآيات، لكي نعلم أين هو الإثم فيهما، وأين نفعهما! ، وسأناقش الخمر فقط هنا بشكل رئيسي.
ولا بد لنا من ملاحظة الكلمات التالية، ففيها ما فيها من علم سنعود لإكتشافه :فيهما، إثم، نفع ، أكبر!
ثانيا : من مورد البقرة نرى أنه قد تم إضافة أمور أخرى إلى جانب الخمر، وتم تعريفها كلها، على ان تلك الأمور كلها، هي في طبيعتها "رجس من عمل الشيطان" فجاء الأمر باجتناب الرجس "فيه"، ولم يأت الأمر باجتناب كل هذه الأمور بشكل صريح بين!
فالله تعالى أمر بشكل بين واضح فقال سبحانه (فَاجْتَنِبُوهُ) أي الرجس، ولم يقل فاجتنبوها، أي تلك الأمور!
لا يجب هنا أن نذهب لما تصف ألسنتنا أبدا، بل اعتماد كلام الله تعالى فقط، والخمر في الحكم هنا ليس مثل الأزلام والأنصاب مثلا! فالأزلام والأنصاب تم تحديد صفات أخرى فيها غير الرجس، على أن استخدامها بشكل سيء هو فسق بين، في موارد أخرى للقرآن الكريم، حيث تم تفصيل الأزلام والأنصاب وكيفية استخدامها،بحيث يطالنا الرجس والفسق، فالأزلام والأنصاب مثلا، ليست محرمة ابدا، بل المحرم هو "الإستقسام بالأزلام" و "الذبح على النصب" ، وليست هي محرمة بذاتها ابدا.
علينا أن نفرق بين الشيء واستخدام الشيء أو إساءة إستخدام الشيء.
ولم يتم نعت الخمر بالفسق، بل تم نعت الخمر بحمله الرجس بين ثناياه، ومن هنا نبدأ فهم مورد البقرة حين قال تعالى (فِيهِمَا) ولم يقل "فهما"، وهنالك فرق كبير بين إحتواء الخمر للرجس وكونه رجسا، فلو قال تعالى في مورد البقرة "فهما" إثم كبير ، لما بحثنا في الأمر أصلا، ولكنه قال (فِيهِمَا) إثم، أي في تناولهما بكثرة (فتعاطى) بشكل يؤدي إلى رجس و إثم (فعقر).
ومن يقل أن الخمر رجس من الآية فهو تغاضى عن جمع مجموعة من الأشياء التي تحوي بداخلها رجس مثل الميسر والأزلام والأنصاب، والتي لا يمكن أن تكون كلها رجس في ذاتها!
ففي قوم صالح صاحبهم (تعاطى) فأصابه الرجس (فعقر)! والتعاطي من العطاء، اي الإكثار من بذل الشيء، وهو أكثر من شرب الخمر لهدف في نفسه، كي يكسر حاجز الخوف عنده، فجائت الصيغة "تعاطى"، وكأنه كان مدمنا على الشرب، فالعطاء من الكثرة.
وفي مورد المائدة تم النهي والأمر بإجتناب الرجس في تلك الأمور، وإلا كانت النصب – التماثيل كلها – حراما! وخاصة أن النهي والأمر بالإجتناب كان عن الرجس وليس عن المجموعة نفسها!
والأمر الذي أريد أن أذكركم به أن الله تعالى فصل في أماكن أخرى الأزلام والأنصاب وأضاف إليها صفات أخرى، ومن هذا لا يمكننا النظر إلى كل تلك المجموعة من الأمور على أنها أمر واحد، بل يجب بحث كل أمر لوحده، في ذاته، وتفصيله، لنفهم كل أمر منها، وكيف يتم استخدامه، وهل حرم شيء من استخدامه أم حرم كله!
(حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَٰلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) المائدة – 3
أليس كلام الله تعالى بين مبين بذاته؟!!
