نساء أفغانستان... "طالبان" تستهدف مصادر رزقهنّ في البيوت
منذ عودتها إلى الحكم في أفغانستان في أغسطس/ آب 2021، راحت حركة طالبان تضيّق الخناق على النساء، وبعد حرمان المرأة الأفغانية من العمل في الدوائر الحكومية، والقضاء على الوزارات المعنيّة بشؤونها، علماً أنّ ذلك كان مصدر رزق للآلاف، مُنعت كذلك من العمل في مجالات من بينها التجميل، والتي كانت تمثّل بدورها مصدر رزق لكثيرات.
وكانت نساء كثيرات يستثمرنَ في مجال التجميل النسائي، ولا سيّما اللواتي لا معيل لهنّ من الأرامل واليتيمات والعزباوات. لكنّ حكومة طالبان أصدرت، في يوليو/ تموز 2023، قراراً بإغلاق مراكز التجميل، ليحرم الآلاف من لقمة العيش في بلد يُصنَّف معظم سكانه تحت خطّ الفقر المدقع.
وتقول الأكاديمية الأفغانية فرزانه فرهاد لـ"العربي الجديد" إنّ "الحرب في أفغانستان حرمت نساء كثيرات من المعيل، بالتالي صرنَ في حاجة إلى العمل بأنفسهنّ"، مشيرةً إلى أنّ "المرأة الأفغانية كانت، في خلال العقدَين اللذَين سبقا عودة حركة طالبان إلى السلطة، قد أحرزت تقدّماً كبيراً في المجالات الرسمية وغير الرسمية". تضيف أنّ حال المرأة كانت جيدة، إلى حدّ ما، كذلك عملت الحكومة حينها كثيراً لمصلحة المرأة، إلى جانب ما قدّمه المجتمع الدولي في هذا المجال، مبيّنةً أنّ التعليم والتثقيف أدّيا دوراً كبيراً في تحسّن حال الأفغانيات.
وتوضح فرهاد أنّه "قبل سيطرة حركة طالبان على البلاد، كان مسؤولون كبار في الحركة يصرّحون بأنّ الحركة غيّرت منهجها، وأّنّها صارت تؤمن بتعليم المرأة ودخولها سوق العمل، مع الإشارة إلى الحقّ بدخول أيّ مجال لا يخالف الشريعة الإسلامية والأعراف الأفغانية. لكنّ الأمور تبدّلت بعد سيطرة طالبان على الحكم، وخابت آمال الأفغان". وتؤكد الأكاديمية الأفغانية أنّ "حركة طالبان صارت تضيّق الخناق أكثر على النساء. وبعدما منعتهنّ من متابعة تعليمهنّ والعمل في الدوائر الرسمية، حظرت عليهنّ مجالات عمل أخرى عديدة من شأنها أن تكفل توفير رزقهنّ ورزق أطفالهنّ وعائلاتهنّ، مع العلم أنّها زعمت في بعض الأحيان أنّ تلك مجرّد إجراءات مؤقتة".
امرأة أفغانية بالبرقع أمام مركز تجميل في كابول بعد عودة طالبان - أفغانستان - أكتوبر 2021 (Getty)
أمام مركز تجميل في أفغانستان بعد عودة طالبان - أكتوبر 2021 (Getty)
وبعدما عمدت هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في سلطة حركة طالبان إلى إغلاق مراكز التجميل في الأسواق، لجأت نساء عديدات إلى فتح أخرى بديلة في بيوتهنّ، بوصفها أكثر أماناً بالنسبة إلى المرأة، إذ لا تدخلها إلا النساء وبأعداد قليلة جداً.
وحاولت أفغانيات الاستفادة من رخص العمل في التجميل التي بقيت معهنّ على الرغم من إجبارهنّ على إقفال محالهنّ، ورحنَ يعملنَ في بيوتهنّ. لكنّ رجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدؤوا في سبتمبر/ أيلول، مستعينين بجهاز الاستخبارات، مداهمة تلك البيوت، واعتقال القائمات عليها في بعض الأحيان، مع مصادرة محتوياتها.
تخبر مولوده خراساني "العربي الجديد" أنّها أرملة ولديها ثلاث بنات وابن واحد، جميعهم متزوّجون. تضيف أنّ "ابني أُصيب بشلل الأطفال عندما كان صغيراً، وقد تزوّج بابنة عمّته وأنجب خمسة أولاد. لكنّه لا يستطيع العمل بسبب وضعه الصحي، لذا تخصّصت زوجته في التجميل وفتحت محلّاً، وقد عملت معها ثلاث نساء من قريباتنا. بعد ذلك، تحسّنت أوضاعنا واشترينا البيت الذي نقيم فيه اليوم في منطقة خيرخانه شمالي كابول، وصرت أنا أهتمّ بأطفالها، في حين كانت هي تجهد نفسها في العمل من الصباح حتى المساء".وتتابع الأفغانية السبعينية قائلة "عند عودة طالبان (إلى السلطة)، خفت على زوجة ابنتي، فيما هي كانت تطمئنني بالقول إنّ طالبان تغيّرت هذه المرّة. لكن في النهاية، أُجبرت على إغلاق المحلّ، وصارت تعمل في مجالها من البيت وحدها، فيما حُرمت قريباتنا الثلاث من العمل". وتكمل خراساني أنّ "النساء صرنَ يأتينَ إلى بيتنا الذي استحدثنا فيه زاوية للتجميل، بكلّ احترام وحشمة. لكنّ ذلك لم يدم، إذ فجأة، في الثامن من سبتمبر الجاري، دَهم رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر البيت، ترافقهم امرأة من الشرطة، ودخلوا إلى غرفة التجميل وجمعوا محتوياتها وأغلقوها. حتى إنّهم كانوا يريدون إغلاق البيت وإخراجنا منه، لكنّني أصررت على ملازمته وفي النهاية أبقونا فيه".
لكنّ مداهمي البيت، اصطحبوا معهم زوجة ابن خراساني، بحسب ما تلفت. وتقول "بعد ساعات، أطلقوا سراحها. فقد توجّه أقارب لنا من كبار السنّ إلى مركز الشرطة وقدّموا ضمانات لرجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعدم مزاولة زوجة ابني العمل من جديد، ووقّعوا على ذلك"، مع العلم أنّ "العمل في التجميل وصفه رجال طالبان بأنّه جريمة".
ولا تخفي خراساني أنّ "همّي الأوّل الآن هو تأمين رزقنا، وتوفير لقمة عيش للأطفال. نحن ثمانية أفراد في البيت؛ ابني من ذوي الإعاقة وزوجته ممنوعة من العمل، فيما ثمّة خمسة أطفال صغار وأنا كبيرة في السنّ. بالتالي لم يتبقَّ أمامي إلا الخروج والتسوّل في الأسواق، كذلك الأمر بالنسبة إلى زوجة ابني والأطفال". وتشرح أنّ "هذا الأمر مسموح للنساء والأطفال، بما في ذلك الفتيات، لكنّ العمل ممنوع حتى لو من داخل البيت"، وتردف باكية "هذه عقلية عجيبة".
اجمالي القراءات
20