فإن حرم الله تعالى الذبح على النصب والإستقسام بالأزلام ولم يحرم النصب عامتها لعلمه بكثرتها في الأرض ولم يحرم الأزلام بعامتها لعلمه باستخدامات أخرى لها في الأرض فكيف نحرم الخمر الذي قال عنه أن فيه منافع للناس؟! كيف نحرم شيئا قال عنه الله تعالى أن فيه منافع حتى لو قليل!
فالقليل من المنافع لا يجعله غير مؤهل للإستخدام البشري، ولا يجعل منه حراما، فالحرام من حرمات الله تعالى التي لا يجب أن نعتدي عليها أبدا.
ثالثا: من مورد المائدة المفصل "جزئيا" لمورد البقرة – حيث بقية التفصيل في آيات الآخرة والجنة! - نرى أن الله تعالى يهدينا إلى السبيل السليم في كل شيء، وإلى الوسطية والإعتدال في كل شيء،فهو لم يحرم الخمر، ولكنه بين لنا ما فيه من رجس، فنهانا عن الرجس فيه، وأن نغلوا في الأمر، وسالنا مستفسرا ومستنكرا إن سننتهي عن الرجس فيه؟ حيث فصل الرجس فيه بكونه سبب للعداوة والبغضاء وفيه صد عن الصلاة ، وهنا التعليل والتفصيل الأول – الدنيوي – للرجس في الخمر، وسنعود إليه لاحقا أدناه، ولكن، وبالرغم من كل هذا، لم يحرمه، بل صرح بكون القليل منه ليس إثما، بقوله بعد ذلك ، انه ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طَعِمُوا بشروط، والشروط ليست سهلة إلا على المحسنين (إِذَا مَا اتَّقَوا وَّآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَّآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوا وَّأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ)، فالأمر كله مربوط بالتقوى!.
وكلمة طعموا – يطعم تم تفصيلها في الجزء الأول من الدراسة، ومفادها في قوله تعالى (وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) أي كمية قليلة! والإستثناء للطعم هنا جاء للقليل منه فقط.
رابعا: في قوله تعالى (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا)، هل في هذا ما يدعونا إلى إدعاء التحريم للخمر؟ الله تعالى يتكلم هنا بعمومية عن الخمر والميسر، وبأن فيهما منافع، وبأن (فيهما) إثم ، وأن هذا الإثم أكبر من النفع، أي هي عملية مفاضلة، تعليمية، لكي نفقه ماهيتهما، بأن الغلو فيهما يؤدي إلى إثم كبير تم تفصيله في آيات أخرى، وعليه، علينا البحث أخيرا عن الإثم في الخمر!
______________
الإثم في الخمر:
كون الشيء يحمل في أسلوب استخدامه بشكل سيء مسيء إثما لا يعني حرمته، فكم من شيء نستخدمه ونستهلكه في حياتنا اليومية، لو اسأنا إستخدامه فسنرتكب آثاما كثيرة، فحتى أبسط الأشياء مثل "الموبايل" – الهاتف النقال – يمكننا أن نستخدمه في نشر الفساد والنميمة وغيرها بشكل سريع جدا! فهل نحرمه بسبب إساءة استخدامه؟! كما فعل كثيرون ممن حرموا التلفاز والإنترنت وغيره!
من هنا، نبحث عما يجعل خمر الدنيا مجلبة للإثم بارتكاب الرجس ، ومن الآيات أعلاه في خمر الآخرة نستنتج ما يتميز عنه خمر الآخرة عن خمر الدنيا، أن في خمر الدنيا عيوب، ومن هذه العيوب التي سأقوم بعكسها – أي اقوم بالحصول عليها بعكس ميزات خمر الآخرة - لكي نصل إليها:
- سبب للعداوة
- سبب للبغضاء
- فيه صد عن الصلاة
- فِيهَ غَوْلٌ
- يُصَدَّعُونَ عَنْهَ و يُنزِفُونَ
- فيه لَغْوٌ وفِيهَا تَأْثِيمٌ
فما معنى الكلمات السابقة؟
الغول نأخذه من المعجم لعدم وجود مورد آخر له في القرآن الكريم وبذلك لا بد أنه من العام من الكلم، فنجد أن مدلول الكلمة هنا هو الذهاب بالعقل وهلاك الشيء، من الإغتيال للشيء، أي أن خمر الجنة لا تذهب العقل ولا تغتاله ولا تهلك شاربه مهما أكثر منه.
يُصَدَّعُونَ وردت في اكثر من مورد في القرآن الكريم، (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ) الروم – 43، (لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر – 21، (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ) الحجر – 94 ، ومنها نرى بكل بيان ان مدلولها هو عدم الإعراض والإنصراف عن الشيء بل الإتجاه إليه والميل إليه رغبةوطاعة وتبعية،أي الرغبة الكاملة للشيء، كما الجبل من خشية الله تعالى متصدعا، أي متجها راغبا اتباعا وطاعة لله تعالى، ويوم القيامة يتجه ويرغب ويعترف ويتبع ويطيع الله تعالى كل الخلق حتى من كفر منهم وجحد به، ومنه نرى، أن اهل الجنة لا يتركون الكأس أبدا ويبتعدون عنه مهما أكثروا منه بل يبقون راغبين فيه مائلين إليه، بعكس أهل الأرض في الحياة الدنيا ممن يتناول الخمر بكثرة ثم يصل إلى مرحلة الإعراض والرفض والإبتعاد عنا حين يثمل من كثرته!
ومما قيل في المعاجم ان الصدع هو الشق إلى نصفين أو جزئين او شق الشيء بحد ذاته، معللين أمر الله تعالى للرسول الكريم بأن يصدع لأمر الله تعالى أي يفرق الأمور بين خير وشر، وهذا من غريب البيان، فالقرآن نفسه هو الفرقان، وليس علينا والرسول إلا إتباعه! وكلمة (فَاصْدَعْ) في الآية أعلاه جاء ما يقابلها من بيان بقوله تعالى (وَأَعْرِضْ)، ومنها بكل بيان نفهم أنه عليه ان يتجه ويرغب بأمر الله تعالى ولا يعرض عنه بل عن المشركين.
أخيرا كلمة ينزفون ولم أجد لها موردا مفصلا في القرآن الكريم وسأبحث عنها مما قيل في المعاجم، فهي لا بد من الشائع أيضا، مما لا يحتاج تفصيلا في القرآن الكريم، وربما هي ما تعودناه من نزيف الدم الذي يؤدي إلى انتهائه في الجسد، ومدلولها عن عدم إنقطاعها وعدم منعهم عنها بقطعها عنهم مهما شربوا منها، أي ان الله تعالى لن يقطعهم عنها ويقطعها ولن ينقطعون هم عنها أيضا حسب الموردين في القرآن الكريم، أي أن خمر الآخرة لا تقطع وتبقى دائمة مهما شربوا منها.
مما رأينا أعلاه، نرى أن كل ما ورد في خمر الآخرة لو عكسناه فسيكون ما تميز به عن عن خمر الدنيا الذي يذهب العقل بكثرته والذي ينقطع وليس بدائم، والذي يعرض عنه حتى شاربه إن أكثر منه ويمل منه وينصرف بعد شربه بكمية كبيرة عنه لا يستطيع الميل إليه او شربه في ذلك الوقت، أي أن خمر الدنيا يوصل شاربه إلى عدم التلذذ به حين يكثر منه، فيشمئز هو نفسه منه ويعرض عنه.
وهذه كلها صفات تأتي (فقط) بالإكثار منه وليس بطعمه. مهما كانت نظرتنا الشخصية للخمر!
الإكثار والإفراط في شرب الخمر له نتائج وخيمة على الذي يتعاطاه، نتائج تؤثر على جسده، وعلى سلوكه، فمن يكثر من الخمر لا بد أنه لن يؤدي الصلاة في وقتها وسيغيب عن الصلاة بكل اشكالها من تسبيح وصلة وكتاب موقوت! وهذا أمر طبيعي، بسبب نومه العميق بعد فقدانه ذاته من كثرة الخمر، ومن أكثر أسباب المشاكل بين البشر هي الخمر عادة، فهي تسبب جذب المشاكل والشتم والأذى مما يؤدي إلى البغضاء والعداوة بين الناس، كل هذا بسبب الإكثار من الخمر وليس بسبب تناول كمية قليلة منه، وهذا أمر لا جدال فيه في كل المجتمعات ، وهذا أمر معلوم عند الغرب كافة، وعند قليل من العرب ممن يتناولون الخمر باعتدال، بغض النظر عن ملتهم، مسيحيون أم مسلمون أم غيرهم!
وبسبب الخمر يكثر اللغط والكلام واللغو، وهذا ما تسببه الخمر، غير الغول أي كمن اغتيل دماغه، فلا يعرف من حوله ولا ما حوله، فيقع في الرجس بسهولة، وكل هذه الصفات تنتج فقط من الإكثار منه وليس من تناوله باعتدال.
خلاصة:
الخمر غير محرم بدلالة كتاب الله تعالى البين المبين لذاته، بل مسموح بالقليل منه إن أحسن الإنسان واتقى، ولكن منهي ومأمور باجتناب الرجس فيه، وهذا كثير الورود وكبير الإحتمال جدا لكل من يتناوله، وهنا نفهم قول الله تعالى حين وعظنا بأن إثمه أكبر من نفعه.
إنتهى.
والله المستعان
ملاحظة: لا حقوق في الطبع والنشر لهذه الدراسة، وإن كنت لم أصل إلى مراد الله تعالى الذي نطمح كلنا إليه –فهو سبب تدبرنا – فعسى أن تصححوا خطاي وأكون لكم من الشاكرين.
مراجع :
* المرجع الرئيسي الأساسي الحق – كتاب الله تعالى – القرآن الكريم
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – قوم النبيّ لم يأتهم نذير من قبل النبيّ – البحث الثالث -3
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – اصل قوم النبيّ – البحث الثاني - 2
في البحث عن الإسلام – في البحث عن النبي – مقدمة في فهم واقعنا بين التاريخ والتأريخ – البحث – 1
في البحث عن الإسلام – مفهوم الأرحام بين التراث والقرءان – ما هي صلة الرّحِم – الجزء الرابع
دعوة للتبرع
عن علم الله : اود في البدا ية أن اقدم لكم جزيل الشكر لهذا...
العبادات والتقوى: س 1 : الغاي ةوالم قصودم ن ...
الاعراض عنهم : في هذا الفيد يو يردون عليكم . بعد التدل يس ...
عن التحيات والتشهد: لدي سؤال مهم للغاي ة يتعلق بالصل اة، ألا وهو...
زى المرأة من تانى : السل ام عليكم ورحمه الله استمع ت وشاهد ت ...
more
الأخوة الأفاضل،
سيتم طرح مقال منفصل قريبا إن شاء الله تعالى في تفصيل الله تعالى في القرآن الكريم لكل الأوامر المستخدمة من نهي واجتناب وتحريم وعدم اقتراب وغيرها، بالإضافة إلى ما فصله تعالى من صفات للأقوال والأعمال والأفعال من رجس ومنكر وإثم وفسق وغيرها.
وذلك بسبب الخلط الكبير في بين الأوامر والصفات المنسوبة للأشياء. وبين كون الشيء بذاته إثما من كونه يحمل الإثم في ثناياه! والتفريق بين الإثم الإسم للشيء الذي بذلته إثم،وما نكتسب من إثم ناتج عن شيء.
وعلى الله قصد السبيل